بدأت هذا النص بعنوان آخر، كان العنوان الأصلي «رسالة إلى صديق خلف الخط الأخضر»، لكنني قررت تغيير العنوان، فعبارة خلف الخط الأخضر لا تشير بشكل حصري إلى من أريد مخاطبتهم، أي إلى اليهود الإسرائيليين، فخلف الخط الأخضر يقيم مليون ونصف مليون عربي فلسطيني، هم سكان البلاد الأصليون وأصحابها الشرعيون. كما أن اليهود الإسرائيليين لم يبقوا خلف الخط الأخضر، فالمستعمرات الإسرائيلية تلتهم الضفة الغربية، إذ يبدو أن المستعمرات والمستوطنين هم من يقود السياسة الإسرائيلية اليوم، فبدلاً من أن تضم إسرائيل المستوطنات، قامت المستوطنات بضم إسرائيل.
وأنا لا أستسيغ استخدام الصفة الدينية من أجل مخاطبة الآخر، فأن أخاطب اليهود كيهود فهذا يحمل ضمنيًا موقفًا يعتبر جميع اليهود مسؤولين عن هذه الكارثة التي تعيشها فلسطين منذ سبعين سنة.
كما أنني أعتبر نفسي تلميذًا لعمر فاخوري ورئيف خوري وانطون ثابت الذين أسسوا في بيروت «عصبة مكافحة النازية والفاشية في سوريا ولبنان» عام 1939م، وسجنتهم سلطات حكومة فيشي بعد استسلام فرنسا للغزاة الألمان.
ومن جهة ثانية، فإن اسم هنري كورييل المناضل الشيوعي الذي طُرد من وطنه المصري بسبب انتمائه إلى عائلة يهودية، هذا المناضل الذي التحق بصفوف جبهة التحرير الجزائرية وقضى شهيدًا في فرنسا بسبب نضاله مع منظمة التحرير الفلسطينية، يشكل لي وللكثيرين رمزًا للنضال ضد الكولونيالية والعنصرية.
لذلك لا أستسيغ استخدام صفة اليهودي للتوجه إلى الإسرائيليين، فلقد ناضلنا طويلاً من أجل التمييز بين الصهيونية واليهودية، الأولى حركة كولونيالية والثانية دين إبراهيمي، ولن نسقط في الفخ الذي تنصبه الدولة الصهيونية عبر القانون العنصري الجديد حول قومية الدولة في سبيل تكريس الطابع العنصري والعرقي والديني للغزوة الصهيونية.
قبل أن أبدأ رسالتي أنبّه إلى مسألة مهمة، فأنا لا أكتب نصًا سياسيًا كي أحلل الظروف العربية أولاً والدولية ثانيًا، التي سمحت للكتلة السياسية اليمينية المسيطرة على الدولة الصهيونية بتمرير هذا القانون. فنحن نعلم أن الظروف السياسية ليست ثابتة، وأن الاستغلال الإسرائيلي لانحطاط العرب ونذالة ملوك وأمراء ومسببي لحظة الدمار العربية الراهنة، ليس سوى الغباء بعينه، لأن ما تقوم به الدولة الصهيونية هو الإطاحة بكل احتمالات السلام، ومن ثم فإن أي تغير في موازين القوى إقليميًا ودوليًا سوف يعيد المسألة إلى نصابها المفقود اليوم، بصفتها احتلالاً وتطهيرًا عرقيًا.
ما يجري اليوم على أنقاض المشرق العربي الذي استباحه ملوك النفط ودمرته مجموعة من المستبدين المتوحشين، هو الفصل الأكثر همجية في تاريخ العرب المعاصر، فصل يشترك في صناعته الصهاينة والسلطات الهمجية العربية برعاية الولايات المتحدة التي يحكمها «أونطجي»، اسمه دونالد ترامب. (استعرت صفة الأونطجي من أحمد بيضون، الذي نجح بحسه اللغوي المبدع في نفض الغبار عن هذه الكلمة العامية لإيجاد صفة ملائمة لرئيس يتربع بـ«الأونطة» على عرش العالم).
لن أدخل في تحليل القانون الدستوري الإسرائيلي الذي قونن الممارسة العنصرية، وأعلن أن دولة الصهاينة هي دولة تمييز عنصري، وأنها الوريث الوحيد لنظام الأبارتهايد البائد في جنوب أفريقيا.
ماذا جرى في عقول أفراد النخبة الحاكمة الإسرائيلية كي يكشفوا حقيقة دولتهم، التي بذل أسلافهم كثيرًا من الجهد والخزعبلات الفكرية من أجل إخفائها؟
ما معنى أرض إسرائيل وأين تقع حدودها؟
ما الهدف من عبارة «تطوير الاستيطان اليهودي قيمة قومية»؟ هل يعدون لـترانسفير جديد في القدس والضفة؟
أما حقهم في تقرير المصير الذي قرروه بالعنف ولا يزالون يفرضونه بالقوة، فلا هدف له سوى نزع صفة الشعب عن الفلسطينيين ومنعهم من حق تقرير المصير ليس خلف الخط الأخضر فقط، بل وفي الضفة الغربية أيضًا، أي إعادة المسألة إلى النقطة الصفر.
هل هذا القانون الدستوري هو الخطوة الأخيرة قبل ضم الضفة وتأسيس دولة بنظامين؟ وهل نحن أمام بداية تطبيق صفقة القرن التي تعني شيئًا واحدًا، هو تكريس الوجود الصهيوني في كل فلسطين وشطب الشعب الفلسطيني من الخريطة؟
سوف نجد تفسيرات سياسية وأيديولوجية عديدة لهذا التحول، لكنني أعتقد أن قراءة هذا القانون تبدأ بقراءة التاريخ بصفته سجلاً للحماقات. هؤلاء الذين يصرّون على وضع الصفة اليهودية على كل ما يتعلق بهم، يعلنون تفوق «العرق» اليهودي، ويبشرون بوعد إلهي منحهم الحق في إبادة سكان فلسطين وتشريدهم، هؤلاء الحمقى العنصريون يعلنون انتصار النازية بعد ثلاثة وسبعين عامًا على هزيمتها.
لا أظن أن وحشًا نازيًا تخيل أن البذرة الهمجية التي زرعها سوف تنمو في أحفاد ضحاياه أو أحفاد من كانوا مؤهلين ليكونوا ضحاياه، وبهذه الطريقة العجيبة التي جعلت من «دولة الشعب اليهودي» الوريث الأكثر جدارة للرايخ الثالث ودولة العرق الآري.
التاريخ يقهقه وهو ينظر إلى حماقات البشر التي تتكرر. فالعالم بأسره الذي يمر بأزمة انتقال صاخبة إلى عولمة رأسمالية متوحشة، بات على استعداد لتكرار التجربة العنصرية التي صنعت ملايين الضحايا خلال الحرب العالمية الثانية، وتركت جراحًا في الروح الإنساني كان من الصعب الخروج من آثارها.
كان الخيار العنصري الكولونيالي هو الخيار الصهيوني الوحيد، لكن الصهيونية بصيغتها القومية الدينية المتطرفة تذهب اليوم إلى نهاية هذا الخيار، حين تعلن من على تخوم ذاكرة المحرقة أنها اختارت النازية نموذجًا، وأنها تعيد الاعتبار اليوم لهتلر عبر تبنيها المنطق العنصري، بعدما طعّمته بنكهة دينية قيامية.
لقد علمنا تاريخ الحروب الإفرنجية، التي أطلق عليها الأوروبيون اسم الحروب الصليبية، أن هذا النوع من التلاعب بالدين وجعله مطية للغزو والاحتلال الاستيطاني مصيره إلى البؤس والاندثار، لكن بعد أن يحدث دمارًا شبه شامل.
لكن يبدو أن التاريخ لا يعلم شيئًا؛ فالصهيونية بصفتها آخر صيحات التوسع الكولونيالي والتعبير الأخير عن الوقاحة العنصرية، كشفت أن مشروعها في المنطقة العربية هو مشروع حرب دائمة.
نكبة مستمرة تصنعها حرب دائمة على الشعب الفلسطيني.
وإذا كان هذا خيارهم، فإن الخيار الفلسطيني يجب أن يبدأ بالتمسك بالقيم الأخلاقية والإنسانية، كي يكون النضال الفلسطيني هو نضال من أجل قيم العدالة والحرية والمساواة، نضال يخاطب الجميع-بمن فيهم اليهود-من أجل يقظة شاملة تنهي العنصرية وتؤسس لوطن ديموقراطي علماني سوف يولد من رماد هذا الألم الذي فرضه الوحش الصهيوني.
المعركة تبدأ كل يوم، ولا خيار للفلسطينيين والفلسطينيات سوى الدفاع عن الحياة وعن حقهم في الحياة.
الياس خوري
كلام في منتهى العقلانية الصهيونية الفاشية العنصرية شيء واليهودية شيء آخر لا يجب الخلط بينهما والنضال الفلسطيني ليس نضالا دينيا بل وجوديا وتحرريا ونضاليا ضد كل اشكال العنصرية والفاشية والكولونيالية
نحيي نضال الشعب الفلسطيني وكل يهودي حر يناضل ضد فاشية الصهيونية
اما دولة واحدة علمانية ديمقراطية …..اما…..الرجوع الى تقسيم الامم المتحدة عام 1948…… لا حل ثالث مقبول…….
هذا هو الحل ابن الجاحظ تمام
اما دولة واحدة علمانية ديمقراطية …..اما…..الرجوع الى تقسيم الامم المتحدة عام 1948…… لا حل ثالث مقبول…….
احترم الكاتب كثيرا و لكني اختلف معه و خاصة عندما يقول: “لأن ما تقوم به الدولة الصهيونية هو الإطاحة بكل احتمالات السلام” ، لانه مهما فعلت هذه الدولة الاصطناعية فلن يكون هناك سلام ما دامت موجودة.
المسألة هي وجود هذه الدولة الاجباري القهري الاجرامي في قلب الشرق
و يزيد الكاتب المحترم في نفس السياق بالتساؤل عن حدود ارض اسرائيل..يا سيدي هذه حجج خيالية مجنونة. حتى الصهيونية المسيحية فان غايتها المعلنة هي تجميع اليهود في الارض المقدسة للقضاء عليهم. و لا تختلف تفسيرات الشيوخ عن ذلك
المشكلة هي وجود اسرائيل و ليس حدودها او سياساتها. و اساس هذا الوجود اجرامي لا اخلاقي و لا عدل فيه و هو قائم على القوة و كلها اركان زائفة ستسقط حتما
عذراً, التعليق مرة أخرى بسبب بعض الأخطاء:
حسناً أخي خليل أبو رزق قد اتفق معك بأن المشكلة هي بالأساس وجود إسرائيل ولهذا ربما لايوجد لها حدود, ولو تم وضح حدود لها منذ البداية (١٩٤٨!) لما وصلت إلى هذا الحد المتطرف. لكن بما أن الصهيونية أيديولوجية متطرفة بالأساس فلم تكن لتقبل بمسألة الحدود وهو سلوك عام للتطرف بمختلف أشكاله. وبالتالي فإن التطرف الصهيوني (الذي يتمتع بدعم غير مسبوق من قوى مهيمنة ولها وزنها الثقيل كاللوبي الصهيوني والصهيونية المسيحية والقوى الاستعمارية قديما وحديثا … وحتى بوتين وروسيا! ….) سيتابع مسيرته ووصل اليوم إلى حد قريب من النازية, لكن هل استوفي حدوده؟ أنا أعتقد أنه سيشتعل حروباً وليس فقط الحروب الي ذكرها الياس خوري ضد الفلسطينيين, ربما متزرعاً بأن إيران أو تركيا تهدد أمنه .. إلخ وسيرتكب حماقات لايمكن التكهن بطبيعتها أو ماقد تؤدي إليه في الوقت الحاضر. باختصار هذا التطرف الصهيوني الفظيع سيزداد وحشية وعنصرية إلى أبعد الحدود!. أعود إلى النقطة الأولى, قد أتفق معك أن إسرائيل مشكلة وجود, لكن إسرائيل موجودة وبغض النظر عن وجودها كدولة صهيونية, يوجد فيها ٨٠ % من سكانها هم ليسوا فلسطينيين, أي هم من اليهود (رغم أن بعضهم من أصول عربية!), فماذا نحن فاعلون؟ لايوجد حل عقلاني إلا بإقامة السلام معهم كما يمكن فهمه من المقال, على حد تقديري. إذاًَ تماما كما كان دائما يتم التأكيد علية, المشكلة تكمن في الصهيونية نفسها, وأي حل عقلاني يجب أن ينطلق من هذه الحقيقة البديهية ومحاربتها أي محاربة الصهيونية, ومن غير المعقول أن نسير في طريق التطرف لمحاربة التطرف. أتفق مع الأخ الياس بأن هذا يجب أن يكون نضال من أجل قيم العدالة والحرية, إنه صراع خاسر للتطرف أمام قيم العدالة والحرية مهما طال أمده, ربما هو الطريق الأصعب ويحتاج منا إلى تفجير طاقات خارقة لكن لدينا هذه الطاقات, فالإنسان يستطيع أن يصنع المستحيل, لكن بخطوات متأنية بلاشك.
الاخ المحترم اسامة كلية
اعلم ان اسرائيل امر واقع، و ان السياسة فن الممكن. و لكن اعترض على التنازلات منذ اوائل القرن الماضي بدون مقابل. بل انها كانت دائما بمثابة التنازل عن المبدأ و الاختلاف على الثمن.
لقد كان اكبر اخطاء عبد الناصر رحمه الله شعار ازالة اثار الدوان بمعنى العودة لحدود 1967. فقد فتح ذلك الباب لتنازلات كثيرة و بدون جدوى. و اكبر اخطاء القرن الماضي على الاطلاق كانت كامب ديفيد فماذا جنت منها العرب و اين مصر الان؟؟؟
اقل ما يمكننا فعله التمسك بالمبدأ لا سيما مع ايماننا بان العدوان الى زوال لانه اجرامي و لانها مسألة وجود