شتوتغارت (ألمانيا) ـ «القدس العربي»:بعد 20 عاما من صدور حكم قضائي يحمل اسمه أحدث ثورة في عالم كرة القدم، يشعر البلجيكي جان مارك بوسمان بالإحباط. وقال اللاعب البلجيكي السابق: «كرة القدم تحولت إلى عمل تجاري… اللاعبون يتقاضون أرقاما فلكية ولا يحترمون العقود». وقضت إحدى محاكم الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ عام 1995 بعدم مشروعية تقاضي الأندية مبالغ مالية مقابل انتقال أحد لاعبيها بعد انقضاء مدة تعاقده معها، بالإضافة إلى إلغاء فكرة اعتبار اللاعبين المنتمين لدول الاتحاد الأوروبي أجانب عند انتقالهم لأي ناد آخر داخل القارة. ورغم نجاح بوسمان في كفاحه، يشعر اللاعب السابق بأن الأهداف التي كافح من أجلها لم تتحقق كلها. وقال: «اللاعبون حصلوا على حريتهم بشكل فوري… لكن هؤلاء اللاعبين لم يدركوا بعد ماذا كان يعني قانون بوسمان». وتابع: «أرغب في أن يدرك اللاعبون المحترفون الآن أن هناك رجلا كافح من أجلهم قبل 20 عاما حتى حقق تلك النتائج». وأضاف: «إنها مفارقة… قانون بوسمان كان يجب أن يساعد على توزيع المملكة على الجميع ولكن المكاسب اليوم تنحصر بين أيدي عدد قليل».
وكان بوسمان قدم شكوى ضد ناديه «أر إف سي لييج» البلجيكي عام 1990، بسبب رفض الأخير رحيله بعد انتهاء عقده معه دون أن يحصل على مبلغ معين من المال. وقضت محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ بعد ذلك التاريخ بخمسة أعوام بأحقية ومشروعية الأسباب التي ساقها اللاعب البلجيكي لتحدث بعد ذلك ثورة في عالم كرة القدم.
ومن جانبه، قال كارل هاينز رومينيغه رئيس نادي بايرن ميونيخ الألماني: «لقد كان حكما قويا وله نتائج خطيرة في كرة القدم وخاصة للأندية… حتى ذلك الحين كان هناك جو من العلاقات الطيبة بين الأندية». واستطرد: «الحكم انعكس على تطور أجور وانتقالات اللاعبين… كان حكما في صالح اللاعبين ومناهض للأندية». ولم يكن الحكم المذكور انتصارا للاعب البلجيكي السابق بل للاعبين آخرين، فقد تمكن اللاعبون منذ ذلك الحين من الانتقال بحرية بعد انتهاء تعاقداتهم، فيما لم يسمح لبوسمان بهذا الأمر، حيث انتهت مسيرته الكروية بفشل انتقاله لنادي دونكيرك الذي كان ينافس في الدرجة الثانية الفرنسية. وانتهت مسيرة بوسمان بفوزه بالمعركة القضائية ولكنه خسر مقابل ذلك الكثير أيضا.
ولد بوسمان عام 1964 في مونتيغني، أحد أحياء مدينة لييج البلجيكية والتي يعيش فيها إلى الآن. وكان أفضل الانجازات التي حققها اللاعب المغمور هي المشاركة في مباراتين في كأس الاتحاد الأوروبي أمام فريقي تيرول ورابيد فيينا. وشغل بوسمان مركز لاعب الوسط، ولم يكن يتمتع بمهارات خاصة ولهذا لم يكن معروفا، فقد بدأت مسيرته مع ستاندر لييج ولكنه يشتهر بواقعة انتقاله لغريمه «أر إف سي». ورغب نادي بوسمان الجديد عام 1990 في تمديد تعاقده معه بعد انتهائه ولكنه قدم عرضا ماليا متواضعا، فما كان من اللاعب البلجيكي إلا أن رفض هذا العرض وحاول الانتقال إلى دونكيرك. وطالب «أر إف سي» من النادي الفرنسي 600 ألف دولار مقابل انتقال بوسمان، وهو المبلغ الذي كان لا يقبل دونكيرك أو أي ناد آخر دفعه في ذلك التوقيت ولذلك قام اللاعب برفع القضية.
وقال ثيو فان سيغلين الأمين العام للنقابة الدولية للاعبي كرة القدم: «جان مارك كان الوحيد الذي قدر أهمية القيام بهذا الفعل… أعلم أنهم حاولوا آنذاك ردعه كما عرضوا عليه الكثير من المال». ورفض بوسمان الإغراءات واتخذ قرارا نجم عنه الكثير من التداعيات الخطيرة له، حيث استمرت إجراءات التقاضي لخمس سنوات ولم يكن في تلك الفترة أي ناد في أوروبا يأخذ القضية على محمل الجد حتى أصدرت المحكمة قرارها وأحدثت تغييرا دائما في عالم كرة القدم الاحترافية. وأضاف سيغلين: «بعد إجراء مثل هذا ضد أكثر الهيئات نفوذا في العالم يمكنني أن أؤكد أن حياتك تتحول إلى حلقة من التعذيب».
واكتسب لاعبو كرة القدم، منذ ذلك القرار، الحق في الانتقال بحرية بين البلدان الأوربية مثلهم في ذلك الأمر مثل العمال والموظفين، وهو ما أدى، طبقا لبوسمان، إلى حدوث طفرة هائلة في الأجور في السنوات اللاحقة. وينص قرار المحكمة على إنه لا يوجد أي مبالغ مستحقة للنادي بعد انتهاء تعاقده مع اللاعب مقابل انتقال الأخير لناد آخر، وهو الأمر الذي جعل الأندية ترتبط بعقود طويلة الأجل مع اللاعبين الذين ترغب في أن تحتفظ بهم بين صفوفها، ما ساهم في رفع الأجور بشكل كبير. ولم يحظ بوسمان بأي ميزة من وراء هذا الأمر، حيث رفضت العديد من الأندية الحصول على خدماته. ولعب بوسمان سبع مباريات فقط في موسم 1996/1995 مع نادي «أر سي إس» فيسي البلجيكي وسجل هدفا واحدا، لتبدأ بعد ذلك مرحلة تراجعه التي انتهت بإدمانه للكحول. وختم بوسمان قائلا: «كان هناك وقت كنت أعد فيها السنتات… كان أمرا سيئا للغاية… هل لدي أصدقاء في مجال كرة القدم؟ لا، لا أحد».