القاهرة ـ «القدس العربي»: جيل جديد من شباب التشكيليين يحاول أن يبدو خارجاً عن المألوف الكلاسيكي في مدارس الفن التشكيلي، محاولات تؤكدها حداثة الخبرة والتجربة، لذا المحاولة لم تتحقق إلى حدٍ كبير. الأعمال تأتي من خلال معرضين، أولهما معرض ثنائي، لكل من الفنانين عبد الرحمن شوقي ودينا الكيلاني، الذي جاء بعنوان «رؤية تعبيرية»، والمُقام حالياً في قاعة زياد بكير، في دار الأوبرا المصرية. ومعرض آخر جماعي، مقام الآن بآتيليه القاهرة، لفناني نقابة التشكيليين في محافظة الدقهلية ــ شمال القاهرة ــ وربما نجح شوقي وكيلاني بوجه خاص في الانفلات قليلاً من الحِس الكلاسيكي، الذي تجسد بشكل كبير في أعمال فناني المعرض الجماعي. ليبدو أن اللوحات في معرض فناني الدقهلية أشبه بالتدريبات على المدارس الكلاسيكية، من الواقعية وحتى السوريالية، باستثناء بعض الأعمال القليلة، التي تحاول العمل من خلال التحوير أو الوقوف ما بين مدرستين، لكن للوهلة الأولى نستطيع أن نلمح تأثيرا كبيرا لهذه المدرسة أو تلك.
رؤية تعبيرية
تحت هذا العنوان يأتي المعرض المشترك لعبد الرحمن شوقي ودينا الكيلاني. بداية تحاول كيلاني أن تتنوع أعمالها في فن التصوير، من خلال عدة موضوعات، من الممكن حصرها في الحضارات القديمة، المصرية والأفريقية، من خلال وجوه الأفريقيات وملابسهن، أو التواصل ما بين ملامح الحضارة المصرية القديمة، وبعض مما نعيشه الآن، كالرموز الفرعونية والتضافر بينها وبين تكوينات وملامح عصرية للفتيات، وصولاً إلى تقنية أكثر حداثة، من خلال الحياة المصرية في تطورها، من القرن التاسع عشر وحتى الآن.
يبدو أن دينا الكيلاني تتأرجح ما بين الكلاسيكية البحتة في العديد من أعمالها، ثم محاولة التحديث من خلال تقنية الكولاج، من وضع صور فوتوغرافية تمثل حالات متعددة ومختلفة زمنياً في لوحة تبدو شبه جامعة للحياة المصرية. ربما يكون الموضوع هو مصر وعالمها، إلا أن معالجته جاءت مختلفة بشكل لافت ــ الاختلاف من حيث الأسلوب التعبيري ــ أيقونات تحتل أكبر مساحات اللوحة، وألوان نقيّة تبتعد كثيراً عن التركيب، إضافة إلى اللعب على الألوان الأساسية.
من ناحية أخرى تأتي أعمال شوقي لتمثل تنويعات لفن البورتريه، وقد أجاد إلى حدٍ كبير في رسم شخصيات نابضة بالحياة. المفارقة أن شوقي انقسمت أعماله ما بين وجوه المشاهير من الفنانين، المصريين والأجانب، عبد الرحمن الأبنودي، وجوني ديب على سبيل المثال. من جهة أخرى هناك وجوه لمجهولين، كرجال من الجنوب، كذلك الفلاحين، وجامعي القمامة في الميادين. الوجوه الأخيرة تبدو أكثر تأثيراً وتواصلاً مع المُتلقي، بينما الأعمال التي جسدت وجوه المشاهير تبدو في درجة أقل من حيث الروح الجامد للشخص، وعدم التواصل والتفاعل مع عين الرائي. السمة المهمة في أعمال كل من عبد الرحمن شوقي ودينا الكيلاني، أن كلا منهما لم يدرس الفن بشكل أكاديمي، ويبدو أن هناك شخصية فنية لم يزل أمامها الكثير، إلا أنها تمتلك الحِس بالتكوين واللون، والمخاطرة بخطوط وتكوينات وخلق إيقاع غير متوقع، وهو ما تمنحه مزية عدم الدراسة المنهجية.
الفخ الكلاسيكي
في المعرض الجماعي لفناني نقابة الفنانين التشكيليين في محافظة الدقهلية، تتنوع الأعمال ما بين التصوير والنحت والحفر على الخشب أو النحاس، والغرافيك، إضافة إلى أعمال الخزف. السمة الغالبة على هذه الأعمال، أنها وقعت أسيرة المدارس الكلاسيكية في الفن التشكيلي، دون أدنى تجديد، ولو على مستوى الفكر، دون التقنية، فالأعمال السوريالية على سبيل المثال أتت مُنتمية تماماً لأسلوب سلفادور دالي ــ مع الفارق بالطبع ــ كما في أعمال محمود خفاجي، أو التطبيق المباشر لقواعد المنظور والنسب والأحجام، خاصة في حالة تكرار الشكل ــ خلق الإيقاع ــ بالاعتماد على الجسد الإنساني، أو تحوير الأشكال الهندسية كوحدة بنائية في العمل الفني.
من ناحية أخرى نجد المحافظة على التكوين في شكله الكلاسيكي، مقدمة وخلفية اللوحة، خلق حالة العمق من خلال اللون ودرجة التباين اللوني/الإضاءة. هناك بعض الاستثناءات، التي حاولت الخروج عن هذه السمة العامة، كما في لوحة الفنان محسن صالح، من حيث التكوين والألوان، والحركة الإيقاعية في اللوحة، من خلال الوجوه التي تحتلها، أو لوحة الفنان مجدي السيد، الذي اعتمد تقنية اللطشات اللونية، وكذلك خلق عدة مستويات داخل اللوحة، من خلال تباين اللون وتدرجه من الدرجة الواحدة ــ مشتقات اللون الواحد ــ أو توزيع الأجسام في تكرار مدروس، لضبط الإيقاع، ومحاولة السيطرة على عين المتلقي. وأخيراً نجد عمل الفنان بهاء الدين الكومي، بورتريه من خلال تقنية الخط المُتصل، وهنا يبدو التباين في تفاصيل ملامح الوجه وطريقة تكوينها. العديد من الأعمال الأخرى وقعت في فخ المدارس الكلاسيكية، وكأنها تجارب لم تخرج عن إطار كونها أشبه بالتدريبات الأكاديمية.
محمد عبد الرحيم