ذكرى النكسة وسياسة الاستدراج الصهيوأمريكية

حجم الخط
1

للعلم، ضاقت الأجندة السنوية بالمناسبات الفاجعة الفلسطينية والعربية، وبدأ كل يوم في السنة يحمل أكثر من ذكرى مؤلمة، فمن مذبحة إلى نكبة، ومن نكسة إلى استيطان أو ذكرى اغتيال شهيد أو شهيدة، حتى بتنا ندمن الحزن «ونحذَر الفرح لأن خيانته قاسية» مثلما يقول شاعرنا محمود درويش.
بالفعل يصعب التصديق أن 51 عاما باتت تفصلنا عن ذلك النهار المشؤوم. يوم أراد العدو الصهيوني كسر أحلام الجماهير العربية في تحرير فلسطين، هذا الشعار الذي حملته الأمة العربية من المحيط إلى الخليج. أعوام طويلة مرّت على يوم الهزيمة، حين استطاعت إسرائيل احتلال الضفة الغربية وسيناء وهضبة الجولان العربية السورية. جاءت بعدها استقالة الرئيس عبد الناصر لتزيد من طعم مرارة النكسة.
رغم الهزيمة خرجت الجماهير في كل العواصم العربية تطالبه بالعدول عن الاستقالة والبقاء في منصبه، وانطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة لتعلن بداية المقاومة الفعلية للعدو الصهيوني ولتحرير أرض فلسطين الكاملة، والتصدي لمشاريعه في المنطقة ولتؤسس لمقاومة عربية ظهرت في ما بعد.
بعد ما يزيد على نصف قرن من حرب يونيو، دعونا نتفحص أهداف تلك الحرب وتداعياتها العربية والإقليمية والدولية، وما انبثق في ما بعد من أسرار عنها. نعم، أرادت إسرائيل من حرب يونيو، تطويع إرادة الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج كما الأنظمة. لنعترف، أن إحدى نتائج هزيمة يونيو تمثلت في أنها أدت إلى انتكاسة سياسية اجتماعية ثقافية، مضت بالعرب في طريق من التحولات العكسية، وصولا إلى المرحلة الراهنة. ربما لا يبدو هذا الترابط قائما ظاهريا، لكن الحقيقة أن النظام الرسمي العربي، ضلّ الطريق بالمعنى الإستراتيجي إثر الهزيمة، ليس في عملية الصراع مع إسرائيل فحسب، وإنما في مجمل المنعطفات السياسية المهمة.
أرادت إسرائيل من تلك الحرب أيضاً، إفهام النظام الرسمي العربي بعدم جدوى الحرب معها، وعلى المؤسسة الرسمية العربية الانصياع التام لما تمليه إسرائيل وحليفتها الاستراتيجية الأولى، عليها، وصولا إلى قبول الدولة الصهيونية مكونّاً رئيسيا من مكونات المنطقة، ثم تعاظمت الطلبات الإسرائيلية من النظام الرسمي العربي، إن بالمجاهرة في علاقاته الإسرائيلية علنا عن طريق التحالف مع إسرائيل، أو القبول بالرواية التضليلية الصهيونية. اختارت أمريكا وإسرائيل كل مقتضيات إغراق العالم العربي بالصراعات المختلفة، الهادفة إلى تقسيم الدولة العربية الواحدة، وبذلك تتحقق لإسرائيل عدة أهداف: أولها، حتمية توقيع العديد من الدول العربية لما يسمى بـ»معاهدات السلام» معها. ثانيا إضعاف الدولة العربية. ثالثا، سوف لن تبدو إسرائيل والحالة هذه، وكأنها سبب الصراعات في المنطقة. رابعاً، التهيئة للاعتراف الرسمي العربي بـ»يهودية» كيانها. خامساً، تمزيق الوحدة التاريحية للجماهير العربية ونصرتها لفلسطين. كلّ ذلك بهدف تصفية القضية الفلسطينية بشكل تام وفقا للرؤى الأمريكية الإسرائيلية.
في ذكرى النكسة، علينا الاعتراف بأن إسرائيل انتصرت في حروبها ونجاح مخططها في المنطقة، ليس بفعل سوبرمانية جنودها، بل بفعل عوامل الضعف العربي، وبمراهنة البعض الفلسطيني ومعظم النظام الرسمي العربي بإمكانية حل الصراع، من خلال إنشاء دولتين على أرض فلسطين التاريخية، هذا المبدأ لم تعترف به إسرائيل يوما، وما كان يردده زعماؤها حول هذا الشعار أحيانا، كان لتخدير الفلسطينيين والعرب، ليس أكثر! في ظل تعاظم استيطانها الذي التهم ما يزيد عن 45% من مساحة الضفة الغربية، بحيث تنتفي الإمكانية الفعلية لقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة. لقد اعتمدت إسرائيل في تنفيذ مخططاتها في المنطقة على الجهل العربي بها، وعدم قراءتها جيدا. وتصريحات قادة إسرائيل تطرقت إلى هذه المسألة، منها مثلا، ما قاله موشيه ديان للصحافي الهندي كارانجيا (صديق عبدالناصر) عندما سأله الأخير بما معناه، كيف استطاعت إسرائيل إعادة خطتها الهجومية في حرب عام 67 تماما كما في عدوان عام 1956 على مصر؟ فقال دايان يومها جملته العنصرية: «العرب لا يقرأون…. الخ». لقد سُئل رابين في الكنيست عن سبب توقيعه اتفافيات أوسلو؟ فأجاب بالحرف الواحد: «حتى يكون الإرهابيون تحت نظري»! لكنه أجاب عن السؤال ذاته في مقابلة مع الصحافي الإسرائيلي حاييم بار، مضيفاً «بصراحة بدأت أشك في القدرة القتالية للجيش الإسرائيلي».
