رئيس وزراء الأردن يسمي اليوم الأشياء كما هي بمقايضة «الجباية»… الاستقرار والأمن العام مقابل الضرائب والرسوم

عمان ـ «القدس العربي»: قد تكون أخطر موازنة اقتصادية ومالية بالمواصفات السياسية المحلية تلك التي يبدأ مجلس النواب الأردني بنقاشها علناً صباح اليوم الإثنين في مواجهة الحكومة ولمدة اربعة ايام من المرجح أن الخطابات فيها ستحاكي وتغازل كل أصناف «الاحتقانات».
الأهمية لا تكمن بتلك التفاصيل الرقمية والعلمية حول الوضع المالي الصعب لخزينة الدولة وحول المديونية التي تكاد تصل لـ25 مليون دينار حسب رئيس مجلس الأعيان الأسبق طاهر المصري الذي يتحدث عن حاجة ملحة للتوقف والتأمل في المسار الاقتصادي.
بل تكتسب جلسات الموازنة أهميتها اليوم من كونها تمثل فرصة إضافية لأعضاء النواب لاستعراض عضلاتهم الشعبية في مواجهة الحكومة التي بالغت في سياسة رفع الأسعار وأهلكت قدرات المواطنين الشرائية وأخفقت في معالجة ملفات وتسـاؤلات الفسـاد العـالقة.
النواب بحاجة ملحة «للتخشين» في وجه الحكومة حفاظاً على ما تبقى من هيبة مؤسستهم خصوصاً وان الرأي العام يضغط عليهم ويعتبرهم شركاء للحكومة في تهمة رفع الأسعار وانخفاض مستوى المعيشة وصمود معدلات البطالة.
لافتة جداً في السياق مسألتان: الأولى ان نقاشات الموازنة المالية للدولة مع النواب تدشن اليوم بعد اضطرار جهات نافذة في الدولة الشهر الماضي للتدخل وعدة مرات لحماية الحكومة من مشروع لحجب الثقة عن وزارة الرئيس عبدالله النسور.
الثانية أن النقاشات السياسية في المال والإقتصاد تبرز في ظل حوارات الكواليس الاستثنائية القائمة على ضعف عوائد ومكاسب الدور الإقليمي والتصورات الحائرة في ملف المساعدات مستقبلاً خصوصاً بعد الانتخابات الأمريكية المقبلة وفي ظل التحديات التي تواجه «مالية» الدول الصديقة خصوصاً السعودية والخليج العربي.
لا زالت البوصلة تائهة بخصوص المساعدات التي تعتمد عليها الخزينة لأسباب سياسية أو إقليمية وأمنية حيث المخاوف من تقارير التقييم الأخيرة للبنك الدولي ومن تقلص المساعدات الأمريكية إذا ما حكم الجمهوريون كما هو متوقع وحيث ان السعودية بإعتبارها الراعي العربي الأبرز للمالية الأردنية منشغلة بهمومها ومشكلاتها.
قبل الانتقال لمستوى نقاشات الموازنة طرح الرئيس النسور وبجرأة نظريته في برنامج «الجباية» التي قال انها تحافظ على «الاستقرار العام».
غالبية النواب يفهمون نظرية الجباية على اساس ان الحكومة تقايض المواطن الأردني بالأمن والاستقرار مقابل رفع الأسعار والاستمرار في الاعتماد على جيوب المواطن بمعنى واردات الخزينة تواصل الاعتماد على الضرائب والرسوم وبدل الخدمات وارتفاع كلف وأسعار المواد الأساسية.
في الواقع اعتمدت الحكومات السابقة بغالبيتها على مقايضة الجباية لمبادلة الاستقرار العام بما يدفعه المواطنون لكن في الواقع ايضاً قد يكون النسور الوحيد بينهم الذي تجرأ على شرح الأمر وتسميته باسمه الحقيقي.
ثمة جانب مغفل في النقاش حول أهمية نقاشات الموازنة لهذا الموسم وهو المتعلق بتحديد مصير حكومة الرئيس النسور ومستقبلها القريب فالانطباع يتراكم بأن هذه الحكومة لا تستطيع الصمود والبقاء طويلاً إلى فترة التحضير للانتخابات المقبلة في نهايات صيف عام 2017 بحكم العديد من الاعتبارات الموضوعية، الأمر الذي يعني انها ستلقح الموازنة سياسياً ويمكن ان ترحل بعد ذلك وهو خيار غير ثابت وغير اكيد حتى اللحظة بكل الأحوال.
لكن بيروقراطياً محنكاً من طراز النسور يعرف مسبقاًً بأن المهمة الصعبة الأخيرة لوزارته هي تمرير الموازنة المالية من السلطة التشريعية وبعدها سيترك مصير الحكومة نفسها وخيارات التبديل الوزاري لصاحب القرار المرجـعي.
لذلك سيستمع النسور لاتهامات «خشنة» وخطابات ملتهبة واستعراضات إعلامية خلال الأيام الأربعة التي سيناقش فيها النواب الموازنة المالية لكن مشروع الموازنة سيمر بكل الأحوال عند التصويت وكالعادة ليس لأنه مقنع للنواب ولكن لأن وقف تقدم الموازنة ورفضها «قرار سياسي» بامتياز سيتحمل صاحبه الكثير من الكلفة السياسية على مستوى الدولة والمؤسسات المرجعية.

بسام البدارين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول م.ك:

    للتصحيح المديونية تكاد تصل 25 مليار ….لو أنها 25 مليون لما اعتبرت مديونية لبلد سكانه بالملايين

إشترك في قائمتنا البريدية