لا يتضمن مسلسل «شوق»، الذي عرض أخيراً على إحدى القنوات التلفزيونية المشفّرة، كثيراً من التمويه، يصعب أن تجد مسلسلاً صريحاً مثله في تعبيره عن وجهة نظر مخابرات النظام السوري، صحيح أنه يموّه قليلاً في روايته الخاصة لاختطاف الناشطة السورية المعارضة رزان زيتونة، لكن ما ذلك التمويه إلا لضرورات الدراما التلفزيونية من جهة، ومن أجل رواية أعمق انتماءً لرواية النظام.
زيتونة التي اختطفت مع زوجها وائل حمادة، ورفيقيها ناظم حمادي وسميرة الخليل نهاية العام 2013 في مناطق سيطرة المعارضة السورية في غوطة دمشق الشرقية، تظهر في المسلسل من دون رفاقها، طبيبة نسائية تعمل في مناطق المعارضة. أما زوجها وائل فهو هنا محام على خلاف سياسي معها (وبالطبع فإن ذلك لا يخلو من إدانة لها)، يعمل في مناطق النظام، بل ومن قلب فروعه الأمنية، إنه من جهة يدافع عن سجناء الرأي، ولكنه صديق حميم لأحد ضباط المخابرات، هذا الأخير الذي يريد المسلسل أن يظهره وجه الدولة، القانون، على نحو ما نرى في الأفلام الأمريكية.
على لسان الضابط «الصديق» (يؤدي دوره زهير قنوع) سنسمع الرواية الخاصة لمخابرات النظام السوري وتفسيره لاختفاء زيتونة، فهذه خطفت في البداية، على ما يقول، لتكون رسالة لكل الناشطين السلميين بأن لا مكان لهم بيننا (يقصد في مناطق المعارضة)، ويعتقد الضابط أن الرسالة وصلت بالفعل، والخطف قد أحدث الضجة المطلوبة، وكان الخاطفون ينوون إطلاق سراحها، إلا أن ما حدث أن روز، وهذا هو اسم رزان زيتونة في المسلسل، تعرضت للخطف مرة ثانية وثالثة على يد جماعات أخرى.
تقول روز بوضوح، مدافعة عن نفسها أمام زميلاتها السجينات في معتقلات المعارضة، اللواتي كن ينظرن إليها بعين الشك، باعتبارها معروفة من قبلُ على مواقع التواصل الاجتماعي بأنها أول من كان يحتفل بدخول المسلحين (الذين هم أنفسهم الخاطفون الآن) إلى مناطق جديدة: «راح أظل وقّف ضد الظلم لحتى أموت. مو ذنبي إذا راحت الراية لناس سفلة. مو ذنبي إذا الناس النظاف ما قدروا يمسكوها ويدافعوا عنها».
المسلسل يقدم نسخته الخاصة من رزان زيتونة، تلك التي لا تحب السلاح، هي نفسها ضحية المعارضة التي انتمت إليها، وبالتالي هل يريد الناس دحضاً لنوايا الثورة أكثر من حكاية رزان. النظام هذه المرة فقط ينحاز لزيتونة (كما يصوّرها هو) كي يمرّر عبرها سمومه. إنه يستثمر حكاية ناشطة معروفة بعنادها وتحديها للنظام حتى قبل اندلاع الثورة بسنوات، مع أنها لو علقت بأيدي مخابراته لما كان مصيرها أقل من آلاف المعتقلين الذين قضوا بوحشية لا توصف في معتقلات المخابرات، وفي أفضل الأحوال لن يكون مصيرها من مصير المحامي خليل معتوق وعبدالعزيز الخير وسواهما.
في كل تفصيل من المسلسل تبدو المعارضة كتلة واحدة، لا تمييز بين أيّ من أطرافها، إنهم المسؤولون عن كل شيء، هم من يستحق الكره كما يمكن الاستنتاج من حوارات منى واصف، التي تلعب دور والدة زوج روز (يؤديه باسم ياخور)، وهم من يستحق الإدانة كما يرد على لسان بنت تدين أخاها المعتقل والمفرج عنها، فبسببه مات الأب، وصارت الأم مشلولة طريحة الفراش، فيما راحت هي تعيل نفسها وعائلتها، أما كيف، فسنرى ذلك لاحقاً عندما نرى البنت شبه متورطة بعلاقة جنسية مع أحد المتنفذين، فيما هي راكعة عند قدميه ترجوه أن يعتقها لتكمل جامعتها. ليس بوسع المشاهد هنا إلا أن ينظر بعين الإدانة والازدراء للأخ المفرج عنه، الذي يمثّل الثورة، والذي قد أوصل عائلته ونفسه والبلد إلى هذا الحال، وهو يبدو على الدوام هزيلاً بصورة أقرب إلى المجرم، الذي لا يمكن حتى على مستوى الشكل أن تتعاطف معه. في النهاية سيجد نفسه مضطراً للاعتذار لأخته، كما لو أنه يعلن «البراءة» من الثورة. التنميط واضح في المسلسل، فالمشاهد أمام روايتين لا لبس فيهما: جهة النظام، القانون، الدولة، الناس الطبيعيون، وجهة الأشرار، وحتى قبل أن يتحوّل هؤلاء إلى «داعش»، فهم المسلحون الذين استوحوا أشكالهم من صور مقاتلي بلدة دوما في الغوطة الشرقية، حتى يمكن القول إن المسلسل يقلد لباس ولحى شخصيات بعينها. إنهم القتلة، خاطفو ومغتصبو النساء، المتلاعبون بالبشر، حتى أشكالهم مدروسة كي تظهر بشكل منفر. انظروا مثلاً إلى شاب معارض يطلب منه أن يساعد زوج روز في البحث عنها، فتجده يحرض صديقه ويهدده من أجل التلاعب والحصول على المال.
انظروا حتى إلى المؤثرات الصوتية في المشاهد التي تجري في مناطق سيطرة النظام، فهناك أنت تسمع على الدوام صوت سيارات الإسعاف، وإطلاق الرصاص والقذائف، فيما تسمع في مناطق المعارضة، خلف معظم المشاهد، صوت ضحك متهتّك، أنت ترى النساء السجينات يتعذبن في محبسهن، وفي الخلفية أصوات الضحك، كما لو أن حراسهن يسكرون ويضحكون ويروون النكات.
لكن لماذا نريد أن نذهب أبعد، هل نحتاج إلى مزيد من التحري لنعرف أن المسلسل المثير للاشمئزاز يمثل رواية المخابرات! هل هناك أوضح من الشكر الذي نراه في تيترات العمل موجهاً إلى وزارة الداخلية والعدل ومدرسة المخابرات الحربية؟
في الواقع يجب على المخابرات أن توجّه لكم الشكر، كاتباً متقناً للدرس (حازم سليمان)، ومخرجة (رشا شربتجي) وممثلين وتقنيين.
هكذا لن نحتاج بعد إلى إدانة أن تلعب ممثلة شبيحة من أزلام النظام هي سوزان نجم الدين دور الناشطة رزان زيتونة، أو أن يلعب شبيح مثل باسم ياخور دور زوجها.
هكذا… لن يكون غريباً، بعد أن جرى «تعفيش» البلد برمته، أراضي، وبيوتاً، وبرادات، ومراوح، و»ملابن» أبواب، أن يجري أيضاً «تعفيش» حكايتنا، أجمل حكاياتنا.
راشد عيسى
ليس صعبا على أي راصد يفهم لغة الخطاب الفني أن يميز مفردات هذا الخطاب والى ما يرمي وفي مسلسل ( شوق) تتبى بشكل واضح خطوط العمل بوصفها رسائل لصالح نظام بشار الاسد الذي يعد المتسبب الاول لكل المآسي التي يمر بها الشعب السوري الشقيق فهذا النظام الذي ورث الاستبداد عن سلفه الاسد الاب ونظامه البعثي لم يستطع قراءة ما يحدث حولها من تغييرات سريعة ومناخ عام تسبب في هيجان الشعوب العربية التي يعاني شعبها الاستبداد وانعدام العدالة الاجتماعية فأصر على الحل الامني وإيجاد عوامل قادرة على تشويه الثورة فتم إختراع ( داعش ) كي تشوه ثورة سوريا المطالبة بالحرية والكرامة للاسف كنت من أشد المعجبين بأعمال المخرجة رشا شربجي لما تقدمه من معالجات درامية تلامس كثيرا الواقع ولكن في هذه المسلسل الذي تبنى رواية النظام المجرم في سوريا والذي تغافل عن جملة حقائق أحسست للمرة الاولى بأن ثمة إعلام تعبوي قد يتم فرضه على المبدعين في سوريا لتبني خطاب النظام الحاكم .