«دوريان جراي» وشهادة وزير الداخلية المصري الأسبق عن تخابر الإخوان

حجم الخط
2

أدى نشر شهادة اللواء محمود وجدي وزير الداخلية الأسبق التي أدلى بها في قضية التجسس المتهم فيها الرئيس الأسبق محمد مرسي ومرشد جماعة الإخوان محمد بديع وغيرهما من أعضاء الجماعة، إلى طرح الكثير من التساؤلات حول ما مرت وتمر به مصر، في ما يتعلق بالسلطة والأزمات وكيفية التعامل معها. 
شهادة تنضم لغيرها من التصريحات المثيرة للجدل، خاصة عندما تتعلق بالأجهزة الأمنية التي يترسخ حولها انطباع عام بالقوة والتماسك، ولكن عند المواجهة على الأرض ومع البشر والفكرة يظهر حجم تشوهها على طريقة صورة «دوريان جراي»، الرواية التي كتبها أوسكار وايلد ونشرت عام 1890، والتي تعبر عن الكثير من الأشياء في الحياة ومنها الفارق بين الصورة الظاهرة والصورة الخفية، أو الحقيقية للشخص أو للنظام في تلك الحالة. في الرواية يوافق البطل على الحفاظ على مظهره الشاب مقابل تحويل كل المشاعر والسنين التي تمر به، والتشوهات التي تنتج عن أفعاله إلى الصورة التي تتحول بدورها إلى مسخ قبيح. وفي حالة النظم التي تعتمد على الأمن تزيد قيمة صورة القوة الظاهرة للحفاظ على تماسك النظام وخضوع مواطنيه أو قبولهم باستمراره للحفاظ على الأمن والاستقرار، في حين أن غياب تلك الصورة وظهور الحقيقة المشوهة يهدد بقاء النظام فيبذل الكثير للحفاظ على تلك الصورة، وعندما يواجه بصعوبات يلجأ إلى المزيد من القوة والعنف اللذين قد يقودا إلى إظهار حجم الارتباك والتشوه الذي تتم التغطية عليه في الأوضاع المستقرة، كلوحة بطل الرواية المخبأة بعناية في الغرفة المغلقة.
الثورة بدورها كانت لحظة فارقة سمحت بالاطلاع على أجزاء من الحقيقة الخفية، وكأننا ندخل إلى الغرفة المغلقة ونتلمس على ضوء الثورة أجزاء من الصورة الحقيقية للنظام وقبحه. ولأن ضوء الإصلاح هو ضوء الحقيقة فإنه قد يخفت بدون أن يغيب نهائيا، فيعبر عن نفسه من وقت لآخر بالكشف عن المزيد من الحقيقة المشوهة عن طريق شهادات وتصريحات لشخصيات أو مؤسسات تختلف صورتها الذهنية عن الواقع.
في قضية بحجم التخابر، وفي ظل أن الشهادة لوزير الداخلية في فترة مهمة، من الصعب التجاوز عن الشهادة وما تعبر عنه من أزمة حقيقية في الصورة الخفية لدولة مبارك وامتداداتها، خاصة أن الأمن القومي واستعداد الإخوان للتفريط في حدود الدولة من عدمه يمثلان جزءا محوريا من الجدل الممتد منذ صعود مرسي للسلطة وحتى اللحظة، كما انها تقع في صلب دور الأجهزة السيادية المعنية بحماية الأمن، بما فيها المخابرات بكل ما لديها من رصيد إيجابي لدى المواطن المصري.
وفي هذا السياق فإن شهادة وجدي مهمة بوصفه أول وزير بعد اللواء حبيب العادلي، حيث تولى المنصب في 31 يناير/كانون الثاني 2011. ورغم قصر مدة توليه المنصب، حيث تركه في 6 مارس/اذار 2011، إلا أن طبيعة الأحداث التي شهدتها الفترة يفترض معها القدرة على التعبير عن الكثير من حقائق المرحلة، وهو الأمر الذي غاب عن الشهادة، التي انشغلت الكثير من التعليقات عليها، بالحديث عن عدم معرفة الوزير شخصية رمضان شلح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، وتقديمه له بوصفه من أعضاء حماس أو الجيش الإسلامي، قبل أن ينتقل للخلط بين كل التنظيمات والتعامل معها بأنها كلٌ واحد يخضع لسيطرة حماس. ولكن بعيدا عن حالة شلح وما تطرحه من غياب الحد الأساسي من المعلومات الدقيقة، فإن بعدا مهما يظهر بالعودة إلى ما نشر عن شهادة اللواء وجدي نفسه في قضية هروب السجناء، بمن فيهم سجناء الإخوان وغيرهم من السجناء السياسيين، فالتناقض بين ما يقوله في الحالتين مثير للتساؤل حول تماسك الرواية التي يطرحها، والفارق الزمني وما يضيفه من تفاصيل على القصة الإصلية، وكيف تتحقق العدالة في تلك الحالة. وفي ما يلي محاولة لطرح أبرز النقاط التي طرحت حول التخابر بين شهادة وجدي في قضية هروب السجناء (يونيو/حزيران 2013)، وفي قضية التخابر (يونيو 2014) التي نشرت مؤخرا، وما تعبر عنه من ترابط أو تناقض.
