■ صباح اليوم الثاني من حملة انتخابات الرئاسة، حطت طائرة صغيرة على مدرج مطار الحبيب بورقيبة الدولي بمدينة المنستيرعلى الساحل الشرقي لتونس.
مالك الطائرة وراكبها هو رجل الاعمال والمنتج السينمائي المعروف طارق بن عمار، اما مرافقه على الرحلة نفسها فقد كان الثمانيني المخضرم الباجي قائد السبسي، الرجل الذي صعدت اسهمه بشكل لافت بعد تصدر حزبه المراتب الاولى في انتخابات البرلمان الاخيرة، وارتفاع حظوظه، مثلما يرى الكثيرون، للفوز بالسباق المرتقب اواخر هذا الشهر نحو قصر قرطاج.
بدء حملة الانتخابات من المنستير لم يكن بالامر العبثي، فهي فضلا عن كونها واسطة عقد مسترسل من المدن والبلدات الساحلية، التي شهدت تقدما واكتساحا واضحا لحزب الباجي في استحقاق تشرين الاول/اكتوبر الماضي على حساب باقي الاحزاب، وفي طليعتها حزب حركة النهضة، مهد ومرقد الزعيم الراحل بورقيبة اول رئيس لتونس، ومعقل مهم واساسي لورثته في حزب الدستور، الذي نشأ في ثلاثينيات القرن الماضي وقاد الكفاح ضد المستعمر، ثم احتكر الحياة السياسية بعد ذلك بمجرد الاعلان عن الاستقلال ليواصل نشاطه الرسمي والعلني تحت مسميات مختلفة حتى صدور قرار قضائي بحله شهورا قليلة بعد هروب بن علي. «نداء تونس» كما يراه الباجي هو الامتداد الشرعي والطبيعي لذلك الحزب. والباجي في نظر انصاره هو منقذ جاءت به «العناية الإلهية»، كما قال يوما عضو بحزبه، لتضعه على طريق بلد منهار أوشك على السقوط في هاوية سحيقة، فلم يتخلف الرجل عن تلبية نداء الواجب وبادر بانتشاله في الوقت المناسب من مصير كالح ومجهول. قبول دعوة سخية من المرافق للوصول براحة وأمان الى المدينة لم تكن كذلك من قبيل المجاملة او الصدفة البريئة، فليس ببورقيبة وحده تكتمل الفصول الملحمية «لأسطورة» المنقذ والانقاذ، التي يحاول الباجي استحضارها بقوة وتقمص ادوارها بحنكة ومهارة لا تبارى. وربما لان الرواية لا تقدر وحدها على الصمود طويلا بمعزل عن حبكة سينمائية جيدة تعرف كيف ومتى تقدمها بهالة من الاضاءة والابهار البصري الحاد والجذاب، فان «بهارات» من قبيل الامثلة الشعبية والادعية، وحتى آيات من القرآن، تصبح ضرورية للنفاذ في ما بعد بكل تلك السلاسة والنعومة الى البصائر، للرسوخ في اذهان وقلوب شعب تأسره الصورة ولا تسمح له بالتحليق بعيدا عن سحرها وفتنتها. يسدل الستار في النهاية مثلما يحدث في معظم الافلام الكلاسيكية المعروفة بظهور البطل الوطني الاوحد في ثوب المنتصر على خصومه الاشرار الهمجيين اعداء الدولة ومخربيها.
ومن الطبيعي ان يحتاج كل ذلك الى منتج ثم مخرج سينمائي بارع، والمنتج السينمائي المعروف والبارع هنا الذي اختار الباجي صحبته جوا، هو الصديق الحميم لرئيس الوزراء الايطالي الاسبق سلفيو برلسكوني، امبراطور الاعلام والسياسة في بلده، وواحد من المساهمين في رأسمال القناة التلفزيونية الخاصة «نسمة»، التي كانت مفتاحا سحريا نادرا وثمينا لفتح ابواب الظهور الاعلامي المحسوب والحصري للزعامة الجديدة في ثوبها البورقيبي اللائق، و»ذراعا اعلامية» طولى مثلما ينعتها الحساد والمغتاضون من «نجاحاتها» لا قبل لمعظم المرشحين الاخرين، خصوصا اولئك الذين دأبت على وصفهم بـ»الفاشلين» في السنوات الثلاث الاخيرة، لنيل بركاتها وعطاياها بعد ان فقدوا القدرة او الموهبة للتنافس معها في غياب ادنى شروط التوازن او تكافؤ الفرص والوسائل.
لا يستعين الباجي بمخرج واحد او منتج سينمائي بعينه، ولا بالتاريخ وفقا لرؤية محدودة وسطحية تقدمها القراءة الرسمية الثابتة والمعروفة، ولا يستخدم مجرد ادوات وتقنيات سينمائية ومسرحية برع فيها بورقيبة اكثر من غيره، لكنه يستغل الى ابعد حد فراغا رهيبا وقصورا فادحا على الطرف المقابل. اذ لا يبدو ان هناك على اللائحة الموسعة للمرشحين منافسين يملكون وزنا او ثقلا اعلاميا او سياسيا فارقا ومؤثرا، قد يقلب الطاولة او يعدل الكفة بشكل حاسم وصريح. فوسط الخليط الهجين من المتسابقين على المقعد الرئاسي الجذاب، مناضلون ضد الاستبداد، ادارت صناديق الاقتراع ظهورها لهم وتنكرت لماضيهم، وسماسرة وتجار قذفت بهم رياح الشهوة والطموح الجارف لسلطة، ليس مهما شكلها او حجمها بالقدر الذي قد يغري فيه وهجها وبريقها، ووزراء للرئيس المخلوع الهارب لا احد يعرف من اين اتتهم كل القوة والجرأة لوضع مساحيق الديمقراطية والحرية على وجوه اعتادت لعقود طويلة، اما على التهليل والتبرير لجور النظام وجرائمه او على الصمت عليها ومداراتها في ألطف الاحوال واخفها وقعا واثرا. هذا التخبط الكاريكاتوري جعل التونسيين بين نارين نار حاضر تستعر بقوة الحاجة والرغبة، ونار ماض لم تخمد اوجاعه وآلامه ولم تزل ندوبه او اثاره بعد.
مساحة الخيارات بهذا المعنى صارت تضيق باستمرار فهل باستطاعتهم ان ينسوا بسهولة ويغلقوا قوس ثورة لم تكتمل او اجهضت في المهد، كما يرى الكثيرون ليختاروا الاصطفاف بالنهاية خلف النداء القوي للحاجة والرغبة بعيدا عن كل تلك الشعارات التي ما عادت تسمن او تغني من جوع؟
ما حصل الشهر الماضي في انتخابات البرلمان يؤكد ان نوبة عقلية وقلبية قد ضربت جسدا توحدت قواه ومفاصله يوما على هدف واحد، وهو الاطاحة بالاستبداد، لكن فقدان الخبرة والحكمة وتشتت الجهود والخيارات سمح «للفيروس»، الذي حسب الجميع انهم بصدد التخلص منه بمرور الوقت، باستجماع خلاياه الساكنة وانتظار الفرصة المناسبة للفتك والاجهاز النهائي على ذلك الجسد المريض، من دون ان تصدر عنه اشارة واحدة تدل على قدرة جهاز مناعته على التصرف السريع والحاسم لانقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الاوان.
فرصة «الفيروس» للاجهاز وفرصة جهاز المناعة للتصدي تبدو حاسمة بعد اقل من اسبوعين من الان، عندما يجد التونسيون انفسهم مرة اخرى امام ما تطلق عليه وسائل الاعلام استقطابا ثنائيا. في الشهر الماضي قدم الاستقطاب بين وهمين لا اثر لهما في واقع الناس الدولة المدنية الحديثة التي لا تفسير او تحديد لحجمها او شكلها، والدولة الدينية القروسطية التي لا وجود لها الا في كتب التاريخ، او دويلة تنظيم «داعش» التي تختصر مجازا في قطع الرؤوس واعدام الرهائن. قاد الرعب الاصطناعي جانبا واسعا من الجمهور بفعل تمدد غشاوة البصر والبصيرة من منافذ الحياة، اي التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت الى الانصياع بلا وعي او ادراك الى قولة الباجي «من لم يصوت لنداء تونس فقد منح صوته للنهضة»، اي لذلك الغول المتربص بتونس و»نمطها المجتمعي» الفريد، وهو في نهاية الامر خلاصة معقدة وسريالية للعقود الطويلة من حكم حزب الدستور، لم يقدم احد في تونس الى الان جردا امينا ودقيقا لما انجزته، وما اخفقت فيه .اما اليوم فيقدم الاستقطاب بين عودة المنظومة القديمة و»تغولها»، بعد ان كسبت مواقع مهمة في الانتخابات الاخيرة وبين دعاة الديمقراطية ومناصريها الذين صار وجودهم الرمزي مهددا وحتى قدرتهم وقدرة احزابهم على الاستمرار والبقاء على محك اختبار صعب.
في تصريحات ادلى بها الى» القدس العربي» مطلع هذا الشهر قال الامين العام لحزب التيار الديمقراطي محمد عبو ان» المنطق يقول ان الشعب التونسي الذي انفقت الدولة منذ عام 1956 مليارات الدينارات لتعليمه، لن يختار شيخا في الثامنة والثمانين (في اشارة الى الباجي قائد السبسي) ليكون قائدا للقوات المسلحة ومسؤولا عن الامن القومي وممثلا لتونس بالخارج، لان اي شخص يصل الى هذا العمر لن يكون قادرا على ذلك». تصريحات عبو الذي خرج حزبه مثل باقي الاحزاب التي توصف بالوسطية الديمقراطية بحصيلة هزيلة من الانتخابات البرلمانية الاخيرة، تفترض امرا مفقودا في تونس وهو الخضوع الى احكام المنطق. لا يتحرك الناس للاسف الشديد في الغالب وفقا للعقول او للضمائر الحرة بل بتوجيه وتأثير بصري قوي ومدمر على البصائر. فمن يملك سطوة توجيهها هو الذي يقرر باسمها، تحت مبرر الضرورة حينا او مقتضيات المصلحة الوطنية احيانا اخرى. هل ينجح اعداء الديمقراطية التاريخيين اذن في التحول الى حماة وصناع جدد لها في الحاضر والمستقبل؟ وهل يندثر ويتلاشى الوجود الفعلي والرمزي للديمقراطيين الحقيقيين بنجاح خصومهم؟ بين من يصل الى الناس على طائرة خاصة ثم يدخل بيوتهم في كل وقت وحين من شاشات التلفزيون والانترنت، وبين من يصل اليهم بواسطة كتاب في التاريخ او في المستقبل ولا يملك او يدرك مهارة الابهار البصري، تلوح الفوارق في موازين قوى ستتحدد بشكل دقيق وحاسم في الثالث والعشرين من الشهر الحالي، وسترسم طبيعة المشهد التونسي خلال السنوات وربما العقود المقبلة.
٭ كاتب وصحافي من تونس
نزار بولحية
نرجوكم نبشر هذا الإرسال الثاني
لقد كان يسيرا على القوى التي حسبت نفسها على الثورة و كانت في المجلس التأسيسي ألاّ تضع شعب تؤنس في هكذا مشهد بئيس.
طبعا تقع المسوؤلية الأولى على حركة النهضة التي لولا جبنها السياسي الساري في دمائها الإخوانية لوضعت تشريعات عادلة تقطع الطريق على المشهد الراهن. بقدرما كانت قواعد الحركة وكتله نوابها طائعة بقدر ما كان خطاب القيادة للمجتمع مرتبكا رديئا وتنازلاتها المجانية متتالية باسم مصلحة تؤنس حتى وصلنا إلى المشهد الراهن .
وفي الوقت الذي يتطلب الأمر موقفا واضحا وتعبئة شاملة لإنقاذ الرئاسة ممن لم يترك أي فرصة إلاّ وعبر بكل صلف و تباه عن تمسكه بكل رموز ال55 سنة السابقة على يوم الفرار تتخاذل حركة النهضة وتتوارى وراء حياد كاذب.
ان السيد منصف المرزوقي قد برهن دائما على جرءة ومبدئية تستحقان كل الإحترام؛ بينما برهن زعيم النهضة وبقية رموزها على ارادة مائعة و مداهنة منقطعي النظير وهي صفات لا تستقيم مع إدعاء التمرجع في الهوية و مع إدعاء الانحياز للثورة.
أخيرا؛ لا خيار أمام كل ناخب تونسي يعتقد في قوع ثورة سوى منح صوته للمنصف المرزوقي؛ أو ليسجلن التاريخ انكم لستم بعد استثناءا عربيا و أنه لا يزال بينكم و بين عزة الأحرار مسيرة وعي.
والله يا استاد قلت فاحسنت القول ولكن مع الاسف من يقراء لك فالشعب التونسي كبقية الشعوب العرب العرية لا تقراء
احسنت القول ولكن المشكلة الاساسية تكمن في وعي الشعب عند التصويت
وعي اراه مفقودا مع الاسف
من غرائب الأقدار
الثورة المضادة التي قام بها السيسي شارك فيها المخرج خالد يوسف
خالد يوسف الذي قام بتضخيم أعداد متظاهرين 30 يونيو عن طريق الخدع السينمائية ليصل عددهم 30 مليون متظاهر في ميدان التحرير وهي كذبة كبرى اعترف بها خالد يوسف فيما بعد.
الثورة المضادة التونسية يشارك فيها المنتج السينمائي التونسي ورجل الاعمال طارق بن عماربتسخير امكانياته المادية والمعنوية ،لا يخفى على المتابع ما تقوم به القناة الفضائية لطارق عمار (قناة نسمة ) من دعم يومي للسبسي ولتيار الثورة المضادة..
محمد فوزي التريكي
من غرائب الأقدار
الثورة المضادة التي قام بها السيسي شارك فيها المخرج خالد يوسف
خالد يوسف الذي قام بتضخيم أعداد متظاهرين 30 يونيو عن طريق الخدع السينمائية ليصل عددهم 30 مليون متظاهر في ميدان التحرير وهي كذبة كبرى اعترف بها خالد يوسف فيما بعد.
يغيب الوعي احيانا ..حينما نبرمج في طريق مسطر فوق رقعة شطرنجية .. نترنح مندهشين و.كأننا لسنا عناصر فوق تلك الرقعة….يغيب الوعي احيانا ..حينما نبرمج في طريق مسطر فوق رقعة شطرنجية .. نترنح مندهشين و.كأننا لسنا عناصر فوق تلك الرقعة…
عيب المواطن التونسي و حتى المثقف منه عجزه عن تجديد وعيه و تحديث آليات التمييز لديه لإختيار رئيسا يسوس وطنا جريحا بوعود المهرولين و العابثين و اللصوص المحترفين .. عيب الشعب التونسي ضعف ذاكرته و إتباعه لزمرة مصباح علاء الدين..
السيناريو الذي أتصوره و أرجو أن أكون مخطئا في حالة فوز الباجي قائد السبسي أو مصطفى كمال النابلي في الرئاسية و هما وجهان لعملة واحدة هو اللآتي :
يضع نداء تونس شروط لا يمكن قبولها من أي طرف للتحالف معه لتشكيل الحكومة
عندها يقوم الرئيس بحل البرلمان لإنقاذ البلاد نظرا لعدم التمكن من تشكيل الحكومة و إيهام المواطنين بأن الحل هو التصويت بكثافة لنداء تونس حتى يتمكن من أغلبية مريحة في البرلمان خدمة لصالح البلاد كما يقولون
و إذا تم ذلك فيتم تغيير الدستور و تحل الأحزاب المعارضة و عودة نظام الاستبداد بكل صرامة و حزم في انتظار ثورة أخرى