يتمحور الموقف الروسي من مباحثات جنيف على ان تبدأ الجولة الثامنة من دون شروط مسبقة، وان تكون المعارضة موحدة بكل أطيافها للدخول في جبهة واحدة للتفاوض مع النظام حول إطلاق العملية السياسية، وان تسفر الاجتماعات عن الاتفاق على تشكيل لجنة لسن الدستور الجديد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف الأمم المتحدة. بيد ان غالبية القراءات الروسية غير الرسمية، لا تتوقع النجاح لمباحثات الجولة الثامنة في جنيف، انطلاقا من ان المواقف ما زالت متباعدة والأولويات متضاربة بشدة. وتتطلع روسيا إلى وضع العملية في نقطة الانطلاق لتحقيق أهدافها المعلنة بتخفيض حضورها العسكري في سوريا.
الأسد ودوره
وعلى عكس المعارضة ترى موسكو ان من الناجع ان يكون لبشار الأسد دور في العملية الانتقالية، إيمانا منها من ان رحيله غير المدروس والفوري سيخلق فراغا سياسيا، قد ينقلب إلى فوضى ونزاعات ومجابهات بين مختلف الفرقاء، وتستغله المنظمات المسلحة غير النظامية، للإجهاز بالكامل على ما تبقى من كيان الدولة السورية، كما حدث في العراق وليبيا واليمن وجزئيا في تونس. منطق موسكو يشير إلى ان يشارك الأسد وربما مع قوى المعارضة، التي سينضم ممثلوها في أجهزة السلطة والمراقبة، بإدارة العملية السياسية التي يتم خلالها وضع الدستور الذي يكون مقبولا من كافة الأطراف، وإجراء انتخابات نزيهة وحرة برعاية الأمم المتحدة، وان الناخب السوري هو الذي سيقرر من سيشارك فيها. وبخلاف إيران يرى بعض الخبراء ان موسكو لا تعتبر بقاء الأسد في السلطة خطا أحمر لا يمكن تجاوزه بالنسبة لها.
وكانت موسكو تخطط لعقد مؤتمر الحوار الوطني واسع التمثيل في مدينة سوتشي قبل الجولة الثامنة من مباحثات جنيف، إلا ان صعوبات حالت دون انعقاده، جعلتها تتحدث عن تأجيله لما بعد جنيف، ويدور الحديث في موسكو عن انعقاده في شباط /فبراير المقبل. وإذا كانت موسكو تتحدث عن مؤتمر الحوار الوطني ليكون ساحة لالتقاء طيف واسع من ممثلي كافة شرائح المجتمع السوري وأحزابه وقبائله وشخصياته النافذة وعدم عزل أي طرف لاسيما المكون الكردي، فهناك مخاوف لدى البعض من ان مؤتمر الحوار الوطني سيجعل المعارضة التي تتحرك تحت مظلة الرياض «أقلية» ويتبدد صوتها في ذلك التجمع الكبير، لذلك فان المعارضة تماطل في المشاركة فيه. وكان رؤساء روسيا وإيران وتركيا دعوا خلال قمتهم التي انعقدت في مدينة سوتشي 22 تشرين الثاني/نوفمبر، ممثلي الحكومة السورية والمعارضة الذين وصفوهم بالملتزمين بسيادة واستقلال سوريا ووحدة وسلامة أراضيه وليس على أساس طائفي، للمشاركة بشكل بناء ومثمر في المؤتمر. ويذكر ان روسيا رحبت على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف بتوحيد المعارضة في اجتماعها في الرياض، بكافة فصائلها وتياراتها، على أساس بناء يستجيب تماما لأحكام قرار الأمم المتحدة 2254 وبيان جنيف لعام 2012.
وترى موسكو ان قرار وفد النظام السوري في الذهاب إلى جنيف للمشاركة في الجولة الثامنة من المباحثات مع المعارضة كان صحيحا ويبدو ان هذه المقاربة متأتية من القناعة ان جولة المباحثات الثامنة لن تسفر عن نتائج هامة. ولم يكن سهلا، كما قالت بعض المصادر الصحافية، على موسكو اقناع النظام السوري ارسال وفده إلى جنيف. ونقلت وكالة أنباء «تاس» شبه الرسمية عن ممثل روسيا الاتحادية في مقر منظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية في جنيف قوله «لقد كان قرارا صحيحا. وحسنا للغاية توجه الوفد لجنيف، لأن هذا سيتيح لممثلي دمشق عرض وجهات نظرهم واعطاء تقييماتهم». وأضاف «انه قرار صحيح». وأُعلن سابقا انه وبسبب مطالبة المعارضة باستقالة بشار الأسد في بداية المرحلة الانتقالية فان وفد النظام أرجأ سفره للمشاركة في المباحثات حتى 28 تشرين الثاني/نوفمبر.
وتدلل لهجة الخطاب الرسمي الروسي ان موسكو تدعم النظام السوري في طرحه ان تركز المباحثات مع المعارضة على مناقشة مكافحة الإرهاب ومن ثم مراحل العملية السياسية التي يفهمها كل طرف أي النظام والمعارضة على طريقته الخاصة، وكل يريد ان يكسب منها المنافع لتعزيز مواقعه في سوريا المستقبل. وكان ممثل روسيا في المقر الفرعي للأمم المتحدة أجرى في جنيف مباحثات مع وفد النظام برئاسة بشار الجعفري حال وصوله. وقال المسؤول الروسي: «لقد اقتنعنا كالعادة ان موقف دمشق ينطوي على طابع بناء». وعلى حد قوله «انها مفتوحة للحوار ومستعدة لمناقشة الوثيقة التي اُعدت سابقا في مكتب الممثل الخاص للأمم المتحدة بشأن سوريا ستيفان دي ميستورا بشأن مستقبل بناء الدولة السوية، والتي يطلق عليها الـ «12 نقطة». وأفاد ان ممثلي دمشق يريدون ان تنصب الأولوية على موضوع مكافحة الإرهاب. وفي رأي الجانب الروسي فعلى الرغم من تحرير 98 في المئة من أراضي سوريا من تنظيم «الدولة» الإسلامية، بيد ان بؤر الإرهاب المسلح ما زالت قائمة ومن الضروري تصفيتها. وتشير موسكو أيضا إلى عدم تجاهل التهديدات الإرهابية من جانب «جبهة النصرة» التي تكتسب وفقا للرؤية الروسية «راهنية خاصة».
روسيا تنسحب؟
وتجلى الموقف الروسي أيضا من خلال البيان الذي جاء بمبادرة من موسكو وتبنته قمة «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» التي انعقدت في مينسك الخميس الماضي. واشير في البيان إلى ان دول المنظمة (روسيا وبيلاروسيا وطاجيكستان وأرمينيا وقرغيزستان) تدعم وحدة وسلامة الأراضي السورية وتدعو إلى تصفية التهديدات الإرهابية بأسرع وقت ووضع حد للنزاع العسكري الداخلي بالوسائل السياسية والدبلوماسية «عبر حوار سوري/ سوري واسع من دون شروط مسبقة». في إشارة إلى مطلب المعارضة برحيل الأسد قبل بدء العملية الانتقالية. كما دعا البيان كافة الأطراف المعنية استغلال الظروف الملائمة من أجل تفعيل المباحثات في إطار عملية جنيف برعاية الأمم المتحدة. ووصفوا عقد مؤتمر الحوار الوطني السوري، انه خطوة ملحة.
في غضون ذلك وتزامنا مع تفعيل روسيا حراكها الدبلوماسي الذي بات يقوده الرئيس فلاديمير بوتين بنفسه، ظهرت مؤشرات على ان روسيا تريد خفض وجودها العسكري وفعاليتها في سوريا. في هذا السياق نقلت صحيفة «ار بي كا» الصادرة في موسكو عن مصادر دبلوماسية وعسكرية إشارتها إلى ان روسيا تخطط لأنهاء العملية العسكرية في سوريا نهاية عام 2017. ولم تستبعد تلك المصادر، ان هذه التواريخ قد تتغير تبعا للوضع الذي سيترتب «ولكن هناك رغبة قوية في الانتهاء من العملية نهاية العام الحالي».
متحدث دبلوماسي لم يذكر اسمه أوضح للصحيفة ان المقصود بانهاء العملية العسكرية هو وقف ضربات التشكيلات المسلحة الإرهابية في سوريا جويا. فضلا عن تقليص حجم القوة المسلحة والآليات العسكرية. ووفقا لبعض المعطيات فان لدى روسيا في سوريا 5800 عسكري، وستبقى فقط القوة اللازمة والوسائل الضرورية لعمل قاعدة حميميم العسكرية ونقطة الإمداد المادي والتقني التابعة للأسطول الحربي الروسي في طرطوس. وحسب المصدر الدبلوماسي فان هذه الخطط تعكس رؤية موسكو لدورها في سوريا ومستقبلها ومنطلقاتها للعملية العسكرية التي أدتها هناك، وان الانسحاب خيار استراتيجي.
فالح الحمراني
لن تنجح مع النظام المفاوضات خاصة بعد أن أصبح أقوى بفضل الطيران الإجرامي الروسي
وحدها حرب الإستنزاف على عسكره وشبيحته بالطرقات وخطوط الإمداد ستغير المعادلة
ولا حول ولا قوة الا بالله
ان روسيا المفلسة التي تتكبد خسائر بشرية ومادية كبيرة تريد ان توقف هذا النزيف في سورية بأقل الخسائر الممكنة قبل انتخابات بوتين المقبلة، وخاصة بعد أن جربت كل أسحلتها المبتكرة في لحم الشعب السوري، اضافة الى أنها لا تريد ان تعيد ذكريات الهزائم السوفييتية في افغانستان الى أذهان الشعب الروسي