أما حول الحقائق التي ظهرت عن حرب عام 1967 في ما بعد، فمنها أن سياسة الاستدراج الإسرائيلية الأمريكية لمصر أدّت فعلها، فقد وضع الرئيس الأمريكي ليندون جونسون خطة منذ عام 1965 لإسقاط عبدالناصر (محمد حسنين هيكل في كتابه: «لمصر لا لعبدالناصر») ويروي الأستاذ هيكل مضيفا، إنه في أواخر مايو 1967 قام أبا ايبان وزير خارجية إسرائيل، بزيارة سرّية إلى الولايات المتحدة، وقابل الرئيس جونسون، وتأكد منه أن البيت الأبيض يوافق على سياسة إسرائيل ويقف إلى جانبها، بل يضمن سلامتها وأمنها. وقال جونسون لإيبان «إن إسرائيل لن تكون وحدها»، وأكد أن الولايات المتحدة ستستخدم أي وسيلة لفتح المضيق وإسقاط عبدالناصر. وتأكد لإسرائيل قبل أن تصدر قرارها ببدء الحرب، أن لديها ضوءا أخضر، وموافقات بل تأييد ومساعدة من الولايات المتحدة ومن الرئيس جونسون شخصيا. يأتي في السياق ذاته أيضاً كتاب بيتر هونام «العملية سيانيد»، وهو الأسم الكودى لخطة حرب 1967 التى تم إعدادها عبر البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية مع الجيش الإسرائيلي والمخابرات الإسرائيلية «الموساد».
بدأ الترتيب للخطة فى فبراير 1966، وكان ضابط الاتصال بين الجانبين الإسرائيلي والأمريكي للتنسيق للعملية وتنفيذها هو ضابط المخابرات الأمريكي جون هادون مدير مكتب وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في تل أبيب. لم يتم اتخاذ الخطوات النهائية لتنفيذ عملية «سيانيد» إلا بعدما أنتجت إسرائيل أول قنبلتين ذريتين لها فى مطلع عام 1967. لم يكن هدف الرئيس الأمريكى جونسون من حرب 1967 هو هزيمة الجيوش العربية، واحتلال أجزاء من أراضي مصر وسورية والأردن فقط، بل كان المخطط طبقاً للعملية «سيانيد» عبور الجيش الإسرائيلى لغرب القناة، والزحف نحو القاهرة والقبض على جمال عبد الناصر وتسليمه للأمريكيين، وفي حال تعذر ذلك فلا بأس من قتله، وقد أعاق تنفيذ الخطة رفض موشى ديان تنفيذها بعد اندلاع المعركة وتحججه للرئيس جونسون بأن ذلك يفوق قدرات قواته، وسيقوض الانتصارات التى تم تحقيقها. هذا يذكّر بما قاله رابين في مذكراته: من أنه بكى بعد احتلال إسرائيل لأراض عربية شاسعة بعد حرب عام 1967، وحينها فكّر بالسؤال: كيف سنحمي كلّ هذه المناطق؟».
من الحقائق أيضا: ما قاله أبا إیبان وزیر خارجیة إسرائیل في الأمم المتحدة عام 1969: «إننا ببساطة لن نعود إلى حدود الرابع من يونيو 1967، لأن ذلك یذكرنا بأوشفیتز، وأنا لا أمزح معكم، لا تتوقعوا منا أي شيء من ذلك، لأن حیاة أبنائنا وأمنھم قبل كل شيء، وعلى ذلك قامت إسرائیل». للعلم ما تزال الحكومات الصهيونية تطبق ذلك النهج، ولذلك لم يسأل العرب والفلسطينيون أنفسهم: لماذا ترفض إسرائيل حتى اللحظة ترسيم حدود دولتها؟ أيضا، یقول جوناثان أوفیر وھو كاتب صحافي یعیش الیوم خارج إسرائیل، في إحدى مقالاته: «إن إسرائیل التي أعطیت 55% من أرض فلسطین الانتدابية سنة 1947، قامت بعد ذلك بإخلاء أكثر من 300 قریة فلسطینیة وتھجیر سكانھا المقدر عددھم بـ350 ألف نسمة، لتصبح إسرائیل تمتلك عام 1949 ما نسبته 78% من أراضي فلسطین، وتقوم بعد ذلك وعندما تتهيأ الظروف باحتلال بقية الأراضي الفلسطینية. حدث ذلك في حرب عام 1967 التي شنتها على العرب، والتي قال عنھا كثیرون من الساسة الإسرائیلیین، بأنھا حرب استفزازیة خُطط لھا لاحتلال بقیة الأرض الفلسطینية. في عام 1972 قال الجنرال الإسرائیلي نتنیاھو بیلید، الذي كان یشغل منصب رئیس العملیات العسكریة في الجیش الإسرائیلي: إن ما أشعناه عن تھدیدنا الوجودي سنة 1967، كان خدعة ولدت وتطورت بعد حرب التحرير عام 1948، بسبب صغر مساحة أراضینا، أما مناحیم بیغن الذي كان وزیرا عام 1967 فقد قال: لم تظھر تركیزات الجیش المصري في سیناء أن ناصر كان على وشك مھاجمتنا حقا، یجب أن نكون صادقین مع أنفسنا، فنحن الذین قررنا أن نھاجمه لأننا كنا نعرف أننا سنكسب المعركة في غضون أسبوع، إذا بدأنا الھجوم. كذلك، وصفت قاضیة في المحكمة العلیا الإسرائیلیة الاحتلال الإسرائیلي لفلسطین، بأنه سيكون طويلاً ولیس مؤقتا، فھو یبدأ مؤقتا ثم مطولا ثم دائما. هذا غيض من فيض الحقائق الني تحدثنا عنها. يبقى القول إن سياسة الاستدراج انطبقت أيضا على الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين خلال اجتماعه مع السفيرة الأمريكية أبريل غلاسبي لاحتلال الكويت، لإيجاد المدخل والأسباب للقضاء على قوة العراق، خدمة لمبادئ الأمن الإسرائيلية.
كاتب فلسطيني

ذكرى النكسة وسياسة الاستدراج الصهيوأمريكية

د. فايز رشيد

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رجا فرنجية - كندا:

    باختصار شديد ان قيام الغرب بايجاد دويلة للصهاينة على ارض فلسطينن الكنعانية اليبوسية العربية كان بهدف التخلص منهم اولاً،
    وايجاد حليف للغرب في الشرق ألأوسط. ان اختيار فلسطين لأقامة هذه الدويلة على أرضها كان بالأضافة لتحقيق طلب الصهاينة هو بسبب موقعها الجغرافي الأسترايجي الذي يشكل حلقة الوصل بين البلدان العربية في اسيا وتلك في افريقيا وامكانية الفصل بينها. ومن اجل تحقيق هدف الغرب الأساسي، جرى ما اشار الدكتور فايز رشيد في مقال اليوم: ” اختارت أمريكا وإسرائيل كل مقتضيات إغراق العالم العربي بالصراعات المختلفة، الهادفة إلى تقسيم الدولة العربية الواحدة، وبذلك تتحقق لإسرائيل عدة أهداف: أولها، حتمية توقيع العديد من الدول العربية لما يسمى بـ»معاهدات السلام» معها. ثانيا إضعاف الدولة العربية. ثالثا، سوف لن تبدو إسرائيل والحالة هذه، وكأنها سبب الصراعات في المنطقة. رابعاً، التهيئة. خامساً، تمزيق الوحدة التاريحية للجماهير العربية ونصرتها لفلسطين. كلّ ذلك بهدف تصفية القضية الفلسطينية بشكل تام وفقا للرؤية الأمريكية الإسرائيلية.

إشترك في قائمتنا البريدية