زيارة ماكرون لتونس: استغلال أوضاع البلاد المتردية لنشر اللغة الفرنسية والعودة إلى ليبيا

حجم الخط
4

تونس – «القدس العربي» : لم يمضِ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، سوى يومين في تونس، ولكن الجدل حول هذه الزيارة سيستمر طويلاً، وخاصة في بلد يشكل أهمية خاصة بالنسبة لفرنسا التي يبدو أن رئيسها الشاب لم يتخلص من عقدة «المستعمر المتفوق» الذي يرغب دوماً بتفقد أحوال المستعمرات السابقة، رغم أن خطابه العلني وأسفه المتكرر عن «أخطاء» بلاده في المنطقة يُوحي بغير ذلك.
ورغم أن الجانب الرسمي التونسي تحدث مراراً عن أهمية هذه الزيارة للبلاد، وخاصة من الناحية الاقتصادية والأمنية نظراً للعلاقة الخاصة التي تجمع بين البلدين، فضلاً عن إصرار الإعلام الرسمي دوما على أن فرنسا في أشد الحاجة إلى تونس (وليس العكس)، إلا أن الأصوات المعارضة للتوجه العام، قدمت وجهة نظر مغايرة مستمدة أساسا من الصحافة الفرنسية والقراءات المختلفة للمحيط التونسي والمنطقة عموماً.
ويبدو أن ماكرون الذي أشاد بالديمقراطية التونسية وتحدث عن «ربيع تونسي» جديد، يخفي نوايا أخرى عبر عنها قبيل زيارته لتونس ونقلها موقع «موند افريك» الفرنسي المتخصص بشؤون افريقيا والمغرب العربي.
وأشار الموقع إلى أن ماكرون لا يعير اهتماما لتونس ورئيسها الذي يصفه بأنه «عجوز يدير بلاده كمحل بقالة عائلي»، مشيراً إلى أن فرنسا مثل باقي الدول الغربية، تنظر إلى تونس كبوابة لليبيا، حيث يستقر فيها معظم الفاعلين السياسيين الليبيين فيها، وبالتالي يحتاجها ماكرون لتقريب وجهات النظر بين الاسلاميين في مصراتة وقوات حفتر في الغرب.
وركز المراقبون على عبارة هامة استخدمها ماكرون في خطابه وربما تلخص أهداف الزيارة، حيث اعتبر أن تونس ستكون خلال سنتين «قاعدة جديدة لتعليم اللغة الفرنسية»، وأعلن عن افتتاح ستة معاهد لتعليم اللغة الفرنسية في تونس، معتبراً أن الفرنكوفونية ستساعد التونسيين على النجاح أكثر وستمكنهم من الوصول إلى أكبر عدد ممكن من دول أوروبا والشرق الأوسط.
وكتب الباحث والمحلل السياسي، كريم السليتي «ماكرون ومن ورائه كل فرنسا، يعلمون أن لغة موليير في تراجع مستمر أمام لغة شكسبير، ليس فقط لدى الشباب في تونس بل أيضا في فرنسا نفسها. لذلك تحاول الحكومة الفرنسية استغلال الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الهشة في تونس لمقايضة بعض المساعدات الاقتصادية الموعودة بالمزيد من دعم التعلم باللغة الفرنسية، التي صارت في حقيقة الأمر مضيعة للوقت واستثمار علمي أثبت فشله دوليا».
ويرى لزهر العكرمي الناشط السياسي والقيادي السابق في حزب «نداء تونس»، أن الهدف الأساسي من زيارة مكرون لتونس هو ترتيب الوضع في ليبيا ودول الساحل والصحراء في افريقيا، مشيرا إلى أن فرنسا تسلمت الملف الليبي بعد مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ويشير إلى أن فرنسا ستسعى من خلال الورقة الأمنية الى اعادة ترتيب البيت في المنطقة من خلال حليفين أساسيين، وهما: لبنان في الشرق الأوسط وتونس في افريقيا، لافتا إلى خطة فرنسية تتضمن اعادة بناء الجيش الليبي عن طريق مصر، دون أن يستبعد ما جاء في وسائل إعلامية ليبية تحدثت عن لقاء «سري « جمع بين فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية وماكرون في تونس.
رئيس حزب «المجد» عبد الوهاب الهاني، تحدث، بدوره، عن خطأ «بروتوكولي» من رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد تسبب ببعث رسائل سلبية حول هوية البلاد، حيث كتب على صفحته في موقع «فيسبوك» بعنوان «خطأ بروتوكولي ثلاثي الأبعاد لرئيس الحكومة التونسية الشاهد بحضور الرئيس الفرنسي ماكرون»: «أولا: غياب أعلام الاتحاد الإفريقي واتحاد المغرب العربي وجامعة الدوال العربية إلى جانب العلم التونسي في حين أصر الطرف الفرنسي على إحضار علم الاتحاد الأوروبي جنب العلم الفرنسي لتبيان أن فرنسا ليست معزولة في حين بدى العلم الوطني التونسي وحيدا يتيما».
وأضاف: «الخطأ الثاني تنظيم مؤتمر تونسي فرنسي بدون أي حرف باللغة العربية على شعار المؤتمر. ثالثا: تحدث رئيس الحكومة باللغة الفرنسية على أرض تونس بدل اللغة العربية اللغة الرسمية للبلاد التونسية. وهي رسائل سلبية توحي بأن تونس لا هوية لها أمام فرنسا الدولة الاستعمارية السابقة وأن تونس معزولة تماما عن محيطها الإقليمي، في حين جاء خطاب الرئيس ماكرون مؤكدا على الأهمية الاستراتيجية لبلادنا كرمز للقارة السمراء وللاتحاد المغاربي وللعالم العربي. أخطاء بروتوكولية وتواصلية غير مقبولة تنسف حتى انتظارات الضيف الزائر وبلاده وقارته واتحادها الاوروبي من بلادنا».
الإعلام الفرنسي الحاضر دوما لتغطية زيارة ماكرون كشف أيضا عن عملية «فبركة» قام بها الرئيس الفرنسي وفريقه الاتصالي، حيث نشر ماكرون على حسابه في موقع فيسبوك شريط فيديو لطالبة تونسية تدعى مها عيساوي تدرس في باريس قال إنه التقاها «صدفة» في أحد شوارع باريس فعرض عليها مرافقته في اليوم الثاني على الطائرة الرئاسية المتوجهة إلى تونس، حيث أشارت وسائل إعلام فرنسية أن عيساوي على معرفة سابقة بالفريق الرئاسي، والعملية لا تتعدى محاولة ترويج صورة جيدة للرئيس «المتواضع»، وذكر آخرون بحادثة مشابهة قام بها ماكرون قبيل افتتاحه لمتحف اللوفر الفرنسي في أبوظبي، حين اصطحب شاباً إماراتياً قال إنه التقاه «صدفة» في باريس.
ماكرون الحاضر دوما على مواقع التواصل الاجتماعي والساعي لتسويق صورة مغايرة للرئيس الشاب القريب من الشعب، نشر أيضا فيديو آخر طويلاً خلال زيارته للأسواق القديمة في العاصمة التونسية ولقائه بعدد كبير من التونسيين، والذين طلب عدد كبير منهم التقاط صورة «سليفي» معه، فيما صرخ العشرات «نريد فيزا»، وما اعتبره البعض إساءة جديدة لمهد الربيع العربي، التي بات شعبها «يتسول» الحصول على تأشيرة من «مستعمر» لطالما ناضل للحصول على استقلاله منه.

زيارة ماكرون لتونس: استغلال أوضاع البلاد المتردية لنشر اللغة الفرنسية والعودة إلى ليبيا

حسن سلمان:

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول تونسي ابن الجمهورية:

    التونسيون يتعلمون الفرنسية منذ السنة الثانية ابتدائ الى اخر سنة دراسية ….و منذ 160 سنة …..انا لا افهم هذا اللغط …..الفرنسيين و الإيطاليين و المالطيين تربطنا بهم علاقات جيرة و علاقات ثقافية و تاريخية ….كما نتقاسم معهم نفس القيم الانسانية كالحرية و المساواة و حقوق الانسان …..تحيا تونس تحيا الجمهورية و لا ولاء إلا لها

  2. يقول عيسى بن عمر ـ تونس:

    تونس الثورة تحتاج إلى مَن يقف موقف الند إزاء الأجنبي… إلى مَن يحافظ على ثقافة بلاده الوطنية ويطورها… إلى مَن يرفض الذوبان في ثقافة الآخر (وبخاصة إذا كان مستعمِرا سابقا) تحت أي ضغوط أو إكراهات مادية.

  3. يقول المغربي-المغرب:

    في بداية التسعينات نشر الدكتور عبد العلي الودغيري مجموعةمن صفحات كتاب اعتمدته السلطات الفرنسية كمرجع في سياستها التعليمية في المغرب …منذ المراحل الاولى لاستعمارها لهذا البلد…يتكلم بكل وضوح عن الاساليب والكيفيات السياسية والتربوية التي ستجعل من الفرنسية لغة التعليم والتخاطب الاولى في الافق الزمني المتوسط ..في المجتمع المغربي…ومن ذلك تكوين نخبة فرنكفونية يكون تبنيها ودفاعها عن الفرنسية اقوى من الفرنسيين انفسهم…!!! وبغض النظر عن النجاح النسبي او المحدود لهذا المخطط بفضل وعي مكونات الحركة الوطنية بمفهومها الواسع…فان نفس التصور لم يتغير عند الفاعل السياسي الفرنسي اليوم الذي يقوم على نفس الثالوث وهو تدعيم الفرنسية وتحصينها في التعليم والادارة وتقديم الدعم الكامل لها من خلال المراكز الثقافية التي تستوعب في المغرب والجزاءر وتونس نسبة 44% من كل كل المراكز الموجودة في العالم كله !!!!….ومحاربة العربية ومحاولة تقزيمها بكل الوساءل التحريضية والدعاءية والتعليمية…، وتشجيع اعتماد اللهجات المحلية في افق بلقنة الواقع اللغوي الذي سيمكن في نهاية المطاف من تسيد الفرنسية….، ولم يشفع لاتباع هذا المنحى تراجع الفرنسية عالميا وضعف تطورها الدلالي في مجال الفكر والعلوم في الفترة الاخيرة…لان الهدف سياسي وليس علمي او ثقافي مجرد كما يروج البعض….ولعل من بين المواقف التي اهتز لها هؤلاء اقرار ادباء وكتاب حصلوا على جواءز فرنسية في مجال الادب…ويكتبون بفرنسية لايطاولها كثير من الفرنسيين…بان هذه اللغة لم تعد تستحق تلك الاولوية التي اعطيت لها في نسقنا التعليمي …ومنهم الطاهر بنجلون الذي اكد على ضرورة الاهتمام بالعربية لانها تشكل لنا عمقا حضاريا غير مفتعل او مصطنع…مع التركيز الشديد على اتقان طلبتنا وتلاميذنا للانجليزية اذا كنا نسعى حقيقة للتطور العلمي….، وقد بدات بعض المدارس الحرة في مختلف المدن المغربية في المدة الاخيرة بتدريس الانجليزية في كل فصول سنوات الدراسة الابتداءية….مع تواجد ملموس للمراكز اللغوية الخاصة بتعليمها.

  4. يقول عبود:

    ماكرون حر يقول ما يريد
    بصراحة الحكم في تونس فضيحة رجل عجوز يحكم و لا يوجد برنامج وولا توجد تصورات
    تونس بوابة ليبيا مثلما ذكر المقال فهل فكرت تونس أن تستفيد من هذه البوابة لا تفاوض على ليبيا بدون تونس
    خاصة أن معظم الفاعلين السياسيين الليبيين يجلسون في تونس
    فلماذا لا يكون مصير تونس و مصيرليبيا مصير واحد
    ليبيا دولة معقدة والحل فيها معقد لكن تونس يمكن أن تلعب دور محوري في حل المشكلة اللبية إذا فهمت في ليبيا جيدا

إشترك في قائمتنا البريدية