دعوة إخوان الجزائر لتدخل الجيش خطأ سياسي كبير

حجم الخط
22

دعا عبد الرزاق مقري، رئيس «حركة مجتمع السلم» (أو «حمس» اختصارا) في الجزائر (الذي يعتبر التنظيم السياسي الإخواني في تلك البلاد) إلى تدخل الجيش في الوضع السياسي، وذلك على خلفية الأزمة الحاصلة في البلاد، مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، وانحسام قضية ترشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لولاية خامسة، وكذلك على خلفية الهزة التي أثارها انكشاف صفقة تهريب مخدّرات (كوكايين) كبرى، أطاحت بالمدير العام للأمن الوطني الجزائري عبد الغاني هامل بعد تصريحاته التي وجهت اللوم إلى مراكز الفساد في السلطة.
تتنافى هذه الدعوة مع تراث الحركة الإخوانية، لا في الجزائر فحسب، بل في كل العالم العربي، وكان اعتماد الحركة للنضال المدني داخل آليات المجتمعات التي تعيش فيها، مناط تجاذب ونقد شديدين، بينها وبين تيارات الإسلام السياسي المتطرّفة، التي خرج بعضها من داخل الحركة، وتحوّلت، نتيجة عناصر كثيرة بينها قمع الأنظمة الدمويّ للإخوان أنفسهم، إلى حركات جهادية تكفّر الأنظمة والإخوان معاً.
وكما استخدمت الأنظمة المستبدة انبثاق بعض التنظيمات السلفيّة المسلّحة والمتطرّفة من الإخوان حجّة عليهم، وحاولت على مدى عقود لصق تهمة «الإرهاب» على تنظيمهم، فإن بقاء اتجاهات كبرى من الإخوان المسلمين متمسكة بالنضال السلميّ، ومؤمنة بأن التحوّلات الديمقراطية ستصبّ في صالحها (وهو ما رأيناه في بلدان عربية كثيرة بينها مصر وتونس والمغرب والأردن)، حصّنها إلى حدّ كبير من نزعات أنظمة الطغيان العربي إلى اقتلاع الحركة واستئصالها اجتماعيا وسياسيا، كما أفشل دعوات هذه الأنظمة المستمرة منذ ستينيات القرن الماضي إلى وصمها بالإرهاب، وخصوصاً بعد الانقلاب العسكريّ في مصر، والتمويل الإماراتي الهائل لحملة الإبادة المنظمة للإخوان في مصر واليمن، ومحاولات البطش الكبير بهم في باقي البلدان العربية.
على هذه الخلفية التاريخية الطويلة، التي بدأت مع علاقة ثورة الجيش المصري عام 1952 الكارثية مع الإخوان، ومروراً بسنوات الثمانينيات الدامية في سوريا والتي شهدت مجزرة حماه عام 1982، ووصولا إلى الموجة الجديدة من المجازر في مصر بعد استلام الرئيس عبد الفتاح السيسي للسلطة عام 2014، تبدو دعوة عبد الرزاق مقري نافرة وتناقض المنطق السليم، من جهة، وتراث الحركات الإخوانية في علاقتها التراجيدية مع الجيوش وأجهزة الأمن العربية، من جهة أخرى.
تؤشر الدعوة إلى تدخل الجيش لكسر التوازنات السياسية في البلاد إلى إحساس بوصول الاستعصاء السياسي مدى كبيرا، لكنها تؤشر أيضا إلى ضيق نفس سياسي يحاول أن يلجأ إلى أسهل الحلول عبر دعوة الجيش إلى انتزاع السلطة، رغم أن التركيبة العسكرية للجيش غير قادرة على التعامل مع مجتمعاتها إلا عبر الأوامر الفوقية والتسلّط، وتسودها عقلية تضيق بأي نشاط سياسي لا يتلقى الأوامر منها، وهو ما نرى تجلياته الفاضحة فيما يحصل في مصر الآن، فبعد إلغاء المجال السياسي واحتكاره على يد السلطة العسكرية الحاكمة، تحوّل البرلمان إلى جهاز كاريكاتوري للبصم على القوانين القمعية، وصار عاديّا لرئيس البرلمان أن يهدد أي نائب أو كتلة نيابية تبدي قليلا من التمنّع أو المعارضة بالطرد من البرلمان، كما لو أن انتخابهم كان هبة من السلطة العسكرية تسلبها أو تمنحها حين تشاء.
لا يحتاج مقري للعودة إلى صفحات التاريخ فكل ما يجري الآن على الساحات العربية يوضّح المآل الواضح لظاهرة تحكم العسكر بالسلطة، وإذا كان الوضع الجزائري مثيراً للأسى مع سيطرة مجموعة متحكمة صغيرة من السياسيين المقربين من الرئيس، ورجال الأعمال المقربين منهم، فإن سيطرة الجيش ستكون إنهاء لكل أمل يمكن للجزائريين أن يأملوه في التغيير.

دعوة إخوان الجزائر لتدخل الجيش خطأ سياسي كبير

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أ.د/ غضبان مبروك:

    ذلك الانزلاق ترتب عنه تراجع رهيب على كل المستويات ومرة أخرى بتنا أمام مقولة “خطوة الى الأمام من أجل خطوتين الى الوراء” بدلا من خطوة الى الوراء من أجل خطوتين الى الأمام.. فالربيع الجزاري لعام1991 تحول الى شتاء ولايزال هذا الشتاء رابضا على الأمة بل هو اقسى من الشتاء من حيث الجمود والتخلف. ومنه، فان دعوة الزعيم الحمسي الاخواني انما هي دعوة تندرج في اطار اليأس من حل الصراع حضاريا وسلميا ودستوريا والقفز على الحل العسكري باعتباره آخر ما تبقى في البلد ان من حيث القدرة أو المصداقية. نعم الاخوا عبر التاريخ هم وقود الحراك ولكن في كل مرة يتحولون الى رماد مما جعلهم لايخرجون عن الداءرة المغلقة. فهل يعتزلون السياسة أم يبقوا مجرد غطاء وديكور تظهر به النظم انتمائها الديني ليس الا؟ هل يشاركون في الحكم وهو بعيد عن معتقداتهم وتصوراتهم وطموحاتهم أم انهم يتبرؤون من السلطة والمشاركة ويتركون الساحة لمن يريد؟ ولكن من الذي سيملأ الفراغ الذي يتركه هؤلاء: هل العسكرأم غيرهم؟ هنا مربط الفرس كما يقول المثل العربي.هل ابتعاد السلطة الدينية يساعد على احلال السلطة المدنية محلها وبهكذا تحل الاشكالية أم أن السلطة العسكرية لن تزيد الا قوة وتشبثا بالحكم لأن اصل التفكير العربي لايخرج عن كونه تقكير عنفي لاتسامحي بل واقصائي. تفكير”أنا وبعدي الطوفان” أو بالعبارة القرآنية تفكير لاأريكموا الا ما أرى.”
    تلك هي قصة السلطة التي عبر عناها العلامة ابن خلدون بالسلطة العصبوية المبنية على القبلية وليس المدنية مما جعلها لا تستطيع التأقلم مع محيطها أو مع الآخر والغرب يشجع بقاء التخلف بل والمزيد منه لأنه المستفيد الأول من ذلك. فالغرب يريد ان لاتلتقي الدمقراطية مع الانسان العربي. فالديمقراطية التي حق من حقوق الشعوب تتحول عندما تصل الى العرب الى لاحق وتتحول الديكتاتوري الى قدر لايمكن رفضه كما هي العولمة قدر مفروض علينا. فكل ما تفتقت به عبقرية العلماء والمفكرين- من ديموقراطية والتداول السلمي على السلطة والفصل بين السلطات او تشارك السلطات ومن دولة القانون- لامكانة له عند العرب اما لأن العرب لايستحقون أن يعيشوا في كنف الدموقراطية أو أنالدموقراطية تتنافى وطبيعتهم التسلطية.الدموقراطية

    1. يقول لخضر جامعي:

      صدقت استاذنا، العقل السياسي الجزائري، لصيق بمفردات الغنيمة، والعصبية، بكل تجليات ازمة بناء مجتمع في بعدها العام

  2. يقول قربوغة صالح / الجزائر:

    الجيش الجزائري أنهى كل أمل في التغيير مند إنقلاب 1992 بعد فوز الجبهات الثلاث : جبهة الإنقاد الإسلامية وجبهة التحرير الوطني وجبهة القوى الإشتراكية ..تم إلغاء المجال السياسي واحتكاره على يد السلطة العسكرية بمباركة من إخوان الجزائر وعلى رأسهم حمس نحناح .. فهم عبارة عن هبة من السلطة العسكرية لكسر التوازنات السياسية التي أفرزتها إنتخابات 1992 .. دلك لأنهم تعودوا أسهل الحلول عبر دعوة الجيش إلى إنتزاع السلطة ممن ملكها شرعا وتسليمها لمن لايستحقها ؟

  3. يقول مصطفى:

    لا تتعجب ياخي متى كان الجيش بعيدا عن السياسة الاستاذ مقري يقول للجيش بضاعتكم كسدة غيروها

  4. يقول ع.خ.ا.حسن:

    

    بسم الله الرحمن الرحيم. رأي القدس اليوم عنوانه
    (دعوة إخوان الجزائر لتدخل الجيش خطأ سياسي كبير)
    مع ان اهل مكة ادري بشعابها الا ان دعوة رئيس حركة مجتمع السلم (حمس) ،عبد الرزاق مقري لا مبرر لها مهما ظهر من فساد وبطش وديكتاتورية السلطة القائمة،والتي هي بالاساس وارثة حكم فساد العسكر في الجزائر.،وربما يكون {انحسام قضية ترشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لولاية خامسة، وكذلك على خلفية الهزة التي أثارها انكشاف صفقة تهريب مخدّرات (كوكايين) كبرى، أطاحت بالمدير العام للأمن الوطني الجزائري عبد الغاني هامل }
    وعلى العموم فان دعوة مقري العسكر للتدخل في الجزائر هي الشذوذ وليس القاعدة، لان الحراك لتأصيل وتعزيز ديمرقراطية
    الصناديق الحرة والنزيهة يصب في مصلحة الاخوان دائما
    (وهو ما رأيناه في بلدان عربية كثيرة بينها مصر وتونس والمغرب والأردن)،
    واما قمع الاخوان على يد العسكر فهو القاعدة وقد بدأ ذلك منذ انقلاب عبد الناصر عام 1952 وبعد 3 عقود في حماة/ سوريا على يد حافظ الاسد وحاليا على يد السيسي وعسكره ولا ننسى (التمويل الإماراتي الهائل لحملة الإبادة المنظمة للإخوان في مصر واليمن، ومحاولات البطش الكبير بهم في باقي البلدان العربية ومع ان (الوضع الجزائري مثيراً للأسى مع سيطرة مجموعة متحكمة صغيرة من السياسيين المقربين من الرئيس، ورجال الأعمال المقربين منهم، فإن سيطرة الجيش ستكون إنهاء لكل أمل يمكن للجزائريين أن يأملوه في التغيير.)

  5. يقول فادي / لبنان:

    على الجزائريين قول كلمتهم الآن ؟
    لا سياسة ولا اقتصاد ولا علم او تطور
    وما زال شباب الجزائر يغادر للدوران في اوروبا
    ولاية خامسة ؟ لماذا
    وماذا انجزوا في ولاياتهم السابقة ؟
    واحزاب سياسية تشرعن التسلط والفساد
    وتتفنن في النفاق ك ” تضحية في سبيل الوطن ”
    هل انضمت الجزائر لدول الضياع ؟
    لا حول ولا قوة الا بالله

  6. يقول أحمد ناصر:

    رغم احترامنا للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقه ولتاريخه، إلا أننا نتعجب من تمسكه بالسلطة رغم ظروفه الصحية التي لم تعد تمكنه من إدارة بلد بحجم الجزائر الشقيق، ونستغرب أكثر من الحديث عن نيته للترشح لولاية رئاسية خامسة!!

    فهل يعقل أن بلد المليون ونصف المليون شهيد بملايين سكانها الذي يقارب الأربعين مليون قد عجزت عن إيجاد بديل للرئيس بوتفليقه؟!

  7. يقول احمد الجزاءر:

    اولا يجب ان تعلموا ان هذا الحزب و مؤسسه نحناح كان مواليا للطغمة العسكرية المنقلبة على ارادة الشعب و مؤيدا لها بل و ساهم بالعديد من الوزراء في حكومات العسكر بعد الانقلاب فلا تتعجبوا من هذه الدعوة الان .الحزب فاشل سياسيا وفقد الكثير من مؤيديه بسبب سياسة الولاء للعسكر و الان يريدنا ان نعود للمربع الاول مربع الدم و الدموع فلا بارك الله فيهم و في مسعاهم .

  8. يقول بلحرمة محمد المغرب:

    الكل متواطئ ضد الشعوب العرب الانظمة واجهزتها ومؤسساتها والدكاكين السياسية المسماة زورا وبهتانا بالاحزاب والمؤسسات الدينية وما يسمى ايضا بالاحزاب الاسلامية والضحية هو هدا الانسان العربي البسيط الدي يعاني الامرين جراء الصراعات الحاصلة بين الاطراف الفاعلة اللاهثة كل واحدة منها الى السلطة المفتاح السحري في كل ما نرى ونتابع.

  9. يقول احمد:

    في السياسة لا تؤخذ الاقوال بظاهرها وانما بما يراد من ورائها فالسيد ” مقري ” كانه يقول للجيش اجعلوني انا رئيسا في الانتخابات القادمة” , وهذا بدليل انه لا يوجد احد في الجزائر لا يعلم بان الجيش هو الذي يصنع الروؤسا فلماذا يستدعى اذن .

  10. يقول سامح //الأردن:

    *للأسف هذا السياسي
    ولم يتعلم شيء من الماضي..؟!
    *(تركيا ) لم تتقدم ولم تنهض
    إلا بعد قيام الموهوب(اردوغان)
    بتحييد (الجيش) ووضعه تحت
    سلطة (مدنية).
    *إذا استلم الجيش بأي دولة
    (السلطة ) قل على البلد السلام
    ولن تنهض من كبوتها إلا بعودة
    الجيش لثكناته ومعسكراته .
    سلام

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية