دماء اليمن ولعاب ترامب

حجم الخط
7

 

إذا صدقت معطيات منظمات دولية موثوقة، مثل الأممية «يونيسيف» والبريطانية «أنقذوا الأطفال»، فإنّ كلّ 35 ثانية تمرّ، تعرّض طفلاً يمنياً للإصابة بمرض الكوليرا؛ والأسابيع الثلاثة الأخيرة شهدت ازدياد الإصابات بمعدّل ثلاثة أضعاف، والأعمار أقلّ من 15 سنة يشكلون نسبة 50٪ من أعداد المصابين. هذا، كلهن على خلفية كبرى أكثر قتامة، تشير إلى وفاة 924 حالة، وانتظار انتقال العدوى إلى 250 ألف يمني، معظمهم من الأطفال. إلى هذه وتلك من العواقب الرهيبة، ثمة مليونان تحت سنّ الخامسة، يعانون من سوء التغذية الحادّ؛ و14،5 مليون يمني، بينهم قرابة ثمانية ملايين طفل، يفتقرون إلى الماء الصالح للشرب والصرف الصحي.
هدية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشعب اليمني كانت، خلال زيارته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية، توقيع المزيد من عقود التسليح، التي سوف تُترجم وابلاً من القذائف، ومزيداً من القتل والتخريب وتدمير البنى التحتية وشلّ المرافق الصحية. في عبارة أخرى، تعود الولايات المتحدة إلى المشاركة الفعلية في صناعة المأساة اليمنية المفتوحة، أسوة بالسعودية وتحالف «عاصفة الحزم»، وجيش علي عبد الله صالح، وميليشيات الحوثي، و»القاعدة»، وجيش عبد ربه منصور هادي…
صحيح أنّ تورّط واشنطن في الملفّ اليمني ليس جديداً، إلا أنّ إدارة باراك أوباما كانت ـ بعد مجزرة تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، التي نفذها الطيران الحربي السعودي ضدّ مواكب تشييع، وأسفرت عن 150 ضحية ـ قد جمدت تزويد الرياض بالذخيرة التي تُستخدم في عمليات قصف هائلة التدمير مثل هذه. إلا أنّ إدارة ترامب، بناء على مذكرة شهيرة من وزير الدفاع جيمس ماتيس، جمدت التجميد وأحيت مبدأ الـ»بزنس كالمعتاد»؛ هذا قبل أن يسيل لعاب ترامب شخصياً، إزاء صفقات الـ110 مليار دولار، التي عقدها مع المملكة في أيار (مايو) الماضي.
والحال أنّ صفقات التسليح هذه تلحق الأذى المباشر، والهائل، بمحاولات التسوية السياسية للمأساة اليمنية، لأنها تصبّ الزيت، وأسلحة التدمير الشامل، على نيران الحرب الأهلية الدائرة هناك، من جهة أولى؛ كما أنها، من جهة ثانية، تحثّ إيران على مزيد من التورط في تسليح الحوثي، أو الذهاب أبعد ربما، نحو إرسال الميليشيات على غرار ما تفعل في سوريا والعراق. هذا إذا وضع المرء جانباً حقيقة تغذية الفكر الجهادي المتشدد داخل اليمن، ومدّ يد العون إلى «القاعدة» في تجنيد أنصار جدد أكثر تعطشاً للثأر والتوحش.
وكان السناتور الديمقراطي كريس مورفي قد أشار، خلال مناقشات مجلس الشيوخ حول صفقات التسليح مع السعودية، إلى أنّ «الولايات المتحدة لا مصلحة لها في مساندة حرب لم تخدم إلا في تقوية أعدائنا الإرهابيين، ومفاقمة أزمة إنسانية، وزرع الخوف والغضب في نفوس أبناء الشعب اليمني ضدّ الولايات المتحدة. هذه الحرب سوف ترتدّ إلينا وتخيّم علينا». لكنّ السناتور الطيب كان، غنيّ عن القول، يتلو مزاميره على زملاء سبق لحملات الكثيرين منهم أن تلقت تبرعات سخية من شركات السلاح ومجموعات الضغط العاملة لصالحها؛ فكان طبيعياً أن يصوّت المجلس لصالح الصفقات، فالأشغال هنا أهمّ بكثير من دماء الأطفال هناك!
كذلك كانت إدارة أوباما قد رفضت طلباً من تحالف «عاصفة الحزم»، يتضمن إرسال عدد من «خبراء» البنتاغون، للمشاركة المباشرة في عمليات اقتحام ميناء الحديدة وطرد الحوثيين منه. ليس واضحاً، حتى الساعة، ما إذا كان البيت الأبيض سيرفع هذا الحظر أيضاَ، فيرفض رفض أوباما لصالح تورّط أمريكي عسكري أوسع نطاقاً في حرب اليمن.
الثابت، مع ذلك، أنّ الرئيس الأمريكي يواصل الوفاء بوعده الانتخابي، فيجعل السعودية تردّ إلى واشنطن أثماناً مضاعفة لما أنفقت واشنطن في دروع الصحراء وعواصفها وملحقاتها. ولعاب ترامب، السائل أبداً، شاهد على هذا، ودليل!

دماء اليمن ولعاب ترامب

صبحي حديدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Dinars:

    عيد سعيد.
    إذا ما ضاع وطن وتمزقت أرضه وتقطع أهله وهان على الغريب واستباحه فإن ذلك كله يعود بالأساس إلى أن الخيانة مستشرية بين ساكنيه من أهله ومن غير أهله.
    اليمن وحيث هناك اقتتال مرده إلى الطمع من خلال الإستقواء بالعابثين الذين يمثلون قوى شر لا يأتي منهم غير الخراب.
    النصر حليف الشرفاء.

  2. يقول ابو ياسين عبد الرحيم-المغرب:

    ان ازمة اليمن تطرح بشكل ماساوي قضية أخلاقية جد عويصة . هل ولا بد من هذا الثمن الباهض أخلاقيا الذي يو ديه المدنيون الابرياء من أجل تفادي سقوط اليمن في يد ايران ,عبر عملاءهم الحوثيين. الم يكن أجدر للسعودية أن تتبنى استراتيجية عسكرية أخرى عير التعويل على الطيران الذي يكبد خسائر فادحة في أرواح المدنيين, دون ضمان نصر محقق على العدو العسكري؟ لقد إبانت نتائج هذه الحرب عن قصور الخطة العسكرية السعودية بل على سفهها الأخلاقي. كان عليها الأخد بالحسبان ان الحرب لايمكن ان تحسم الا بتدخل بري, وهذا ما لم تريد أن تجازف به. أن هذا الخيار, رغم المخاطر التي يتضمنها, لا بد للسعودية أن تقدم عليه, أولا لمحو الآثار المدمرة التي خلفها استعمال الطيران بشكل مفرط, وثانيا لأنه الخيار الذي يوفر أكثر حظوظ النجاح في وقف هذه الحرب المدمرة والباهضة الآثار على كل شعوب المنطقة. ويبقى الخيار الأفضل طبعا هو جنوح الاطراف المعنية الي حل توافقي, وهو خيار, مع الأسف, مستبعد جدا نظرا لتصلب الأطراف المعنية, وخصوصا الفرقاء المعادين للشرعية لكونهم مرهونين لاجاندات ايران التي تعتمد علي استراتجية التازيم واللعب علي التناقضات في المنطقة العربية, متماهية في ذلك مع مخططات أطراف دولية واقليمية منشغلة الآن على تصفية حسابات تاريخية مع الأمة العربية والإسلامية.

  3. يقول بلحرمة محمد:

    من يلام اكثر هو دلك النظام القابع في الرياض الدي يستمر في امتصاص دماء اليمنيين دون رحمة ولا شفقة وتدمير بلدهم وبناهم المتهالكة اصلا وممتلكاتهم البسيطة التي تشير الى فقرهم كل هدا يتم تحت تبريرات واهية غير مقنعة وبالتالي فان هده الحرب العدوانية الظالمة وما ينتج عنها من ماسي ومصائب وفواجع ومشاهد صادمة لا يمكن باي حال من الاحوال ان تصدر من طرف يدعي حرصه ودفاعه عن الاسلام وتكرر مؤسسته الدينية كل اسبوع من خلال خطب الجمعة في الحرم المكي بضرورة وحدة المسلمين وتراحمهم وتعاونهم وما الى دلك من ايات النفاق التي تجعل المرء المسلم في حيرة من امره فهل كان النظام السعودي ليستمر في حربه العبثية والمجنونة في اليمن لولا الضوء الاخضر الامريكي؟ الم تتسرب انباء عن المشاركة الصهيونية في القصف العنيف على اليمن؟ اليس من السداجة ان يظن بعضنا ان امريكا سوف تعمل لايقاف هدا الاجرام المشهود وهي التي تتلقى مئات المليارات من الدولارات كرشاوى تغلف في شكل صفقات اسلحة مقابل غض النظر والسكوت عن هده الجاهلية؟ متى كانت امريكا انسانية واخلاقية مند نشاتها؟ الم تكن دائما تضع مصالحها فوق كل اعتبار؟ متى كان يهمها مصير الانسان غير الامريكي او الصهيوني خصوصا؟ الم تقتل الملايين من البشر عبر العالم خاصة في عالمينا العربي والاسلامي؟ الم تقل وزيرة الخارجية الامريكية السابقة مادلين اولبرايت بالفم الملان عندما سئلت عن الضحايا من الاطفال العراقيين الدين يموتون جراء الحصار بان القضية تستحق دلك؟ مادا ينتظر الانسان من مسؤولي امبراطورية مارقة اثبتت للعالم اجمع انها لا تقيم وزنا للانسان ولا لحقوقه ولا للديمقراطية وما تدعيه من احترام هده الثوابت لا تعدو كونها شعارات براقة سرعان ما تختفي عندما تتطلب مصالحها دلك؟ يخطئ جدا من يظن ان امريكا ومجمعها العسكري ولوبياتها سوف تتوقف عن بيع الرياض السلاح بدعوى استعماله ضد المدنيين في اليمن فلا يمكن ان يكون الدئب حارسا للاغنام فامريكا لا يهمها لا من قريب ولا من بعيد موت كل العرب من محيطهم الى خليجهم ادا تطلبت مصالحها دلك فاللوم كل اللوم على الاعراب الدين فتحوا لها كل الابواب وسخروا لها كل الامكانيات لقتلنا في عقر دارنا والعبث باوطاننا واستباحة مقدساتنا. اللهم انتقم من الظالمين فقد نشروا الفساد في الارض.

  4. يقول ابو ياسين عبد الرحيم-المغرب:

    يا اخ بلحرمة, لا يجب رمي الناس بالنفاق بهذه السهولة. المشكلة أعقد من ذلك. لأنه لما ترى السعودية أنها محاصرة ومستهدفة بشكل فضيعمن طرف من يعتبرها ألذ أعداءه, آي ايران, وذلك عبر خاصرتها الهشة, وهي اليمن, فما يسعها ان ذاك الا ان تستشعر الخطر الداهم وتحاول بكل وسعها أن توقف هذا الزحف الماحق. حقا أن الرياض ارتكبت أخطاء فادحة في اليمن بدءا بمساندة الطاغية صالح حين انتفض ضده شعبه, ولكن يجب إدراك مبررات السعودية ولو أننا لا تعذرها في عدم تحريها الحيطة والحدر حين تريد استهداف القواة المناوءة وتتسبب حينذاك في ماسي ودمار يحيق بالبشر والحجر. ولا حول ولا قوة الا بالله.

  5. يقول سامح //الأردن:

    *كل عام والجميع بخير وعافية
    وعيد مبارك للجميع.
    *مأساة (اليمن) وعذابات اليمنيين
    في رقبة أطراف الصراع ؛-
    ( علي صالح/ الحوثيون / ايران / أمريكا
    السعودية / الامارات ).
    *اللهم عليك بالظالمين في كل مكان.
    حسبنا الله ونعم الوكيل.
    سلام

  6. يقول عبود:

    حسب ما أفهم هناك إنقسام سياسي داخل أمريكا نفسها وهذا الإنقسام السياسي ظهر بصورة مخيفة ومفجعة فى الخليج العربى بين السعودية وقطر. دول الخليج مرتبطة إقتصاديا بإقتصاد عالمى هذا الإقتصاد العالمى أصبحت تهيم عليه مافيات غير مثقفة تؤمن بالإختصاب والقوة
    عكس جماعات الرأسمال العالمى القديمة التى كانت تؤمن بالثقافة والحوار وتدعم الثقافة جماعات الرأسمال العالمى القديمة ربما هى الأن فى مأزق وساكتة لا تستطيع أن تنقد المافيات الجديدة
    إنقسام عالمى لا أحد متهيئ له و للمرحلة الجديدة التى ستفرضها هذه المافيات خاصة أن تحكم بمعية ترامب فى أقوى دولة فى العالم .لماذا إصطفت دول الخليج وراء مافيا متخلفة وعزلت نفسها عالميا هل هو الخوف من إيران أم من الخوف المافيا

  7. يقول طه مصطفى - النمسا:

    انه الرز يا سيد صبحي
    الرز اللذي أسال لعلابهم وأعمى أبصارهم !

إشترك في قائمتنا البريدية