كلام اليوم عن أحد العوامل الأكثر أهمية في الحياة، وفي الآن نفسه عن أحد أقلها نصيبا من خبرتنا. أجل، لقد جعلتنا كرونولوجيا الحياة عرضة حلقاتها المتسلسلة فزجتنا فيها زجا، بحيث أصبحنا ضحايا حقائق اسماؤها «إيقاع « و»ضغط» و»سحق»، ولعل الأنسب القول «إيقاع، فضغط، فسحق»…
«من المسؤول، إن لم يكن الزمن؟» قد يقول قائل… أو ربما يضيف قائل آخر بمزيد من التدقيق: «زماننا هو المسؤول». وإن لم نحصر موضوع مقالنا في عصر السرعة وآثار العولمة ووقوع أولادنا في أسر التكنولوجيا الرقمية وأخواتها وفروعها، فلأننا ارتأينا الرجوع إلى أصل الحصار المفروض على حرياتنا، وأولها حرية التفكير.
لكن هل الزمن فعلا أصل الحصار – أو زماننا – كما يتوقعه كثيرون؟ من المسؤول عن تسارع نبضات الإيقاع وتنامي حدة الضغط ووقوف طاحونة الحياة بالمرصاد دائما؟ المسؤول، نحن…
نحن المستهلكون الذين نغذي مجتمع الاستهلاك إلى حدود أقصى بكثير من مجرّد «بيئة» الاستهلاك الأصلي وهي السوق. نحن المستهلكون من كل حدب وصوب نغذي الاستهلاك بحيث صار بالإمكان نمذجة رغباتنا، انتظاراتنا، ردود أفعالنا بكيفية لم ولن تتوانى فيها ماكينات العصر – وبها نعني وسائل الإعلام السمعي البصري والهواتف النقالة وأساليب الكتابة الرقمية وسواها من أدوات مطلة علينا من كل ناحية توصف بالـ»ذكية»- عن غربلتها وتحليلها وتكييفها في صراع تتزاحم فيه المهارات لتقديمها في ألمع صورة، لا ضير في ألاّ تضبطها الأخلاق إن لم تتوافق مع ميول الرأي العام الأكثر فعالية.
وميول الرأي العام الأكثر فعالية إنما هي أكثرها قدرة على الإفلات من الأداة الوحيدة الجديرة بانتشالنا من براثين الزمن القاهر: المسافة. المسافة، لعلها أثمن الأدوات المنهجية التي تسمح لنا بإعطاء حياتنا معنى. فالمسافة تتيح لنا مطاردة «مطاردة الزمان إيّانا». والمغزى بسيط: فالزمن ليس مجرد زمن، بل جملة مكوّناته، فالزمن وقت ومدّة. وإذا كان الزمن وقتا ومدة فيعني ذلك أنه جعل من أجلنا، شأنه شأن باقي الخيرات التي منحنا إياها على وجه البسيطة. فالزمن من الخيرات، أما تجلياته وآثاره، فقصة أخرى.
وإذا كانت تجليات الزمن وآثاره قصة أخرى فلأن مسؤوليتنا عليها تامة وكاملة ومباشرة. فمن قرر إن لم يكن البشر أن تتحول ساعاتنا ودقائقــنا وثوانينا إلى شبه ذرات نووية تتقاذفها هواتفنا النقالة، مثل هذا الذي بجانبي وقد «اهتزّ» خمس مرات منذ بداية كتابة المقال… ورسائلنا الإلكترونية وفضائياتنا المحكومة بشعار «زدنا صورا لا تطاق وموسيقى دراماتيكية ترعب غرف جلوس المنازل».
من ذا الذي قرر أن يجعل من الأسئلة التي تنتظر جوابا، وفي الأغلب من تلك التي لا تستحقها، ضرورات ملحة عاجلة توجب تلبية رغبات أصحابها حتى قبل التفكير في كيفية الرد، بل في جدارته؟ من جعل ضرورات ملحة ما ليس خليقا بأن ينال في الحقيقة سوى إدراج سريع في خانة الكماليات والأعراض؟ من حوّل في أحايين كثيرة تعبير «حبذا لو…» إلى «عليكم…وإلاّ…»؟
من قام بهذا وذاك إن لم يكن الإنسان؟ نعيش في دنيا لا تترك لنا من تلقاء نفسها مجالا لنسترد من الزمان طبيعته: مساحة من الساعات والدقائق والثواني منحنا إياها لبناء مشاريع، تحقيق طموحات، للتفكير، وأيضا لنستمتع بجمال عالمنا، فعالمنا جميل والحياة جميلة.
لكننا، بنو البشر، نفكر دوما في مصالح بني آدم قبل مصالح البشرية، فآن الآوان لنجعل الزمن في خدمتنا قبل أن يجعلنا هو في خدمته كاملا… وقد بدأ…
لقد شبّه الشاعر الفرنسي شارل بودلير الزمن بالخرطوم العملاق الذي يمتص كل شيء…
فمن هو الفيل الحقيقي؟
٭ باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي
بيار لوي ريمون
شكرا مسيو بيار على مقالك الرائع
نعم نحن أصبحنا ماديين بسلوكياتنا وأصبحت المظاهر هي المسيطره
حيث قلت تلك العلاقات الاجتماعية الحميمة لصالح أجهزة أصبحنا تابعين لها
طبعا غير التفكك الأسري بفعل الحضارة الحديثة التي أصبحت كالفيل
ولا حول ولا قوة الا بالله
أظن هذا أول مقال أختلف معك في طريقة الفهم والطرح والنتائج يا بيار لوي ريمون. ما أثار انتباهي في البداية هو لماذا استخدمت مصطلحي كرونولوجيا والتكنولوجيا وفق اسلوب النقل الحرفي “النقحرة” في الترجمة، في حين استخدمت اسلوب ترجمة العولمة أو التوطين/التعريب بالنسبة للغة العربية من خلال الجذر والصيغة البنائية الملائمة للمعنى المطلوب ترجمته لبقية المصطلحات في نصّك؟ حيث أنَّ اللغة العربية تتجاوز حدود سايكس وبيكو.
أنا أظن أنَّ نظام العولمة وأدواتها تحترم المواطن أو المستهلك أكثر بكثير مما يحترمه النظام الديمقراطي، بسبب الطبيعة التجارية لنظام العولمة، فلكي تنجح الصفقة ما بين أي طرفين، يجب استخدام لغة مشتركة متفق على معنى المعاني وهيكل اللغة حتى على الأقل رفع أي سوء فهم، وإن كانت أول صفقة أثبتت للطرفين قد أخذ حقه بدون أي غش أو ظلم لأيّا منهما، بالتأكيد سيُعيد الكرّة مرة ثانية وثالثة ورابعة وهكذا، هذه أعطت للغة أو ثقافة الـ نحن أو البشرية والإنسانيّة بُعد جديد لم يكن متوفر قبل العولمة وأدواتها.
حيث في النظام الديمقراطي والذي اساسه الجنرال/السّامريّ نابليون بونابرت (الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية) استخدم مفهوم الحداثة، من أجل نسف اللغة، والأنكى بحجة التطوير، فالنظام الديمقراطي يرفض التعامل بأي لغة غير ضبابيّة، على الأقل لكي يتمكن من استغلالها في أكثر من سياق من أجل الحصول على أكبر فائدة ممكنة أو بمعنى آخر ثقافة الـ أنا أولا، أي أنَّ أول من يحارب اللغة ومعنى المعاني في قواميسها هو النظام الديمقراطي ومن هنا نفهم سبب انقراض اللغات في المجتمعات بشكل عام في الدول الأعضاء في نظام الأمم المتحدة الديمقراطي.
ومن الواضح عندما يدعي أي شخص على ما ينتجه على أنّه أول نظام عربي، هذا يعني على الأقل جهله بجميع الأنظمة المتواجدة في السوق وباللغة العربية، ومن وجهة نظري سبب هذا الادعاء هو ثقافة الـ أنا، والتي اساسها يجب أن يكون مختلف، والذي لخصته حكمة العرب بقول “خالِف تُعرف”، وبسبب كسله للتعرّف على ما موجود في السوق، يقوم بالإعلان على أنّه الأول في ذلك المضمار، أي الكِبَر لتغطية الجَهل أو قِلّة الحيلة، هي التي تفرض ما تُريد في حدود صلاحياتها في المكان الذي تعمل على التسويق فيه، ولكن المهزلة والاستهتار وصل إلى أن يتم المطالبة بتنفيذ ذلك على شركات العولمة، والتي تعتمد على اسلوب سوق العمل الحر، والذي فيه تعتمد على المنافسة والكفاءة، فهذه الأجواء تختلف عن أجواء التوظيف في الدولة من خلال الواسطة والمحسوبية والرشوة.
إشكالية التعليم في موضوع اللغة أو ثقافة الـ نحن، هو الضبابيّة اللغويّة الناتجة من تداخل معنى المعاني ما بين اللغات، إن أردت أن تنجح في إنشاء أي نظام تعليمي، يجب في البداية تحديد اللغة التي ستفكر بها ومن ثم ستعبّر بها، بدون ذلك لن تستطيع توفير أي جيل جديد يصلح لمجابهة متطلبات العولمة التي تتجاوز حدود سايكس وبيكو، ولكي تنجح بها يجب اعتماد ما طالب به القرآن الكريم في سورة الكافرون، أي مبدأ لكم دينكم ولي ديني، لكن هذا لا يمنع من التعايش والتكامل ما بين اللغات حتى لو اختلف معنى المعاني ما بين لغة ولغة، حيث لكي تنجح في إتمام أي صفقة تجارية مع الطرف الـ آخر، يجب أن يكون هناك لغة مشتركة بين الطرفين، متفق على معنى المعاني فيها، وإلّا سيكون حوار طرشان ولن يمكنك اتمام أي صفقة ما بين الـ أنا مع الـ آخر
أنا لاحظت أهم مشكلة في تعليم أي لغة، هو عندما لا تعلم هل هي من ضمن عائلة لغات التأويل مثل اللغات الأوربية واللاتينية أم من عائلة لغات الاستقراء والاستنباط مثل اللغة العربية والصينية التقليدية، لماذا؟ لأنّه ببساطة ما يصلح للغات الاستقراء والاستنباط يصلح للغات التأويل ولكن العكس غير صحيح، في بداية القرن الماضي ساطع الحُصري وصحبه اجتهدوا من خلال اسلوب النقل الحرفي لنقل مناهج تدريس اللغات بحجة تطوير مناهج التعليم في المدارس التي استحدثتها الدولة وطبقوها حرفيا على اللغة العربية، هذه أدّت إلى اهمال استخدام التشكيل لعدم شيء مقابل في مناهج اللغات الأوربية، واهمال استخدام القاموس لأن قواميس لغتنا تعتمد الجذر أولا ثم الترتيب الألفبائي، لأنّ قواميس الأوربية على الترتيب الألفبائي، فبدأ الإنحراف اللغوي
أظن تعليم أي لغة في عصر العولمة والتقنية والآلة، يجب أن يجاري التطورات التي حصلت وإلّا لن يكون مفيدا لما مطلوب توفيره في عصر الشَّابِكَة (الإنترنت)، يجب أن يكون اسس تعليم أي لغة في عصر الآلة، ما أطلقت عليها أركان “صالح” الأربعة لتعليم أي لغة وهي: لوحة المفاتيح، والحرف، والكلمة، والجملة، حيث لوحة المفاتيح تمثل التقنية، والحرف يمثل الأصوات، والكلمة تمثل الوحدة القاموسيّة، والجملة تمثل المحادثة والحوار. والسبب في ذلك أنَّ في عصر العولمة والتقنية أصبحت اللغة ليست فقط سماعية، كما كان الحال قبل عصر الشَّابِكة (الإنترنت)، فالآن الآلة أصبحت وسيلة التواصل والاتصال والحوار مع الآخر لا يمكن الاستغناء عنها، إن لم تكن استعاضت الحواس الخمس التي كانت معروفة في التواصل ولغة الحوار مع الآخر.
