الذاكرة لا تشــبه المتحف حتما، ولا يمكن التعـــاطي مع انثيالاتها بوصفها أرشـــــيفا أو مخزنا للوثائق، ليس لأنها مسكونة بكثــــيرٍ من التخيّل، أو الدسّ السردي، بل لأنها-أيضا- الأكثر تعرّضا للتعـــــرية والمحو، لذا يبدو الحـــديث عن ذاكــــرة الرواية العربـــية، ومن زاوية نظــــــرٍ وتَذكّــــرٍ واحــدة أمرا يُثير الشك والجدل والخلاف، وربما يثير- أيضا- العديد من الأسئلة حول موجّهات ذلك التذكّر وحساباته.
مقالة الروائي والناقد والأكاديمي واسيني الأعرج حول «ذاكرة الرواية العربية» المنشورة في جريدة «القدس العربي» ليوم 15/3/ 2017 تطرح إشكالية القراءة العربية، وجدّة النقاد في تتبع وتقصي منجز الرواية العربية طوال قرنٍ كامل، فبقدر ما يقترن الحديث بمرور هذا الزمن الطويل من تاريخ هذه الرواية، فإنه يضعنا أمام دهشة غريبة، تلك التي تغافل فيها، أو تهامل عنها استاذنا واسيني في الإشارة الى أي ذكر للرواية العراقية، باستثناء مرور عابر على اسم عبد الرحمن مجيد الربيعي وهو المغاربي السكن والجنسية.
هذا التغافل، إنْ كان قصديا فهو رعب ثقافي، وإن كان ضعفا في المتابعة فهو خلل منهجي، وأحسب أن الثقافة العراقية وطوال عقود طويلة – لمن يعرف مرجعياتها- كانت ثقافة مدينية، والرواية بعضٌ من مظاهرها، وأنّ تاريخها التأسيسي ليس بعيدا عن المتابعة النقدية والبحثية في كثير من مباحث النقد العربي ودرسه الأكاديمي، كما أنَّ تحولاتها على مستوى الإنجاز التاريخي، أو على مستوى التجريب والتجديد، تمثل واحدة من أهم تجليات الرواية العربية، فمن الصعب إغفـــــال الحديث عن رواية «جلال خالد» لمحمود أحمــــــد السيد في الثلاثينيات من القرن الماضي، ولا عن روايات رائدة لذو النوب أيوب، وعبد الحق فاضــل، شاكر خصباك، غائب طعمة فرمان، وفؤاد التكرلي، مهدي عيسى الصقر، غانم الدباغ، نجيب المانع، علي الشوك، محمود عبد الوهاب، محمود الظاهر، جيان، غيرهم، وأن تقانتهم الروائية أكثر أهمية من الناحية الفنية من روايات «الأيام» لطه حسين، و«سارة» للعقاد، وحتى «زينب» لمحمد حســـين هيكل، التي اكتفى الكاتب بالإشارة اليها.
فضلا عن جيل الستينيات الأكثر صخبا وتجريبا وحضورا بأسمائه المعروفة فاضل العزاوي، محمد خضير، موسى كريدي، موفق خضر، احمد خلف، عائد خصباك، جليل القيسي، زهير الجزائري، محمود جنداري ومحمود سعيد وعبد الإله عبد القادر ولطفية الدليمي، وعبد الستار ناصر وجهاد مجيد وعبد الخالق الركابي وحنون مجيد وغيرهم، ولعل الأجيال اللاحقة التي عاشت ظروف الحرب والحصار والاحتلال، تمثل حضورا أكثر إثارة في سيرة هذه الروائية وتحولاتها، التي تستحق من أي باحث – كما تستدعي الضرورات التاريخية والمنهجية – الاستدعاء والمعاينة والفحص، بما يجعل أي خطاب نقدي يُعنى بظواهر الرواية العربية مستوفٍ لشروطه الموضوعية والنقدية، وحتى الاعلامية، فاسماء مثل انعام كجه جي ولؤي حمزة عباس وطه الشبيب، وعواد علي، وإلهام عبد الكريم، وعلي بدر وميسلون هادي، وحميد المختار وسعد محمد رحيم، وأحمد سعداوي، وجنان جاسم، وسلام إبراهيم، وفيصل عبد الحسن، وجمال حسين علي، ووارد بدر السالم وخضير فليح الزيدي وحميد الربيعي وأسعد اللامي ونضال القاضي، ومحمد علوان جبر، وشاكر نوري، وناظم العبيدي وإسماعيل سكران، وزيد الشهيد وغيرهم، لا يمكن التغافل عن حضورها في المشهد الروائي العربي، لاسيما وأنّ أغلب رواياتهم طُبعت في دور نشر عربية، ولها مشاركاتها الفاعلة في معارض الكتاب التي تُقام في العديد من الدول العربية، فضلا عن أنّ بعضهم فاز بجوائز مهمة عربية ومنها البوكر وكتارا.
