الأيام القليلة الماضية تُسجل بماء الذهب في سجل تاريخ الشعب الفلسطيني، وسجل نضاله الطويل، ورغم أن الانتفاضة الفلسطينية في عام 2000 كانت بدافع المسجد الأقصى، وبسبب الاعتداء عليه واستمرت بعد ذلك لسنوات، إلا أن انتفاضة الأيام الـ14 التي مرَّت كانت «معركة سيادة» غير مسبوقة تتعلق بالمسجد الأقصى.
ثمة الكثير من الدروس والعِبر والمشاهدات، مما استطاع الفلسطينيون تسجيله خلال الأسبوعين الماضيين، اللذين كانا حافلين بالصلوات التي أقامها عشرات آلاف المحتجين حول الحرم القدسي الشريف، من أجل الاحتجاج على إجراءات الاحتلال وحماية المسجد الأقصى، وإبطال إجراءات فرض السيادة والهيمنة الاسرائيلية عليه، ومن بين هذه الدروس:
أولاً: الاستنفار الفلسطيني في الداخل، والعربي في الخارج، من أجل نصرة المسجد الأقصى، وعودة قضية القدس سريعأً إلى واجهة الاهتمام العربي تعني بأن المسجد الأقصى خط أحمر لا يقبلُ أي عربي أو فلسطيني المساس به، وأن الهم الداخلي العربي لا يمكن أن يشغل العرب عن القضية المركزية الأولى.
ثانياً: هذه هي المرة الأولى التي يخوض المقدسيون معركتهم وحدهم مع الاحتلال، بمعزل عن الضفة الغربية وقطاع غزة، ويلتزمون بسلمية الاحتجاج أمام الرد الاسرائيلي العنيف، الذي أدى الى سقوط عدد من الشهداء، وهو ما يعني أن المحاولات الاسرائيلية لعزل القدس عن محيطها وحاضنتها، وإن كانت قد نجحت جزئياً وفي بعض الأحيان، إلا أن صمود المدينة وأهلها لا يزال رادعاً لإجراءات الاحتلال، كما أن الفلسطينيين داخل الخط الأخضر يشكلون حاضنة مهمة للمقدسيين، الذين يتولون حماية المسجد الأقصى، وهو ما يعني في التحليل الأخير أن اسرائيل لم تنجح حتى هذه اللحظة في الاستفراد بالمدينة المقدسة، وإعادة تشكيلها والسيطرة عليها بشكل كامل.
ثالثاً: مشهد الوحدة الوطنية الفلسطينية الذي تم تسجيله في مدينة القدس، خلال انتفاضة الـ14 يوماً، كان أسطورياً بكل معنى الكلمة، فالمسيحيون شاركوا المسلمين في صلاة الجمعة صفاً واحداً، والتقطت بعضهم كاميرات التصوير، وكانوا يؤدون صلواتهم ليلاً ونهاراً مع المعتصمين حول المسجد الأقصى. وفي الوقت ذاته فقد غابت كل أعلام الفصائل الفلسطينية، لأن الفصائل ذاتها في واقع الحال كانت غائبة عن المشهد، لينتهي المشهد أخيراً برفع العلم الفلسطيني – ولا شيء غيره- على المسجد الأقصى، في انتصار تاريخي لفلسطينيين عُزل لم يتلوثوا بالسياسة، ولم يغرقوا في مشهد السباق الحزبي الذي بات مقرفاً في كل مناسبة وطنية تنعقد في الضفة وغزة أو حتى في مخيمات الشتات.
رابعاً: أثبتت معركة الأقصى أن الشعب الفلسطيني قادر على تجاوز الخلافات الفصائلية والمناكفات الحزبية، وقادر على التحرك بدافع ذاتي في الأزمات والطوارئ، ما يعني أن الفلسطينيين لا حاجة لهم بحركة فتح ولا حركة حماس ولا غيرهما من الفصائل، فإما أن تقوم هذه الفصائل بدورها الوطني والشعبي المطلوب وتتصالح من أجل خدمة الشعب الفلسطيني، وإلا فإن شعبنا سيتجاوزهم؛ فالفلسطينيون موجودون قبل هذه الحركات وقبل هذه الفصائل وسيظل موجوداً بعدها.
خامساً: أثبتت معركة الأقصى الأخيرة أن صمود المقدسيين ووجودهم في بيوتهم ربما يكون الأهم في الصمود الفلسطيني الجمعي المستمر منذ 69 عاماً، حيث أن أهل القدس ومعهم فلسطينيو الخط الأخضر هم المرابطون في الصفوف الأولى، وذلك رغم مرور السنوات، ورغم تبدل الأحوال، ورغم التهميش الذي عانوا منه طوال العقود الماضية.
سادساً: لم يعد للأنظمة العربية أي مكان في القدس المحتلة، فلم تنجح هذه الأنظمة حتى في عقد اجتماع لمجلس الجامعة العربية، ولم تُصدر حتى بيان إدانة لينضم الى القائمة الطويلة من بيانات رفع العتب التي تصدر عن وزراء الخارجية العرب، فالأنظمة العربية لم يعد يعنيها القدس ولا فلسطين ولا الضفة ولا غزة ولا اللاجئين ولا كل ذلك، وإنما هي معنية بمصالحها الضيقة والعابرة وتأمين حكامها من أجل بقائهم في السلطة وجلوسهم على الكراسي.
هذه مجرد دروس قليلة من اعتصام المسجد الأقصى والرباط حوله طوال 14 يوماً، أما الأهم من ذلك كله فهو أن فلسطين ما زالت بخير، والقدس ما زالت بألف خير، وأن ثمة شعب فلسطيني قاوم التهجير طوال الـ69 عاماً الماضية من أجل أن يقوم بواجبه في هذه اللحظة التاريخية، وبعد ذلك فمن شاء من أمة العرب أن يؤمن فليؤمن ومن شاء أن يكفر فليكفر، ومن شاء أن يقول لشعب فلسطين «إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون».. فليفعل ذلك.
كاتب فلسطيني
محمد عايش
تحيه لك أستاذ عايش على أبراز هذه العبر والدروس من هبه أو مهرجان الأقصى (بما أن عواصم ومدن العرب أنشغلت بالمهرجانات هذه الآيام).
اللافت أن الأعلام السعودي أرجع الفضل في هذا النصر إلى تدخل القياده السعوديه،،،والإعلام الأردني أرجع النصر للتدخل الملكي على خلفيه حادثه السفاره في عمان والكثير من أدعى (وصلا بليلى) ظلما وعدوانا،،،وكل ذلك من أجل خطف النصر والتقليل من شأن الشباب الذين أجبروا الاحتلال على التقهقر والتراجع..
حتى في هذه يستكثرون على أهلنا النصر للتغطيه على فشلهم الذريع وخياناتهم التي لا تنتهي.
الله المستعان