من أفجع وأحقر ما أظهرته حقبة الجهاد التكفيري العنفي، خصوصا تجلياته المنحرفة في إدارة ما عرف بالخلافة الإسلامية في القطرين العربيين، العراقي والسوري، هو تعامل المنتسبين لذلك التيار مع المرأة. إنه تعامل متوحش وغير أخلاقي، ولا صلة له بالإسلام الذي يدعون أنهم من حملة راياته ومبادئه.
إن ما افصحت عنه النساء الهاربات من جحيم الأسر والعبودية والسبي والاغتصاب والبيع كسلعة، الذي عشنه لا ينم فقط عن أمراض نفسية وعقلية وخلقية عند ممارسيها، وإنما ينمٌ أيضا وبالقوة نفسها، عن وجود خلل ثقافي وديني هائل في فهم موقف الإسلام من المرأة، لا من قبل أفراد الجماعات الجهادية التكفيرية فقط، وإنما من قبل الملايين من المسلمين العرب. فما كان باستطاعة تلك البربرية أن تتواجد لولا وجود أجواء وثقافات تاريخية عدائية تجاه المرأة عبر السنين والقرون.
ولذلك فنحن أمام جرس إنذار يدٌق بقوة وعنف يصُم الآذان، جرس التنبيه إلى أن موضوع المرأة برمته في المجتمعات العربية، القائم على الاحتقار والعدوانية والظلم والتهميش، ما عاد يمكن السكوت عنه، إذ وصل إلى مستوى الكبائر والجرائم والموبقات.
والسبب الرئيسي، بصوت عال لا غمغمة فيه، هو المفاهيم الفقهية المتخلفة، التي أصر عليها وعلى نشرها الكثير من الفقهاء، من دون أن يكترثوا للتضاد الواضح بين ما يدعون وبين ما يقوله الإسلام، نصوصا ومقاصد كبرى وروحا بالغة الحساسية، تجاه فضائل العدالة والرحمة والإنصاف.
دعنا، كمثال أول، نبدأ مما يعرف بالخطيئة الأولى، أي خروج آدم وحواء من الجنة. إن القرآن يضع المسؤولية على كليهما في آيتين، وعلى آدم وحده في آية واحدة ثالثة، ولا يضع اللوم على حواء وحدها في أي آية، ومع ذلك أصر الكثير من الفقهاء على أن المرأة هي التي أغوت وخدعت آدم وأخرجته من الجنة، بل يتجرأ ابن جرير الطبري في تفسيره فينسب إلى الله أنه جل جلاله قال لها: «انت غررت عبدي»، ويهلوس ابن المسيب بأنه «ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل، ولكن حواء سقته الخمر»، وينقل ابن كثير في تفسيره عن التراث اليهودي بأن آدم قال: «حواء أمرتني». لقد تغلبت سلوكيات العصبية ضدُ المرأة عند هؤلاء وعند الكثير من الفقهاء على عدالة الدين.
لنأخذ، كمثال ثان، الموضوع الأكبر في حياة المرأة والرجل على السواء: موضوع الزواج. في القرآن الكريم توصف تلك العلاقة بالشكل التالي: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا، لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» (الروم 21). وفي مكان آخر وصف لا يعلو عليه وصف: «هنُ سكن لكم وأنتم سكن لهن».
فماذا يقول الفقهاء عن تلك العلاقة المبنية على المودة والرحمة والسكينة؟ مذهب يعرف الزواج بأنه «عقد لمجرد متعة التلذُذ بآدمية»، ومذهب آخر بأنه «عقد بلفظ النكاح على منفعة الاستمتاع «، ومذهب آخر بأنه» عقد يفيد ملك المتعة قصدا وهو معقود للرجل دون المرأة»، ومذهب آخر يتكلم عن «نكاح المتعة».
ويتجرأ البيهقي فيقول على لسان النبي العفيف الطاهر بأن « النكاح رقُ»، ويعلن الترمذي عن عبودية جديدة للمرأة فيكتب: لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»، وينبري مسلم ليحط من شأن النساء بالقول «لولا حواء، لم تخن أنثى زوجها الدهر»، وبالقول» إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان»، ويصل الاحتقار للمرأة إلى ذروته بأقوال للإمام أبو حامد الغزالي بأن «ما نزلت على أمتي فتنة أضر على الرجال من النساء»، ويردف لا فض فوه «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للب الرجل الحازم منكن يا معاشر النساء»،
بل إن أروع النساء عند الغزالي من «إذا تزوج عليها ثلاثا أطعمته الطيبات وقالت: أذهب بنشاطك وقوتك إلى أزواجك».
عندما تتناقل آلاف الكتب الفقهية تلك التعابير والصور البشعة التي تصوٌر المرأة بأنها شيطان، ومصدر إغواء، ووسيلة للمتعة الجسدية والغرائز الجنسية فقط، وتطلب منها السجود لزوجها، ثمُ يقرأ كل ذلك المسلمون الشباب وتردد كل ذلك يوميا محطات تلفزيونية دينية، عندما يحدث كل ذلك، وتخلق بيئة تحتقر المرأة وتعاديها وتعتبرها سلعة للمتعة وعبدة لزوجها، فلماذا نستغرب أن نرى ونسمع عن الموبقات التي يرتكبها الكثير من المنتمين لحركات الجهاد التكفيري العبثي بحق النساء والفتيات الصغيرات في كل أرض يحكمونها؟
نعم، لقد وجدت محاولات إصلاحية وقرارات فقهية إنسانية للردُ على كل تلك البذاءات التي قيلت بحقُ المرأة، لكن لم يتكوٌن بعد تيار كبير يعتدُ به، ولم تقم وزارات التربية والثقافة والإعلام والشؤون الدينية بحملات مستمرُة لا تتوقف ولا تهدأ قط، ولم تشرع البرلمانات قوانين تردع وتعاقب بمستويات عليا، ولم توقف الحكومات بحزم أي جهات دينية وأي رجل دين يعارضون مساواة المرأة والرجل في كل الحقوق وكل المسؤوليات وكل الفرص الحياتية. السُخف الفقهي الذي حط من قدر المرأة العربية، المسلمة وغير المسلمة، عبر القرون، يظهره الجنون الحالي الذي نعيشه في كل الأرض العربية. كما يظهر أن موضوع حقوق المرأة العربية الإنسانية الكاملة يجب أن نتعامل معه كأقدس المقدسات، وكأولوية قصوى، وكاستجابة للتوجيهات الربانية العادلة، وليس كخطابات ووعود موسمية.
كاتب بحريني
د. علي محمد فخرو
مقال جميل و أتمنى ان تزال المفاهيم الخاطئة والمسيئة للمراة ولكن أتمنى رد من الشيوخ على مدى صحة او عدم صحة ما أورده الدكتور من احاديث كنماذج