منذ ان اشتعلت نيران الأزمة بين طرفي كماشة دير الزور آخر أكبر معقل لتنظيم «الدولة» في سوريا، وبين الجانب العراقي والسوري، والأحداث تتوالى في الجزيرة الفراتية شرق سوريا وغرب العراق. فبعد صفقة حزب الله التي عقدها مع التنظيم على خروج حوالي 300 مقاتل مع عوائلهم من الحدود اللبنانية ـ السورية في منطقة جرود القلمون مقابل تسليم احمد معتوق المقاتل في ميليشيا حزب الله ورفات عشرة جنود لبنانيين تم أسرهم وقتلهم في أحداث سابقة، فإن الإفراج عن الأسير معتوق قد تم بالتزامن مع وصول القافلة إلى البوكمال. هذه الاتفاقية التي أشعلت نار الاتهامات بين أطراف عراقية عديدة، فمع رفض الحكومة الرسمي واتهامها حزب الله والنظام السوري بعدم التنسيق معها بشأن نقل مسلحي «داعش» إلى منطقة الحدود العراقية في البوكمال، اعتبرت أطراف عراقية مقربة من الجانب الإيراني الموضوع برمته شأنا سوريا داخليا والأصوات العراقية المعترضة ضخمت المسألة.
ومن الاتهامات التي وجهت للجيش السوري وحزب الله وحلفائهم الروس انهم نقلوا مقاتلين إلى منطقة البوكمال الملاصقة لمدينة القائم العراقية التي ما تزال ترزح تحت سيطرة التنظيم الإرهابي، ما يعني تقوية نفوذه في منطقة غرب الأنبار، واتهم عدد من السياسيين العراقيين الجانب السوري بغياب النية أو عدم الجدية في شن هجوم على مناطق نفوذ التنظيم. لكن الوقائع على الأرض أشارت إلى معطيات مختلفة. من طرف آخر صرح الناطق باسم قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ان هذه القوات لا تعترف بالاتفاق الذي عقد بين حزب الله وتنظيم «داعش» وبالتالي قامت طائراتها بضرب الطرق والجسور في طريق القافلة التي تحمل مسلحي «داعش» وعوائلهم دون ان تصيب الحافلات بهذه الضربات، وكان السبب حسب الناطق باسم التحالف هو «أسباب إنسانية منعتنا من ضرب الحافلات حفاضا على أرواح المدنيين المرافقين للمسلحين»، لذلك تعطلت قافلة مسلحي «داعش» حتى تم وصول 11 حافلة من مجموع الحافلات وعددها 17 إلى دير الزور يوم الاربعاء 13 أيلول/سبتمبر الجاري بينما لجأت الحافلات الست البــاقـيـــة إلى منــاطق يسيطر عليها الجيش السوري مع وجود تكهنات بتسوية أوضاع هؤلاء المسلحين وعوائلهم في المستقبل.
وأعلنت الجهات السورية والروسية الرسمية تكثيف العمليات المهاجمة لدير الزور، ولم تتم الإشارة إلى وجود أي تنسيق مع الجانب العراقي على الطرف الآخر من الحدود، وبالتالي يرى المتابعون احتمالية هروب مسلحي «داعش» من دير الزور السورية والدخول في مناطق غرب الأنبار الخاضعة للتنظيم، وكان من المفترض تنسيق العمليات بين الطرفين للعمل بالتوازي وأحكام فكي الكماشة على مسلحي التنظيم وتطهير منطقة الجزيرة منه. كما أشارت التصريحات السورية الرسمية إلى تمكن القوات الحكومية والمقاتلين الموالين لها في الأسبوع الماضي من كسر الحصار الطويل الأمد الذي كان يفرضه مسلحو تنظيم «الدولة» على منطقة تسيطر عليها القوات السورية في دير الزور، وعلى مطار عسكري قريب حيث تسعى القوات السورية الآن إلى التقدم جنوبا باتجاه الجهة الغربية للفرات نحو بلدة البوكمال، التي تقع على الحدود العراقية. وفي جانب آخر شنت قوات تحالف سوريا الديمقراطية المكونة من مقاتلي قوات حماية الشعب الكردية مع بعض الفصائل العربية من مجلس دير الزور العسكري، والتي تقاتل ضمن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة هجوما منفصلا في الاتجاه نفسه على الضفة الشرقية من النهر.
ومن معطيات المعارك في جبهة دير الزور يمكن قراءة ما ذهب إليه رفيق خوري في جريدة «الأنوار» اللبنانية بالقول أن ترجمة سيطرة القوات الحكومية والروسية على دير الزور هي ان «السباق مع أمريكا في الحرب محكوم في النهاية بتفاهم روسي-أمريكي على العملية السياسية. فلا إعادة إعمار من دون مساهمة الغرب والشرق بعد التوصل إلى تسوية سياسية. ولا تسوية سياسية بالمعنى العملي من دون تنازلات متبادلة في الداخل وترتيبات لأدوار القوى الإقليمية في اللعبة الجيوسياسية».
إذا القوات النظامية السورية والميليشيات الحليفة لها تهجم على مناطق نفوذ التنظيم من الجنوب والشرق مدعومة بغطاء جوي روسي، بينما تهجم الميليشيات الكردية وبعض الحلفاء العرب من شمال دير الزور مدعومة بغطاء جوي أمريكي، ولا يلوح في الأفق أي تحرك عراقي على جبهة غرب الأنبار لتحرير مدن القائم وعانة وراوة التي يسيطر عليها التنظيم حتى الآن، لان القيادة العراقية منشغلة بتحرير مدينة الحويجة جنوب غرب كركوك التي من المفترض ان خطط تحريرها قد تمت وان تنسيقا في غرفة عمليات مشتركة بين القيادة العامة للقوات المسلحة وقيادة قوات البيشمركه الكردية التي تسيطر على مدينة كركوك يجري بشكل دؤوب لإطلاق عمليات تحرير الحويجة، لكن أزمة إطلاق حكومة الإقليم لموضوع الاستفتاء حول تقرير المصير أدى إلى توتر الأجواء بين بغداد وأربيل وربما أثر ذلك سلبا على إطلاق عملية تحرير الحويجة، حيث تسعى حكومة الإقليم إلى اشراك محافظة كركوك في الاستفتاء المقرر إجراؤه 25 أيلول/سبتمبر الجاري، وهذا ما واجهته حكومة بغداد برفض شديد أدى إلى أزمة في البرلمان الاتحادي الذي صوت بالأغلبية على رفض شمول كركوك بالاستفتاء مع مقاطعة كاملة من الكتلة الكردستانية لجلسة التصويت البرلمانية.
ويرى بعض المتابعين انفراجا قد يؤدي قريبا إلى إطلاق عملية تحرير الحويجة بعد تسريبات أشارت إلى تقديم ممثلي دول كبرى (بريطانيا والولايات المتحدة) «مقترحا بديلا» عن الاستفتاء، إلى رئيس إقليم كردستان، وقد وعد بارزاني من جانبه بدراسة المشروع والرد عليه سريعا، ما يفتح الطريق أمام تأجيل الاستفتاء وبدء حوار بدعم وضمانة دولية مع بغداد يفضي لمنح الكرد وضعا جديدا في العراق يؤمن لهم شراكة كاملة وحسم القضايا العالقة ووضع دســـتوري يقترب كثيرا من الصيغة الكونفدرالية. فهل سيشهد العراق انطلاق العمليات العسكرية ضد تنظيم «داعش» قريبا؟ هذا ما ستفرزه تحركات الأيام الآتية.
صادق الطائي
السيد الكاتب يتسائل ” فهل سيشهد العراق انطلاق العمليات العسكرية ضد تنظيم «داعش» قريبا؟ هذا ما ستفرزه تحركات الأيام الآتية.”
إذن ما ذَا كان ما يحدث منذ أشهر كثيرة ؟
شيء آخر مهم جداً و إن كان الجميع يتجاهل ذلك ، و لكل سببه : بإسم مكافحة داعش و الإرهاب يتم قتل الأبرياء بالمئات سواء في الموصل أو دير الزُّور و الرقة ، و ذاك حقاً عار على كل تلك الأطراف . أما مقاتلي ما يسمى داعش فكل الدلائل تشير الى أنهم محليون من سكنة تلك المناطق و لهم إحتجاجهم على السلطات الحكومية ، و لكن لتسهيل و تبرير قتلهم تصف أمريكا و حلفائها أولئك بالدواعش ، و قد جاء ذالك على هوى السلطات الحكومية أيضاً . و لكن قصر النظر هنا شديد أيضاً كما كان قبل غزو و إحتلال العراق عندما طبّلوا للعراق الجديد و الذي سيغدو مثل ألمانيا و اليابان . لن تهدأ الأحوال في أرض الرافدين لعشرات قادمة من السنين