بدءا، ما أعنيه بالدراما البديلة ليس المصطلح المتداول عبر الميديا حول ما يسمى السينما البديلة أو المسرح البديل، إنها الدراما الحية، التي تبث على مدار الساعة باللحم الحي والذخيرة الحية، حيث لا حاجة إلى لون أحمر يشبه لون الدم أو حرائق ودخان وأطلال هي بمثابة حيل بصرية.
فالمسلسل الدرامي العربي الذي تجاوزت حلقاته المئة بعد الألف أبطاله مجهولون، والفارق فيه محذوف بين البطل والكومبارس، ويصبح هذا الركام من المسلسلات الموسمية المطبوخة على عجل أمامه مجرد مشاهد يقدمها هواة، فما كان متخيّلا عن القتل والقبور الجماعية والأجساد المفخخة أصبح واقعا، بل فاض عن الواقع ليتحول إلى خيال أسود، فالكابوس متصل وعابر للتقاويم والحدود أيضا، حيث لا جغرافيا لهذه الدراما التي لم يعلن بعد اسم السيناريست الذي أعدّها,
فيما مضى كان المسلسل أو الفيلم التلفزيوني الذي يقدم مشاهد مُتباعدة من الدّم، يحتاج إلى تقنية تحتال على المشاهدين، بحيث يصدقون لبعض الوقت أن ما يرونه هو واقع بالفعل، لكن ما إن اندفع التاريخ إلى أقصى توحشه حتى أصبحت كل الحيل البصرية متواضعة، بل مكشوفة، لأن الأصيل طرد الشبيه من المدار، فالدم يرشح من الشاشات كلها، والاستغاثات ليست مجرد أداء تمثيلي، أما الدموع فلا حاجة إلى أي سوائل تنوب عنها.
ولا أظن أن مسلسلا مهما بلغ من التطرف في العنف قدم مشهدا يطلب فيه أحد المسلحين من زميله أن لا يطلق النار على رأس الضحية، لأنه يريد القبعة التي ترتديها غير مثقوبة، مما يضطر القاتل إلى مضاعفة عدد الرصاصات التي أطلقها على بقية الجسد!
وحين كتب انطون آرتو عن مسرح القسوة واصدر مانفستو يبين فيه ما يعنيه بالقسوة، لم يكن يعلم أن المستقبل يتولى إعداد مسرح واقعي تصبح فيه صفة القسوة بالغة النعومة، بل بالغة التواطؤ، لأنه مسرح إبادة جماعية، وقتل تتحول فيه ياء النسبة إلى أداة انتحار.
ومن لا يفهم ما كان يعنيه أرنست فيشر في كتابه «ضرورة الفن» حين قال إن الخيال واقع مركز، عليه الآن أن يعيد النظر، لأن القرائن ووسائل الإيضاح تتيح حتى للأعمى أن يرى، بأذنيه وأصابعه وقدميه، فالموسيقى التصويرية في الدراما العربية البديلة لها سلم موسيقي من طراز مغاير تماما، إنها أصوات الأسلحة التي يجري تجريبها في بشر جرائمهم هي أنهم ولدوا في هذا المكان أو ذاك، لكن في هذا الزمن بالتحديد.
إن عدد القتلى الذين ينسب قتلهم إلى مجهول أصبح يتطلب قيامة عاجلة، فمن ولدوا واحدا بعد الآخر يدفنون معا، لأن الموت يحولهم إلى توائم، لهذا كم تبدو المسلسلات الموسمية خلال هذه الأعوام شاحبة وكاذبة، ويقدمها هواة إذا قورنت بالمسلسل الطويل الذي حمل عدة أسماء مضللة، منذ انفجر المكبوت العربي من خلال ستة براكين على الأقل، آخرها وربما الأقل لهبا منها هو البركان السياسي، فالمكبوت نفسي وتربوي وطبقي وجسدي وله فائض يستعصي إحصاؤه على أذكى الحواسيب، لأنه أشبه بمديونيات تراكمت وأضاف إليها التاريخ نسبة باهظة من الربا.
في السينما البديلة وفق المصطلح المتداول الآن ثمة اختلاف في السيناريوهات ومغامرة الإخراج، وعصيان على كل ما هو تقليدي في تاريخ هذا الفن. لكن الدراما القومية البديلة أكثر من ذلك لأنها انقلابية بامتياز، وما من سبيل لفك الاشتباك فيها بين الكابوس والمشهد الواقعي، وهناك من يتدربون على إصابة أهدافهم على بشر بدلا من الألواح الخشبية والزجاجات .
وشخوص هذه الدراما بلا أسماء، إنهم رقم فقط، حيث لا يوجد متسع من الوقت حتى في الفواصل الفضائية لذكر أسماء ستين تحولوا إلى رماد في سوق شعبي أو مأتم أو حفلة زفاف.
وأضافت هذه الدراما إلى مصطلح الجندي المجهول في الأدبيات العسكرية مصطلحا آخر هو القتيل المجهول، لكن الدراما لم تنته بعد، بحيث يشيد صرح رمزي لهذا الآدمي المجهول، ومن قالوا إن شر البلية ما يضحك اختصروا من حيث لا يعرفون هذه الدراما، لأنها تراجيكوميديا ضاعت فيها الحدود بين الضحك والبكاء وبين سحابة الدخان والغيمة.
ويكفي للمشاهد العربي أن يقارن خلال أقل من دقيقة بين مسلسل تلفزيوني ملفق من عصير التوت الأحمر وقطرات الماء العذب الذي يخلو من ملوحة البكاء وبين مشاهد حية تقدمها الفضائيات، حيث أصبح المشبه به مشبَها، والمتخيل مرئيا ومشموما ومسموعا، حيث لا حاجة إلى المكياج والتقمص والتلاعب بالحركات والإيماءات…
لقد افتضحت الدراما الحية البديلة تلك التي حاولت محاكاتها، وعلى السيناريست مهما بلغ من المهارة أن يراجــــع نفسه ويتعـــــلم من السيناريست المجهول الذي تولى منذ بضـــــعة أعوام كتابة دراما بديلة، فيها أعداد هــــائلة من الشهداء وندرة مهــــددة بالانقـــراض من الشهود.
٭ كاتب أردني
خيري منصور
دراما نعم ،دراما لا .
لقد أصبحت الدراما بحق ديوان العرب الجديد ، الشعر ، ثم الرواية ، ثم اخيرا الدراما التلفزيونية ، بما تسجل الدراما من احداث ، ورصد للتغيرات تحدث في المجتمع ، واستشراف المستقبل ، وغدت مصدرا معتبرا من مصادر المعرفة ، ومكون رئيس لتشكيل العقل الجمعي ؛ من هنا اجد من المغالطة المنطقية ان نترك الدراما لنقدتها الفنيين الذين يركزون جل تقدمهم على الجوانب التقنية للدراما ، لذا لابد من استخدام النقد الثقافي للدراما . بمعني موجز أي التركيز على القيم ، والأفكار ، وربطهما بحركة المجتمع . لما للدراما من وقع كبير في مجتمع مازالت الامية فيه ضاربة بجذورها في ارضه .
ساكتب رسالة الى الاخ خيري منصور ــــ الكاتب في جريدة القدس العربي ــــ
واتمنّى عليه ان يكتب عن الاردن ويطالب فيه
شعب الاردن باحزابه ومثقفيه ان
ــــ يكتبوا دستورا جديدا للبلاد
فيه يحدّدوا صلاحيّات الملك … وان تجاوزها متعمّدا فمن حقّ الشّعب ان يعيّن ملكا جديدا
وفي الدستور الجديد تُلغى معاهدة السّلام مع العدوّ الاسرائيلي