رزق الهبل على المجانين

ما أن فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصاراً على قطر حتى راحت تتسابق دول الخليج، وخاصة دول الحصار، على الاستعانة بوسائل الإعلام ووكالات الترويج والدعاية والعلاقات العامة ومراكز البحوث والدراسات الغربية في حربها على دولة قطر. وبما أن العرب عموماً لديهم عقدة الخواجة، ويعرفون جيداً أن لا أحد يصدق وسائل إعلامهم ودعايتهم مهما أنفقوا عليها وزخرفوها، فقد توجهت دول الحصار إلى الغرب لتوسيع الحملة الإعلامية والدعائية ضد قطر، ظناً منها أن كل ما سينشرونه عبر وكالات الدعاية والوسائل الإعلامية الغربية سيكون ذا مصداقية، على اعتبار أن وسائل الإعلام الغربية أكثر تأثيراً بكثير من وسائل الإعلام العربية. وهذا ما يجب أن ينتبه إليه المتابع العربي البسيط الذي يمكن أن يصدق ويؤمن بما تقوله المصادر والوكالات الغربية.
عزيزي المتابع العربي العادي أو الذي لا يعرف كيف تدار الوسائل الغربية: لا تصدق أي شيء فقط لأنه صادر من أوروبا أو أمريكا، خاصة إذا كان مدفوع الثمن كالدعايات التي تنفق عليها دول الحصار ملايين الدولارات في واشنطن ونيويورك وعموم العواصم الأوروبية. وكي لا تظن أنني أتكلم بدافع الدفاع عن جهة ضد جهة، دعني أسرد لك الحكاية البسيطة التالية حول نزاهة ومصداقية الإعلام الغربي. ذات يوم ألقيت محاضرة في إحدى الجامعات الغربية العريقة حول وضع الإعلام في العالم العربي، وطبعاً فضحت إعلامنا العربي السخيف الذي يكذب حتى في درجات الحرارة، وبعد المحاضرة دعاني عميد كلية الإعلام في الجامعة إلى مكتبه لتناول الغداء، وبدأنا نتحدث عن هموم الإعلام بشكل عام، فقلت له: « في بلادنا النفطية إذا أرادوا أن يشتروا صحافياً في الماضي كانوا يشترون له ساعة روليكس، فيكتب ما يحلو لهم،» ففتح البروفيسور فمه واسعاً قائلاً: «وااااااااااو»، ساعة روليكس ضربة واحدة. كم هم محظوظون الصحافيون العرب»، فقلت له: «لماذا تتعجب»، فقال: «يبدو أن الصحافيين في بلادكم أهم بكثير من بلادنا، فبإمكانك أن تشتري بعض الصحافيين في الغرب بساعة سواتش بلاستيكية». ولمن لا يعرف ساعات سواتش، فهي ساعات رخيصة الثمن ويمكن أن تشتريها في الكشكات العامة في الشوارع والطرقات أحياناً. بعبارة أخرى، فإن شراء الذمم والأصوات والآراء في الغرب سهل جداً، ولطالما سمعنا عن سياسيين وصحافيين كبار متورطين بالعمل كأبواق مدفوعة الثمن لدول عربية للترويج لسياساتها وتوجهاتها التجارية والسياسية في الغرب. إذاً، ليس كل ما يقوله الإعلام ومراكز البحوث ووكالات الدعاية والإعلان الغربية صحيح ومحق وموضوعي. لا أبداً، فهم يعملون على مبدأ هاتف العملة، ادفع واتكلم.
ولا ننسى أن النظام السوري مثلاً دفع ملايين الدولارات لبعض وكالات الدعاية والإعلان الغربية من أجل تلميع صورته في الغرب. وهذا ما فعلته تلك الوكالات فعلاً، فبينما كان النظام يدمر المدن والقرى فوق رؤوس السوريين ويشردهم بالملايين، كانت وكالات الدعاية الغربية المدفوعة الثمن تصور النظام على أنه رمز للحداثة والإنسانية والتقدم. وقس على ذلك.
طبعاً، نحن لا نتهم هنا كل الإعلام الغربي بمجمله على أنه كاذب ومأجور ومنحاز وبلا مصداقية. لا أبداً، معاذ الله، فنحن بحاجة إلى سنوات ضوئية كي نلحق بما وصل إليه الإعلام الغربي من مهنية وحرفية وموضوعية، لكن هذا لا يعني أن الإعلام الغربي كله مهني، فهو يمكن أن يتحول إلى بوق لهذه الجهة أو تلك حسب الدفع. وهناك مثل انكليزي شهير يقول: «من يدفع للزمار يطلب اللحن الذي يريد». ونحن نقول لمن يصدق الكذبة عندما تأتي على لسان غربي: انتبهوا جيداً، فما أكثر المرتزقة في الإعلام الغربي. وصدقوني أن بعض الغربيين أرخص بكثير من العرب ويمكن أن يكذبوا لك أي كذبة مقابل وجبة ساخنة. لاحظوا الآن كيف أصبح بعض المسؤولين والصحافيين والباحثين الغربيين من أصحاب الملايين فجأة بسبب الأزمة الخليجية حيث يشتري الخليجيون الأبواق والمرتزقة الغربيين لتلفيق الأكاذيب ونشر الإشاعات بشكل مفضوح.
صدق من قال: رزق الهُبل على المجانين.

٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]

رزق الهبل على المجانين

د. فيصل القاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول mahmoud el saadi:

    احسنت

  2. يقول mahmoud el saadi:

    هذا تحليل قيم

  3. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

    رزق الهُبل على المجانين! يعتي باختصار ياأخي فيصل تريد أن تقول لنا أن بشار الاسد الذي أثابر على وصفه بالأبله يقتات رزقه أي بقائه وتلميع صورته على “مجانين” الغرب من سياسيين وإعلاميين, إذا الله يعينا ألا يقول المثل أيضاً ومالذة العيش إلا للمجاتنين! ومالنا غيرك باالله.

  4. يقول بشير الزين / سوريا:

    هذه المرة الأولى أجد نفسي متفقا مع طرح الكاتب للمثل القائل رزق الهبل عالمجانين فلو لم يكن هكذا لما استمر الكثيرون في جني رزقهم من التلون حسب الطلب والظروف فمرة يدعون الوطنية واخرى الثورجية ولا اعتقد ان يضيرهم أن يدعوا أي شئ لطالما هناك ثمن يدفعه مجانين لهبل ومضطربين أخلاقيا على الأقل

  5. يقول مراقب حر:

    كرمك صحيح دكتور فيصل!
    نحن السوريون عشنا منذ فتحنا أعيننا تحت الحكم البعثي الطائفي الفاشي المجرم الذي كان يشتري كل الضمائر و يغسل الأدمغة كما يحلو له و نحن نعيش في هذه الظروف كنا نظن أن العالم الخارجي معصوم عن كل فساد نراه في بلدنا تحت حكم هذه العصابة من قطاع الطرق و اللصوص و القتلة، لكن عندما سافرت إلى أوروبا و أمريكا و تواصلت مع المجتمعات هناك إنصدمت تماماً فرأيت كيف أن الكثير من الرموز في الصحافة و السياسة لها سعر و تُشترى بالمال و ليس كما تعلمنا أن الأوروبي و الأمريكي هو مثال النزاهة و أدهى من ذلك أن تلك الرموز لافرق عندها سواء وقفت مع المظلوم أم الظالم المهم من يدفع أكثر و هنا رأينا كيف أن الطاغية السفاح الدكتاتور بشار إستخدم الكثير من موارد سوريا لشراء الضمائر في أوروبا و أمريكا لتبييض صفحته و الترويج لنظامه و مثله حذا حكام الامارات محاولين شراء من يقف معهم ضد قطر الدولة الفتية القوية بأفعالها و التي أصبحت سمعتها العطرة في كل مكان من العالم.
    باختصار و لللأسف الشديد طالما وجد الجهلاء الحاقدين و معهم المال الوفير فسوف يستخدمونه لقلب الحق باطل و الباطل حق و هذا مايفعله الآن و للأسف حكام الامارات والطاغية السفاح بشار و حكام مصر الانقلابيين و غيرهم كثر!!!!

  6. يقول سلام عادل(المانيا):

    ان الامر المهم بالشخص المتلقي للخبر وبمدى خبرته فيما يقدمه الاعلام ففي ايام البعث العراقي الاشتراكي كانت تقدم لنا اخبار العمال الغربيين وهم يتظاهرون ضد طردهم من وضائفهم بسبب النظام الراسمالي والان بعد ان وصلنا المانيا وعشنا فيها عرفنا ان الامر مختلف جدا فالمظاهرات صحيحة كانت ولكن ليس كما كنا نتصور ان هؤلاء العمال سيموتون من الجوع وسوف يطردون من بيوتهم بسبب عدم دفع الايجار لمالك البيت والمستشفى ستطرد مرضاهم وكل ذلك لان النظام الراسمالي كما كنا نتصوره وحش طماع قاتل لشعبه والان نحن نعرف ان المواطن في تلك البلدان له سكن وراتب وتامين صحي سواء كان يعمل او عاطل عن العمل ولكن المواطن في بلدانانا سواء كانت الاشتراكية او الاخرى فله رب العالمين

  7. يقول أحمد مرعي ألمانيا:

    دكتور فيصل .. لا فض فوك .. بأذن الله الحق سيظهر و سوف يدرك العالم العربي مصداقية شبكة الجزيرة و مهنيتها في تحري الخبر و انفتاحها على الرأي الاخر و حتى لو كان ابواق آل سعود .
    والسلام عليكم

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية