يوم 30/9/2015 أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أنها أوقفت برنامجها لتدريب ودعم المعارضة السورية المعتدلة، التي ابتدأت تدريبها قبل نحو عام في تركيا والأردن والسعودية، بعد ورود أخبار عن تعذر عمليات التدريب، وأنها لم تنجح في إيجاد مقاتلين يمكن الاعتماد عليهم.
تزامن ذلك مع اليوم الأول للقصف الجوي الروسي على مواقع، كان من المفترض أن تكون مواقع «تنظيم الدولة الإسلامية داعش»، ولكن تبين بعد نهاية اليوم الأول من القصف الروسي أن الطائرات الروسية استهدفت مواقع المعارضة السورية المعتدلة في حمص وحماة، ما استدعى كافة الجهات التي لم تعارض التدخل الروسي وإن لم يكن بشكل علني، أن تعيد النظر في هذا التدخل والتحقق من أهدافه، وفي مقدمة هذه الدول أمريكا ودول التحالف الدولي، الذي تشكل قبل عام وبضعة أشهر تقريباً لمحاربة «داعش» في باريس.
لقد تبين لأمريكا ودول التحالف الدولي بما فيها الدولة التركية أن روسيا خدعتهم في ادعائها أنها جاءت لمحاربة «داعش»، وتبين انها جاءت لمحاربة المعارضة السورية المعتدلة فقط، بدليل أن 90٪ من هجماتها هي على مواقع المعارضة السورية المعتدلة، وفي مقدمتها الجيش السوري الحر، وقد أعلن رئيس الوزراء التركي داود اوغلو أن من بين 57 طلعة جوية كانت 55 طلعة منها على مواقع المعارضة السورية خلال الأيام التسعة الأولى من القصف الروسي، ولذلك توجهت دول التحالف الدولي منذ اليوم الثالث من الغزو الروسي بطلب إلى الحكومة الروسية بعدم استهداف قـــوات المعارضة المعتدلة، وحصر أهدافها على «داعش» والتنظـــيمات الإرهابية فقط، ولكن روسيا لم تستجب لهذه الدعوة، وكان ذلك البيان الذي أصدرته سبع دول هو الأول في رفض الســــلوك العسكري الروسي في سوريا، وبعده بيوم واحد أعلنت أمريكا أنها تدرس تقديم دعم لآلاف من مقاتلي المعارضة السورية، وقال الإعلان الأمريكي ان الدعم سيكون ربما أسلحة أو غارات جـــوية أمريكية لمساعدة المعارضة السورية في طـــرد «داعـــش» من جيب استراتيجي يقع بمحاذاة الحدود التركية، كان ذلك الاعلان بتاريخ 3/10/2015، أي بعد بدء القصف الروسي على قوات المعارضة بأربعة أيام.
في ذلك الوقت رجح مسؤولون أمريكيون اتخاذ قرار في إطار إصلاح شامل لدعم المعارضة السورية، عقب نكسات قضت تقريبا على برنامج التدريب والتجهيز، مشيرين إلى أن الاقتراح الذي تجري دراسته يقضى بدعم الولايات المتحدة وتركيا تجمعا أغلبه من المقاتلين العرب، ويضم أفرادا من جماعات عرقية متعددة، حيث أن بعض الدول العربية التي تم تدريب المعارضة السورية لديها لم تكن نتائج التدريب فيها إيجابية، بل تم إهدار الأموال الأمريكية التي أرسلت لهذا الشان، ولذلك يجري الآن التركيز على أن يكون التدريب والدعم لقوات المعارضة الموجودة في تركيا تحديداً، أو على الحدود الشمالية لسوريا، ويقول المسؤولون الأمريكيون: «إن هؤلاء المقاتلين الذين اقترحتهم تركيا يضمون بعضا ممن خضعوا لتدقيق أمريكي».
التدريب سيشمل نحو 8000 من المجندين المحتملين، والمسؤولون الأمريكيون يقولون:»إن الولايات المتحدة ليس لديها مشكلة بشأن الاختيار التركي»، أي أن هناك دورا تركيا لتحديد نوعية المعارضة التركية المطلوبة، وإن لم يكن بيدها القرار الحاسم، بحكم وجود معظم المنشقين العسكريين السوريين في تركيا، واللافت للنظر أن المساعدات الأمريكية هذه المرة أعلى من ذي قبل، حيث ستشمل: «كل شيء ابتداء من الضربات الجوية إلى تقديم معدات وأسلحة إذا تمت الموافقة عليها».
المدهش أن الهدف الأمريكي المعلن لعمليات التدريب والتسليح للمعارضة السورية لا يختلف عن الهدف الروسي المعلن أيضاً، وهو «داعش»، وكأن الحرب العالمية المقبلة التي تدخلها امريكا وروسيا كطرفين مختلفين أو متحالفين عسكرياً هي ضد «داعش»، فتقول المصادر الأمريكية: «الهدف من هذه العملية طرد مقاتلي تنظيم الدولة من شريط مساحته 90 كيلومترا من الحدود الشمالية السورية يمتد شرقا صوب مدينة جرابلس السورية الواقعة على بعد 130 كيلومترا شمال غرب الرقة، التي أعلنها تنظيم الدولة عاصمة له، وتقع المنطقة غرب نهر الفرات».
هذه المنطقة هي نفسها التي اتفقت تركيا والولايات المتحدة على أخذها في يوليو الماضي، في إطار اتفاق تسمح بموجبه أنقرة باستخدام قواعدها لشن هجمات ضد تنظيم الدولة، وبدأت تركيا أيضا في شن غارات جوية على أهداف للتنظيم في سوريا منذ ذلك الوقت، ولكن وجدت في ذلك الوقت بعض الصعوبات أو المعيقات حالت دون تنفيذه، ومنها تحديد من هم مسلحو المعارضة الذين سيقومون بدعمهم في تلك المنطقة، ولكن يبدو أن هذه المسألة حلت بشكل مبدئي، بحسب مسؤولين امريكيين، بعد التدخل الروسي، فالمشروع الذي لم يحقق أهدافه في الماضي عادت امريكا لتفعيله، فقال مسؤولون أمريكيون:» إن مراجعة تجري قد تسفر أيضا عن تقليص وإعادة تصور برنامج تدريب وتجهيز مقاتلي المعارضة المعتدلة الذي يواجه صعوبات»، وقال المسؤول العسكري: «إن إدارة أوباما تدرس في الوقت نفسه احتمال دعم حملة أخرى منفصلة لمقاتلي المعارضة شرق نهر الفرات تشمل قوات كردية إلى حد كبير»، وقال:»إن هذه المجموعة التي تعرف باسم الائتلاف العربي السوري ستتقدم جنوبا في اتجاه الرقة».
وبتاريخ 9/10/2015 أعلنت واشنطن عن نيتها تعديل برنامج تدريبها ودعمها للمعارضة السورية وفق التالي:
1 ـ إرسال أسلحة ووسائل اتصال وذخيرة إلى قوات المعارضة السورية.
2 ـ خفض برنامج تدريبها، بهدف اختصار الوقت.
3 ـ تقديم دعم جوي أثناء العمليات العسكرية التي ستقوم بها المعارضة السورية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.
هذا التعديل على الخطة الأمريكية لدعم المعارضة السورية ما كان ليتم لولا التدخل الروسي وقصفه للمعارضة المعتدلة، فقد جاء بعد أيام من شن روسيا ضربات جوية تقول موسكو إنها تستهدف التنظيم، في حين ثبت لكل العواصم الغربية والعربية أن استهدافها لمواقع المعارضة فقط، هذا التعديل في الاستراتيجية الأمريكية جاء على لسان وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر، الذي أمر بإرسال الأسلحة إلى «مجموعة مختارة» من قادة المعارضة السورية ووحداتهم، أي أمر بارسال الأسلحة إلى معارضة موجودة وليس إلى معارضة سيتم تدريبها، وفي ذلك تغير جوهري في الخطة الأمريكية، حيث أن أمريكا تريد التعامل مع الواقع الذي تأخذ فيه روسيا دورا كبيراً.
إن ما فرض على البنتاغون تغيير خطتها هو أن الهجمات الروسية تقتل وتدمر قوات المعارضة والجيش السوري الحر فقط، لأن الهدف الروسي هو تدميرهما، لأنهما رفضا الخضوع لإملاءات موسكو في المؤتمرات السياسية التي عقدها بوتين ولافروف لأطراف الصراع السوري في موسكو قبل أشهر، لتدجينها وفق الحل الذي تريده روسيا، مستغلة تلكؤ أمريكا وعدم اتخاذها قراراً حاسما في بقاء النظام السوري أو زواله، فأرادت روسيا أن تغلق هذه الصفحة وتنهي التردد الأمريكي بعملية عسكرية سريعة تظن أنها تتم خلال ثلاثة إلى أربعة أشهر في بداية الأمر، ولكنها وبعد اليوم العاشر عدلت خطتها لتقول بأنها ستبقى في سوريا إلى أن تنهي مهمتها، وهي بحسب ظنها القضاء على المعارضة السورية المعتدلة والجيش السوري الحر، وتمكين بشار الأسد وجيشه من السيطرة على أراضي الدولة السورية، مستعينة أي روسيا بقوات «داعش» في مساعدتها على محاربة قوات المعارضة السورية المعتدلة، فقد قام الطيران الروسي بعملية دعم جوي لقوات «داعش» وهي تحارب الجيش السوري الحر في شمال حلب يوم 9/10/2015، ما يعني أن الحملة الروسية تحاول النجاح في ما فشلت فيه إيران خامنئي وميليشياته العربية من «حزب الله» اللبناني و»عصائب الحق» العراقية والحرس الثوري الإيراني وغيرها، وكان آخر ضحاياها مقتل العميد في الحرس الثوري الإيراني حسين همداني في محافظة حلب.
هذا التغيير في المعالجة الأمريكية للوضع في سوريا بعد التدخل الروسي يعني أن أمريكا لن تسمح لروسيا بتصفية المعارضة السورية، التي عملت أمريكا وتركيا والدول العربية مثل، السعودية وقطر، على مساعدتها. وبهذه الخطة تستطيع امريكا مواجهة التدخل الروسي بالطريقة والحجة نفسيهما، فهي في القراءة الأولية التي تفترض أن أمريكا تعمل على مواجهة روسيا في سوريا ، تريد مواجهتها ولكن بأيدي السوريين، وسيكون السباق على من سيتمكن من كسب أراض من «داعش»، هل السوريون المدعومون من أمريكا أم السوريون المدعومون من روسيا.
إن المتحدث باسم البنتاغون بيتر كوك يقول في بيانه: «إن هذه الخطوة تهدف إلى تمكين المعارضة من الدخول بشكل منسق إلى الأراضي التي ما زال التنظيم يسيطر عليها»، فالتنافس الشكلي هو على الأراضي، بينما أمريكا تريد تمكين المعارضة السورية التي أعلنت أمريكا بأنها المؤهلة لاستلام الحكومة الانتقالية مع رحيل الأسد، بينما روسيا تريد تدمير المعارضة ليتبقى أمام العالم خيار واحد هو إما الأسد او «داعش»، وبالتالي فالخيار الوحيد أمام العالم هو نظام الأسد بعد تدمير وتحطيم المعارضة السورية المعتدلة على أيدي الطائرات الروسية والحرس الثوري الإيراني وميليشياته من حزب الله وغيره، التي اصبحت مرتزقة روسية، بعد ان خسرت جولتها الأولى في ان تكون مرتزقة فارسية.
أما التحليل الآخر فهو أن أمريكا تريد إدارة الصراع في سوريا بطريقة مغايرة لطريقتها الأولى، الطريقة الأولى كانت إدارة الصراع إلى ما لا نهاية، إلا إذا استسلم احدهما، ونظام بشار الأسد كان أقرب للاستسلام حتى شهر يوليو الماضي، عندما طار الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إلى موسكو طلبا للنجدة الروسية، وإلا سقط كل شيء من أيدي الإيرانيين والروس، وأخبرهم أن على الروس القدوم بسرعة، فإن لم ينقذوا سوريا كلها فعلى الأقل إنقاذ سوريا العلوية الساحلية، وهذا سيبقي باقي سوريا في حالة دمار وقتال، وبالتالي لا بد من تجهيز المعارضة التي تتولى باقي الأراضي السورية إن تمكن الروس من إنشاء سوريا المفيدة العلوية الساحلية، كقاعدة عسكرية كبرى لروسيا، ولكن حتى لا تبقى هذه القاعدة الروسية العلوية دولة مستقرة لا بد من تأسيس شروط استمرارها في الحرب الطائفية، أو الحرب القومية مع الدولة الكردية، وبالتالي فإن المطلوب أن يتم التقسيم ولكن مع بقاء السيطرة على عملية التقسيم دوليا، أي وفق المخططات الدولية، التي تحافظ على بقاء أو تقسيم سوريا دولا علمانية، بحسب اتفاقية كيري ـ لافروف، بأن الحل السياسي لسوريا هو دولة علمانية.
٭ كاتب تركي
محمد زاهد جول
روسيا تدعم النظام الأسدي بالفعل
وأمريكا تدعم المعارضة السورية بالكذب
ولا حول ولا قوة الا بالله
تحليلك هذا يا أستاذ كل يعد افضل وادق واصدق تحليل اقرأه حول الظرف الراهن الذي تعيشه وتواجهه المعارضة السورية، وفي الحقيقة فان كل ما تكتبه عن هذا الموضوع اجده يتفوق على كل ما يكتب عربيا ودوليا حوله، الامر الذي يكسب كتاباتك احترام واعجاب القرّاء دوما فبارك الله بك وبقلمي وفكرك النير والى مزيد من تسليط الضوء على مختلف جوانب هذه المِحنة التي يعيشها شعب سوريا المظلوم منذ قرابة خمسة أعوام على ايدي اعتى انواع الدكتاتوريات في العالم المتمثّلة بنظام الطاغية بشار الاسد وتابعيه الوالدين في دماء الشعب