إنّ ما يكتبه كاتب كبير مــــــثل واسيني الأعرج يحظى بالاهتــــمام والقراءة الواسعة، وهـــو ما يجعلنا في ريبة من هذا التغافل التــــام، وكأنّ السرديات العراقية صارت خارج الذاكرة العـــــربية، وحديثه عن موسوعة عــــربية للرواية يتطلب جهدا شاملا، واطلاعا بجديد الإبداع الروائي العربي، لأنّ الاكتفاء بحصر هذه الذاكرة بجغرافيات محددة لا يعني سوى موقفٍ ما، أو قصورٍ ما، أو ربما محاولة لتسطيح المشهد الروائي العربي بقراءات عابرة تفتقد لجديتها وموضوعيتها، وهو ما لا نريده لكاتبٍ نحترمه ونتابع ما يكتب.
٭ كاتب عراقي
علي حسن الفواز
حضرة الأستاذ علي حسن الفواز المحترم تبدو في مقالك المهم حسن الظن بواسيني الأعرج مع أن المثل العربي القديم يقول (سوء الظن من حسن الفطن) فهل تعتقد أيها الأستاذ أن اغفال هذه الجمهرة من الأسماء التي سقتها في مقالك سببها التعمد لا والله بل هو عدم المعرفة وقلة الاهتمام واطلاق الأحكام هكذا بلا أي حذر منهجي وليكن ما يكون ولعله أتاك خبر الانتقائية في القراءة تلك التي لا يهتم بها الكثرة من (القارئين) الا وهي مشروطة بالمنفعة مقترنة بالمصلحة ولعل زمن القراءة للقراءة قد ولى مع العقاد وعلي جواد الطاهر وابراهيم السامرائي والزيات ومصطفى ناصف والطاهر مكي وسواهم من الذين أخلصوا للعلم مهجتهم ونبتت هذه النابتة التي تضع القواعد وتسن القوانين لكن على القدود وقدود مخصوصة فقط شكرا على ردك الوافي حرسك الله والشكر موصول للقدس العربي الغراء الدكتور وليد محمود خالص
ننتظر رد الكاتب والأديب واسيني الأعرج حتى نكون قد سمعنا للطرفين
ولا حول ولا قوة الا بالله
أؤكد ما تفضّل به الأستاذ الدكتوروليد محمود خالص المحترم : ما وصلني أنّ واسيني الأعرج مقلّ بالقراءة ؛ وهو( مهموم ) بكيفية الحصول
على جائزة نوبل للآداب.ثمّ إنّ الكثيرمن المثقفين العرب ينظرون إلى العراق تحت الحصاروالحرب فقط ؛ ونسوا أنه أرومة الأدب والعلم ؛ وفضله عليهم كان كبيراً…ولدينا أسماء المثقفين العرب الذي ( غرفوا ) من خيرات العراق ؛ ولم يذكروه إلا هامشياً.بدليل كان تعليقي على ما نشره حينها أنني ذكّرته بموسوعة الرّواية العربية في القرن العشرين…الصادرة عن مؤسسة كتارا ؛ وهوعلى صلة مباشرة بهم يومياً ؛ ولا يعرف بهذه الموسوعة أصلاً.بل حتى فوزه بجائزة كتارا ( الدورة الأولى ) كان تزكية وليس تنافساً ؛ بدليل أنّ روايته مملكة الفراشة لا تصلح لعمل درامي سينمائي كما أعلن عنها وقتها ؛ فأضطروا لتحويلها إلى مسرحية ؛ وهي لن تصلح أكثرمن ( مسرحية ).لأنها مكتوبة بلغة غيرروائية.
عندي مُداخلة في هذا الشّأن :
اضافة الى ما ذكرته استاذ علي ، لابدّ من النظر الي الرواية العراقية على انها شاهد حيّ على مراحل وحِقب في تاريخ العراق المعاصر ، لم تكن الرواية العراقية نشاطا ادبيا هامشيا او شخصيا لكي يقتصر الاشارة اليها من خلال كتّابها بأسمائهم وشخوصهم ، فهذه الرواية ليست منجَزا شخصيا فقط بل يمكن الأشارة اليها على انها ما يمكن ان نسمّيه ” ذاكرة جيل ” او أجيال ، حيث واكبت تحوّلات حاسمة وخطيرة في حياة الشعب العراقي ووثّقت بأساليب مختلفة انتماءات وتوجّهات وايديولوجيا اجيال بأكملها . أظن – ولست جازما – ان النظر الى الرواية بصفة عامة والعراقية بشكل خاص خارج اطارها التاريخي والاجتماعي واستذكارها بأشخاص كُتّابها فحسب لا يعطي نظرة متكاملة ولا يرسم المشهد الروائي العراقي بكلّ ابعاده .
تبقى المسألة التي تخصّ الاستاذ الكبير واسيني الأعرج وهو فضلا عن كونه روائيّا فهو استاذ وأكاديمي متمرّس ، ربما غابت عنه كل تلك الحصيلة الكثيفة التي شكّلها المنجز الروائي العراقي منذ البدايات وبدت امامه وكأنها اجتهادات ومبادرات ومنجزا شخصيا خالصا وذلك غير صحيح بالمرّة .
وبهذه المناسبة ايضا تحتاج قراءة المنجز الروائي العراقي موضوعية اعمق باتجاه مراجعة المنجز برمّته واستقصاء ملامحه ومكوّناته الفنيّة لأننا يجب ان نعترف ان المصادرات قائمة وبشراسة من طرف دارسين عراقيين للرواية العراقية من نقّاد وغيرهم ممن يجهزون بكل اريحية على ما قدّمه بعض من ابناء جِلدَتهم وينسفون ما شاؤوا ويمجّدون ما شاؤوا لحسابات شخصية او مزاجية بعيدة عن الموضوعية غالبا وذلك ما لا يساعد الباحث والراصد والمتابع العربي على تكوين صورة متوازنة وصحيحة وغير مشوّشة عن المنجز الروائي العراقي بكليّته .
مع التحية لك استاذ علي الفواز وللأستاذ واسيني الأعرج الذي ننتظر منه رأيا في الموضوع المثار .
السلام عليكم وبعد: الحديث عن الرواية العربية بصورة عامة وعن الرواية العراقية بصورة خاصة حديث طويل ومتشبع وله جذور عميقة وبرأي الشخصي المتواضع أجد أننا لانستطيع أختزال الرواية العربية اوالعراقية بمقال مهما كان عمق وطول المقال هذا جانب جانب اخر تحتل الرواية العراقية مكانة متميزة على نطاق المستوى العربي وىبشهادة جميع النقاد ومن لم يقرأ الرواية العراقية فهو لم يقرأ الادب او اي شي وقد اخطأ الكاتب واسيني الاعرج عندما مر على المنجز الروائي العربي مرور الكرام دون ذكر روايات عربية واسماء لكتاب وروائيون عرب وعراقيين وهذا بالتأكيد مؤشر سلبي كبير يدل على ثقافة الاعرج المتواضعة جدا وهو يتحدث عن الرواية العربية وعن المنجز الروائي العراقي المشرف في عالم الثقافة العربية بهذه الطريقة المخجلة والمتواضعة فقد اغفل عن ذكر اسماء عراقية وعربية في أقل مايقال عنهم اصحاب منجز بطولي في الشأن العربي والعراقي.وقد ذكر الفواز ان واسيني الاعرج مغاربيالجنسية والسكن واحب ان اصحح للصديق الغالي ( ابا سيف) ان واسيني الاعرج جزائري من مواليد (تلمسان ) الجزائرية.
اتمنى من كل كاتب عربي ان يعيد النظر في ثقافته وادبه وهو يتحدث عن الرواية العربية وعن المنجز الروائي العراقي وماله من خصوصيات وابعاد مسجله شكري وتقديري للجميع.