زلزال متوقع وخطر داهم على العرب!

‪أغلبنا يتذكر الفرح الذي عم الأوساط الغربية وكان له تأثيره البالغ على الرأي العام المحلي والإقليمي والعالمي، وكان ذلك بسبب سقوط حائط برلين وتوحيد ألمانيا.. وعند هذا الحد كان الأمر طبيعيا، وجاءت تداعيات ‬ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق واختفاء كتلة أوروبا الشرقية وتفكك حلف وارسو؛ جاءت كلها لتصب في قناة الانتصار الساحق للرأسمالية، فزادتها توحشا وأفلتت عقالها.. وانقلبت موازين عالم بدا مستسلما للواقع الجديد، وقابلا بتنصيب الولايات المتحدة الأمريكية سيدا لا ينازع للعالم.. وجاءت تصرفات السيد منفلتة وسياساته غير منضبطة، وأضحى نموذجا للبلطجة في مجالات السياسة والثقافة والإعلام والاقتصاد والحرب.. واتسعت تدخلاته المباشرة، وانتشرت قواعده العسكرية؛ البرية والبحرية والجوية والصاروخية، وجابت أساطيله وحاملات طائراته البحار والمحيطات على مدار الساعة..
وضل العالم الطريق إلى التحرر والسلام والديمقراطية والتقدم.. وتخلت كثير من قوى المعارضة عن نشاطها السلمي، وعسكرت كوادرها ومنتسبيها اعتمادا على ما تقدمه لها الولايات المتحدة وحلفاؤها من مال وسلاح.. وبتدفق المال والسلاح جرت أنهار دم بدأت من وسط أوروبا وتخوم الاتحاد السوفييتي السابق، ووصلت القارة العربية والعالم الإسلامي، ولم يسلم أحد من الزحف الأمريكي الدموي. ولا من الخضوع لنمط حياة فرض عليه وعلى غيره من الأمم والشعوب، وبذلك صار القرن الواحد والعشرين قرنا أمريكيا، وقبلت به قوى عالمية كثيرة. ومنها ما اعتبر الخضوع له من سنن العصر، وشرط من شروط الحياة فيه، وقانون من قوانين النظام العالمي الجديد..
وليس الأمر بهذه البساطة، فالنظم الجديدة لا تقام على أنقاض نظم تحتضر وتنتظر رصاصة الرحمة. والأنقاض لا تصلح لبناء جديد وقوي.. وصلاحيتها فقط للمتاريس والسواتر.. أما الأشلاء لا تحيي عظاما وهي رميم، وحتى لو بقيت منها خلايا تُستنسخ على طريقة «النعجة دوللي»، فالكائن المستنسخ يولد شائخا؛ قصير العمر.. فعمر خلاياه من عمر الخلايا القديمة التي ماتت، وإن بقي فيها رمق ينتظر مصيره المحتوم.
وما تبقى من النظام القديم مآله الزوال.. فضلا عن طبيعته غير التاريخية، فقد نشأ بالعنف والنهب والتطهير العرقي والإفراط في استخدام القوة؛ ولم يحمل رسالة إنسانية وحضارية؛ تخلصه من عقدة «اللاتاريخ».. وبدلا من العلاج بالاندماج في تيار الحياة المتدفق صاغ لنفسه عالما على هيئته وصورته، وصارت المهمة هي أمركة العالم.. وأضحت الأمركة الأساس النظري للعولمة ولما بعد العولمة، فتأمركت الثقافات، وعملت واشنطن على إفقادها تعددها وخصوبتها وتنوعها.. ونفس الشيء يحدث بالنسبة لأساليب الحياة وطرق التفكير وعادات المشرب والمأكل والملبس، وكل ذلك من أجل الاستمرار في أَسْر اللاتاريخ، فيصبح الكل سواء!!
ومشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد إفراز لهذه العقدة.. وتسليم بالصهيونية كأيديولوجية تمزج الأساطير التوراتية بفتاوى الأحبار وتراث ملوك بني إسرائيل.. وتمنح القدسية للبُنى اللاتاريخية أينما كانت، وعليه تطابقت البنى الصهيونية مع البنى الأمريكية، وصارت شيئا واحدا رغم بعد المسافة..
وحين وقع الاختيار على القارة العربية؛ الأفرو آسيوية؛ الواقعة على تخوم أوروبا؛ كان ذلك لتصفيتها والقضاء على ما تملك من مخزون تاريخي وتراث ثقافي وحضاري؛ وعوملت على قواعد المكان والجغرافيا؛ دون الاعتماد على معايير الأنثربولوجيا والتراكم التاريخي والاستقرار الاجتماعي والروابط السياسية، وحملت الصفة المكانية والجغرافية باسم الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، واتُّخِذ مجالا حيويا للقرن الأمريكي الحالي!!..
