زيارة ملك السعودية إلى مصر تثير زوبعة جدل وتعيد كلمة (إرحل) إلى الواجهة

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: أثارت التغطية الإعلامية المصرية لزيارة الملك سلمان جدلاً واسعاً في مصر خلال الأيام الماضية، خاصة فيما يتعلق بتناول وسائل الإعلام لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وهي الاتفاقية التي تضمنت تسليم جزيرتي «تيران» و»صنافير» للسعودية بعد عقود طويلة من السيادة المصرية عليهما.
ورغم أن الملك السعودي وقع مع نظيره المصري 16 اتفاقية مختلفة، تضمنت وعوداً باستثمارات مليارية، إلا أن قضية الجزيرتين هي التي أثارت الجدل الأوسع في مصر خلال الأيام الماضية، وخاصة على الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وظلت الشغل الشاغل للنشطاء والمدونين والمغردين الذين انشغلوا بمناقشة الاتفاقية، واشتعل الجدل بشأن ما إذا كانت الجزر سعودية أم مصرية.

جدل على «فيسبوك» و«تويتر»

وغرقت شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية بآلاف التعليقات التي تتناول قضية الجزيرتين، فيما بدا الاحتجاج على تسليمهما إلى السعودية غير مسبوق منذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي منصبه كرئيس للبلاد، ولأول مرة تصدر الوسم (#ارحل) قائمة الهاشتاغات الأكثر تداولاً، وذلك بعد أيام من تماسك الوسوم (#عواد_باع_أرضه) و(#السيسي_بايع_أرضه) في قائمة الوسوم الأكثر تداولاً في مصر.
وأطلق مؤيدون للسيسي وسماً على تويتر يقول (#السيسي_صاين_أرضه) في محاولة لمواجهة الوسوم المناهضة له لكنهم فشلوا في أن يحصدوا كثيراً من المؤيدين، في الوقت الذي انشغلت فيه كل وسائل الإعلام المؤيدة للسيسي والتي يطلق عليها المعارضون اسم «الأذرع الإعلامية» فشلت في تهدئة الرأي العام وإقناعه أن الجزر سعودية وليست مصرية، خاصة وأن الكثير من المغردين تذرعوا أن الجزر تحت السيادة المصرية منذ ما قبل تأسيس الملك عبد العزيز الدولة السعودية الحديثة، وهو ما يعني استحالة وجود أحقية للسعودية في هاتين الجزيرتين، بحسب العديد من المغردين على «تويتر».
وبدا الإعلام المصري، سواء المملوك للحكومة أو الخاص والمقرب من النظام، في حالة استنفار من أجل تغطية زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى مصر وإظهارها كانجاز تاريخي كبير للسيسي وتوثيق للتحالف بين الرياض والقاهرة، فيما حرصت كافة وسائل الإعلام الرسمية التقليدية في مصر، من صحف وقنوات تلفزيون ومواقع انترنت على اعتبار الاتفاقات التي تم إبرامها بين الزعيمين بمثابة انجاز كبير للبلدين، بينما كانت الأجواء على شبكات التواصل الاجتماعي مختلفة تماماً وكان ثمة الكثير من الأسئلة بشأن الجزر وغيرهما من القضايا التي تم الحديث عنها.
وذهب كثير من المعلقين إلى القول أن الاتفاقات التي تم إبرامها بالجملة خلال زيارة واحدة إنما كانت تهدف للتغطية على قضية تسليم الجزيرتين التي لم يكن نظام السيسي يتوقع أن تحدث كل هذه الضجة، خاصة وأن كثيراً من المصريين لم يسمعوا من قبل بهاتين الجزيرتين ولا يعرفونهما، كما لا يعرفون أين تقع جغرافياً بالضبط، بحسب ما قال صحافي مصري لــ»القدس العربي».

تدخل أمني في التغطية

وأضاف الصحافي الذي طلب عدم نشر اسمه إن «التغطية التي قامت بها وسائل الإعلام والتي كانت تعزف جميعها بشكل متناسق تؤكد أن أجهزة الأمن هي التي كانت تدير العملية الإعلامية وأنها هي التي كانت توجه الصحافيين للكتابة» مستشهداً على ذلك أن «ثمة اتفاقا مسبقا قبل الزيارة على تنسيق إعلامي بين الرياض والقاهرة للتغطية، وهذا يؤكد أن النظام في مصر تدخل في كيفية وشكل المادة التي تم نشرها عن الزيارة».
وفور وصول الملك السعودي إلى القاهرة الأسبوع الماضي وحدت قنوات وإذاعات اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري البث المباشر لتغطية لحظة الوصول، وقطع التلفزيون الرسمي برامجه وخصص معظم ساعات بثه لمتابعة تفاصيل الزيارة على مدار الساعة خلال أيامها الخمسة.
وقبيل زيارة الملك سلمان إلى مصر زار رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية عبدالملك الشلهوب نظيره المصري عصام الأمير لمناقشة تفاصيل التغطية الإعلامية التي تم تنسيقها بين الجانبين.

«المصري اليوم» هل صودرت؟

وأثارت صحيفة «المصري اليوم» ضجيجاً بعد أن تبين أنها غيرت صفحتها الأولى في اليوم التالي لزيارة الملك سلمان، حيث يقول نشطاء إن أجهزة الأمن منعت طباعتها وأجبرتها على تغيير «المانشيت» على الصفحة الأولى، فيما نفت الصحيفة ذلك، دون أن توضح بشكل منطقي مقبول أين اختفت النسخة السابقة من الصفحة الأولى والتي تم رفعها على الانترنت لفترة قصيرة قبل أن تتم إزالتها ووضع الصفحة الجديدة.
وأحدث تغيير الصحيفة لصفحتها الأولى ضجة كبيرة، حيث كان العنوان الرئيسي: (جزيرتان ودكتوراه لسلمان.. والمليارات لمصر)، إلا أنها اضطرت بعد فترة وجيزة، ربما أقل من ساعة إلى تغيير العنوان الرئيسي ليصبح: (حصاد زيارة سلمان: اتفاقيات بـ25 مليار دولار) أي أن الصحيفة أسقطت من عنوانها الرئيسي قصة جزيرتي «تيران» و»صنافير» اللتان تنازل عنهما السيسي للسعودية.
وأحدثت «المصري اليوم» ضجة على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث انتقد الصحافي السعودي جمال خاشقجي في تغريدة على «تويتر» العنوان في نسخته الأولى قبل أن تعود الصحيفة وتتراجع عنه، وتزيله عن موقعها الالكتروني أيضاً. أما مغردون آخرون فاعتبروا أن تراجع الصحيفة عن الطباعة يمثل تأكيداً على سطوة أجهزة الأمن وتدخلها في وسائل الإعلام المصرية.
وقال النشطاء: «تم وقف طباعة العدد الصادر الثلاثاء من «المصري اليوم» وتعديل مانشيت الصفحة الأولى من «جزيرتان ودكتوراه لسلمان والمليارات لمصر.. إلى: حصاد زيارة سلمان اتفاقيات بـ25 مليار دولار».
لكن رئيس تحرير الصحيفة محمد السيد صالح نفى ما أثير حول مصادرة العدد الورقي من الجريدة وأكد أن كل ما يتردد في هذا الشأن غير صحيح ولا يمت للحقيقة بصلة.
وأضاف أن الموضوعات التي عكفت إدارة التحرير في الجريدة على إعدادها، هي التي تم طباعتها في العدد الورقي، دون إجراء أي تعديلات أو تدخلات من أي جهة، لكنه لم يوضح ملابسات وأسباب تغيير العنوان الرئيسي وحذف موضوع الجزيرتين منه بشكل كامل.
يشار إلى أن التقارير تحدثت عن أن الملك السعودي أبرم اتفاقات مع مصر خلال زيارته إلى القاهرة بقيمة 25 مليار دولار، توزعت على 16 اتفاقية تعاون جديدة، لكن الكثير من المراقبين لفتوا إلى أن السعودية لم تدفع ولم تتعهد أن تدفع خلال هذه الزيارة أي مساعدات مالية لمصر، ما يعـــني أن الســــياسة التي كان الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز ينتهجها قد تغيرت تماماً، وأن زمن المساعدات دون مقابل قد انتهى دون رجعة.
ويلفت كثيرون إلى أن موافقة مصر على تسليم الجزيرتين للسعودية يمثل تأكيداً جديداً على أن القاهرة تعاني من أزمة اقتصادية متفاقمة، حيث أرادت إرضاء السعوديين بأي شكل من الأشكال أملاً في الحصول على مساعدات مالية ومشاريع واستثمارات قد تنقذها من أزمتها المالية الراهنة.
وكان الجنيه المصري قد سجل مستويات متدنية تاريخية خلال الأسابيع الماضية عندما تجاوز سعر الدولار الأمريكي مستويات العشر جنيهات لأول مرة في تاريخ مصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية