بغداد ـ «القدس العربي»: ما زال صدى زيارات الصدر للدول الخليجية يحظى باهتمام متزايد داخليا وخارجيا، وسط تباين تقييمات تلك الزيارات لدى القوى السياسية العراقية، بالتزامن مع تأكيد التيار الصدري ان الزيارة ليست موجهة ضد إيران.
وفي مؤشر على عدم تعارض زيارة الصدر مع سياسة حكومة حيدر العبادي الساعي للانفتاح على الجوار العربي، فان الأخير رحب في تصريحاته بأي تحرك فيه خدمة العراق، مؤكدا حرص حكومته على بناء علاقات طبيعية مع كل دول الجوار بالتزامن مع رفض دخول العراق في سياسة المحاور.
وقد أبلغ العبادي، وفدا إيرانيا زاره، أن زيارة الصدر «إجراء طبيعي» مؤكدا في الوقت ذاته أن بغداد تعتبر التصدي لأي اعتداء على إيران «واجبا أخلاقيا وشرعيا».
ولخص حديث العبادي موافقة الحكومة على زيارة الصدر للسعودية والإمارات، باعتبارها تأتي في سياق قيام العديد من المسؤولين العراقيين بالتوجه نحو الدول الخليجية ضمن خيار حكومة العبادي في الانفتاح على الوسط العربي وكسر طوق العزلة العربية المفروض على العراق منذ 2003 . كما ان مبررات ذلك التوجه تستند إلى أوضاع العراق الاقتصادية الحالية وامكانية دول الخليج العربي في التخفيف من الضائقة الاقتصادية عبر الاستثمارات والمساهمة في إعادة الإعمار للمدن المدمرة.
ولذا لم يكن العبادي الوحيد الذي رحب بزيارة الصدر، بل رحبت بها العديد من القوى السياسية، التي اعتبرتها مساهمة في فك طوق العزلة عن العراق وفتح آفاق واسعة للتعاون والاستثمار بين العراق والدول العربية.
وفي الوقت نفسه ومراعاة لحساسية البعض في داخل العراق وخارجه، حرصت مصادر التيار الصدري في أعقاب الزيارة على توضيح ان الزيارة رغم أهميتها في انفتاح العراق نحو محيطه العربي، فانها ليست موجهة ضد إيران، ولن تكون الزيارة الخليجية على حساب القطيعة معها، لأن العراق يحرص على مد خيوط التعاون مع جميع بلدان المنطقة بما يخدم مصالحه خاصة وانه يمر بتحديات أمنية وضائقة اقتصادية وسط حاجة مستعجلة لإعادة إعمار مدنه المدمرة واقتصاده المتعب.
كما أكد بيان الهيئة القيادية للتيار الصدري، إن «الصدر أكد على ممارسة الدور الإيجابي في حل الأزمات في المنطقة» ومن «بوارق زيارة
وكما هو متوقعا، فان زيارة الصدر، كزعيم لتيار شيعي مؤثر في المشهد العراقي، لم تحضَ بارتياح من قبل قوى شيعية حليفة لإيران ومناهضة للتيار الصدري، التي شنت حملة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ضد الزيارة واعتبرتها اضعافا لوحدة البيت الشيعي بينما اعتبرها البعض تنكرا للعلاقة التاريخية المعروفة بين مراجع الشيعة في العراق وإيران.
ووصل الأمر إلى تسريب أخبار عن غضب إيراني من زيارة الصدر للسعودية، وقرارها بتهيئة بديل للصدر في قيادة التيار الصدري في العراق مثل مرتضى الصدر، شقيق مقتدى الصدر المقيم في إيران منذ عام 2006 ويدرس في الحوزة الدينية في قم، إلا ان المراقبين يرون ان للسيد مقتدى الصدر مكانة شعبية واسعة في الشارع الشيعي والعراقي عموما وخاصة بعد قيادته للاصلاحات ومحاربة الفساد ورفض المحاصصة الطائفية، بما يصعب معه ايجاد شخصية بديلة له قادرة على قيادة التيار.
ويحرص الصدر على أن يُنظر إليه كبديل للقيادات الشيعية الأخرى التي تورط أغلبها في قضايا فساد وترسيخ الطائفية، وكزعيم لكل العراقيين وليس الشيعة منهم فقط، لذا يطرح نهجا عابرا للطائفية، ويحرص على عقد تحالفات مع قوى غير شيعية تدعو معه للاصلاحات منها الحزب الشيوعي والتيار المدني وبعض الحركات السياسية مثل حزب الوفاق بقيادة اياد علاوي وقوى أخرى. وتدور أخبار من مصادر مطلعة ان الانتخابات المقبلة ستشهد تحالفات بين الصدر وتلك القوى.
والأمر الذي يستحق الاهتمام هو ربط المراقبين الزيارة ببروز مؤشرات عدوها نوعا من الابتعاد عن الهيمنة الإيرانية على الأحزاب والتنظيمات الشيعية قبيل الانتخابات البرلمانية، ومن ذلك مقاطعة الصدر للتحالف الوطني الذي يمثل القوى الشيعية في السلطة، ومطالبته مرارا بحل الحشد الشعبي المقرب إلى الحرس الثوري الإيراني والذي يراد له ان يكون مؤثرا في المشهد العراقي، ما أثار استياء إيران بالتأكيد. كما فاجأ رئيس التحالف الوطني الشيعي عمار الحكيم، بدوره، الشارع العراقي مؤخرا بخروجه من المجلس الأعلى الإسلامي، وهو التشكيل المدلل لدى إيران منذ الحرب العراقية الإيرانية. بينما دعا رجل الدين الشيعي المعروف اياد جمال الدين إلى محاكمة قادة الميليشيات الذين يعلنون ولاءهم لمرجعية إيران، بتهمة الخيانة العظمى.
ويرى الكثير من العراقيين ان هذه المؤشرات رغم محدوديتها، ولكنها ستؤدي في النهاية إلى اضعاف التأثير الإيراني على شيعة العراق، وبالتالي إلى عرقلة مشروع طهران لتوسيع نفوذها الأيديولوجي والسياسي في المنطقة.
مصطفى العبيدي