مثّل فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حدثاً بارزا داخل تركيا والإقليم وفِي عواصم عالمية أخرى. كان السباق محموماً على تركيا وفيها وإليها دخلياً وخارجياً.
أوروبا التي لا تكن وداً لأردوغان وقفت حائرة بين حاجتها لتركيا ورغبتها في التخلص من حضور أردوغان، حاجتها لصد موجات المهاجرين واللاجئين إليها، ورغبتها الخفية في التخلص من رئيس تركي لم يعد مكترثاً بالبقاء طويلاً أم أبواب الاتحاد الأوروبي الذي لم يفتح لتركيا منذ تأسيسه.
جولة على عناوين ومضامين الصحف في برلين ولندن وباريس وفيينا، تكشف عن تزايد القلق من تشكل «ديكتاتور» بطريقة ديمقراطية. أما الصحافة الإسرائيلية فتحدثت في الأخبار والمقالات عن «هتلر تركي» جديد، وبشّرت الإسرائيليين بأن علاقات أنقرة وتل أبيب لن تعود إلى سابق عهدها،الذي كانت عليه قبل مجيء «السلطان أردوغان» إلى سدة الحكم، وأن على إسرائيل أن تتعايش مع فترة مقبلة يستمر فيها نظام أردوغان، ولكن بسلطات واسعة للرئيس التركي، ضمنها له الدستور الجديد الذي أتاح التحول إلى النظام الرئاسي، والذي بموجبه سيتمكن أردوغان من تعيين نصف قضاة المحكمة العليا، وسيكون مطلق الصلاحيات في تعيين وعزل قيادات المؤسستين العسكرية والأمنية، إلى غير ذلك من الصلاحيات الواسعة.
المعارضة التركية الضعيفة أصلاً حاولت ضخ المزيد من الدماء في عروقها الجافة عن طريق الزج بمرشح رئاسي قوي نسبياً، بدلاً من المرشح التقليدي لها، الذي انهزم هو وحزبه أمام أردوغان وحزبه مرات عديدة.
جاء محرم إنجي، واستطاع بشكل لافت تحريك البحيرة الراكدة، امتلك قدرات خطابية لافتة، استطاع عقد مهرجانات انتخابية متلاحقة، وكان يحضر أحياناً ثلاثة مهرجانات في اليوم الواحد. عزف إنجي على وتر اللاجئين السوريين لإحراج خصمه أردوغان، توعد بإعادتهم إلى سوريا، وهو ما أكسبه بعض الدعم لدى شارع تركي عانى من ضغط اللاجئين لسنوات طويلة. استطاعت المعارضة اقتباس تكتيكات أردوغان الانتخابية، وعمدت إلى اصطياد ما تراه أخطاء وتناقضات وقع فيها أردوغان، من خلال عرض مقاطع من لقاءاته وتصريحاته، على شاشات ضخمة، أثناء عقد المهرجانات الانتخابية للمعارضة، لإضعاف موقف أردوغان والطعن في مصداقيته.
وبسبب نجاح إنجي في التحشيد الجماهيري، وصعوده السريع أثناء المهرجانات الانتخابية، ولقدرته على إثارة غضب أردوغان في أكثر من مرة، كانت استطلاعات الرأي تقلل من فرص أردوغان في حسم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لصالحه، وكان السيناريو الأقرب للتحقق حسب الكثير من تلك الاستطلاعات يتمثل في حسم أردوغان للانتخابات الرئاسية، وتغلب المعارضة على أغلبية المقاعد في البرلمان التركي، بعد توحدها في جبهة واحدة.
وخلال الفترة التي سبقت الانتخابات، وإبان فترة المهرجانات الخطابية، عانت الليرة التركية من تداعيات خطيرة، بعد أن تدهور سعرها بشكل مخيف أمام العملات الأجنبية، وهو الأمر الذي أرجعه أردوغان وحزبه إلى «مؤامرة خارجية» تستهدف ضرب الاقتصاد التركي للتأثير على الانتخابات لصالح المعارضة، وضد أردوغان، وهو ما كانت المعارضة تصر على دحضه، وتقول بأن سبب تدهور سعر الليرة يرجع إلى الفساد، والسياسات الاقتصادية الفاشلة لحكومة أردوغان.
ومع كل تلك العوامل التي تصب في صالح المعارضة، إلا أن ما حدث كان بالفعل صادماً لأحزاب المعارضة المشكلة من: حزب الشعب الجمهوري، والحزب الجيد، وحزب السعادة الإسلامي، وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد.
استطاع أردوغان حسم الانتخابات الرئاسية، وحاز الأغلبية البرلمانية بتحالفه مع حليفه حزب الحركة القومية بزعامة دولة بهتشيلي، حسب النتائج غير الرسمية للانتخابات، وأقر أبرز منافسي أردوغان بهزيمته في الانتخابات. يقول بعض المتابعين للشأن التركي إن أسباب فوز أردوغان وحزبه ترجع إلى عوامل عدة داخلية وخارجية. ويؤكدون أن خوف المواطن التركي من الدخول في مرحلة من عدم الاستقرار السياسي بإضعاف أردوغان ربما تؤثر على الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد،هذا الخوف كان عاملاً مهماً في دفع الناخبين إلى تفضيل خيارات أردوغان وحزبه، ثم إن الدعاية الإعلامية الخارجية المضادة لأردوغان انعكست، في ما يبدو، لصالحه، وهذا يحدث عند مرور البلدان المعنية بتحديات خطيرة، تماماً، كما صبت تهديدات زعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن للأمريكيين إن هم أعادوا انتخاب بوش الابن في صالح الرئيس الأسبق.
إضافة إلى أن رصيد اردوغان من النجاحات الاقتصادية كان له دور في تحديد نتائج الانتخابات، رغم ما أصاب الاقتصاد التركي من ضعف في الأداء خلال السنوات الأخيرة، كما كان للحضور الطاغي لشخصية أردوغان الكاريزمية دور فاعل ليس على أدائه كمرشح رئاسي وحسب، ولكن على أداء حزبه في الانتخابات البرلمانية.
يضاف إلى ذلك أنه على الرغم من محاولات إنجي للعزف على الوتر الديني لكسب أصوات الشرائح المتدينة، إلا أنه بدا مضحكاً عندما قال بأنه حتى إن كان لا يواظب على الصلوات الخمس، لكنه يؤدي صلاة الجمعة بشكل مستمر، في دعاية استغلها حزب العدالة والتنمية ضد إنجي، الذي انهالت عليه السخريات التي استفاد منها أردوغان.
يضاف إلى ذلك أن الشريحة المتدينة لدى الأكراد أعطت أصواتها لصالح أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وهذه الشريحة تقدر بـ10% من أصوات الناخبين الأكراد، ناهيك عن أصوات القوميين الأتراك التي كسبها أردوغان وحزبه بتحالفه مع دولة بهتشيلي.
بقيت الإشارة إلى أن فوز أردوغان كان الأصعب ضمن نجاحاته السابقة، وهو ما يؤشر إلى أن المعارضة، وإن لم تفز هذه المرة، إلا أنها وضعت في ما يبدو قدمها على مسار صحيح وإن كان طويلاً، إلا أنه ربما يؤهلها لمنافسة وربما إقصاء حزب العدالة عن تصدره، ما لم يسع أردوغان والحزب إلى التغلب على العقبات في الطريق، وهي عقبات تتعلق بأمن ومعيشة المواطن التركي الذي منح أردوغان وحلفاءه تفويضاً لحكمه لسنوات مقبلة.
وفِي هذا السياق، سيكون على أردوغان وضع المؤسسة مكان الشخصية، والعمل المؤسسي محل الكاريزما، الأمر الذي يتطلب إبداء مرونة أكبر لإتاحة الفرصة للرؤى المختلفة داخل الحزب وخارجه، ضمن إطار مؤسسي يفصل بين الأشخاص والمؤسسات، بما يمكن لسيادة دولة القانون لا الفرد.