وذكرنا من سنوات أن «الدولة الصهيونية» هي «أمريكا الصغرى».. وأمريكا يجب وصفها بـ «إسرائيل الكبرى»، التي أقامت دولتها على أراضي وأنقاض وأشلاء سكان العالم الجديد الأصليين؛ في الأمريكيتين.. وهو نفس النهج الذي اتبع في تأسيس وإعلان «الدولة الصهيونية» على أرض عربية مغتصبة.. ولما تمددت وتضخمت انتقلت «أمريكا الصغرى» وطورت طموحها من دولة تقع بين الفرات والنيل إلى إمبراطورية كبرى، وعاصمة أكبر هي تل أبيب؛ تتنافس مع واشنطن، وتتجاوز طموحها السابق (من الفرات إلى النيل) إلى إمبراطورية ممتدة من المحيط إلى الخليج.. وسيتولى الأحبار صياغة الجانب اللاهوتي، بما لا يمنع من تطوير وعد الرب ليكون «أرض إسرائيل من المحيط إلى الخليج!!».
تغيرت تركيبة القارة العربية.. وبعد أن كانت كتلة بشرية وتاريخية وحضارية كبرى؛ اقتصرت على المشاريع الشرق أوسطية فيما بعد الحرب العالمية الثانية.. حين كانت تلك المشاريع من أجل توفير أعلى مستويات الأمان والاستقرار للدولة الصهيونية الوليدة.. وتهيئة أفضل الظروف لنموها المستقبلي.. ومنيت مشروعات خمسينات وستينات القرن الماضي بالهزائم، لأنها كانت هدفا من أهداف معارك التحرير الكبرى في مرحلة المد القومي، وكانت ذروتها معركة السويس في 1956.
ومخططات التقسيم أعلنت عن نفسها من جديد في العقدين الأخيرين من القرن العشرين.. ونشر مشروع برنارد لويس عام 1983، مع ما قيل عن موقف الكونغرس الأمريكي، الذي وافق على المشروع بالاجماع في جلسة سرية، ولمن لا يعرف فبرنارد لويس صهيوني أمريكى من أصل بريطانى؛ واستهدف تغيير تقسيمات اتفاقية سايكس بيكو المبرمة عام 1916؛ بتفاهم سري فرنسي بريطاني، ومصادقة قيصرية روسية؛ بمقتضاه قُسمت منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا، وتحددت مناطق نفوذهما في غرب آسيا مع التداعي الذي صاحب ضعف الامبراطورية العثمانية وانتهاء بسقوطها.
ويعتمد مشروع برنارد لويس على تفكيك الدول العربية والإسلامية وإعادة تركيبها على أسس دينية وطائفية ومذهبية وعرقية وعشائرية ومناطقية؛ وفي سبيل أزهق أرواح ملايين الأبرياء.. وشرد ملايين أخرى في كانتونات ودويلات وجماعات وقبائل وطوائف متناحرة، وهجر آخرون في معسكرات ومخيمات متناثرة؛ في فلسطين وخارجها. وهذا بجانب خرائط تقسيم أخرى كانت قد أعدت من زمن، وظهرت تباعا من نهاية سبعينيات القرن الماضي؛ وقطعت شوطا كبيرا، إلى أن أشرفت على مراحلها الأخيرة.
وجاء في مقال أخير لأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة د. أحمد يوسف أحمد في صحيفة «الاتحاد الإماراتية «؛ جاء فيه وصف للحال الراهن؛ «أن المناخ الدولي في أعقاب تفكك الاتحاد السوفييتي بدا أكثر تقبلاً بل وتشجيعاً لفكرة التفكيك، فقد كان انفراط عقد جمهورياته الفيدرالية الخمس عشرة حدثاً هائلاً سرعان ما امتدت تداعياته إلى تشيكوسلوفاكيا التي انقسمت إلى دولتين، ويوغوسلافيا التي انقسمت إلى خمس دول. «وبالنسبة للوطن العربي كانت البذور موجودة والتشجيع واضحاً من قوى خارجية يهمها أن تتواضع فسيفساء سايكس ـ بيكو أمام فسيفساء القرن الحادي والعشرين. فالحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في السودان مشتعلة تقريباً منذ استقلاله، ومحاولات التمرد الكردية على السلطة المركزية في العراق قائمة منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي، وتفكك الصومال أمر واقع منذ تسعينيات القرن نفسه. غير أن النقلة النوعية في عملية التجزئة الجديدة جاءت مع الغزو الأمريكي للعراق إذ عزف هذا الغزو على الوتر النشاز للطائفية».
وأشار إلى أن أخطر ما في الموضوع أننا لم نعد بانتظار موجة تجزئة جديدة إنما زلزال تليه توابع لا يُعرف الحد الذي ستتوقف عنده‫..‬ وتوقع مزيدا من التجزئة. وضرب أمثلة عديدة على ذلك، وانتهى إلى أن المستقبل يبدو مخيفاً إذا تحقق السيناريو الأسوأ، وهو ما يحتاج منا تفكيراً وحسن تدبير وخاصة أن هذا السيناريو لا يخص دولاً بعينها وإنما خطره داهم على الجميع؛ حسب رأيه. ومن جانبنا نسأل؛ من هو المؤهل لتحمل مسؤولية المشروع البديل في مواجهة مشروع صهيو أمريكي معروف بـ«الشرق الأوسط الكبير» أو الجديد؟ ويستهدف الأخضر واليابس، على من يراهن المرء في هذه الظروف الاستثنائية والصعبة؟‫!‬

٭ كاتب من مصر

زلزال متوقع وخطر داهم على العرب!

محمد عبد الحكم دياب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ” ومن جانبنا نسأل؛ من هو المؤهل لتحمل مسؤولية المشروع البديل في مواجهة مشروع صهيو أمريكي معروف بـ«الشرق الأوسط الكبير» أو الجديد؟ ويستهدف الأخضر واليابس، على من يراهن المرء في هذه الظروف الاستثنائية والصعبة؟‫!‬ ” أهـ
    المشروع هو صهيو أمريكي صفوي ! والسؤال هو : لماذا لم يقصف الصهاينة إيران كما قصفوا العراق من قبل ؟
    أما المؤهل لتحمل مسؤولية المشروع البديل فهم الجهاديون وفي مقدمتهم جبهة فتح الشام وقائدها الفاتح أبو محمد الجولاني نصره الله
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول محمد فوزي التريكي ~~تونس:

    الإنقلاب العسكري الذي فشل في تركيا يوم 15 جويلية 2016 !؟
    من افشله ؟
    اليس الشعب التركي الواعي والحُر ؟!!
    الشعوب الحُرة يمكنها ان تتصدى لجميع هذه المشاريع
    اذكركم استاذ بمقولة قيلت لعنترة ابن شداد “كُر وانت حُر”
    الشعوب الحرة هي السلاح الفعال القادر على افشال جميع هذه المشاريع .

  3. يقول سلام عادل:

    لالاسف التقسيم قادم شئنا ام ابينا فلا اعتقد ان اي عراقي يستطيع ان يبرهن عمليا ان الاكراد الان او من عام 1991 هم جزء فعلي من العراق وكذلك التعايش مع السنة والشيعة سيكون مستحيلا لو سارت الامور كما هي عليه الان وكذلك مع السنة انفسهم والشيعة انفسهم يمكن ان ينقسمون.والامر لا يحتاج الى خبرة في القضية السورية فالحرب هي طائفية بامتياز فلا يوجد غير السنة في قوى المعارضة السورية كفصائل تحارب النظام.والحقيقة كان للجهاديين الفضل الاكبر في الامر فلولا الزرقاوي لما حصل الكثير من التباعد بين سنة العراق وشيعته وكذلك الفصائل الاسلامية الجهادية في سوريا فلو لم تتخذ الثورة السورية طابع اسلامي وهو بالنتيجة طائفي لما بقيت الحرب مستمرة وفي ليبيا كذلك فضل الجهاديين واضح في تقسيمها والصومال حدث ولا حرج وافغانستان كانت السباقة

  4. يقول فاطمة كمال مصر:

    الفارق بين العالم العربي والغربي في التقدم العلمي يحتاج لعشرات السنين من البحث والعمل والتكاتف الشعبي والحكومي , بالإضافة أننا الآن أصبحنا قبائل متناحرة كما كنا قبل الإسلام , فما بالنا إذا مكن هؤلاء من تحقيق أهدافهم؟ السبيل للنجاة ونجاة البشرية علي أيدينا أننا نملك منهج من عند الله , وحين تحقق هذا المنهج جعل العرب في أعلى درجات الإنسانية وأعلى مرتبة الأخوة حتى نجد الأنصاري يقتسم بيته وماله بينه وبين المهاجر, ويتحقق الصلح بين الأوس والخزرج بعد عشرات السنين من الحرب , وتبرم المعاهدات بين المسلمين واليهود حتى ينقضوها , إذا المخرج بأيدينا وعندنا ولكن السؤال من يفهم هذا المنهج ؟ وما هي مواصفات هؤلاء الذين سيتحقق على أيديهم ؟ لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

  5. يقول محمد العلمي المغرب:

    و ذي عايزة كلام؟
    المؤهل لإفشال هذا المشروع الخبيث في العالم العربي هو صنو الذي أفشل المخطط الصهيوغربي في تركيا

  6. يقول زين سورية:

    لماذا الخوف من التقسيم.
    الوضع الحالي القاءم الذي نخاف من تقسيمه ما هو الا ( مقسم الماضي و الان تعودنا عليه و صار مقدسا اليوم بالنسبة لنا و هو وضع وواقع لا يعرفه اجدادنا و هو تقسيم و تفتيت لاجدادنا الذين عاصروه.
    لا تكونو اقليمين.
    من يدري ربما تقسيم المقسم اكثر و اكثر هو المسار الطبيعي الذي ينتهي بزوال التقسيم و العودة لامة واحدة.

  7. يقول د/ طارق الخطيب ـ القوميون العرب:

    أخي محمد عبد الحكيم دياب.؛ كما تعلمه حول تقديري لشخصك قلما وفكرا ، فاني لا أجد مفرا من المداخلة المخلصة وفاء لما آمنت به منذ أدركنا ( كجيل العزة والكرامة .؛) معنى الانتماء وفرض الوفاء ؛ لا أشك لحظة بصدق وحقيقة ما تفضلت به أعلاه ، بل أشاركك الاصرار عليه ؛ ومداخلتي هنا هي تعليق فرضته الضرورة منعا من القفز فوق تاريخ الأحداث وجسامتها ؛. ان مشروع برنارد لويس والمستهدف به تفكيك الدول العربية والاسلامية واعادة تركيبها على اسس دينية وطائفية ومذهبية …الخ ، نعم هذا هو الهدف الغير مقدس ..ولقد ظهر عام 1983 ؟؟ أي بعد أن تمكن الطائفيون العلويون في الاقليم العربي السوري ؛؛ من ترسيخ نظامهم الطائفي والعرقي في نفس الوقت ( احتلالاوتدميرا للوطن العربي السوري بكافة مكونات وجوده بنيانا وأمنا .؛؛ ضف الى ذلك اذلال الوطن ومحاولة طمس وازالة هويته العربية الاسلامية ( رغم الادعاء الفاجر …ممانعة وتصديا ؟؟) تمنيت يا أخي محمد …لو تفضلت وجئت على هذه الظاهرة الرهيبة والتي في اعتقادي الراسخ هي المنعطف المدمر والذي ( مّهـد ) لكافة التداعيات والتي يعيشها وطننا العربي المفجوع .؛؛ وأسمح لنفسي سؤالك عن سبب هذه ( الغفوة ـ القفزة ) وعدم المرر عليها رغم أهميتها كمفصل لأخطر أحداث عصر أمتنا الحديث.؛؛ ؟ ان حصيلة الاحتلال ( النصيري ) للوطن العربي السوري وفي الاطار المخيف والذي ترتعد له حضارة الانسان كما يشاهده العالم اليوم مبتدئا بأحداث لا تقل ارهابا عما نراه اليوم رغم تفرقاتها مرورا بمجزرة حماة واستكمالا بمساندة الفرس في حربهم على أمتنا متجسدة في عراق كان أملا لدخول عصر العزة والكرامة المهدورتين.؛؛ وهذا ما أرغب الحاقه بما جاء بكلمتك أعلاه …النقلة النوعية في عملية التجزئة الجديدة متلازمة مع تدمير ذلك الصرح العلمي والذي بناه العراق العظيم وكان في الوقت نفسة مساهمة اجرامية فاحشة ارتكبها العلويون في حفر الباطن سندا للحملة الصهيوصليبية على العراق الى جانب طحالب الرجعية العربية المتآمرة منذ خلقت ؛؛ اننا يا أخي عندما نقف في اطار الحيرة التي فرضها علينا من انتسبوا الينــا في غدرة الزمن ؛؛ فعلينا أن لا تنسينا تلك الحيرة من الوقوف على فواصل التشخيص السليم ، لنتمكن في ساعة الفصل من وصف طريق الخلاص والذي لـم ولـن يكون يوما الا بالعودة لجذورنا القومية الاسلامية., ولك تحياتي .

إشترك في قائمتنا البريدية