زواج متعة آخر بين امريكا والعراق الجديد

بشرتنا الادارة الامريكية، منذ أيام، بسلامة وصول 25 من قوات البحرية الأمريكية (المارينز) الى بغداد، تلبية لطلب من وزارة الخارجية الأمريكية، لتعزيز أمن السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء.
ولم يصدر أي تعليق من النظام العراقي حول وصول المارينز، أو اذا ما كان رئيس الوزراء، أو احد المسؤولين قد تمت استشارته حول الموضوع، وان كانت وقائع الاسبوعين الأخيرين، من اقتحام المتظاهرين لتحصينات المنطقة الخضراء الى تبادل اطلاق النار، مساء الخميس، في المناطق القريبة من السفارة الأمريكية، بين قوات الرد السريع وحماية البوابة الرابعة في المنطقة المحصنة، تدل على تزايد قلق الادارة الامريكية على سلامة موظفيها داخل السفارة، وعدم ثقتها بقدرة القوات العراقية على حمايتهم، او لعله عدم اقتناعها بولاء القوات بعد ان وقفت القوات، التي طالما تفاخرت أمريكا بأنها دربتها وصرفت عليها الملايين، جانبا وهي تتفرج على المتظاهرين وهم يحتلون مبنى البرلمان، ويعتدون على عدد منهم، بل ووصل الحد بمن يحمل اعلى رتبة في الجيش العراقي، ان ينحني، ويقبل يد مقتدى الصدر.
لابد ان هذه اللقطة، التي تم بثها، في جميع انحاء العالم، المتزامنة مع مقتل ثاني جندي أمريكي من قبل الدولة الاسلامية، قد أوصل الادارة الامريكية الى مرحلة التفكير بسيناريو يختلف عما تعيشه هذه الايام من نكد مع ساستها العراقيين المتنازعين بلا حدود، وان تستعد لاستبدالهم بمستخدمين آخرين لتراهن عليهم، ولو الى حين، لحماية مصالحها. فتصريحات المسؤولين الامريكيين تشير الى استعدادها التخلي عن وجوه النظام الحالي، مبدية استعدادها للتعامل مع اية قوة تقدم عطاء يتماشى مع المصلحة الامريكية، ويحافظ في الوقت نفسه على ابقاء العراق بلدا ضعيفا تستهلكه النزاعات الداخلية، ولا تدع لمواطنيه القدرة على اتخاذ اية مبادرة للتغيير الحقيقي وبناء الديمقراطية. «العنف المستدام» أو «العنف المسيطر عليه»، هو جوهر السياسة الامريكية لا في العراق فحسب بل في مجمل البلاد العربية، وهو ما اعلن عنه، بصراحة، قائد الجيش الامريكي السابق، ورئيس وكالة المخابرات المركزية، دافيد بترايوس اثناء وجوده بالعراق. وهو شرط اساسي لاستدامة الهيمنة الخارجية والاستبداد الداخلي معا. أما الديمقراطية فهي مجرد شعار تزويقي يتم رفعه وخفضه، عند الحاجة وحسب الطلب. فخطر الديمقراطية الحقيقية، ان طبقت، خلافا لكل ادعاءات امريكا، أشد عليها من الارهاب، لأنه يهدد وجودها ومن يتعاون معها، وينهي نفوذها وسيطرتها على البلدان ذات الثروات الطبيعية، ومصادر الطاقة، والمواقع الاستراتيجية. فالديمقراطية، خاصة اذا إمتزجت بالعدالة الاجتماعية أو الاشتراكية، خطر على قوى الاستغلال والاستبداد لأنها ستمكن الشعب من استعادة صوته.
لاتجد أمريكاغضاضة في نبذ «الحلفاء» حين تنتهي مدة صلاحيتهم فيصبحون عبئا عليها . حينئذ، نراها تنقلب عليهم بحجة عدم التدخل بالشأن الداخلي، وتقف متفرجة، على استعداد لعقد صفقة مع « حليف» جديد. وقد لا يتطلب الأمر اكثر من سحب الحماية الأمنية الأمريكية في أية لحظة. وهذه ما تشير اليه الاوضاع الحالية بالعراق، اذ اصبح المستخدمون، الحاليون، عبئا سياسيا واعلاميا وعسكريا، خاصة بعد ان انطفأ وهج تسويق «المظلومية» الطائفية والعرقية، وبعد ان وصل غضب ذات المظلومين عتبة السفارة . لذلك، اختار المتحدث العسكري الأمريكي، الكولونيل ستيف وارن، ان ينأى بنفسه وبالسفارة الامريكية عن النواب الهاربين من غضب المتظاهرين مؤكدا بأن السفارة لم تقم بحماية اي نائب وان مهمة التحالف تنصب على محاربة الدولة الاسلامية.
هذه رسالة تذكير واضحة للساسة العراقيين، على اختلاف تعليبهم، بان الوجود الامريكي ليس لحمايتهم، مهما كانت درجة ولائهم لأمريكا، وأن اولوياتها تختلف عما يتوهمونه. وليكن في نبذهم حلفاء إستراتيجيين كشاه ايران أو حسني مبارك أو «صديقهم» الوفي أحمد الجلبي، عبرة لمن اعتبر، كما هو تعاملهم مع قائمة طويلة من رؤساء الدول العربية والاجنبية، حيث توفير أو سحب الحماية الأمنية، مع الإمساك بملفات الابتزاز المالي والجنسي التي توفرها أجهزة المخابرات الأمريكية أرخص وأسهل من خوض الصراعات في الشارع او التلاعب بالانتخابات.
ليست هذه هي المرة الاولى التي ترسل فيها امريكا قوات اضافية لحماية سفارتها في المنطقة الخضراء. اذ أجاز الرئيس أوباما في 3 ايلول/سبتمبر 2014، إرسال 350 عسكريا إضافيًا، حسب بيان صحافي للبيت الابيض» لحماية منشآتنا الدبلوماسية وطواقمنا في بغداد. وقد اتخذ هذا الإجراء بناء على توصية من وزارة الدفاع واستشارة الوكالات الحكومية». الملاحظ ان البيان لا يتحدث، اطلاقا، عن استشارة الحكومة العراقية، ويعاملها كأنها غير موجودة، وأن العراق بمن فيه ولاية تابعة لأمريكا، أو لعلهم استشفوا من حماس الساسة العراقيين وكثرة حفلات العشاء في بيوتهم، انهم من أهل البيت حقا، وبالتالي يحق لهم معاملتهم كما يشاؤون. مما يستحضر المقاربة بين النيوكولونيالي الأمريكي والساسة العراقيين بزواج المتعة كعقد بين طرفين، قد يدوم من ساعة واحدة الى 99 عاما، يقرران فيه كمية المال التي ستتقاضاها الزوجة المؤقتة.
«كان بامكانك ان تنتصر على جلاديك لو انك كنت في عمقك حيا ومعافى»، يقول فيلهلم رايش المحلل النفسي النمساوي مشخصا خنوع وذل من يسميه «الرجل الصغير»، العاجز عن فهم معنى الحرية أو ان يعيش بحرية. ساسة «العراق الجديد» مصبوبون في قالب الرجل الصغير. انهم من يخاطبهم رايش بقوله: «انت تحملهم نحو السلطة على ظهرك. انك وحدك من ترفع اسيادك، من تطعمهم، مع انهم اسقطوا كل الاقنعة. لقد قالوا ذلك بوضوح لك: انت انسان من الدرجة الثانية، انسان بلا مسؤولية، وعليك ان تظل كذلك». ولعل التجاهل والازدراء الذي تقابلهم به امريكا هو استحقاق طبيعي، لمن يرضى ببيع نفسه وبلده، متذرعا بحجة انعدام البدائل.

٭ كاتبة عراقية

زواج متعة آخر بين امريكا والعراق الجديد

هيفاء زنكنة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    هذا زواج كاثوليكي وليس زواح متعة يا أستاذة هيفاء
    هل نسيت بأن زواج المتعة مؤقت ؟
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول سلمى:

    يا له من مقال معبر . شكرا مرة أخرى للكاتبة القديرة.

  3. يقول عربي حر:

    تحية للكاتبة المحترمة
    وتحية لعراقنا الجريح
    يحاربون جنبا بجنب مع القوات الأمريكية
    وتحت حماية الطائرات الأمريكية
    ويرتكبون المجازر تحت سمع وبصر الأمريكيين
    وعندما يغدون
    يصرخون : الموت لأمريكا

إشترك في قائمتنا البريدية