الرسالة الأولى – الموت ولا المذلة
الحديث عن القدس من الخارج شيء والانصهار فيها من الداخل قصة مختلفة تماما، لا يعرف قيمتها إلا من يعيش تفاصيلها بجوارحه كلها. التضامن مع القدس مهم في أي مكان في العالم، لكن الوقوف بين يديها والسير مع الألوف من أبنائها وبناتها، شيبها وشبابها، في شوارعها العتيقة وساحاتها وأقصاها، تجربة أخرى لا مثيل لها في الدنيا. لهذا جئت أقضي فترة ولو قصيرة مع الناس بعد قرار رئيس الصدفة والمفارقات العجيبة والأكثر صلفا ورعونة، دونالد ترامب، الذي منح القدس لإسرائيل، كما فعل بلفور أحد أجداده غير الشرعيين قبل مئة عام.
عشرات الألوف تقاطروا يوم الجمعة للصلاة في الأقصى، كأنهم خميس سيف الدولة بشرق الأرض والغرب زحفه «وفي أذن الجوزاء منه زمازم».
رأيت الناس يدخلون إلى ساحات الحرم الشريف أفواجا، تعلو وجوههم ابتسامات الرضى ونظرات التحدي، لا ينتبهون لهؤلاء الغرباء المدججين بسلاح الحقد وأيديولوجية «أقتل كي تكون».
الجنود الضاغطون على الزناد تحسبا وخوفا يتمركزون على الزوايا والأبواب والأزقة وبوابات الحرم، بنادقهم جاهزة للقتل بدون سبب. ترى الخوف في عيون المسلح، بينما يسير الأعزل مطمئنا واثقا لا يأبه بهؤلاء العابرين بالصدفة من هنا.
امتلأت الساحات في الداخل والخارج وتحت الأرض في المسجد المرواني، واكتظ مسجد قبة الصخرة وساحاتها الواسعة بآلاف النساء. من يستطيع أن يهزم هؤلاء؟ كل فرد استطاع الوصول جاء ليؤدي الرسالة ويحافظ على الأمانة. الحواجز منتشرة من كل جانب. توقف الحافلات ويعطل وصولها أو تعاد من حيث أتت.
بدا المكان وكأنه ممتلئ تماما. كنت متلهفا أن أسمع ماذا سيقول خطيب المسجد الأقصى إسماعيل نواهضة في هذه الجموع. تذكرت وأنا أدلف داخل المسجد وأشاهد منبر صلاح الدين الذي صنع خصيصا في حلب، ليليق بأول خطبة أول جمعة بعد تحرير القدس يوم 10 أكتوبر 1187 بعد غياب 88 عاما، ألقاها الإمام محيي الدين بن محمد بن زكي الدين القرشي، بين يدي الناصر أبو المظفر، وهو يجلس متواضعا يرنو إلى الأرض، يسبح ويحمدل ويشكر ويبدأ الخطيب بقوله تعالى: «فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين»، فهل سيشهرهذا الخطيب سيف الحق أو يختار طريق المهادنة؟
الشيخ إسماعيل نواهضة، لم يخذل أحدا في خطبته فقد كانت مرافعة تاريخية لعروبة القدس وإسلاميتها وإنسانيتها وعالميتها، فشجب قرار ترامب الجائر، وأشاد بردة الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية. «إن الحق أبيض واضح والباطل إلى زوال، وهذه الهبّة الفلسطينية والعربية والإسلامية أوضح دليل على ذلك، وصفعة للقرار، وأبلغ رد على ترامب وجماعته».
وقال: «بعد مرور مئة عام على وعد بلفور المشؤوم، الذي أعطى فيه من لا يملك لمن لا يستحق، وبعد 50 عاما من احتلال القدس، يطل علينا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليقرر بكل صلف ويعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل متجاهلا حقوق المسلمين والعرب والفلسطينيين فيها ومنتهكا للقرارات الدولية». وقال: «القدس عربية الأصول، إسلامية الجذور، وهي مهد الأنبياء والرسل، وهي قبلة المسلمين الأولى، وفيها المسجد الأقصى». وقال نواهضة: «يا قادة العرب والمسلمين إرتقوا بقراراتكم لتكون متناغمة مع مواقف شعوبكم، وترجموا هذه القرارات على أرض الواقع. القدس عاصمة فلسطين وستبقى مفتاح الحرب والسلام».
بعد الصلاة تجمع عشرات الألوف في ساحات الأقصى وبدأت الهتافات: «هي هي هي – القدس عربية. إرفع إيدك وعلِّ – الموت ولا المذلة – بالروح بالدم نفديك يا أقصى- عالقدس رايحين شهداء بالملايين».
انطلقت المسيرات في كل أرجاء المدينة وعند نقاط التماس في كافة أنحاء الضفة وغزة ومدن الداخل في فلسطين التاريخية. في باب العمود كنا هناك. شجاعة الشابات والشباب لا مثيل لها، لكن العسكر كانوا هذه المرة حذرين. يبدو أن الأوامر كانت ألّا تراق الدماء في القدس أمام مئات الكاميرات التي اصطفت على درجات البوابة أمام السور العظيم الذي رممه السلطان سليمان القانوني لتثبيت الأمن والاستقرار في المدينة.
مع نهاية اليوم روت التراب الطاهر دماء أربعة فرسان – ابن بلدة عناتا باسل مصطفى إسماعيل، ثم لحق به محمد أمين عقل في رام الله قرب حاجز بيتين. وغزة لم تبخل بلحمها ودمها فجاد إبراهيم أبو ثريا بما تبقى من جسده الذي وزعه مقسطا فداء للوطن، وياسر سكّر ابن الثلاثة والعشرين ربيعا.
إنها القدس أم البدايات أم النهايات. إنها الخط الأحمر. هازمة الإمبرطوريات وعابرة العصور. كل الغزاة مروا من هنا وانتهو عابرين في كلمات عابرة.
الرسالة الثانية – أوبريت شمس العروبة
في قاعة الهلال الأحمر وبدعوة من «مؤسسة سيدة الأرض» تجمع أكثر من 600 مدعو لحضور حفل تكريم شخصيات عالمية وعربية وفلسطينية من دول الشتات برعاية من الرئيس محمود عباس. مؤسسة أنشأها الدكتور كمال الحسيني قبل عشر سنوات لتمتين العلاقة بين فلسطينيي الشتات والوطن لدعم صمود إخوتهم وأخواتهم في الأرض الفلسطينية المحتلة، وبناء جسور المحبة والتواصل مع الشعوب الداعمة للحق الفلسطيني، وإظهار الوجه الحضاري والإبداعي للشعب الفلسطيني. في الأمسية تم عرض أوبريت غنائي لأول مرة خصص للقدس بعنوان «شمس العروبة».
الرسالة الثالثة – الرئيس بين خطابين
حديث الناس ما زال يدور كثيرا حول خطابين ألقاهما الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الأول بعيد قرار ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل يوم السادس من ديسمبر الحالي، والآخر في قمة إسطنبول الإسلامية. أثار الخطاب الأول الاستهجان والاستغراب والإحباط في الشارع الفلسطيني، إذ إنه جاء مكررا وخاليا من أي موقف صلب، فقد جاءت الجمل باهتة من دون روح كأن يقول «القدس عاصمة دولة فلسطين أكبر وأعرق من أن يغير قرار هويتها»، أو «إن هذه الإجراءات المستنكرة والمرفوضة» (ونلاحظ هنا غياب كلمة المدانة)، أو إن «القيادة ستعكف على صياغة القرارت بالتشاور مع الدول الصديقة، وإن الأيام المقبلة ستشهد دعوة الأطر الفلسطينية لمتابعة التطورات». أما خطاب عباس في القمة الإسلامية يوم 13 ديسمبر فقد جاء مختلفا تماما، لدرجة أن أحد الكتاب أطلق عليها خطبة الوداع.
ويبدو أن الرئيس أدرك ما فاته في الخطاب الأول وأن الشارع الفلسطيني أصيب بالإحباط ولذلك سد كثيرا من الثغرات في خطابه الثاني، الذي استغرق ساعة كاملة وتلقفته الناس واعتبرته إيذانا بالانطلاق نحو الساحات. فقد أعلن عن انتهاء الدور الأمريكي تماما في عملية السلام، ووصف صفقة العصر بأنها صفعة العصر وأكد أننا «سننصر وننهي الظلم الذي وقع علينا»، ووصف قرار ترامب بأنه «وعد بلفور جديد»، وقال «وإذا مر وعد بلفور فلا ولن يمر وعد ترامب، بعد ما رأيناه من كل الشعوب ومنظمات ودول العالم». وأضاف «القرار الأمريكي جريمة كبرى تفرض علينا الخروج بقرارات حاسمة تحمي هوية القدس ومقدساتها وصولا إلى إنهاء الاحتلال لأرض فلسطين كافة، وفي مقدمتها القدس عاصمة دولة فلسطين».
لاحظ الحديث عن أرض فلسطين كافة. ما معنى هذا؟ لكن الخطاب خلا من ذكر كلمة انتفاضة أو إلغاء أوسلو أو مقاومة شعبية. بيد أن التذكير بما حدث عام 1947 ومحو 400 قرية وانتهاك قرار التقسيم أصلا وما احتلته من أرض بالقوة يعطي إشارة غامضة قد تعني أن السلطة تفكر بالتراجع عن اعترافها بإسرائيل، إلا ما كان ضمن قرار التقسيم لتهدم المعبد على من فيه، وبالتأكيد لن يخسر الفلسطينيون أكثر مما خسروه بسبب أوسلو.
وقال «لا يمكننا أن نبقى سلطة دون سلطة في ظل ما يحدث في القدس فإننا لن نلتزم باتفاقيات مع دولة الاحتلال وسأعلن هذا في القريب العاجل».
الشعب ينتظر هذا القرار يا سيادة الرئيس.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي
د. عبد الحميد صيام
(مع نهاية اليوم روت التراب الطاهر دماء أربعة فرسان – ابن بلدة عناتا باسل مصطفى إسماعيل، ثم لحق به محمد أمين عقل في رام الله قرب حاجز بيتين. وغزة لم تبخل بلحمها ودمها فجاد إبراهيم أبو ثريا بما تبقى من جسده الذي وزعه مقسطا فداء للوطن، وياسر سكّر ابن الثلاثة والعشرين ربيعا.
إنها القدس أم البدايات أم النهايات. إنها الخط الأحمر. هازمة الإمبرطوريات وعابرة العصور. كل الغزاة مروا من هنا وانتهو عابرين في كلمات عابرة) سيدي بكم وبأقلامكم وبهاماتكم تستمر معركة الصمود فإن كانوا هم أطول إحتلال فنحن أطول مقاومه ..ولنضال عنونا,,سيدي خطاب القياده الرسميه الفلسطينيه بائس وركيك ولايرتقي للطموح هذا الشعب ولا للمأساه ..سقطت ورقة التوت وعرت الجميع وكشفت المستور قرار ترامب ليس بجديد هو كان من المفروض أن يكون قرار الرئيس الأمريكي رونالد اريغان في مطلع ثمانينيات القرن الماضي .. عندما تصدى الرئيس صدام حسين لهذا القرار وإجتماعه الشهير مع العاهل السعودي الملك خالد في مطار الرياض بهذا الخصوص؟؟ وبإمكانكم الرجوع لهذه الحقبه ولهذا التاريخ ولهذه القرار حينها وكما قالها حسنين هيكل؟يتم نقل السفاره الأمريكيه إلى القدس عندما تريد السعوديه وتصمت مصر ؟؟ سيدي حركة فتح بصفتها من يتولى ويدير السلطه الفلسطينيه في الضفه الغربيه مطالبه فوراً بإستحقاق تاريخي ووطني؟كفانا حتى هذه اللحظه يجب على القياده الفلسطينيه الرسميه وعلى رأسها السيد محمود عباس,فوراً إتخاذ قررات حاسمه وتسليم وإعادة الثوره
إلى الشعب أما مسألة كل يوم ذهاب الى الرياض,قُل لي بربك لماذا ؟هذا عيب بحقنا كشعب وكقضيه وكنخب وكَتيه وكشتات هذا الموقف المؤسف والمهين للقياده الرسميه الفلسطينيه أنا كإنسان وكشخص عربي فلسطيني أشعر بالخجل من موقف وخطاب القياده الرسميه الفلسطينيه ..خطاب مزدوج ومعايير متضاربه ؟أعيدوا لنا ثوررتنا لا نريد التسجيل في ثلاثه وعشرون مؤسسه وهيئه دوليه ..نحن حركة تحرر وطني ؟؟ وفلسطين عربيه المحتل منها عام 1948 والمحتل منها عام 1967 هي أراضي عربيه فلسطينيه محتله من البحر البيض المتوسط حتى نهرالأردن هي أرض عربيه محتله..القدس بشرقها وغربها هي عربيه فلسطينيه . قيادات حركة فتح في السجون والشتات والارض المحتله مطالبون فوراً بإستحاق وطني وتاريخي كفانا تيهاً وعبث ..
# هنا القدس عاصمة دولة فلسطين
—–
إبن النكبه العائد إلى يافا
لاجىء فلسطيني