زمن القراءة هل يعود؟

حجم الخط
1

طغت هذه الأيام مفردتا «رأيت وسمعت» على مفردة «قرأت» في زمن غلبت فيه القنوات المرئية على الكتاب، فهل يعود الزمن الجميل للقراءة؟ وهل بإمكان معارض الكتاب أن تجيد عرض ما لديها ليصبح قريبا من يد المتلقي، الذي صار الهاتف المحمول لا يفارقه؟ الشاشة المضيئة التي استطاعت أن تستحوذ على العقول والقلوب قربت البعيد وأبعدت القريب، إضافة إلى أنها هيأت لتسطيح الثقافة، وتهميش الوعي بدرجة كبيرة. فطبيعة قنوات التواصل الجديدة ساعدت على ظهور طبقة من الكتاب لا يلتزمون بقواعد الكتابة الهادفة، إضافة إلى أن عددا من تلك القنوات تحصر المتلقي بالتقيد بمن اختار متابعتهم من الكتاب أو المشهورين الذين قد لا ينتمون إلى حقول معرفية تبني الفكر أو تغذي الروح. وطغى الجانب السياسي والفني على أبواب المعرفة الأخرى، فمثلا نجد أن تعليقات «فيسبوك» تطغى على جمال النص أو فكرته، و«واتسآب» لا يعدو كونه ثرثرة عابرة أو ردودا متداخلة وربما متناحرة، و«تويتر» لا يتجاوز السطر أو السطرين، و«انستغرام» مقاطع صوتية وصور، و«السناب» مقاطع فيديو وصور، وجميعها لا يخدم الوعي المعرفي الهادف. وفي انتشار هذه القنوات طغت اللغة الشعبية على العربية الفصحى، وانتشرت مفردات عامية وتداخلت اللهجات التي لا شك تبتعد حينا أو تقترب حينا آخر من اللغة الأم لكنها لا توحد اللغة. وإذا عدنا قليلا إلى لغة الشارع العربي قبل انتشار قنوات التواصل المتعددة لوجدنا أن لغة الصحف كانت متداولة ومفهومة للجميع وشهدت الساحة العربية تفنناً وتنافساً في اختيار الفقرات في أعمدتها الثابتة والمتغيرة، وحتى صور فتيات الإعلانات، وحفلات الممثلين والراقصات من فنادق خمس نجوم الشهيرة كانت ترفق بتعليق لا يخلو من فكرة ولغة. كنا نقرأ والقراءة لا تخلو من فائدة، حتى عرفنا حياة السابقين ومحاولات البشرية لصعود القمر، وحياة البطريق في المتجمد الشمالي، وحياة القبائل في أدغال افريقيا، ومعركة عاصفة الصحراء، وموت ديانا ومتابعات بطولات كرة القدم، وما يجري في موزامبيق ونيكاراغوا والحرب الباردة، والسلاح النووي، وغيرها من القضايا التي كتبت فيها الصحافة العربية وكانت القاسم المشترك للهوية العربية طيلة القرن العشرين وحتى الألفية الثالثة، ليأتي الربيع العربي مبعثرا أشياء كثيرة وناشرا للون جديد من التواصل، وغدا حديث الأصابع طاغيا على ما سواه. قصص العلاقات الاجتماعية قصيرة المدى التي بدأت تهدد الأسرة العربية، أفلام الديجتال التي شتتت ذهن الطفل العربي، الأفلام المدبلجة التي نشرت قيما مغايرة لقيم الأسرة العربية، صور الحروب والكوارث الكونية، ومسيرات الثورات العربية، وقصص الحروب والمجاعة، صنعت عالم الصورة الذي بدأ يحل تدريجيا محل الكلمة، فلم تعد قضايا الشعوب من اختصاص صناع القرار والصحف الكبرى أو المنتديات الثقافية والسياسية، بل صار يناقشها العالم والجاهل. ومع توسع قنوات التواصل المتنوعة والتي حلت الصورة فيها محل الكلمة المقروءة، ظهر جيل الايمو والتانغو الذي تفوق على «يوتيوب» وقريبا سيصبح «السناب» لغة طاغية ليصبح معها «واتسآب» و«فيسبوك» حكاية الجدات. وإضافة لما تمثله الشاشة الصغيرة من سيطرة على الوقت والوعي، فهي لا تخلو من سلبية على القوة الذهنية وسلامة العين، فسمعنا بمخاطر الإصابة بسرطان العين الذي لم يجد الطب علاجاً له حتى الآن، وسمعنا عن تلف الشبكية والقرنية، مما يعني أن خطر الشاشة المضيئة تجاوز اللغة والوعي الثقافي ليمثل تهديدا للصحة العامة. ومع ازدياد إدمان الجميع على منتجات التكنولوجيا وجديدها، صار لزاما على الطبّ أن يجد البدائل لزراعة القرنية والشبكية وغيرها، وحتى لا تنتصر الشاشة المضيئة على كل ذلك فنحن بحاجة إلى وعي بمخاطر التكنولوجيا على العين، وبحاجة للتسويق للقراءة، فهل نجد من يصغي لإعادة تأهيل الكُتَّاب والمثقفين لاستعادة الزمن الذهبي للكتاب أم أن الزمن كالنهر لا يعود لمنبعه، وما علينا سوى ترشيد التعامل مع مخرجات الشبكة العنكبوتية؟

زمن القراءة هل يعود؟

سعاد الحدابي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول جواد ظريف:

    يقول العالم مورفي يكون الانسان في قمت صداقته مع الكتاب عندما يكون في وقت الفراغ وقيل لاريسطو كيف تحكم علي انسان فأجاب أسأله كم كتاب يقرا و ماذا يقرأ اما انا اقول خير كتاب كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

إشترك في قائمتنا البريدية