صدر حديثا عن دار مرسم للنشر كتاب بالفرنسية تحت عنوان «أصوات كتاب المغرب»، وهو كتاب جماعي، يقدم للقارئ ثلاثين نصا لثلاثين كاتبا وكاتبة مغاربة وأجانب، يعرضون فيه تصورهم للكتابة والأدب ومحاولتهم لتعريف الكتابة، حسب كل واحدِ منهم على طريقته، مع وجود اختلاف واضح لديهم في الفكر والتصور وطريقة الكتابة. فنجد أن هناك من اختار أن يعرف الكتابة والأدب عن طريق نص نثري، ومنهم من عرف الكتابة انطلاقا من قصيدة، ومنهم من اكتفى بعرض تصوره للكتابة والعلاقة التي تربطه بالأدب عموما، وبالكتابة بشكلٍ خاص.
وقد حاول الساهرون على إعداد هذا الكتاب تقديم وجهات نظر مختلفة، من خلال مشاركة كُتَاب كبار لهم وزنهم في الأدب المغربي داخليا وخارجيا، وحضور ثلة من الكُتاب الشباب والمحبين للكتابة. ويتقاسم المشاركون في هذا الكتاب شغف الكتابة مع القارئ، حيث يكشف كل واحد منهم حبه لهذا الفن الأدبي والعلاقة التي تربطه بالكتابة وأهميتها في حياة الكاتب.
ويعتبر الإصدار الأول من نوعه في المغرب، إذ اجتمع فيه ثلة من الكتاب والنقاد والمبدعين، ومن أبرزهم، الكاتب والناقد والجامعي مختار الشاوي، والكاتب والناقد عبد الله بايدة، والكاتب محمد برادة، والروائي فؤاد العروي، والكاتب مامون الحبابي، والكاتب جون زاكانيرس، والكاتب عبد الله الطايع، والكاتب والشاعر عبد الخالق جيد، والكاتب صلاح الدين تبر، والكاتب والفنان التشكيلي يوسف وهبون… وآخرون. ويعد هذا الكتاب الصادر حديثا وجهة جديدة للقراء المغاربة والأجانب للتعرف على الكتابة عند هؤلاء، لأنه يقدم لنا طبقا من الأفكار المتكاملة حول مصير الأدب والرواية والأدباء في المغرب المعاصر. وقد كان هذا الكتاب نقطة لقاء أدبي ونقدي في رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة عبد المالك السعدي في تطوان، الذي أطره الأستاذ الجامعي والباحث عبد الإله خليفي، رئيس قسم الدراسات الفرنسية والأبحاث الفرونكوفونية بتعاون مع المركز الفرنسي في إطار الأمسيات الأدبية السنوية. وقد جمع هذا اللقاء بين المختار الشاوي وعبد الله بايدة ومامون الحبابي، حيث تم التركيز على ماهية الكتابة ومفهوم الأدب.
كما استغل الكُتاب الفرصة للحديث عن فكرة الكِتاب والأهداف التي يطمحون إليها، من خلال نشر هذا الكتاب الجماعي. كذلك عمل هذا اللقاء على تقريب القارئ الشمالي من المنـــــاخ الأدبي المغربي، ومكّن أيضا العديد من الطلبة الباحثين من التعـــــرف عن قرب على عوالم الإبداع والتصور الأدبي عند هؤلاء الثلاثة.
إن الكتاب يكشف للقارئ صورة عن الأدب المغربي، الذي يعاني من قلة القراء. وربما فكرة نشر هذا الكتاب هي محاولة الصلح مع القارئ، وتغيير نمطية الأحكام المسبقة لديه، من خلال التركيز على أهمية التطور، الذي عرفه الأدب المغربي في السنوات الأخيرة. وكانت هذه الندوة فرصة للتساؤل عن مستقبل الأدب المغربي، في ظل أزمة القراءة والثقافة، التي يعاني منها المغرب. فقد عرف الكاتب المختار الشاوي الكتابة على أنها مختبر لا يمارسها إلا الذين يقرأون كثيرا، لأن الموهبة لا تكفي لخلق نص أدبي عميق من ناحية الأسلوب والبلاغة. ربما يأتي هذا التعريف كردٍ على بعض الكتاب الذين يهملون اللغة ويركزون في الأساس على عامل الموضوع والأحداث، ما يفقد النص جماليته ولا جمالية غير جمالية الأسلوب المنفرد البعيد عن التقليد، وجمالية التصور والإبداع المبني على خيال خصبٍ. كما أن حديث عبد الله بايدة عن مسألة الخوف في الكتابة، كشف للمتلقي أهمية الوعي بالأدب المغربي في محاولة منه لتغيير الأحكام المسبقة، وبالتالي الدفع بالقارئ المغربي إلى المصالحة مع الرواية المغربية.
أما مامون الحبابي، فقد عرف الكتابة عن طريق القصيدة، ركز فيها على مسألة الأدب وعلاقته بالحياة اليومية للإنسان. واعتبر أن الحياة بلا أدب حياة بلا روح ولا تصلح لشيء. وبذلك يعرف الكاتب الكتابة على أنها نوع من البحث عن الذات، هرب من الواقع المر ومحاولة تغيير ما يمكن تغييره، لأن الكتابة في اعتقاده سعادة يجب تقاسمها مع القارئ. فالكاتب يرى في الكتابة ولادة بعد ولادة، وحياة بديلة عن الحياة الروتينية التي نعيشها.
وهذه التصورات والتعاريف المتباينة تجعل من الكتاب، إنتاجا أدبيا لم يسبق له مثيل، خاصة أنه في نظر الكاتب المختار الشاوي يسهل عملية التعرف على الكُتاب المغاربة، خصوصا بالنسبة للطلبة والجامعيين، مؤكدا على أن سبب جهل المغاربة بالكتاب المغاربة؛ هو ندرة هذا النوع من المؤلفات.
ويأتي صدور هذا الكتاب في الوقت الذي تعرف فيه الساحة الأدبية المغربية ازدهارا على مستوى الإنتاج الأدبي مع نوع من الركود والصمت في الجانب النقدي، إلا أن الرواية المغربية لا تتوقف عن التطور وتحديث أساليبها تماشيا مع التطور، الذي تعرفه الرواية العالمية. وللإشارة فقط، فهؤلاء الكتاب صدرت لهم أعمال روائية رفيعة المستوى مستوحاة من الواقع المغربي، ومن أبرزها رواية «الصمت الأبيض» للكاتب والروائي مختار الشاوي، الذي تطرق فيها لمسألة الطفولة المغتصبة والأطفال المتخلى عنهم، عن طريق رسم لوحة فنية تجمع بين متشردة وفنان تشكيلي في مدينة طنجة. فيما نشر مامون الحبابي وعبد الله بايدة أعمالا روائية، تتطرق كذلك لمواضيع اجتماعية يعيشها المجتمع المغربي المعاصر.
إن إشكالية الاشتغال على اللغة والبلاغة في الكتابة، تشغل بال النقاد والمتتبعين للأدب المغربي المعاصر. ومما لا شك فيه، أن هذا الكتاب سيلعب دورا طلائعيا في المستقبل، خاصة أن الكتاب المساهمين فيه حاولوا تشكيل صورة جديدة وحديثة لمفهوم الكتابة لدى مختلف الفئات المبدعة، بل إنه يزرع نفسا جديدا للأدب المغربي المعاصر، ويدفع بالتالي القارئ المغربي إلى النبش أكثر في الرواية المعاصرة، للتعرف على الخطاب الأدبي الجديد، وتشكيل مفهوم جديد، يعتمد بالأساس على آليات إبداعية حديثة تعكس تطور الوعي الأدبي والثقافي لدى معظم الكتاب المعاصرين. والظاهر أن هذا الإصدار، ما هو إلا ردة فعلٍ لفئة أحست بإهمال النقاد للأدب المغربي والانشغال بمجالات أخرى.
هذا الكتاب يتضمن أسماء ووجوها أدبية تكتب بلغات مختلفة، ولكن تتقاطع كلها في شغف الكتابة والارتباط الوثيق بالأدب. وبصفة إجمالية، سوف يساهم هذا العمل الجماعي بكل تأكيد في بلورة بنائية جديدة للرواية المغربية، لاسيما وأن المبتغى منه، هو تعريف الكتابة والكاتب والبحث عن سبل تلقيح الإبداع الأدبي بمقومات جمالية جديدة، تعتمد على الاشتغال على الأسلوبية في الكتابة والتصوير، والانسجام في تناول القضايا الاجتماعية، وكذلك جعل الكتابة في متناول القارئ المغربي المتعطش لأعمال أدبية تحقق له لذته المفقودة.
٭ كاتب وشاعر مغربي
عثمان بوطسان