في ما يتعلق بالتخابر طرحت في قضية هروب السجناء نقطتان مهمتان: الأولى هي التعامل مع السجناء الهاربين، وهو السؤال الذي رد عليه بإن الوزارة اتبعت ما سماه سياسة فتح الحوار مع الجميع للم الشمل، والسير وراء الشرعية الثورية. وأشار تحديدا إلى قيادات الإخوان واجتماعهم بحضور ضباط من الداخلية في قصر الرئاسة مع اللواء عمر سليمان. صورة تعبر عن تعامل مختلف عما طرحه وجدي من حديث الخيانة والعمالة في قضية التخابر. ويظل السؤال مطروحا عن حدود المسؤولية بين من هرب من السجن ومن صالح، ومن عاد ليحاكم وعن أسباب كل هذا عندما تكون المنطقة الوسطى هي تولي الوجوه نفسها لسلطة برلمانية ورئاسية.
النقطة الثانية، هي التناقض، ففي قضية هروب السجناء وحين وجه له السؤال عن وجود تسجيلات لاتصالات بين الإخوان وحماس أثناء الثورة، كان رده المنشور أنه لم يفكر في السؤال عن تسجيلات رصدتها أجهزة الأمن بين الجماعة وأطراف أخرى خارجية خلال الثورة. ولم يفكر في السؤال عن تسجيلات تمت قبل توليه المنصب، ورفض الرقابة على الشخصيات العامة والمسؤولين إلا بإذن قضائي ومن النيابة العامة. وهو ما يعني أنه لم يقم بإجراء تسجيلات ولا يعرف عن تسجيلات سابقة، ولم يستمع لتلك التسجيلات في حالة وجودها. وهو اختلاف جوهري عما جاء في شهادة التخابر من حصوله على اذن تسجيل والحصول على تفريغ لمحادثات وتوفر التسجيلات إن أراد الاستماع إليها.
الملاحظ في شهادة وجدي في قضية التخابر انه يتحدث بثقة عن رصد اتصالات من غزة مع الإخوان، رغم تأكيده السابق الإشارة إليه لعدم وجود مثل تلك التسجيلات. كما أكد أنه عرف بوجود إذن للتسجيل لأمن الدولة للكشف عن قضية تخابر، ولكن بسبب وضع جهاز الشرطة لم يمكن العمل. كما أنه حين تكرر سؤاله عن رمضان شلح والاتصالات بين الإخوان وحماس أو غيرها، ومن أجل تأكيد المصداقية أشار لتكراره له في قضية الرئيس الأسبق مبارك، وفي التلفزيون المصري في 22 فبراير/شباط 2011، وهو خلط آخر عميق بين أن توجد أسانيد لاثبات المعلومات التي يطرحها، وبين أن يكون مجرد طرحها في سياق آخر دليل تأكيد؟ إلى جانب ان حديثه عن التصريح بهذا في فبراير 2011 يطرح التساؤل بين التصريح بهذا وتأكيده في شهادة هروب السجناء على عدم معرفته بوجود تسجيلات.
وان كانت تلك الشهادات قد جاءت بعد تركه للمنصب، فما هو مصدر المعرفة، وهل يمكن قبول الخلط بين ما كان معروفا في وقت توليه المسؤولية وما عرفه بعدها من تفاصيل، وألا يغير هذا من تصنيف القضية ويؤثر على الاتهامات والتقاضي؟ تلك اسئلة مهمة للغاية ونحن نتعامل مع ما نشر من شهادات حول القضايا التي تحدث فيها شخص واحد بحكم منصبه في فترة محددة، وربما غيرها من القضايا الأخرى، فهل التناقضات حقيقية بهذا الشكل، أم أن المنشور يختلف عما قيل، وان كانت الشهادات حقيقية ونقلت ما قيل فالمشكلة كبيرة للغاية، لأن التفاصيل اختلفت عبر الوقت كنتاج لأشياء أخرى خارج مدة تولي المسؤولية.
الكثير مما جاء في الشهادات يطرح اسئلة حول المشهد السياسي والأمني المصري، ومن يتم تصعيده لتولى المسؤولية، وحالة السيولة والعمومية التي تسم تلك الشهادات، ومستوى الكثير من رموز نظام مبارك أو من تولى سلطة في فترته وكنتاج له. بالإضافة إلى ما تطرحه من تساؤلات عامة حول دور الأجهزة الأمنية وحدود معرفتها بوجود مؤامرة من عدمه، وسبب عدم التعامل معها كما يفترض إن وجدت، خاصة أن الحديث عن المؤامرة لا ينتهي في التعامل مع ثورة يناير. وإن كانت هناك سمة ايجابية منها ومن غيرها من التصريحات المثيرة للجدل، فهي أنها تقدم لنا بصيص نور لداخل حجرة الحقيقة، حتى يمكن أن نرى أكثر كيف تختلف صورة النظام الخارجية عن جوهره، وكيف أن البقاء مرهون بإخفاء الحقيقة خلف أبواب مغلقة بإحكام، ولكنها على طريقة دوريان جراي لا تستمر للأبد.

