« ذهبت إلى الجنود وسألتهم عن زوجي. قالوا إنهم لا يعرفون أي شيء. ثم رأيت 3 جثث على الأرض، من بينها جثتا والدي وزوجي. بدأت بالبكاء والصراخ. جاء [مقاتلو] الحشد وقالوا لي، «لقد قتلناهما ولم يعودا موجودين». طلبوا مني الذهاب والبقاء مع النساء. ذهبت إلى النساء ولكن بقيت أصرخ. جاء [مقاتل] الحشد وقال: «لماذا تبكين على داعشي»، وصوّب بندقيته إلى وجهي وقال، «سأقتلك هنا». هدأتني حماتي وغادر الحشد…».
هذه الشهادة، واحدة من مئات وثقتها منظمة « هيومان رايتس ووتش» منذ العام الماضي، وأصدرت المنظمة الحقوقية الدولية، وهي ليست الوحيدة، تقارير عدة حول انتهاكات حقوق الانسان بالعراق، وصفت العديد منها بانها جرائم حرب، منذ بدء معركة الموصل في أكتوبر/تشرين الأول 2016.
وردت شهادة السيدة الموصلية التي لم يذكر اسمها حرصا على حياتها، في تقرير «ميليشيات مدعومة من الحكومة ترتكب إعدامات ميدانية: لا تدخل أو استجابة من القوات الحكومية» ( كانون الاول / ديسمبر 2016). موسى وسعد كانا من بين الضحايا، وهما أب وابنه، من قرية الحاج علي قرب الموصل. قال أقاربهما إنهما كانا قد فرا مع أسرتيهما إلى قرية شيالة الإمام قبل 7 أشهر بسبب نزاع مع أحد الجيران وكانا يعيشان في مدرسة تستضيف أسرا نازحة. قالت الشاهدة، زوجة سعد، إنها عندما سمح للنساء للانضمام إلى أفراد عوائلهن من الرجال ، بعد أن فصلهم الحشد بداية، لم تر زوجها ولا والده. ولم يكن لأي منهما علاقة بأي تنظيم. وثق التقرير، أيضا، العثور على 26 جثة، على الأقل، لرجال معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي في مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة العراقية في مدينة الموصل ونواحيها. «صار العثور على جثت لرجال مكبلين ومعصوبي الأعين، متكررا في الموصل والمناطق القريبة منها وفي نهر دجلة، مما يثير القلق من وقوع إعدامات خارج نطاق القضاء على يد القوات الحكومية». قالت لما فقيه نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش.
في تقرير آخر، وثقت المنظمة جرائم سلسلة جرائم جديدة ارتكبتها قوات الحشد الشعبي ضد المعتقلين الهاربين من جحيم معارك الموصل ، ليكون مصيرهم التعذيب والإعدام الفوري بتهمة مناصرة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). ففي 20 أبريل/نيسان 2017، قالت «رويترز» إنه طوال الأشهر الأخيرة، رأى سكان القيارة الواقعة على بعد 60 كم جنوب الموصل والتي تسيطر عليها القوات الحكومية سيطرة تامة منذ أغسطس/آب 2016، جثثا تطفو على نهر دجلة معصوبة الأعين ومكبلة الأيدي. وفي 21 مايو/أيار، قال مقاتل محلي لـ هيومن رايتس ووتش إنه رأى جثة أخرى مقيّدة وتطفو على النهر من جهة الجسر القريب من القيارة. يسيل نهر دجلة نحو الجنوب، ما يوحي بأن الجثث ألقيت في النهر شمال القيارة، ولكن لا يُمكن أن تكون من المناطق الخاضعة لسيطرة داعش نظرا لوجود سدود عديدة في النهر جنوبي الموصل».
هكذا سترتبط القرى في ذاكرة السكان لا باسمائها ومواقعها على الخارطة بل بما يرونه من جثث لضحايا من أهلهم أو ، وهو الأكثر إثارة للمرارة والألم، لضحايا مجهولين. هكذا، صارت مياه دجلة الخير والعطاء، حاملة لتوابيت متنقلة ترسم خارطة « العراق الجديد» بخطوطها الحمر. فحين زارت «هيومن رايتس ووتش» مستشفى القيارة، في منتصف مايس/ ايار 2017، بعد تلقيها صورا، تشير إلى وجود جثة شخص تم إعدامه ميدانيا، قال طبيبان للباحثين إنهم تلقوا أوامر من وزيري الصحة والدفاع بعدم الرد على أية استفسارات حول المشرحة أو السماح بأي زيارات. لم يذكروا السبب. قالوا فقط إنه «خط أحمر».
تخلص سارة لي وتسون، مديرة المنظمة فرع شمال افريقيا، في 27 مايو/ ايار إلى أن « الانتصار في المعارك لا يعني كسب الحرب من أجل عراق موحّد»، إثر انتشار فيديوهات وصور تُظهِر جنودا عراقيين ينتمون إلى «وحدة الاستجابة للطوارئ» الخاصة التابعة لوزارة الداخلية « يضربون محتجزين مُكبّلين ومعلّقين إلى السقف، بينما يهزأ العناصر منهم ويحتشدون حولهم ويصوّرون وحشيتهم باستهتار، مذكّرين بصور الجنود الأمريكيين الدنيئة في سجن أبو غريب. نرى أيضا جنودا ينفذون إعدامات جماعية بحق محتجزين مكبّلين «انتقاما منهم»، مثل العديد من القوات العراقية، في حقبة ما بعد صدّام، التي تقاتل المجموعات المسلحة. كما يقلّدون داعش نفسه، حيث أجبر الجنود العراقيون، بشكل غريب، أحد المحتجزين على إلقاء قسم الولاء لزعيم داعش قبل قتله». يلاحظ من مراجعة تقارير المنظمة، بالإضافة إلى تقارير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولي، أن المشترك بينها هو: أولا عدم إحساس الجنود ومقاتلي الحشد بالخوف من العقاب بل من الواضح أنهم يستمتعون بسادية جرائمهم ويتفاخرون بتسجيلها ومشاركتها على هواتفهم. ثانيا، على الرغم من ادعاء رئيس الوزراء حيدر العبادي بأنه حريص على عدم انتهاك حقوق الإنسان إلا أنه لم يعتقل أو يعاقب أيا من المسؤولين عن الانتهاكات حتى الآن، مع العلم أن أسماءهم معروفة. هناك مثلا الشخص المدعو علي عبد الحسين عبد، أحد المعذِّبين المصوَّرين، وهو خط الوصل بين وحدة الاستجابة وقوات التحالف ويُلقب بـ «علي مشترك . ثالثا، تتحمل الولايات المتحدة وأعضاء آخرين في « التحالف الدولي» المسؤولية، لمشاركتهم في عمليات عسكرية بالتعاون مع قوات الأمن المحلية، ولتسليحهم الحكومة بلا مساءلة حول حقوق الإنسان. من يقرأ تفاصيل الشهادات الموثقة ويرى الصور والفيديوهات سيعرف مدى وحشية التعامل مع المعتقلين والرغبة بالانتقام التي لا تقل بشاعة عن ممارسات مقاتلي «الدولة الاسلامية»، باستثناء أن الأخيرة منظمة إرهابية يحاربها العالم بينما يتمتع الحشد الشعبي بمباركة المرجعية، وشرعنة الحكومة العراقية، ودعم ومساندة إيران، وانتقائية التعامي الدولي عن انتهاكات حقوق الإنسان بحجة محاربة الإرهاب.
ليس «الإرهاب»، وخصوصا الظروف التي تدعمه وتنميه، مؤامرة عالمية جديدة أو بدعة ايديولوجية مختلقة، لا يمكن محاربته إلا بأثمان بشرية باهضة، إنما له أسبابه في أوقات القهر والظلم والجريمة وانسداد أفق استرجاع الحقوق. وإذا كان هذا هو الدرس الذي أثبتته جميع تجارب العالم، فلا ينفيه من أبناء جلدتنا إلا من أصابه العمى العنصري أو الطائفي أو الطمع المادي، بحيث لا يعبأ بسحق مدننا وتشريد شعبنا، كما الصهاينة والمستعمرين.
تقع المسؤولية الأولى على عاتق الحكومة في إقناع المواطنين بأن هناك خيارا آخر غير اللجوء إلى العنف يمر عبر إثباتها سيادة القانون والقضاء على التمييز بأنواعه. والبدء كخطوة أولى في محاسبة الفظاعات التي ترتكبها قواتها الأمنية وميليشيا الحشد الشعبي.
كاتبة من العراق
هيفاء زنكنة
لقد أبدعت يا هيفاء زنكنة في تلخيص إشكالية أمة محمد بالذات، مع صاحب السلطة والحكم في دولة الحداثة لثقافة الـ أنا أولا ومن بعدي الطوفان، خصوصا عندما تعتبر الإبداع هي عندما يتم ضرب معنى المعاني في قواميس وهيكل اللغة عرض الحائط، فلم تسلم منهم حتى زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأصبحت من أهل النار، حسب الشعارات التي حرصت الأجهزة الأمنية والعسكرية كتابتها على جدران المدن العراقية، فما دام صاحب سلاح فيحق أن يقوم بتعريف من يشاء كما يشاء ويصبح (داعشي) فيصبح دمه وماله وعرضه مباح، كما حصل في 5/6/2017 مع قطر وغزة وقائمة الإرهاب التي صدرت بتوقيع مصر والإمارات والسعودية والبحرين، والتي وضع فيها حتى كتاب من جريدة القدس العربي زملائك مثل د. محمد جميح (اليماني).
شهادة الزور للتغطية على تقصير وفساد الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية والإعلامية والدينية في أي نظام، تؤدي إلى قيام الإرهاب، فما حصل في 11/9/2001 وللتغطية على تقصير مؤسسات الدولة في أمريكا، وحتى لا يتم خصم الميزانية المخصصة لها بسبب هذا التقصير، تم احتلال العراق وأفغانستان تحت غطاء (من ليس معنا فهو ضدنا) لأن صدام حسين (رئيس العراق) والملا عمر(رئيس أفغانستان) رفضا شروط عقد الحرب على الإرهاب، فأنتشر الإرهاب في كل العالم بسبب الظلم الذي وقع على العراق وأفغانستان بسبب تقصير مؤسسات دولة الحداثة لثقافة الـ أنا أولا ومن بعدي الطوفان.
فالموضوع اقتصادي صرف، لتأمين تمويل رواتب مؤسسات الدولة العميقة غير المنتجة، على حساب الإنسان (المواطن والمقيم والزائر، رجل كان أو امرأة)، ولا يمكن أن يحصل حوار بأي لغة لا يتم احترام الالتزام بمعنى المعاني في قواميس وطريقة هيكل صياغة الجمل في اللغة أي طرف من أطراف الحوار، فالتحليل بناءا على التأويل لفلان أو علان ينتج لك شيء مختلف تماما، عن التحليل بناءا على واقع ما يحصل على أرض الواقع.
الإسلام أساسه شهادتين، فماذا تعمل مع طائفة تُريد إضافة شهادة ثالثة، كي تضمن أن يكون حق الجلوس على كرسي وظيفة الدولة مخصص لها، وإلا أنت عميل وخائن وخوارج، فيصبح مالك وعرضك ودمك مباح، لصاحب السلطة في الدولة، في حين أنت كل همّك وظيفة يكفي دخلها لإعالة أسرة بكرامة وإلا ستهاجر إلى دولة أخرى، فمن هو المسلم ومن هو الإرهابي ومن هو التكفيري في تلك الحالة؟ وهنا أهمية حل اقتصاد الأسرة (مشروع صالح التايواني) بدل اقتصاد الـ أنا.
وهل تعتقدين بان هناك فرق بين داعش وبين الحشد فكلاهما يشرب من نفس بئر الحقد.
أعانك الله و رعاك قلبا و قلما. تثاقل حِملُكِ لو حُمِّلته الجبال. تحية إجلال.