روسيا وليبيا: اللعبة أخطر بكثير مما نعتقد!

حجم الخط
12

تثير الأحداث المتوالية التي تشير إلى تصاعد حرارة العلاقات بين روسيا والجنرال خليفة حفتر (أو قائد الجيش الوطني الليبي كما يسمّيه أنصاره) الذي زار موسكو في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي (وقبلها في حزيران/يونيو من العام نفسه)، والتقى، حسب مصادر صحافية، مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عبر دارة مغلقة، هو ورئيس برلمان طبرق الموالي له، عقيلة صالح (على حاملة طائرات روسية، حسب رواية تريد تأكيد النفوذ الروسي، أو في طبرق، حسب رواية أخرى) إلى أن الاتجاه الروسي لتوسيع النفوذ العسكري في الشرق الأوسط يتزايد جلاء، وأن حفتر وحلفاءه الإقليميين أقنعوا موسكو أنهم قادرون على توطيد هذا النفوذ يدفعهم في ذلك ميل معاكس لدى الأوروبيين والأمريكيين لعدم تحمّل أكلاف التدخل في ليبيا أو التورّط في رمالها الساخنة.
ومن سخرية الأقدار أن الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي كان قد زار هو أيضاً روسيا في وقت مقارب لزيارة حفتر الأخيرة ولكن قبل ثماني سنوات (بالتحديد في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2008) وأن زيارته ترافقت مع اقتراح على روسيا باستضافة قاعدة عسكرية لها على الأراضي الليبية وهو الأمر الذي لم يتحقق يومها لأن ظروف البلدين آنذاك، لم تكن مشابهة لظروفهما الحالية، ولكنّ هذه المفارقة التاريخية تجعل المقارنة مليئة بالدلالات المثيرة، فحفتر الذي عاش في حضن الولايات المتحدة الأمريكية أثناء فترة عدائه للقذافي، انتهى الأمر به وهو يحاول استكمال الطرق التي عبرها القذافي نفسه ولم يكملها.
الأخبار الآتية من روسيا تؤكد أن موسكو تطمح لتعزيز دورها في الملف الليبي خلال المرحلة المقبلة، وأنها ستعمل على تقليص الحظر الدولي المفروض على تزويد ليبيا أسلحة، وهو ما يعني تحدّي قرارات مجلس الأمن، والمكافأة ستكون قاعدة عسكرية روسية في شرق ليبيا، وهو أمر يعزّز السابقة الروسية في سوريا التي أكسبت موسكو أوراقاً كبيرة تريد استخدامها للمقايضة في موضوعي العقوبات الغربية ضدها وتثبيت شرعية احتلالها لشبه جزيرة القرم الأوكرانية.
يحظى هذا المخطط برضا حلف إقليميّ غريب يضم رعاة حفتر الإقليميين العرب، وعلى رأسهم النظام المصري والإمارات، ولكنّه يضمّ أيضاً إيران، النجم الصاعد في المنطقة العربية (والذي يحارب التحالف الخليجي الذي يضم أبو ظبي في اليمن)، وكذلك طبعاً نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ومن الغرب، يضمّ النظام الجزائري الذي صار يمشي في ركاب روسيا وإيران عربيّاً وعالميّاً.
التسريبات التي وصلت للصحافة عن اللقاء الأخير لحفتر تشير إلى أن الجانب الروسي قرّر إطلاق مناورات جوية وبحرية قبالة الشواطئ الليبية، وهو نوع من جس نبض للإدارة الأمريكية الجديدة التي تتناهبها اتجاهات مختلفة حول التعامل مع روسيا، وإلى درجة أقل للحكومات الأوروبية المعنيّة بالملفّ الليبي، وكذلك لمنظمة الأمم المتحدة التي رعت ظهور حكومة الوفاق الليبية في طرابلس برئاسة فايز السراج الذي سارع إلى مصر لبحث التطوّرات الخطيرة الأخيرة، الأمر الذي استتبع اقتحاماً لقوّات تابعة للحكومة السابقة عليه لمقر حكومته وعدد من الوزارات كشكل من إبداء الرفض لهذه الزيارة إلى طرف إقليميّ ضالع لأخمصه في النزاع الليبي.
الواضح أن روسيا تتعامل بشكل تدريجي مع الأبواب العديدة التي تنفتح أمامها في المنطقة العربية وأنّها تستغل التردد الغربيّ من التورّط في الشؤون المعقدة للبلدان العربية، كما تستغل بخبث مخاوف العالم من المجابهة معها، ومن رغبات إقليمية ودولية عديدة في استخدام الهراوة الروسية في ضرب أعداء مشتركين (حسب ما قاله وكرره الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب).
غير أن ترك المجال لروسيا لتحدّي قرارات مجلس الأمن وفرض أجنداتها الخاصة في البلدان الفاشلة سياسيا كسوريا وليبيا مقابل التخلّص من الحركات الإسلامية المسلّحة (وغير المسلحة) يتجاهل الشهيّة الروسيّة الكبير لتجاوز حدود اللعبة، وهو ما تكشفه، بجلاء ما بعده جلاء، فضيحة ترامب الأخيرة، وتزايد نفوذ بوتين داخل أوروبا الغربية، سواء مع حظوظ المرشح الفرنسي للرئاسة فرانسوا فيون بالفوز، وهو الذي يتفاخر بعلاقته مع بوتين، أو بما يشكّله المثال الروسي من نموذج للاقتداء من قبل الصين، أو حتى من قبل دول صغيرة كالفلبين، ناهيك عن الرعب المقيم الذي تشكّله كوريا الشمالية.
اللعبة إذن أكبر من سوريا وليبيا وهي تبشر بسنة قد تكون مليئة بالمفاجآت الرهيبة.

روسيا وليبيا: اللعبة أخطر بكثير مما نعتقد!

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول mahmoud from syria:

    معقول يطلع مع الكاتب انو روسيا دولة خبيثة بتقاربها مع حفتر؟؟؟مع انو روسيا لم تشارك في ضرب وتدمير الدولة الليبية بينما الغرب هو الذي ضرب ودمر الدولة الليبية بحجة تخليص الشعب من الدكتاتورية وعندما خلص الشعب تركه يتصارع ويتقاتل فيما بينه والغرب الخائف حسب تعبير الكاتب بدأ بنهب ثروات البلد النفطية والمصرفية….ف اي الطرفين هو الخبيث ؟الغربي الذي دمر البلد وتركه اقساما متناحرة ام روسيا التي لم تشارك في هذا التدمير وهذا النهب؟؟؟!!!الا يكفي كفرا بعقول العرب..

  2. يقول ليبي صرف:

    ومن سخرية الأقدار أن الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي كان قد زار هو أيضاً روسيا في وقت مقارب لزيارة حفتر الأخيرة ولكن قبل ثماني سنوات (بالتحديد في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2008) وأن زيارته ترافقت مع اقتراح على روسيا باستضافة قاعدة عسكرية لها على الأراضي الليبية وهو الأمر الذي لم يتحقق يومها لأن ظروف البلدين آنذاك،,,,,,,
    نعم ينبغي علينا أن نصدق كل التلفيقات والترهات التي يأتي بها الكذبة والمدعين …. قال { معمر القذافي عرض علي روسيا إنشاء قاعدة عسكرية وروسيا لم تنتهز الفرصة الذهبية ( حيث معمر القذافي آنذاك أقوي الحكام العرب والأفارقة مضافاً إليها تودد أوروبا له ومغازلتها إياه طمعاً في المليارات الليبية المطروحة لتنفيذ حزمات المشاريع التنموية العملاقة … ناهيك عن رغبة النظام في تجديد ترسانته الدفاعية وبالأخص منظومات الدفاع الجوي والرقابة علي الحدود , الامر الذي يعني تدفق هائل للمليارات الليبية الساخنة إلي مفاصل الدب الروسي المتجمدة بفعل العقوبات الغربية عليه } ,ويأتي من يدعي أن القذافي إقترح إنشاء قاعدة روسية في شرق ليبيا لكن الروس رفظوا العرض …….. شي غاد يازلمي … علي قولة أبوعواد …

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية