كل عام وأنتم بخير، مبارك صيامكم، رمضان كريم، أعاده الله عليكم باليمن والبركة، من هذه الجمل التي تنم عن استقبال شهر الطاعة، يبدأ السجال الرمضاني كل عام، بين من يقول إن هذه الصيغة بدعة، وبين من يفضل تلك لأنها سنة عن الرسول الكريم، والمتلقي المسكين حائر بين ما تعود وتربى عليه، وبين طوفان الفتاوى عبر الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي التي تغرقه في معمعات الفقه التي لا يفقه منها شيئا.
السجال – في العراق بشكل خاص – عادة ما يبدأ قبل رمضان بيوم أو أكثر، وأعني بذلك إثبات رؤية الهلال، فقد أصبحت ظاهرة هلال رمضان والانقسام حولها بحسب مرجعيات ومذاهب العراق أمرا معتادا، والسؤال الذي يطرح عادة هو، هل تصوم مع السعودية والأردن ومصر؟ أم مع إيران وبعض المرجعيات؟ أم مع مرجعيات أخرى ترفض التبعية لإيران، فتؤخر بداية الشهر الفضيل يومين؟ بعض المتنورين حياتيا، التائهين فقهيا، مازالوا في كل عام مع بدء شهر الطاعة يطرحون السؤال نفسه؛ أليس باستطاعة علم الفلك الحديث ان يحدد بالساعة والدقيقة موعد ولادة الهلال في كل بقعة في العالم، من خلال حسابات علمية غير قابلة للشك، باستخدام أحدث تكنولوجيا المراصد الفلكية؟
إذن لماذا لا يسعى القائمون على الامر إلى الاستناد إلى هذه النتائج لحسم هذا السجال؟ فيأتهم الجواب اكثر تعمية عبر تفسير النص القرآني – سورة البقرة 185- «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ»، وهنا مفردة (شهد) بحسب بعض الفقهاء يجب ان تكون الرؤية بالعين المجردة، بينما يفسرها آخرون بانها الرؤية بالعين أو بمساعدة أي واسطة كالمناظير أو التلسكوب.
بعد ذلك سيولد سجال آخر منصب على الجانب الصحي، فتزخر النقاشات بأحاديث نبوية، قد يكون بعضها ضعيف السند، مثل «صوموا تصحوا»، وأدلة علمية تنصب على أن الصوم ينقي الجسم من السموم التي تتجمع فيه طوال أحد عشر شهرا من الافراط في الاكل والشرب والتدخين، وتجد العديد من البرامج الصحية على شاشات التلفزيون التي تبين فوائد الصيام الصحية، بينما تجد مساجلون يهاجمون هذا الجانب بالتحديد، ليدلوا بدلوههم في أن الامتناع عن تناول الماء لمدة قد تزيد عن 16 ساعة في أيام الصيف الحار، ستدمر الكلى والكبد، وتصيب أجهزة الجسم بالصدمة بسبب الامتناع عن الأكل لساعات، ثم تناول الطعام والشراب، وان الافضل هو الاعتدال وعدم الإسراف طوال ايام السنة، فيضيف الحزب الاول ابعادا اخلاقية الى الابعاد الصحية، وذلك بالتذكير بان الصيام ليس امتناعا فقط، انما هو تجربة تعود المسلم على الصبر، كما أنها تجعله يشعر بجوع الفقير والمحروم، كما ان الصائم يقاوم شهوات الجسد ليرتقي بالروح، فيجيب الحزب الثاني، اذا كانت الغاية من الصيام الاحساس بحاجة الفقير، فلماذا لم يعف الفقراء من صوم رمضان وهم صيام طوال أيام السنة؟ أما مقاومة شهوات الجسد والارتقاء بالروح فليس لها زمان وموعد محدد، بل هي مطلوبة طوال يام السنة ويمكن للاعتدال والتعفف وسلوك طرق الخير الموجودة في كل زمان ومكان ان تؤدي هذه الوظيفة.