ومهما يكن من أمر فإن نجاح أردوغان لا يتمثل في فوزه في الانتخابات الرئاسية، وفوز حزبه وحلفائه في الانتخابات التشريعية وحسب، ولكن يتجسد في تكريس قيم ديمقراطية تكون فيها منافسة حقيقية في أجواء ملائمة، على الرغم من الحديث عن قمع المعارضين، الذين يتحدث أنصاره عن أن سجنهم لم يحل بينهم وبين ممارسة حقهم الديمقراطي في التصويت.
أما العرب فعليهم بدلاً من الانقسام حول أردوغان أن يتعلموا من الدرس التركي، وأن يدرسوا خياراتهم في نسج العلاقة العربية مع تركيا خلال السنوات المقبلة.
كاتب يمني من أسرة «القدس العربي»
د. محمد جميح
في بلادنا العربية فان هامش الحرية المتاح والذي يكاد يكون وحيدا هو في تشجيع فريق كرة القدم او النادي. ولعل هذا يمكن ان يؤخذ اساسا للدراسة. فالطبيعي ان اي فريق او نادي لا يحظى بنسبة 90% او حتى 65% بل ان الناس تنقسم بين ناديين او اكثر اشهرها اليوم الاهلي و الزمالك في مصر او الوحدات و الفيصلي في الاردن و الترجي و الافريقي في تونس الخ..
نسبة +50% هي التي تعطي الانتخابات مصداقيتها
و للتذكير فان الانتخابات الحرة العربية ادت الى فوز مرسي في مصر بنسبة 52% في عام 2012 و فوز السبسي في تونس بنسبة 55% في عام 2014
نهنيء أنفسنا كعرب ومسلمين بفوز أردوغان وحزبه في الإنتخابات الاخيرة ليس من ناحية إديولوجية هذا الحزب ذو المرجعية الإسلامية لكن لانه يستأهل هذا الفوز الذي اتى عن جدارة واستحقاق نظرا للمجهودات الجبارة المبدولة والتي جعلت تركيا تتطلع لكي تصبح من الدول الأروبية المتقدمة ومن ناحية السياسة الخارجية فقد ساند أردوغان كل القضايا العربية وتعاطف معها بشكل كبير وناصر ثورات الربيع العربي وهاجم بعض الديكتاتوريات العربية كالإنقلاب العسكري على الرئيس المنتخب مرسي واستقبل المعارضين منهم بما فيهم الإخوان مانحا لهم كل أشكال الدعم من حرية التعبير وغيرها.إذا كان ممن يتهم أردوغان بالدكتاتورية لأنه سجن الآلاف من الناس لمحاكمتهم فلأن ذلك راجع لضلوعهم في الإنقلاب العسكري الفاشل فهذا من حقه من أجل أمن بلده واستقراه ومستقبله على الأقل هو ليس كبعض الأنظمة العربية التي تقتل وتعذب من في سجونها منهم أبرياء بدون محاكمة عادلة .زد على ذلك فقد وصل إلى السلطة بشكل شرعي ووضع فيه الشعب التركي كل الثقة لكي يمارس سلطاته وهذا الشعب هو المخول الوحيد لمحاسبته عند أي شطط أو أخطاء في ممارسة هذه المهمات.
فوز أردوغان برئاسة واسعة السلطات واكتساح حزب للبرلمان ستكون تكليف وليس تشريف وستزداد الضغوطات منالمعارضة وكل ذلك ستجعل السلطة الحاكمة في بذل مجهودات أكبر للزيادة في نمو البلد واسقراه من الناحية الإقتصادية والإجتماعية والعلمية في السنوات المقبلة
والنجاح في مواجهة هذه التحديات لكي يكون عند ثقة الشعب التركي ويثبت أن تركيا أصبحت رجلا صحيحا معافى وليس كما توصف من الدول الغربية بالرجل المريض.المهم كيف ما كان الحال فتركيا هي التي ستظل رابحة بهذا المكتسب التي حققته وهي الديموقراطية أما الزعماء فسيرحلون يوما ما إما عن هذه الدنيا أو عن مقاليد السياية والتاريخ هو الذي سيحكم ويقيم ولعل أردوغان ستضل بصماته واضحة بتركيا كزعيم وطني استطاع أن يخرج البلد العثماني من عنق الزجاجة.