٭ كاتبة مصرية

عبير ياسين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول S.S.Abdullah:

    يا الله ما أجمل عبيرك يا عبير ياسين، في هذا المقال، الذي كشف الفرق بشكل واضح وجلي، ما بين شعب الله المُختار، وما بين شعب الرّب المُختار، من قبل السّامريّ (الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية)، وأضيف عدم انتباه المثقفين، إلى الفرق ما بين الله، وما بين الرّب، وذلك بسبب ثقافة الديمقراطية اساس الترجمة فيها، النقل الحرفي، وهو الذي عمل على زيادة الضبابيّة، هذا إن لم يكن مصحوبا بجهل لغويّ، أو ترجميّ. ومن وجهة نظري ما ورد في هذه المقالة، وما ورد في الفيلم الوثائقي لقناة الجزيرة، الذي يعرض هذه الأيام عن جرينسبان، ودوره في مأساة العالم، كما كشفت شهادة وزير الداخلية، ممثلا عن السّامريّ (الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية)، التي قامت بتفكيكها عبير ياسين وقناة الجزيرة لفهم النظام من الداخل.
    أظن اختلاف طريقة تفكير مثقف النخب الحاكمة (موظف الدولة)، في محاربته للمقاومة (الإرهاب)، وما بين المواطن العادي، في تنافسه من أجل دعم أي عمل مقاوم للظلم والاستبداد والإحتلال، حتى لو كان من خلال إشارة رابعة، أو إشارة ثلاثة شلاليط، خطرت على بالي التساؤلات التالية:
    هل هي صدفة أن يتم التصريح في مدينة جدة، بجوار مكة المكرمة، في مؤتمر للتعاون الإسلامي، لم يجد أحد ممثلي النخب الحاكمة، وهو الرئيس محمود عباس، غير الهجوم على خاطف الشلاليط الثلاثة من جهة، ويبرّر التعاون الأمني، مع قوات الإحتلال للكيان الصهيوني، فقط من أجل عدم قيام انتفاضة ثالثة من أجل تحرير فلسطين؟! كما صرّح بذلك محمود عباس عام .2014
    وهل كان موقفه، يختلف عن موقف النخب الحاكمة، في كل من الدول المحيطة بالعراق، وهي إيران وتركيا وسوريا والأردن والسعودية والكويت بالإضافة إلى مصر والبحرين، للإلتزام بحضور اجتماع لوزراء الداخلية، مع الولايات المتحدة وبقية الدول التي احتلت العراق عام 2003، للتنسيق من أجل محاربة الإرهاب (مقاومة قوات الإحتلال).
    لاحظوا الفرق كمثال عملي، بين طريقة فهم وتعامل النخب الحاكمة، لموضوع خطف الشلاليط الثلاثة من جهة،
    وموضوع انتفاضة الشعب في العراق، ضد الظلم والفساد والاستهتار من جهة ثانية عام 2014.
    وتكملة في الجانب الأخلاقي، من وجهة نظري الكبت شيء، والتحرش الجنسي شيء آخر، ولا توجد علاقة بينهما، كما يصورها مثقف النخب الحاكمة.
    فالتحرش الجنسي موجود في كل دول العالم، ومن قبل الرجل والمرأة كذلك، وله علاقة بثقافة الـ أنا، حيث مفهوم الحرية فيها، لا يوجد لها حدود، عكس مفهوم الحرية في ثقافة الـ نحن، حيث حدود حريتك عند حدود الطرف الآخر.