وقد كان رمضان يزخر بالنشاطات التي تملأه كفضاء ثقافي واجتماعي، يختلط فيها الفلكلور بالعادات والطقوس الشعبية والألعاب التي تكتسب خصوصيتها من خصوصية الشهر الفضيل، ولأن هذه المسألة عرضة للتغير نتيجة التغيرات التي طالت تفاصيل كثيرة من مفردات حياتنا، نجد أن الكثير من التقاليد انحسرت وتقلصت نتيجة لسطوة وسائط التكنولوجيا التي صبغت تفاصيل حياتنا بصبغتها، كالتلفزيون وانتشار القنوات الفضائية، وهنا نجد سجالا مشتعلا منذ بداية شهر الصوم، فيذكر المذكرون أن المسلسلات والبرامج التي تعرض في رمضان ستعاد بعد انتهاء الشهر، ولن تخسر شيئا إذا تابعتها بعد ذلك، بينما التعبد والتهجد وحسنة صلاة التراويح إذا فاتتك فانها لن تعوض في أي يوم اخر من ايام السنة، وهنا يجيب الطرف الاخر، بأنه يؤدي الواجبات الدينية بدون ان يمتنع عن متع بريئة في متابعة مسلسل هنا أو برنامج هناك، لكن حقيقة الأمر ليست كذلك، فقد أصبح شهر رمضان أهم موسم في صناعة الدراما العربية، وسوق الدراما يعتمد اعتمادا كليا على المعلنين، لأن الدراما تقدم مجانا عبر قنوات مجانية فضائية وأرضية، لذلك فإن تسويق المنتج الدرامي يتوقف على كمية الاعلانات التي ستنزل بمصاحبة المسلسل أو البرنامج، وهذا بدوره يتوقف على نجومية بطل المسلسل أو شعبية مقدم البرنامج، فيبدأ سعار الاعلانات التي تعذب المتلقي وتحرمه متعة المشاهدة.
اما برامج التلفزيون التي تحظى بالاقبال الاكبر في رمضان فقد اصبحت نمطية ايضا، فباستثناء البرامج الدينية التي توضح أو تقدم النصح في امور فقهية دينية، وهو امر متفق ومتساوق مع طبيعة شهر الصوم، نجد أن الأعم الأغلب من برامج الترفيه يصب في خانة المقالب أو تنوعيات على برنامج الكاميرا الخفية، حيث يتم تعريض نجوم أو حتى ناس عاديين الى مواقف محرجة، وتصوير ردود افعالهم تجاه الامر، لكن الامر اخذ بالتصاعد بشكل مطرد على يد بعض مقدمي هذا النوع من البرامج التي ترعاها قنوات تلفزيونية ثرية تصرف عليها ببذخ، ليتحول الامر الى كوابيس حقيقية، مثل اطلاق حيوانات مفترسة على الضيف، أو تعريضه لتجربة تفجير أو خطف أو غرق في عرض البحر وما شابه ذلك، والسؤال المحير هو ما المضحك في رعب شخص ما عند تعرضه لهجوم أسد، أو عند تعرضه لانفجار؟ إنها طريقة رخيصة لاستدرار الضحك من المشاهد. أما النوع الآخر فهو ما بات يعرف ببرامج الحوارات الصريحة، وهي تنوعية اخرى على برامج المقالب، عند استضافة ضيف وتعريضه لأسئلة محرجة تخص حياته الشخصية، أو ما قد تحتويه من أسرار، ولا أفهم ما الممتع في برامج فضائحية سوى فضول بعض المشاهدين في التسلل إلى كواليس حياة نجومهم المفضلين.
ولأن كل المسلسلات والبرامج قائمة على التمويل المقدم من الاعلان التجاري، فان سجالات رمضان تأخذنا الى هذه الزاوية، فالملاحظ على اعلانات رمضان العدد الكبير من المؤسسات أو الجهات التي تطالبك أو تترجاك أو تحبب لك للتبرع لمشاريعها المضمونة الأجر والثواب مثل المستشفيات، رعاية الأيتام، تقديم طعام للمحتاجين، تقديم معونات مختلفة، والحقيقة أن كل هذه المؤسسات تبذل جهودا حقيقة في فعل الخير عبر منظومات التكافل الاجتماعي، لكن تركيز عملها على الشهر الفضيل يصبغ عملها بصبغة الاستجداء غير المحبذة، لأن عمليات التبرع لمشاريع اجتماعية وخيرية وصحية لابد ان تكون مستمرة طوال ايام السنة، فلماذا التركيز على هذا الشهر؟ كما أن الأمر الآخر اللافت في إعلانات رمضان، هو الكم الهائل من اعلانات الطعام، فرغم أن الشهر شهر عبادات وروحانيات وابتعاد عن الشهوات، إلا ان واقع الاسواق يشير الى ارتفاع مهول في حجم استهلاك المواد الغذائية، وإقبال كبير من المتسوقين على مختلف انواع الاطعمة وبكميات كبيرة، مما يدفع بالمساجلين الى اعتبار الامر وكأنه امتناع في النهار وافراط بعد الافطار مما يذهب بجوهر الصيام والغاية المنشودة منه. ويبقى الناس يتداولون في شهر الخير حديثا نبويا شريفا رغم ضعفه، تنسب روايته للصحابي سلمان الفارسي، هو؛ «أظلكم شهر عظيم ..أن أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار»، حديث نبوي يحث على ترك المعاصي والتوجه بقلب يملؤه الحب لطاعة الله، إلا أن السجال لا ينفك يثار حتى في هذا الامر، فيجد المساجلون تحول الشهر الفضيل من شهر محبة وطاعة الى شهر امتناع عن الطعام والشراب من ناحية، والايغال في قتل المسلمين من ناحية اخرى، وما نشهده من حروب واقتتال في عدد من دولنا لهو مفتاح لسجالات تنفتح على كل ايام الله ولا تقف عند حدود شهره العظيم فقط، ابلغنا الله واياكم خير طاعته ومحبة عباده وخدمتهم فيما ينفع … آمين.
٭ كاتب عراقي
صادق الطائي
مقالك صحيح من ناحية الواقع الشعبي المُنتشر منذ سنين بل سيبقى في الاخذ والرد, بخلافات البشر حسب مستوياتهم في الايمان الحق أو التجارة به لأهداف عديدة والحياة سوق تجارية على كل الاصعدة والاهداف. إسمح لي بالقول بأن الناس ليسوا سواسية في الايمان والعمل به فكل “نفسٍ بما كسبتْ رهينة” قانون عام في الدنيا والاخرة بلا إستثنائات المُفاضلة بين البشر في أيٍّ, ونص قرءآني دقيق التعبير”كُلٌّ يعملُ على شاكلتهِ فربُكُم أعلَمُ بمن هو أهدى سبيلا.سورة الاسراء 84.لعل معناها واضحا لحضرتك وللجميع. فهكذا هم البشر في الخلافات. ولعلنا نجد اليوم من بيننا مَن يستطيع السمو لمُحتوى هذا النص:( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)الحُجرات13.فلا أحتاج لتفسيرها لوضوحها للعقل والشعور والواقع. لكني قرأتُ كما يلي: ذهب عراقي الى اليابان لدراسة الطب فسأله أُستاذه كيف تصبحون بصحة جيدة؟” فأجابه:لا أعرف! فأبتسم الأُستاذ وقال مستغرباً “كيف تكونون بهذا العدد وتقومون بالصيام وأنتم لاتعرفون لماذا هو مفيد للصحة!!!”وهذا الأُستاذ هو واحد من أربعة في العالم, إثنان من أمريكا و إثنان من اليابان, يعملون في مجال الألتهام الذاتي للخلية.يبحث ولمدة لاتقل عن (Autophagy) في عملية التحفز عن طريق الجوع (عن الغذاء والماء) ثمانية ساعات وذلك بشرط ان يكون الجسم في حالة نشاط (مو نايم الى ان يضرب الطوب) وعند التحفيز يقوم الجسم بتحديد الخلايا المريضة (سرطانية او غيرها) لكي تقوم بتحليل ذاتي لنفسها فيتم التخلص من تلك الخلايا وفي نفس الوقت توفير الغذاء للخلايا السليمة في الجسم! ولتحقيق اقصى فعل من هذه العملية يجب ان تكون متكررة (تراكمية) أي بمعنى أدق مستمرة لفتره من الزمن وايضاً ان لا يتخللها عملية إعادة بناء او تدعيم للخلايا المريضة عن طريق الأفراط في الطعام الذي يحتوي على الدهون والسكريات! وهذا الأستاذه الياباني يصوم شهر رمضان و كذلك يومين الى ثلاثة أيام في الأسبوع! فأبلغ أستاذه: أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم يصوم يومي الأثنين والخميس من كل إسبوع بعد إنتهاء شهر رمضان. هذا العِلْمْ الحقيقي.أما التجاري فسوقه كما ذكرته.هذا قانون الخالق للمخلوق.وهو حُرٌّ بدنياه. فرمضان مبارك وأعاده عليكم بالبركة وفوق كل ذي علم عليم فيما يصنعون
تحيات ابو ياسين العراقي المُغترب