سبعون عاماً مضت على نجاح المشروع الصهيوني، سبعون عاماً على احتلال عكا وحيفا ويافا، سبعون عاماً من التشرّد والقهر ومخيمات اللاجئين، والنزوح القسري، سبعون عاماً من الحروب المسرحيّة ومعارك السلام العبثيّة، سبعون عاماً تخلّينا فيها عن يحيى وزكريا وعيسى، ورحلنا عن برتقال يافا وبحر حيفا، وسور عكّا.
أرض فلسطين المباركة
سلامٌ عليك أرض فلسطين المباركة، مات أبناؤك أيتها الأم الصابرة، ونزفت جراحهم فروّت ترابك وأنبتت زهر الحنّون، الذي اصطبغ باللون الأحمر، ليكون شاهداً على قبور الشهداء الذين ماتوا ولم يجدوا من يدفنهم أو يتعرّف على هوياتهم.
سبعون عاماً، انتشرت فيها حقول الدحنون، تخرج دون بذور ودون لواقح، ودون ماء، يكفي أن تمشي على أرض فلسطين، لترى الدحنون يشقّ الصخر ويطل برأسـه ليقـول هـا هـنا شـهيد.
أتوا من وراء البحار حاملين معهم إرثهم من الذل والاستكانة وعُقدة الدونيّة، جاؤوا من الغيتوات الأوروبية، ومعسكرات الاعتقال وبؤر الفقر والشقاء، احترفوا العيش في العوالم السفلية، وحيك المؤامرات وبناء التنظيمات السرية، واستغلال نقاط ضعف الآخرين.
لم يفلحوا أبداً تحت الشمس، فكانوا أول من ابتدر التجارة في السوق السوداء، والمضاربة، والربا ولعب القمار، وتسويق الجنس.
أتقنوا لعبة المصالح واللوبيات وبرعوا في ابتزاز الصديق والعدو وانقضوا كالجراد على خيرات فلسطين، فعاثوا فيها الفساد، في خير تمثيل للمثل القائل (هجين وقع في سلّة تين)، هؤلاء هم مغول القرن العشرين!
توارث الأساطير
أمّة توارثت الأساطير التوراتيّة جيلاً عن جيل، وأبدعت في اعتناق الخُرافة، حتى باتت جزءاً من عقيدتها وثقافتها وشخصيتها، وجاءت تبحث عن شمشونها وهيكلها الأسطوري في أرض داليدا، وتعيد الكرّة على قوم جبّارين، وتأخذ بثأر خيبر من بنات محمد!
سبعون عاماً على مذبحة دير ياسين، واللد، والطنطورة، والطيرة، والدوايمة، سبعون عاماً من قتل الأطفال، وبقر بطون الحوامل، إعدام الشـباب، وذبـح الحياة، سبعون عاماً من السجن والاعتـقالات والتعـذيب، وحرب الجـواسـيس.
سبعون عاماً على تهجير أهل الأرض الأصليين، والاستيلاء على بيوتهم ومصادرة مزارعهم وحقولهم. سبعون عاماً على هجرة عائلتنا من «زكريا»، تلك القرية الصغيرة التي تم تطهيرها عرقياً، ومسحها عن الخارطة، فباتت تُعرف اليوم بـ «كفار زخاريا»، مستوطنة يهوديّة، قَدِمَ أهلها من غبار صُحف قديمة مُصفرّة، فأقاموا بيوتهم على أنقاض ذكرياتنا ورفاة أجدادنا.
كان والدي دائما ما يفخر بقريتنا وبالصيت الذي رافق أهلها لإتقانهم اللغة العربية الفصحى وتمسكهم بقواعد النحو، وكان دائماً ما يذكر لنا كيف أن قريتنا الصغيرة رغم ضعف امكانياتها وتواضع أحوال أهلها كانت منارةً للأدب ومركزاً لكتابة الرسائل والعقود والصكوك، وكان يذكر لنا حلقات الذكر، وطرائق الصوفيّة، وقصص الولاة الصالحين.
كان يُرينا صورة قديمة جمعته مع زملائه الطلاب أمام مدرسة زكريا الابتدائية، واحدة من أوائل المدارس التي تطوّرت عن الكتاتيب في فلسطين، وكانت تقع مقابل منزل العائلة. كما كان يذكر بيت المُختار والراديو الذي كان ملاذ أهل القرية، يلجأون إليه لمتابعة الأخبار والاستماع لخطب الزعماء السياسيين ومتابعة أحوال البلاد.
كان يذكر لنا تفاصيل مغادرة القرية، والرعب الذي قذفته الأخبار الواردة من القرى المجاورة، وأهوال المذابح وعار الاعتداءات على العرض. خرج أهل القرية وتركوا متاعهم وأغراضهم، ظانّين أنهم عائدون عمّا قريب، وإن هي إلا بضعة أيام حتى يهبّ العرب لنجدتهم، فلجأوا إلى القرى المجاورة ثم إلى التي تليها، ثم نزحوا إلى الأبعد عنها حتى غادر معظمهم فلسطين كلها.
ما زلت أذكر الحسرة التي تحدث فيها عن المرة الوحيدة التي عاد فيها لزيارة قريتنا في الثمانينيات، حينها لم يتعرّف على أي معلم من معالم القرية وبالكاد تعرف على «السنسلة» التي كانت تحيط ببنيان المدرسة، بالإضافة إلى جامع زكريا الذي تركـه الصهـاينة مهجـورا يحـظر ترميـمه.
يومها قال للمستوطنين وهو بصحبة أمي، أنا ابن هذه القرية، أنا من سكانها الأصليين، فأخرجوه منها مرّة أخرى!
تشتت في بقاع الأرض
سبعون عاماً مرّت على خروجك الأول يا أبي، رحلت عنا ولم تعد إلى زكريا!
أذكر فيما أذكر، أنك حدثتنا عن قصف الطائرات والمدفعية، في الوقت الذي كان فيه عدد «البواريد» في قريتنا لا يتجاوز الأربعين، قلت لنا إن المعركة كانت مشروع مجزرة أخرى.
سبعون عاماً مضت، تفرّقنا فيها أحزاباً وفصائل، وتشتّتنا في بقاع الأرض وأصقاعها، فكنّا شعوباً وقبائل، اختلف العرب علينا، فقرّرنا ألا ندع لهم علينا سبيلا، فانفصلنا عنهم، وطالبنا بحق تقرير المصير، كي لا يقرّروا عنّا، ثم وافقنا على ربع الوطن المسلوب، وربع الكرامة الإنسانية، في سبيل السلطة ونزاع الكراسي، ولكي ننشد في طابور الصباح نشيد «فدائي»!
سبعون عاماً، يجمعنا الوطن وتفرّقنا السياسة، يجمعنا دين الله فلا نكاد نفرّق بين مسجد وكنيسة، ويفرقنا ملوك الطوائف!
سبعون عاماً، أما آن لشعبك يا فلسطين أن ينتصر، وأن يكسر صور الزعامات الكرتونية المعلّقة على الحائط بصفة القدسيّة، ويقوم بتهشيم الرايات الملوّنة كي تنصهر تحت علم فلسطين.
أما آن لنا أن نؤمن أن المهدي المنتظر هو فتىً وُلد من ظهورنا، يُدافع عن مقدّساتنا بحجر، وفتاة لم تنبت مفاتنها تلعن الشرطي المحتل وتطرده من حوش بيتها، وعجوز تبصق في وجه جندي، ومزارع كهل يشير من فوق حماره إلى ضابط صهيوني بإشارة النصر.
المهدي المنتظر هو هـذا الشـعب، لا ملاكٌ يهبـط عليـنا من السـماء!
كاتب ومُدوّن من الأردن
أيمن يوسف أبولبن
الشعب الفلسطيني ليس كمثله شعب بالعالم , فعشرات السنين لم تقدر على تشتيت بوصلته بالعودة – ولا حول ولا قوة الا بالله
مقال ملئ بالألم و الذكريات التي تمس كل فلسطيني. خساره وطن و خساره الحياه التي حرمنا منها. أحسنت الوصف و أكرمت الصامدين “المهدي المنتظر هو هـذا الشـعب، لا ملاكٌ يهبـط عليـنا من السـماء!”
الله محيي صمود الشعب الفلسطيني.
حياك الله أخي داود
*حيا الله الأخ أيمن وشيخنا الكروي
والأخ سام والأخ حسين وجميع قراء
ومعلقي(قدسنا العزيزة).
*نصر الله شعب الجبارين
بارك الله في كل من يساعدهم
*عار على جبين كل من خذلهم.
سلام
حياكم الله القراء الأعزاء
الأخ سامح والأخ سام
لا حال إلا من الداخل، وبيد هذا الشعب
تحياتي أستاذ أيمن
لا نعرف كيف نشكرك على ما خطه يمينك،،،هذه مرثية لفلسطين المقدسة قدسية أرض الاسراء والمعراج وأرض الأنبياء،،قدسية دم الشهداء ،،
لله درك أستاذ أيمن كيف أدميت قلوبنا بكلماتك حزنا على الأرض التي اغتصبت،،وابناؤها الذين شتتوا وقتلوا،،واطفالها الذين عذبوا ونساؤها الذين سبوا،،،وشبابها الذين سقطوا دفاعا عن أمهم ارضهم،،نسجت من مأساة اهلنا في فلسطين مرثية تزيد في معاناتنا وعذاباتنا التي لا تنتهي على يد المرتزقة وعصابات الصهيونية،،ومؤامرات دول العالم المنافق،،وظلم ذوي القربى الأشد مرارة،،،وخيانة الصديق وشماتة الأعداء،،
نتابع بمرارة وغصة في هذا اليوم وفي هذه اللحظات وشباب غزة العزة ومسيرات العودة تدافع عن الشرف العربي الضائع والغائب ،،يتساقط الشهداء والعالم المنافق يراقب والبعض حتى لا يقوى حتى على الإستنكار والأدانة،،ويتسابقون في مديح اسرائيل،،والتمرغ على اعتاب تل أبيب عسى يكون هذا الطريق هدفهم للوصول إلى البيت الأسود وسدنة المعبد الغير مقدس،،
صدقني شعبنا واهلنا في فلسطين لا يحتاج نصرتهم،،فالنصر من عند الله،،هو ولينا وهو مولانا،،
والله المستعان
شكرا لك أستاذ أيمن،،
تحياتي للأخوة الأعزاء الأفاضل سامح والكروي،،والجميع
الأستاذ حسين الغالي
انت من يستحق الشكر على متابعتك وتشجيعك، وعلى صدق مشاعرك.
وأنا صدقا، سعيد بسماع شهادتك، وأشعر بعظم الواجب أن أكون على قدر ثقتكم.
تحياتي