لندن – «القدس العربي»: كتب المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف في موقع «روسيا اليوم» حول غياب المواجهة الروسية للغارات الإسرائيلية والأمريكية في سماء سوريا الأمر الذي يعتبر لدى عرب كثيرين ليس سوى علامة على الضعف، أو على الأقل على عدم الرغبة في التورط في المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية. ولا شك أن السبب الأخير قد يحتمل قدراً من الوجاهة، إلا أنه أيضاً ليس السبب الرئيسي.
ففيما يتعلق بالغارات الأمريكية، فإن روسيا بالطبع لا تريد أن تبدأ حرباً مع الولايات المتحدة الأمريكية، بالقدر نفسه الذي لا تريد فيه الولايات المتحدة الأمريكية حرباً مع روسيا، بدليل أنها تتجنب دائما ألا تصيب الروس في غاراتها، بصرف النظر عن التصريحات النارية التي يطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين الحين والآخر.
لكن السبب الرئيسي في عدم مشاركة نظام الدفاع الصاروخي الروسي في مواجهة تلك الغارات حسب نازاروف إنما يكمن في أن أي تصعيد في المنطقة سوف يصعّب من استخدام روسيا لورقة اللعب الرابحة التي تمتلكها، ألا وهي مركز المصالحة الروسي في سوريا.
فعلى الرغم من الأهمية الكبرى لمشاركة الطيران الروسي والقوات الخاصة الروسية في العمليات العسكرية في سوريا، إلا أن السلاح الأساسي لروسيا يظل تحديداً سلاح الحوار والوساطة والضمانات الروسية وليس الغارات الجوية، فذلك السلاح هو الذي نجح في استعادة أغلبية المناطق التي سيطر عليها المسلحون إلى سيطرة الحكومة السورية.
ويضيف نازاروف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلعب لعبة يستحيل خسارتها، وهي لعبة: «ألا تدع خصمك ينتصر»، وهو أمر سهل بالنسبة لإحدى القوى النووية العظمى في العالم، لأن الانتصار على روسيا هو أمر مستحيل، كذلك الأمر بالنسبة للانتصار على أمريكا أو الصين أو أي من القوى النووية الأخرى. لكن خصوم بوتين يلعبون لعبة أخرى: «نريد الانتصار على الخصم»، وهي لعبة خاسرة أمام روسيا بكل تأكيد، لذلك يحقق بوتين أهدافه، بينما يعجز الخصوم عن ذلك.
تلك هي استراتيجية بوتين في أوكرانيا وسوريا وفي علاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية بشكل عام، بمعنى أن يوضح للطرف المقابل، أن اللجوء للحلول العسكرية لن يحقق أي نصر، فيدفعه للعودة إلى طاولة المفاوضات والبحث عن موائمات من خلال الحوار، لكن ذلك أمر يصل إلى البعض ببطء شديد.
وادعى نازاروف أنه على مدى سنوات الصراع السوري، رفضت المعارضة السورية عملياً جميع جهود الوساطة الروسية، والحوار مع الأسد، فكانت النتيجة انهيارها بالكامل. وللأسف فإن المنطق السياسي الذي تتبعه روسيا (البحث عن حلول مرضية لجميع الأطراف) هو منطق نادر للغاية في الشرق الأوسط، فالجميع هنا قد اعتاد الرد على الضربة بضعفها، في الوقت الذي يشبه فيه منطق أغلبية العرب منطق الإسرائيليين والأمريكيين، وهو ضرورة الانتصار على العدو وسحقه تماماً. لقد أدى لجوء حتى الولايات المتحدة الأمريكية إلى القوة إلى سلسلة من الهزائم في العقود الأخيرة، بينما يبدو النصر الإسرائيلي المعتمد على القوة وحدها محل شك كبير. ويقول نازاروف: إن حكمة أو حنكة بوتين، على حد اعتقادي، تستند إلى الخبرة التاريخية لروسيا، فالأمة الروسية، استوعبت داخلها عدداً كبيراً من الأعراق واللغات والثقافات، ترابطت فيما بينها لا بحد السيف، وإنما بضرورات السلام والتعايش، وبفضل تمازج شعوب مختلفة كانت تبحث عن الحماية أمام جيران أقوياء مثل: بولندا، الإمبراطورية الفارسية، الصين، تركيا. لذلك فإن أي سياسي روسي يعلم تماما، أن الانتصار على العدو ليس غاية في حد ذاته، وإنما الغاية أن تجعل ذلك العدو يرغب في مشاركتك الحياة فيما بعد، فما جعل روسيا عظيمة، هو قدرتها الدائمة على البحث عن المصالح المشتركة والحلول المرضية لجميع الأطراف.
إن الاستفزاز الإسرائيلي المتصاعد، والغارات على سوريا يؤكدان على أن إسرائيل لم تفهم بعد، أن الرهان على القوة العسكرية وحدها في الصراع مع خصوم أقوياء سوف يؤدي إلى الهزيمة على المدى الطويل، ولا يبدو أن زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى إسرائيل قد حققت أي تغيّر ملموس بهذا الصدد.
على الجانب الآخر، فإن الواقع السوري يؤكّد أن بشار الأسد يزداد قوة، ويتعاظم مع الوقت الثمن الذي سوف يتعيّن على الغرب والعرب من أعداء الأسد دفعه للتوصل إلى موائمات، ولن يطال ذلك الدعم المالي في إعادة الإعمار فحسب، وإنما في توفير ضمانات الأمن.
ويضيف نازاروف أنه يمكن للبعض أن يحاولوا الوصول إلى أهدافهم بمساعدة الأموال، بعدما منيوا بهزيمة عسكرية، لكن المثل الروسي يقول: «صديق قديم أفضل من اثنين جدد»، وخروج الرئيس ترامب من الاتفاق النووي الإيراني يوضح مدى إمكانية الاعتماد على صفقات مع الغرب. أعتقد أن السياسة الهدّامة والمنحازة للغرب وبعض جيران سوريا، حطمت أي رغبة في سوريا لتصديق أي وعود أو حتى أموال من هذه الأطراف، لإن الدول التي ساعدت الأسد في التخلص من الإرهاب، تحت أي ظرف من الظروف، ومع تطورات الأحداث، لا يمكن ألا تكون حاضرة على طاولة المفاوضات في التسوية النهائية للوضع السوري، وذلك يخص أيضا إيران، ولا أقول ذلك تعاطفا معها، وإنما إقرارا لواقع قائم. لذلك، فإني أظن أن أي صراع تشارك فيه روسيا، سوف يجبر الغرب، أو إسرائيل، أو أي طرف أيا كان أن يبدأ في نهاية المطاف في البحث عن موائمات، ولن تكون تلك الموائمات في سوريا بطبيعة الحال قريبة بأي شكل من الأشكال من الأحلام الأمريكية أو الإسرائيلية أو الخليجية لهذه المنطقة.
وبإمكان إسرائيل بالطبع أن تقوم بعمليات استفزازية، وتختلف مع الطروحات التي تقدمها روسيا، لكن النتيجة النهائية لن تكون أفضل بالنسبة لإسرائيل، كما لن تتمكن إيران هي الأخرى من تحقيق أي نجاحات إذا ما قررت أن تلعب اللعبة نفسها التي تلعبها إسرائيل. على أية حال، روسيا لا تحتاج إلى بدء حرب شاملة من أجل أن تنتصر.
«سي إن إن»: الأسطول الروسي… قوة عسكرية تدعو للفخر أم قناع يخفي عيوباً؟
كتب موقع «سي إن إن» العربي في تقرير له حول تسليط الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الضوء على نجاحات أسطول بلاده البحري أثناء العرض العسكري للأسطول الروسي، الذي اشترك فيه 4 آلاف بحار و30 سفينة حربية في سان بطرسبرغ، الأحد، إذ قال إن الأسطول كان يدافع عن المصالح الوطنية العليا لروسيا لأكثر من 300 عام، كما أنه لعب دوراً بارزاً بمحاربة الإرهاب.
وأشار بوتين إلى أن الأسطول يعمل على تعزيز القدرة الدفاعية للبلاد ويساهم في مكافحة الإرهاب الدولي، بالإضافة إلى أنه يلعب دوراً هاماً في ضمان التكافؤ الاستراتيجي، كما أضاف أن «عشرات السفن والغواصات تدعم مصالح روسيا حول العالم». ويضيف الموقع أنه كان متوقعاً وكان من المتوقع أن يكشف الاستعراض العسكري السنوي لهذا العام عن فرقاطة «الأدميرال غورتوشف»، التي يبلغ وزنها 4500 طن ومن المتوقع أن تكون بطليعة السفن المشابهة لها في الأسطول الروسي عام 2025، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الروسية.
وحول خصائص الفرقاطة، أوضح المحلل بول شوارتز، أن الفرقاطة تتمتع بتسليح جيد بالنسبة للسفن الحربية الصغيرة، بينما قال كارل شوستر، قائد غرفة العمليات السابق للقيادة الأمريكية المشتركة في المحيط الهادئ، إن الفرقاطة الروسية الجديدة ستحمل صواريخ متقدمة تستطيع إيجاد هدفها أسرع من تلك التي تملكها الولايات المتحدة.
وتضيف «سي إن إن» أنه ورغم فخر بوتين بقواته البحرية على مستوى استعدادها القتالي وقدراتها الاستراتيجية والتكتيكية والتشغيلية، إلا أن ذلك لا يعني أنها لا تحمل أي نقاط ضعف، فقد لفت شوارتز إلى أن روسيا تهتم بعملية البناء أولاً ثم الصناعة ويليها التدريب، ما يجعل الصيانة من ضمن آخر أولوياتها. وحول التهديدات التي تشكلها الأساطيل البحرية الروسية، قال قائد غرفة العمليات السابق إن «السفن الجديدة، التي تنضم إلى الأسطول الروسي لا تثير قلق الخصوم بالضرورة»، مشيراً إلى أن السفن التي تنشرها روسيا تقضي وقتاً أطولاً في المرسى بدلاً من البحر.
في سياق متصل، ألقت روسيا بثقلها في سوريا لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وقد ساهمت بشكل كبير في حفاظه على السلطة، لكنها بالمقابل، خسرت عدداً من طائراتها الحربية وشوهدت إحدى حاملات طائراتها بينما كان يتصاعد منها الدخان عام 2016 عندما كانت في طريقها إلى سوريا. قد يرى البعض أن استعراض الأسطول الروسي «مهيب»، ولكن رغم قوتها على الصعيد العسكري، إلا أن الرأي الآخر يعتقد أن هذا العرض ما هو إلا قناع لإخفاء نقاط ضعف روسيا في مجالات أخرى.