ومن الممارسة العمليّة والواقعية تبين أنَّ الحاسوب الشخصي أو المحمول أفضل وسيلة لإدخال المعلومات بشكل عام، ولكن تبين أنَّ الحاسوب اللوحي أفضل في عملية التفاعل للتعليم، ومن خلاله يمكن استخدامه كما كان يتم استخدام الدفتر والقلم في طريقة الكتابة وممارسة الخطوط والإحساس بجمال التصميم والتفاعل معه من خلال حواسنا جميعها، وهو ما ينقص الحاسوب الشخصي أو المحمول، ولذلك لو لاحظتم فأنَّ الصرّاف الآلي، يتم استعمال تقنية الحاسوب اللوحي بدل تقنية الحاسوب الشخصي أو المحمول، نحن في حاجة إلى إعادة تأهيل جميع موظفي الدولة وقياداتها على استيعاب التقنيات الحديثة وكيفية استثمارها في تقديم خدمات أفضل للمواطن، يجب تغيير مفهوم المدرسة بشكل عام والتخلّص من اساليب الفلسفة وإبدالها بأساليب الحكمة والعولمة وتقنياتها
ما رأيكم فضلكم؟
ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻝ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺧﻄﺄ ﻧﺤﻮﻱ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: ﻧﺤﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻬﻠﻜﻮﻥ،،ﻭﺑﻧﻮ ﺍﻟﺒﺸﺮ.ﻭﺍﻟﺼﻮﺍﺏ:ﻧﺤﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻬﻠﻜﻴﻦ ،،ﻷﻧﻪ ﻣﻨﺼﻮﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺧﺘﺼﺎﺹ،ﻭﺑﻨﻲ ﺍﻟﺒﺸﺮ ،،ﻓﺈﻣﺎ ﻳﻌﺮﺏ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﻤﻴﺮ ﻧﺤﻦ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻟﻪ ،،ﺃﻭ ﻳﻌﺮﺏ ﻡ.ﺑﻪ ﻣﻨﺼﻮﺑﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺧﺘﺼﺎﺹ .ﻭﻫﻮ ﺧﻄﺄ ﺷﺎﺋﻊ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ،. ﺃﻣﺎ ﻋﻦ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﻤﻘﺎﻝ ،، ﻓﺈﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ-ﺍﻟﻔﺮﺩ،،ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﺃﺻﺒﺢ ﻣﻔﺘﻮﻧﺎ ،،ﻭﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ ﻓﻲ ﺇﺑﺴﺘﻤﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﻪ ﺑﺤﺚ ﺧﺎﺹ.ﻭﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺁﺧﺮ ،،ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻻﺳﺘﻬﻼﻙ،،ﻛﻤﺎ ﺃﺷﺎﺭ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻟﻪ،ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻻﺭﺗﻜﺎﻧﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ،،ﻣﻦ ﺻﻨﻊ ﺃﻳﺪﻳﻨﺎ ،ﻫﻮ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﺒﻠﻎ ﺁﺧﺮ ﻧﻘﻄﺔ ﻓﻲ ﺃﺩﻏﺎﻝ ﺍﻷﻣﺎﺯﻭﻥ ﻭﺁﺧﺮ ﻗﻤﺔ ﻓﻲ ﺟﺒﺎﻝ ﺍﻟﻬﻤﺎﻻﻳﺎ .ﺇﻥ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺷﺎﻫﺪﺓ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ ﺗﺤﻮﻻ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺧﺘﻼﻝ ﻓﻲ ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻟﺮﻓﺎﻩ ﻭﺍﻟﺜﻮﺭﺓ،ﻭﺍﺧﺘﻼﻝ ﻓﻲ ﺗﻮﻓﺮ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﺩ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ،،ﻟﻨﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻼﺳﺘﻬﻼﻙ ﺃﻳﻀﺎ ،،ﻷﻧﻬﺎ ﺟﺰء ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ .