زينة دكاش: أعادني السجناء إلى الواقع وتعلمت منهم ما يصعب حصره

حجم الخط
0

بيروت-«القدس العربي»: قبل 11 سنة بدأت الممثلة والمخرجة زينة دكاش ومن خلال جمعية «كتارسيس» العلاج بالدراما لسجناء رومية، السجن الأكبر في لبنان. بعد المثابرة والعمل المتواصل ولدت مسرحية «12 لبناني غاضب».
العلاج بالدراما بلغ سجينات بعبدا. فتحت النساء قلوبهن لمن دق بابهن سائلاً عن المعاناة. وعندما قدمت السجينات مسرحية «شهرزاد في بعبدا» بكى أكثر من حضرها بمن فيهم بعض القضاة. آخر ما سجلته زينة دكاش من انجازات مع فريق العمل الذي تتعاون معه في تطبيق العلاج بالدراما مسرحية «جوهر في مهب الريح» في سجن رومية. وكما سواه من العروض المسرحية كان الهدف وضع معاناة السجناء المرضى نفسياً تحت دائرة الضوء. مع هؤلاء الذين يحكم وجودهم في السجن قانون في غاية التخلف، تضامن السجناء الأصحاء وكانت المسرحية التي وضعت على شريط مصور وDVD وعرضت للجمهور عشية 15 الجاري في سينما متروبوليس.
عن رحلتها مع السجناء وطلب العلاج بالدراما من قبل اللبنانيين تحدثت زينة دكاش لـ«القدس العربي»:
○ لماذا «جوهر في مهب الريح» في سينما متروبوليس؟ هل الهدف فني وحسب؟
● تمّ وضع المسرحية على DVD وعرضت كفيديو في متروبوليس بمناسبة الأعياد. لم ينته العمل على الفيلم الوثائقي بعد. توقفت لفترة عن متابعة المونتاج لإنشغالات مهنية وعائلية خاصة. بعد الأعياد سنكمل المهمة ليكون الفيلم الوثائقي «جوهر في مهب الريح» جاهزاً للعرض في أقرب فرصة. في كل عرض سواء كان مسرحياً أو عرض فيديو أو فيلما وثائقيا التوعية هي الهدف. علينا جميعاً أن نعرف حقيقة ما تضمه السجون من بشر. جميعنا معني بقانون العقوبات وعلينا أن نعرف مضمونه. فهل يجوز أن نرضى بقانون يقول «كل مسجون معتوه أو ممسوس، يلازم السجن لحين الشفاء»؟ جميعنا معرّض لأن يكون مريضاً نفسياً، وحينها قد نكون أمام احتمال إرتكاب جريمة. إذا قانون العقوبات يعنينا جميعاً، وهو بصيغته الحالية لن يحمينا. مسرحية «جوهر في مهب الريح» أداها سجناء رومية وأغلبهم لا يعاني من أمراض نفسية. أدوا أدوار زملائهم كي يصل صوتهم وبالتالي المطالبة بتعديل القانون. وبعد المسرحية مباشرة تقدمت جمعية «كتارسيس» بمشروعي قانون لمجلس النواب اللبناني وهما اليوم يناقشان من قبل اللجان النيابية. حضر عرض الفيديو في سينما متروبوليس عدد من النواب، فقد دعوناهم كي يتذكروا القانون الذي بين أيديهم.
○ هل من تقنية خاصة يفترض اعتمادها لتتحول المسرحية إلى فيلم مقنع بصرياً؟
● أعتمد تصويراً محترفاً لمسرحياتي. «جوهر في مهب الريح» تمّ تصويرها عبر ثماني كاميرات بحضور المخرج كريم غريب. هو تصوير ذو كلفة عالية، إذ يستحيل خروج السجناء ليعرضوا المسرحية خارج رومية. وللفيديو المصور بما يحترم المتلقي أن يوصل الرسالة. «كتارسيس» تكرر العروض في متروبوليس، وكذلك في المدارس والنوادي حيث يرافقني السجناء الذين أنهوا أحكامهم. والهدف توعية الشباب حول قانون العقوبات.
○ أين تتلاقى فرجة المسرح مع فرجة الشاشة الكبيرة وأين تختلف؟
● تصوير المسرحية بطريقة محترفة يتيح تقديمها على الشاشة الكبيرة وبكل ثقة. إنما للمسرح رونقه الخاص. للأسف يستحيل تنظيم عروض لسنة كاملة في سجن رومية، وليس للسجناء متابعة العروض خارجه. وضع المسرحيات على DVD سواء كانت تصويراً مسرحياً أم فيلماً سينمائياً بات مطلوباً. ومن خلال «القدس العربي» نعلن أن فيلمي «12 لبناني غاضب» و»شهرزاد في بعبدا» باتت مشاهدتهما متوافرة أون لاين، أي تيونز وغوغل بلاي، وليس بالضرورة شراء DVD. وهذا تم بناء على طلب المغتربين.
○ بعد التجربة الثالثة للعلاج بالدراما والمسرح داخل سجون لبنان إلى ماذا خلُصت زينة دكاش؟
● العمل لا ينتهي داخل السجون. ما خلصت إليه منذ زمن بعيد أن كل تغيير يحتاج إلى قانون جديد. يمكن تسليط الضوء على الأخطاء كما تفعل العديد من برامج التلفزيون أو حتى العروض المسرحية. إنما كل عمل لا يترافق مع مشروع قانون بهدف التغيير، فلا نتيجة له. تعديل القانون هو الأساس كي يستمر للأجيال المقبلة.
○ هل هناك عامل مشترك بين طالبي العلاج بالدراما باختيارهم الشخصي والسجناء؟
● المشترك هو الرغبة بالعمل على الذات. ليس كافة السجناء راغبون بالعلاج الدرامي. وليس كل من يحتاجون هذا العلاج في الخارج يقبلون عليه. هم يشتركون في شجاعة القرار بمراجعة الماضي والنفس لتحسين المستقبل. يتشابهون مع من يقررون العلاج النفسي. ميزتهم الشجاعة. ليس سهلاً تقييم شخص بناء للماضي والحاضر لمعرفة ما سيقوم به للمستقبل. بات العلاج بالدراما معروفاً في لبنان. طالبي العلاج ناس عاديون في حياتهم، إنما يمرون بصعوبات ويجدون الحل عبر الدراما. لقد توسع العلاج ولم يعد محصوراً في العلاج والتحليل النفسي. العلاج بالفنون يقدمه البعض فيما نقدم نحن العلاج بالدراما. العلاج النفسي يعتمد الحديث إلى شخص آخر ويشتركان معاً بالتفكير. العلاج بالدراما يتضمن حركة ولعب أدوار من حياتنا الشخصية. لو قلت لك عن مشكلة مع والدتي، ألعب دورها حيناً وألعب ذاتي حيناً آخر. ونستخدم بكثرة تقنية الرسم، والسايكو دراما حيث نفتح أحاديث عن حياتنا، كأن تفتح زينة الكوميدية أحاديث مع زينة الإنسانة العادية. وحينها يلعب المستفيد كافة الأدوار. ويعمل المعالج بالدراما لتسهيل كافة تلك العمليات. إذا هو علاج بالحركة والتمثيل.
○ من يطلب العلاج بالدراما، العمر؟ الجنس؟
● من كافة الأعمار. الغلبة بينهم لمن تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين من العمر. تتوازى النسبة بين رجال ونساء. ثمة أهل يصطحبون أبناءهم المراهقين حيث العلاج بالفنون والتعبير أسهل من التعبير عبر الحديث للمعالج النفسي. المفاجأة أن زبائن عيادتنا هم من الشركات. يهدف المسؤولون لتمتين العلاقات بين العاملين. ويتم ذلك وهم يتبادلون أدوار بعضهم وأدواراً مسرحية. ويجسدون مشاهد من حياتهم اليومية. ونقدم لهم برامج عن كيفية التواصل، الكلام، التعبير عبر الجسد، وتقديم قصة تثيرة اهتمام المستمع. هذه الخدمة تطلبها شركات لبنانية وأخرى عالمية تعمل في لبنان. وأهم ما في الموضوع أن تلك الشركات تعرف أن المال الذي تدفعه لهذا العلاج لجمعية «كتارسيس» سنستثمره في العمل بالسجون ولمساعدة السجناء، أو مستفيدين آخرين من الطبقات المهمشة.
○ هل من فائدة طويلة الأمد يقدمها العلاج بالدراما للسجناء؟
● هو علاج يتشابه مع أي علاج آخر خضع له من هم خارج السجن. وطبيعي جداً أنه ذو فائدة. ومن يعي نفسه ويجد الحلول بالتأكيد هناك تأثير على حياته المستقبلية.
○ »كتارسيس» لها أهداف إنسانية حدثينا عن المنسيين من السجناء المرضى نفسياً في المبنى الأزرق كيف حالهم اليوم وأين هم؟
● سجناء المبنى الأزرق الذين تداولنا قضيتهم بكثافة في مسرحية «جوهر في مهب الريح» وكذلك مشروع القانون الذي تمّ تقديمه إلى مجلس النواب ونحن بانتظار إقراره. هذا المشروع وضع لحماية المرضى النفسيين من السجناء، ومعالجتهم كذلك. والخبر الجميل أن السفارة الإيطالية وعبر قوات الطوارئ الإيطالية العاملة في جنوب لبنان موّلت إعادة تأهيل المبني من الألف إلى الياء، بما فيه إعادة تأثيث لائق للبشر من أسرّة وخزائن. مادياً بات الوضع جيدا جداً، تبقى الكارثة في غياب وزارة الصحة. وهذا ما طالبنا به في مشروع القانون. وكذلك طلبنا إلغاء كلمات مجنون، معتوه وممسوس. ومنع سجنهم لحين الشفاء، بل يبقون «لحين الاستقرار». ومن الأخبار الجميلة التي أثمرت عنها مسرحية «جوهر في مهب الريح» أن محمد عيتاني ومرعي شوك، اللذين أمضيا 40 سنة في المبنى الأزرق، غادرا المكان بنعمة إلهية. فبعد التعاون بيننا وبين الأب مجدي والطلب من القضاة تركهما لحالهما، تمّ ذلك. وهما اليوم يعيشان في المعيصرة حيث جمعية الأب مجدي في حياة هادئة.
○ في أي سجن سيكون نشاطك التالي؟ هل ستعودين إلى شهرزادات بعبدا؟
● نحن لا نزال في رومية منذ 11 سنة متواصلة نقدم خدمة العلاج بالدراما. هذا العلاج لا نقدمه فقط بهدف إنجاز مسرحية فقط، بل نقدمه لسجناء جدد. كل مجموعة من السجناء تخضع للعلاج على مدى ستة أشهر. لا مشروع للعودة إلى سجن بعبدا. مساحته صغيرة أدت لمعاناة في العمل على الصعيد اللوجستي، للأسف.
○ ما الفرق بين العمل مع السجينات والسجناء؟
● لا فرق في العمل بين السجناء والسجينات، نساء أم رجال هم بشر يحتاجون للتعبير.
○ تتركين لدى السجناء أثراً ايجابياً للغاية كما يخبروننا حين نلتقيهم. ماذا يترك السجناء في نفس زينة دكاش؟
● يعيدونني إلى الواقع. إلى الحقيقة، فلسنا على الدوام في حياة زهرية. العمل مع السجناء عرّفني إلى مشاكل بلدي الاقتصادية وغيرها. وضعني وجهاً لوجه مع مشاكل النازحين. السجون في لبنان صارت مناصفة بين لبنانيين وسوريين، للأسف. لقد تعلمت من السجناء ما يصعب علي حصره.
○ زينة دكاش الممثلة الكوميدية العفوية أين هي؟ إلى متى ستبقى خلف الشاشة؟
● منذ سنتين لم أتواجد على الشاشة. أحب العودة يوماً ما ولكن؟ في الحقيقة أرى ما أقوم به أهم بكثير من التلفزيون. ما أتابعه حالياً على الشاشات غير محمس ولا يؤثر بي.
○ أين أنت من السينما والمسرح؟
● على صعيد السينما أنا مخرجة فقط وبصدد إنجاز فيلمي الوثائقي الثالث «جوهر في مهب الريح» أو التجربة مع المرضى النفسيين داخل السجون.

زينة دكاش: أعادني السجناء إلى الواقع وتعلمت منهم ما يصعب حصره
تؤكد أن التغيير يحتاج مشاريع قوانين وليس كلاماً عبر التلفزيون
زهرة مرعي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية