ريو دي جانيرو ـ «القدس العربي»: قبل خمسة أسابيع فقط على انطلاق فعاليات دورة الألعاب الأولمبية 2016 في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، تتفاقم حدة الغضب في المدينة البرازيلية العريقة وتتفشى ظاهرة الإضرابات في مؤسسات عدة.
وانتشرت الإضرابات في الجامعات والمستشفيات لتأخر صرف الرواتب أو عدم صرفها على الاطلاق. وتشكك الشرطة البرازيلية في إمكانية الاحتواء أو ضمان الناحية الأمنية في شوارع المدينة، ما يهدد هذا الحدث الرياضي الضخم بالفوضى. وفيما يتأهب المشاركون في الأولمبياد للسفر إلى ريو دي جانيرو خلال الأسابيع المقبلة للمشاركة في فعاليات هذه الدورة الأولمبية، تعج مدينة ريو بإضرابات كبيرة مؤثرة. وكان بإمكان وحدة جراحات القلب في مستشفى «بدرو إيرنستو« الجامعي في هذه المدينة أن تعالج نحو 12 مريضا في آن واحد، لكنها الآن تفتقد للتمويل، كما أعلن نحو ثلث العاملين فيها عن إضرابهم. وقال خواكين كوتينيو رئيس الوحدة: «الآن، يمكننا توفير ستة أماكن فحسب». وتوشك حكومة ولاية ريو دي جانيرو على الافلاس، لكن كوتينيو لا يلقي اللوم فقط على الأولمبياد لأن الحكومة الاتحادية حصلت على الكثير من فاتورة الأولمبياد.
ويمكن للمستشفى الآن علاج 200 مريض فحسب بدلا من 600 مريض كما كان معتادا في الماضي، طبقا لتأكيدات العاملين به. كما تنتشر في طرقات المستشفى المظلمة لافتات كتب عليها كلمة «إضراب». وتتوقف الجامعة المجاورة عن العمل فعليا منذ آذار/ مارس الماضي. وفي الجامعة تنتشر ملصقات كتب عليها «الأولمبياد في ريو؟ التعليم العام هو ميداليتنا الذهبية». ويمثل المستشفى رمزا للأزمة المالية في ريو. وينتظر الناس لساعات من أجل العلاج. ويطالب الموظفون الغاضبون بصرف رواتبهم المتأخرة منذ فترات طويلة وأثاروا حالة من الضجيج والصخب أمام مكتب المدير إيدمار سانتوس حتى استجاب أخيرا وقرر عقد اجتماع لبحث الأزمة. وأوضح سانتوس أنه ليس مسؤولا عن صرف الرواتب وانها مسؤولية حكومة الولاية. وقالت بيرسيليانا رودريغز إحدى قائدات الإضراب: «تأخر صرف الرواتب ثلاثة شهور… كثيرون لا يستطيعون دفع أجرة منازلهم أو فواتير الكهرباء أو فواتير مشترياتهم». وعندما تأتي التمويلات، تقسم بين هذا العدد الكبير من العاملين والموظفين ولا يصل نصيب أي منهم إلى راتب شهر كامل وهو ما يضاعف من حالة الغضب ضد الأولمبياد. وقالت رودريغز: «هناك علاقة واضحة للغاية بين هذه الأزمة واستضافة الأولمبياد… إنهم ينفقون على حدث ضخم كهذا، ويتركون مرضانا للمعاناة الأكيدة». وتضع حكومة ريو دي جانيرو مشاريع الأولمبياد في مقدمة أولوياتها مثل خط المترو باهظ التكلفة في بارا، حسبما تؤكد رودريغز. ويستضيف المتنزه الأولمبي في بارا معظم فعاليات الدورة الأولمبية. وقد تبلغ التكلفة النهائية لخط المترو 2.8 مليار دولار لتكون ربع الميزانية المخصصة للأولمبياد. وما زال هناك كيلومتر واحد لم يكتمل في خط المترو، وقد لا يكون جاهزا في آب/ أغسطس المقبل وهو ما قد يتسبب في فوضى مرورية كبيرة. وأعربت سيدة أخرى عن شكواها خلال الاجتماع مع مدير المستشفى، وقالت: «هناك افتقاد لكل شيء: الدواء والقفازات الطبية والمطهرات ومناشف الحمام». والأكثر من هذا، يصطحب الموظفون معهم ورق الطباعة من منازلهم.
ويبدو أن الأولمبياد يأتي في الوقت غير المناسب لريو دي جانيرو. وتعاني البرازيل واحدة من أسوأ فترات الكساد الاقتصادي في تاريخها وهو ما يعني تراجع حجم العائدات الضريبية. وما يزيد الوضع سوءا، تراجعت عائدات النفط بشكل هائل وهو أمر ذو أهمية خاصة لدى ولاية ريو دي جانيرو. وأعلنت سلطات الولاية حالة الطوارئ المالية وألحت في مطالبة الحكومة الاتحادية بتقديم مساعدات تبلغ 2.9 مليار ريال برازيلي (900 مليون دولار) إلى الولاية. ورغم هذا، لم يتضح بعد بشكل تام إذا كان هذا كافيا لسداد كافة الرواتب المتأخرة لعشرات الآلاف من الموظفين والعاملين في القطاع العام. كما أن جزءا من هذا التمويل سيوجه إلى الأعمال المتبقية في خط المترو.
وأثار فرانسيسكو دورنيليز حاكم ولاية ريو قبل أيام موجة من الجدل عندما صرح لصحيفة «أو غلوبو« البرازيلية قائلا: «نستطيع استضافة دورة ألعاب مثيرة. لكن الأولمبياد سيكون إخفاقا هائلا إذا لم نتخذ بعض الخطوات». ويظل الإنفاق على الشرطة مشكلة ضخمة حيث قال دورنيليس إن سلطات الولاية يمكنها فقط سداد قيمة الوقود الذي تستهلكه سيارات الشرطة حتى نهاية الأسبوع. وتبلغ ميزاية تأمين الولاية 940 مليون ريال (290 مليون دولار) شهريا، لكن هذا المبلغ سيقفز بشكل هائل خلال فترة الأولمبياد.
وتنتشر دعوات الإضراب العام في الولاية خلال الشهر الحالي. وفي المطار، رفع رجال الشرطة والمطافئ في وجه المسافرين هذا الأسبوع لافتة كتب عليها: «مرحبا في الجحيم. الشرطة والمطافئ لا يحصلون على رواتبهم. كل من يحضر إلى ريو دي جانيرو، لن يكون آمنا». ولا تصب هذه الرسائل في صالح ريو على الإطلاق كما أنها ليست في صالح صناعة الضيافة والسياحة بالمدينة خاصة مع المخاوف من فيروس زيكا والتي ساهمت في ابتعاد السائحين عن المدينة. وحتى الآن، ما زالت الاحتجاجات صغيرة، لكن بعض هؤلاء المضربين في المستشفى يعتقدون في إمكانية حدوث احتجاجات شعبية هائلة قبل حفل افتتاح الأولمبياد بأيام قليلة مثلما حدث قبل انطلاق فعاليات كأس العالم 2014. ويرى آخرون أن العكس هو ما سيحدث، وأن مواطني ريو سيشعرون بالسعادة لنسيان أزمتهم لأيام قليلة خلال فترة الأولمبياد مثلما كان الحال خلال كأس العالم.
61 ٪ من سكان مدينة ريو يتوقعون نجاح الأولمبياد!
أظهرت دراسات أجرتها مؤسستان غير حكومتين، أن 61 بالمئة من سكان مدينة ريو دي جانيرو يثقون في أن دورة الألعاب الأولمبية، التي ستنطلق هناك بعد 33 يوما ستحقق نجاحا.
وطبقا لاستطلاع الرأي، ترى نسبة مماثلة من سكان ولاية ريو ككل أن الدورة الأولمبية، المقامة في الفترة بين الخامس و 21 آب/ أغسطس، ستأتي بنتائج طيبة. وكشفت الدراسات أن مصادر القلق الرئيسية لسكان مدينة ريو والمناطق الأخرى المتفرقة في الولاية تتمثل في الأمن والمواصلات العامة. ويعتبر العنف والأمن المصدر الرئيسي لخوف 80 بالمئة من سكان ثاني الولايات الأكثر ثراء في البرازيل. وأكد سكان ولاية ريو، الذين شاركوا في استطلاع الرأي، أن هذه العوامل قد تحدد نجاح أو فشل الحدث الرياضي الكبير. وشهدت الأسابيع الأخيرة وقوع بعض الجرائم في الولاية خلفت وراءها جرحى وقتلى. ووقعت حوادث إطلاق نار في الطرق الرئيسية المؤدية لوسط المدينة، بالإضافة إلى خطف أحد تجار المخدرات من داخل أحد المستشفيات، كما تعرض بعض الرياضيين، الذين يستعدون لخوض غمار منافسات الدورة الأولمبية لعمليات سطو. وكانت أخر الحوادث وقوعا يوم السبت الماضي، عندما سرق صندوقا معدات كانا ملكا للتلفزيون الألماني في طريق عمومي بواسطة مجموعة من الرجال المسلحين، الذين قاموا باحتجاز سائق الشاحنة، التي كانت تنقل المعدات للمتنزه الأولمبي، كرهينة.
وفي ما يتعلق بالمواصلات العامة، التي تعد أحد أكبر المشاكل المعقدة للسكان، تتركز المخاوف في ألا يتم الانتهاء من تجهيز خط المترو، الذي يربط بين جنوب ووسط ريو مع منطقة بارا، الذي يقع فيها المتنزه الأولمبي، بشكل كامل قبل وقت كاف من انطلاق دورة الألعاب الأولمبية. وإذا لم يتم الانتهاء من الأعمال الإنشائية لهذا المشروع، فإن المخاطر تتمثل في دخول المدينة في شلل كامل خلال الدورة الأولمبية، حيث من المنتظر أن تستقبل المدينة خلال تلك الفترة 600 ألف زائر. ويرى 39٪ من قاطني مدينة ريو و32 بالمئة من سكان الولاية بأكملها أن هذه المشكلة تعد الأكثر تعقيدا. وشارك في استطلاع الرأي 2400 شخص في الفترة بين 19 أيار/ مايو والأول من حزيران/ يونيو.