رسالة إلى الأخ الرئيس

حجم الخط
1

■ الأخ الرئيس أبو مازن، من باب المودة والحرص، أتوجه اليكم بهذه الرسالة حول المقابلة مع القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي.
لن أداهنك في ما قلته في هذه المقابلة وسأكون صريحا إلى أبعد الحدود، مثلما لم أتردد في تأييد خطابك التاريخي أمام الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في 30 سبتمبر الماضي. وأرجو أن تُفهم هذه الرسالة بإيجابية.
فالمقابلة لم تنجح في إيصال الرسالة.. والدليل على ذلك لم يأخذ منها الجانب الآخر سوى الاستعداد للقاء «نتنياهو في أي يوم وأي مكان»، وانتهز نتنياهو هذه الفرصة وهو أسوأ المنتهزين، ووجه الدعوة إليكم للاجتماع وألقى الكرة في ملعبكم…
الأخ الرئيس أفهم أن المقابلة كانت موجهة إلى المواطن الإسرائيلي. لكن بعكس ما كان مرجوا، فإنها لم تؤت أكلها إسرائيليا، وانعكست سلبا على المواطن الفلسطيني، وهو بالتأكيد الأهم بالنسبة إليكم.. فهو المخزون الإستراتيجي الوحيد المتبقي، الذي بدونه لن تكون هنا قضية فلسطينية ولا فلسطين.. فهو الذي يعاني ويضحي ويدفع صباح ومساء، ثمن الاحتلال واستيطانه، بدمه وقوته وحريته.. وبه يحافظ على الأرض وعلى الأمل والحلم… وبدون إقباله على المقاومة لن تبقى أرض أو مقدسات للتفاوض حولها.
على مدى سنوات رئاستكم العشر للسلطة، التي اتسمت فيها الأوضاع بالهدوء النسبي. لم تتركوا بابا إلا طرقتموه للتواصل مع هذا المجتمع ومحاولة كسبه.. والنتيجة أن المجتمع الإسرائيلي أصبح أكثر تطرفا وتشددا وكرها وحقدا وقتلا للشعب الفلسطيني، وجاء بأسوأ الحكومات وأكثرها عنصرية وتطرفا ورفضا للسلام في تاريخ إسرائيل.. ويتمنى لو يغمض عينيه ويفتحهما ولا يجد فلسطينيا واحدا على هذه الأرض.
انهم يتهربون من مستحقات السلام.. فتحججوا بالعنف ثم جاءوا بحجة الاعتراف بالدولة اليهودية وبعدها سيطالبون بالتنازل عن القدس وغيرها من حجج يمتلئ بها جراب الحاوي الإسرائيلي.
بالمقارنة اتسم خطابكم في الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأهمية والشجاعة والوضوح وهو الخطاب الذي أكدتم فيه أنكم لن تلتزموا بما لا تلتزم به الحكومة الاسرائيلية من الاتفاقات والتفاهمات الموقعة منذ اتفاق اوسلو المشؤوم. وكما تعلمون فإن إسرائيل لم تلتزم قط بأي من بنود تلك الاتفاقات حتى في زمن من كانوا يوصفون بالحمائم من زعمائها، باستثناء ما خدم ويخدم مصالحها وسياستها الاستيطانية الاستعمارية العنصرية.. لم تلتزم في الماضي بأي بند من هذه الاتفاقات، سواء الاقتصادية أو الأمنية أو السياسية، رغم أن المسرح العالمي كان مهيأ لتسوية سياسية.. ولا تلتزم بها حاليا حيث التطرف الاسرائيلي والاوضاع السياسية على الصعد الدولية والاقليمية والعربية.. ولن تلتزم بها في المستقبل بعد أن تكون قد حققت كل مخططاتها بإطباق قبضتها على القدس الشريف، واستولت على ما تريده من أراضي الضفة وقطعتها معازل لا تصلح لقيام دولة متواصلة الاطراف… ولسان حالها يقول للفلسطينيين «بلطوا البحر».
الأخ الرئيس كان خطابكم الشرارة التي أشعلت الانتفاضة الثالثة «انتفاضة القدس»، كان الشعب الفلسطيني بشيبه وشبابه ورجاله ونسائه ينتظر تلك اللحظة من قيادته، فكانت كلمة السر التي جاءت في خطابك «لن نلتزم» فالتفت من حولكم كل فئات الشعب الفلسطيني الذي يدرك أكثر من غيره ألا مجال للسلام مع الضعفاء.. وهو ليس ضعيفا بعد مئة عام من النضال منقطع النظير.. ويعرف أن لا سلام مع الاستجداء.. وهو لم يستجد أبدا يوما.. ولا سلام مع الاستيطان والاحتلال.. ولا سلام من دون مقاومة. فانطلق يأخذ زمام الأمور بيديه بعيدا عن الفصائل وبعيدا عن منظمة التحرير حتى لا يسبب الحرج لأي طرف.. وكنتم محقون في اصراركم على رفض إدانة العمليات.. فكيف يمكن إدانة من يقاوم من اجل تحرير ارضه ومساواته، من يكافح ويضحي من أجل حريته مع جندي احتلالي ومستوطن… وكيف يمكن مساواة التحريض على المقاومة بالتحريض على الاستيطان وابقاء الاحتلال. أدرك الأخ الرئيس أن الفلسطينيين هم الطرف الضعيف عسكريا، ولكنهم، وانتم أدرى بذلك، ليسوا ضعفاء بالمطلق كما يظن.. فلديهم من مواطن القوة ما لا يوجد لدى اسرائيل بترسانتها العسكرية الامريكية.. إنه الاصرار على البقاء والتمسك بالأرض والمقاومة.. ولهذا اهتزت أركانها جراء قليل من السكاكين والمفكات وقطع السلاح المصنعة محليا وجن جنونه..
انا معكم في الوقوف ضد العنف والإرهاب وبإمكاني أن اسمح لنفسي بالقول إن الشعب الفلسطيني بمجمله يقف ضد العنف والإرهاب والقتل وسفك الدماء.. فهو شعب مسالم غير دموي ولكنه يرفض الاحتلال والاستيطان والذل والخنوع والرضوخ لمحتليه.. شعب يريد أن يعيش كغيره من الشعوب، شعب يناضل من أجل إنصافه بالقليل الذي رضي به من وطنه.. شعب يريد التخلص من الاحتلال ويصبو للحرية والاستقلال وإقامة دولته على حوالي ٪22 من أرضه التاريخية.
برأيي المتواضع جدا أرى أن يكون الخطاب السياسي الموجه للمواطن الاسرائيلي الذي سيحترمنا عليه العدو قبل الصديق، واضحا وصادما، إنه وقبل حكومته، هو يتحمل مسؤولية ما يجري.. فهو الذي يختار.. يجب أن يدرك أن المقاومة بكل أشكالها لن تتوقف الا بزوال الاحتلال.. ولا خجل من ذلك فهذا ما تكفله للشعب المحتل القوانين الدولية، وعلينا أن نكون فخورين بمقاومتنا.
الأخ الرئيس إني أتساءل كما تتساءلون ما الذي يدفع صبيا أو شابا أو فتاة أو أبا أو أما، إلى الإقدام على الطعن أو الدهس؟.. بالتأكيد ليس الحب للموت أو كرهه للاسرائيليين ليهوديتهم.. إنه فقدان الأمل، وغياب الحلول والبدائل؟ يُطالَب هذا الشعب بوقف العنف وهو المفروض عليه في غياب البديل الذي يوصله إلى دحر الاحتلال ونيل الاستقلال بعدما فشلت المفاوضات في تحقيق أي من مطالبه المتواضعة جدا.. وفشلت في وقف عمليات الاستيطان الذي يأكل الأخضر واليابس.
نعم اتفق أن الصبي الفلسطيني يستحق الحياة لا الموت، ويجب أن نحافظ عليه ولا نكرس عنده ثقافة الموت، بل ثقافة الحياة ولكن يجب توفير مقومات الحياة العزيزة الكريمة. ان العين لتدمع والقلب ليدمى برؤية جثث الشباب وهي مضرجة بدمائها.. ولكن هذه الدماء تهدر، سواء طعنوا جنديا أو مستوطنا أو دون ذلك.. فمنذ الذي حرق الصبي محمد أبو خضير حيا… ومن ذا الذي حرق أفراد أسرة الدوابشة وهم نيام… أليس هم المستوطنون بحماية جيش الاحتلال؟ ومن الذي قتل الشاب وهو ملقى على الارض جريحا في الخليل.. أليس الجندي الاحتلالي؟
استطيع الادعاء بأن الشعب الفلسطيني بغالبيته، مع السلام ويصبو إلى اليوم الذي يسود فيه هذا السلام المنشود والموعود، ويعيش في أمن وأمان في ربوع دولته المستقلة.. لكن السلام في هذا الزمن أصبح نسيا منسيا وضاعت معه الآمال.. لذلك يجد الفلسطينيون صعوبة في الوقوف ساكتين والسكوت ليس من طبيعتهم، ووطنهم أو بقايا وطن يضيع أمام اعينهم.
نتحدث عن المقاومة الشعبية بدون أن نحدد ماهيتها.. ولكن أليس استخدام السكاكين والمُدى هي في صلب المقاومة الشعبية، إلا اذا كان المقصود بها تلك التظاهرات الروتينية الاسبوعية ضد الجدار.. لا نقلل من شأنها ولكنها ليست الوسيلة لدحر الاحتلال وازالة الجدار.
الاخ الرئيس، قلتم عندما يذهب طفل حاملا سكينا لتنفيذ عملية فإنه لا يستشير والديه. نعم اتفق معكم.. فالفداء لا يستدعي اذنا من أحد. فكما لم ينتظر ثوار فتح وغيرها من الفصائل في الستينيات والسبعينيات، أذونا من اهاليهم للانضمام للثورة، وكان الامل في حينها اكبر والحلم أعظم، لن ينتظر ثوار اليوم الإذن من احد وهم يرون الآمال قد فقدت.. والاحلام وئدت.. والارض نهبت.. والكنائس والمساجد دنست.. والقدس هودت، والمقدسات زورت، والاعراض انتهكت والمنازل دمرت والأسر احرقت.
وكما انتم، لا أريد أن أرى هؤلاء الصبية والصبيات والاطفال يضحون بحياتهم على هذا النحو ولا أتمناه لاب وام أو جد وجدة أن يروا اولادهم أو احفادهم وفلذات اكبادهم وهم يتبخرون من امام أعينهم.. ولكن يبقى السؤال.. من المسؤول؟ أليس هو الاحتلال وجنوده الذين يعيثون فسادا حتى في 18٪ التي يفترض أن تخضع لسيادة السلطة أمنيا وإداريا؟ أليس هو إهمال هذا المواطن.. أليست هي السلطة التي فشلت في توفير الأمن والأمان وعجزت عن تحقيق الحرية والاستقلال وتحقيق وعدها بإقامة الدولة الفلسطينية عبر «المفاوضات» على جميع الأراضي الفلسطينية التي احتلت في 1967.
فها هم الفلسطينيون وبعد 23 عاما تقريبا على اتفاق اوسلو «مكان كسر». وأوضاعهم منذئذ من سيئ إلى أسوأ.. فتضاعف عدد المستوطنات والمستوطنين، وتفرض سلطات الاحتلال امرا واقعا على الارض.
إن من يقود الانتفاضة الثالثة هم جيل «سلام اوسلو» ولهذا مغزى عظيم. وهذا يجعلنا نتساءل.. إلى متى ستبقى ايدينا ممدودة لسلام ضائع؟ وإلى متى سنبقى نوهم انفسنا بهذا السلام غير الموجودا أصلا.. وإلى متى سنبقى نلهث وراء سراب.. وإلى متى سنظل نهمل شعبنا؟
نحن معكم الأخ الرئيس، لا نريد انتفاضة ولا قتلا ولا طعنا ولا دهسا ولا سجنا ولا احتلالا ولا استيطانا ولا مفاوضات عبثية.. الشعب يريد تحررا واستقلالا ودولة وكرامة وأمنا واستقرارا ورفاها. فكيف يمكن التوفيق بين هذا وذاك؟

٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

علي الصالح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول منذر خوري برشلونه:

    كلام في الصميم
    طرح عقلاني متزن من غير عواطف بعيد عن مناسبات وطنية مفرطة في الغلو تعويضا عن مفقود أصيل هو المقاومه باشكالها راس مال الشعب الفلسطيني
    لعلهم يعقلون
    منذر خوري
    برشلونه

إشترك في قائمتنا البريدية