بيروت – معروف الأسعد: هذه المدينة ثقيلة وصعبة بكل اخبارها وضجيجها. لا مكان للسكون فيها إلا عندما أعود إلى المنزل الساعة الرابعة صباحاً بسيارة الـ»تاكسي». يرفع سائقها صوت الراديو عندما يسمعني أدندن اغنية لمحمد عبد الوهاب «أنا من ضيّع في الأوهام عمره». هذه المسافة كافية لطمأنة الروح بعض الشيء. بيروت متطلبة جداً. على الفرد أن يعيش هنا وان يستمع إلى خبر انتحار حسن. حسن الذي كل ما رأيته في مظاهرات بيروت كان دائماً يرقص. كنت أنزعج من قدرته على الرقص علناً لأني لا أستطيع أن أفعل ما يفعله. والآن رحل لأن هذه المدينة أفقدته روحه بعدما فقد بلده سوريا.
في هذه المدينة بعد خبر انتحار حسن تسألني صديقتي ، كيف أننا نبقى صامتين عندما نكون مع الأشخاص الذين نحب، ولكن لا نجيد الصمت عندما يرحلون؟. على الفرد أيضاً ان يحتمل الرجل الأبيض الكولونيالي الذي يأتي إلى هنا بهدف انقاذنا نحن الشعوب الأقل شأناً فيعمل هنا كصحافي أو مع الجمعيات، ويتقاضى ضعف ما نتقاضاه فقط لأنه أبيض وعلى الأرجح لا يملك تأشيرة عمل. وطبعاً لا تنته العقلية الدونية فيأتي مصدوماً كيف في هذه المدينة حانات وأماكن للسهر ولا يجد أي ناقة في الشارع.
قاسية هذه المدينة علينا نحن المعطوبين بالهشاشة. تأخذ منا كل لطافتنا وأيضاً تأخذ من نحب من أصدقاء الذين يهاجرون الواحد تلو الآخر، مما يزيد وحشتنا ويجعل من بيروت مكاناً بارداً. وأنا لا أحب الأماكن الباردة. هجرة الأصدقاء تزيد من وحدتنا كل يوم وتجعل الإستيقاظ والخروج من المنزل كمن يقضم روحه.
لا خيبة أكبر من بيروت لنا نحن الفقراء، جعلتنا نتعايش مع النفايات وكأن شيئاً لم يكن. خيبة أن لا نستطيع تغيير شيء، أن نعيش تحت رحمة الطوائف وميليشياتها وأن نخاف من كل شيء. أصبحنا لا نكترث حتى للموت. لا نجوم في سماء مدينتي يبدو حتى السماء هنا مصابة بالخيبة، لا شجر ومساحات خضراء، وبحرها هو الأكثر تلوثاً في لبنان لكنها لا تكترث لنا نحن أولاد القرى الذين نبحث عن هكذا أماكن. حتى محاولة الهرب من هذه المدينة مؤلمة، تجعلك بيروت تشعر بالذنب كلما قررت أن ترحل، ليس هناك في الحياة ما هو أبشع من الشعور بالذنب، يصطاد كل ما في داخلك من طاقة وضوء، قالت لي المعالجة النفسية «الذنب يمنعك من أن تحب نفسك» بما معناه أن تعيش في بيروت يعني أن لا تحب نفسك.