    فعندما النخب الحاكمة تتعامل من خلال مفاهيم ثقافة الـ أنا، وتضرب بالقانون عرض الحائط، كما حصل مع الرئيس المنتخب عام 2012 (محمد مرسي) في مصر، فلا تتوقع من المواطن شيء أو تصرف آخر، غير عمّا حصل في ميدان التحرير، من اغتصاب جماعي يوم تنصيب عبدالفتاح السيسي في حزيران/يونيو عام 2014.
    الإشكالية من وجهة نظري هي في الديمقراطية نفسها،
    فالديمقراطية كما هو حال الديكتاتورية مبنية على ثقافة الـ أنا، فلذلك ثبت علميا أنّها هي ضد حرية الرأي، عندما يكون الرأي الآخر، والممثل بثقافة الـ نحن، صاحب حجة منطقية وموضوعية، لا يستطيع أن يرد عليها، بشكل منطقي وموضوعي، فلذلك لكي يغطي على عجزه، يقوم بحركات لقلب طاولة النقاش أو الحوار ممثلي ثقافة الـ أنا.
    انهيار الجيش والأجهزة الأمنية، في شهر حزيران/يونيو شهر النكسات للنخب الحاكمة، إن كان عام 1967 أمام الكيان الصهيوني أو عام 2014 أمام داعش في العراق، لا يختلف عن فشل الجيش والأجهزة الأمنية، في ميدان التحرير يوم تنصيب عبدالفتاح السيسي، في منع الاغتصاب الجماعي، وكذلك لا يختلف عن فشل الجيش والأجهزة الأمنية في أمريكا في 11/9/2001 أمام القاعدة، ولا يختلف عن فشل الجيش والأجهزة الأمنية في الكيان الصهيوني، في موضوع الشلاليط الثلاثة.
    ولذلك السؤال المنطقي والموضوعي الآن، لم رصد ميزانيات للجيش والأجهزة الأمنية، التي تبين أنها وقت الحاجة، ليس لها حاجة إن كان في الكيان الصهيوني، أو العراق، أو مصر، أو حتى أمريكا، كما حصل في 11/9/2001؟!
    وأظن أفضل مثال على فساد القضاء، في هذا النظام، هو ما حصل للشيخ الضرير د. عمر عبدالرحمن في أمريكا، وما حصل للهاشمي نائب رئيس الجمهورية، والعيساوي وزير المالية، في حكومة نوري المالكي العراقية، وما يحصل الآن لحنين الزعبي، وبقية زملائها ممن قبل المشاركة في العملية السياسية، كما شاركت حماس في العملية السياسية الديمقراطية في فلسطين.
    وعلى ضوء ذلك، هل نلوم الشعب، عندما يتلقف بكل جوارحه، شعار “الشعب يُريد اسقاط النظام” الذي يُكوّن مثقف ونخب حاكمة، بلا ذمة ولا ضمير ولا أخلاق، وكل همها المحافظة على الكرسي، ولو على حساب ظلم وضياع هيبة الشعب، من خلال عدم احترام هيبة المواطن، من خلال حرص النخب الحاكمة، للتنسيق الأمني مع العدو، ضد أبناء الشعب، ممن لا يقبل بالظلم والاستعباد والاستبداد، ويعمل على مقاومته بداية بالرأي، والمحاججة المنطقية والموضوعية من خلال الانتفاضة بواسطة المظاهرات السلميّة؟!
    ما رأيكم دام فضلكم؟

  2. يقول م . حسن . هولندا:

    كل عام وأنتم بألف صحة وخير ..

إشترك في قائمتنا البريدية