ما ينكسر في هذا الكتاب الهامّ هو صورة مؤسسة إذاعية عريقة مثل BBC، بين ما تخيلتها عليه إعلامية شابة حلمت على الدوام بالمجيء إلى لندن والوقوف خلف ميكروفونات الإذاعة الكونية، وبين الصورة بعد أن قُبلت الإعلامية بالفعل في القسم العربي من الـBBC، ووصلت إلى لندن، ثمّ اصطدمت بسلسلة النقائض التي تكتنف أروقة قسم الأخبار فيها، وكيف لا يُطبخ الخبر على نحو مجتزأ عن سابق قصد فحسب، بل يجري التواطؤ فيه مع أنظمة الاستبداد، ويتمّ تحريف الحقائق الساطعة، بذريعة الحياد والموضوعية. سعاد قطناني، الإعلامية الفلسطينية، رُوقبت وعُزلت وحُوربت، ثمّ انتهى الأمر بها إلى مغادرة هذه المؤسسة، ولندن بأسرها، لا لأي اعتبار آخر سوى أنها بحثت عن الضمير المهني في صياغة الأخبار عموماً، والخبرَين السوري والفلسطيني بصفة خاصة. وعبر 434 صفحة، وخمسة فصول (تتناول بدايات العمل، وبدء اكتشاف «الخراب»، وطرائق الانحياز، وانكشاف المستور إلى درجة استحالة التعايش مع صانعيه)، فضلاً عن 22 وثيقة أُلحقت بالكتاب؛ تروي قطناني، بجسارة ونزاهة وعرض موضوعي موثق، تجربة انكسار الصورة العريقة.
هنا فقرات من الكتاب:
«سأورد هنا بعض الأسباب التي أجبرتني على اتخاذ قرار الاستقالة:
ــ المحررون في بي بي سي يتعاملون مع الملف السوري باستخدام نفس التعابير التي يستخدمها النظام السوري، وكنتيجة لذلك تمّ تجاهل قيم بي بي سي في الموضوعية والحيادية وعدم الانحياز.
ــ ارتُكبت أخطاء كارثية في الموضوع السوري ولم تؤخذ إجراءات ضد المتجاوزين ولم يتم تقديم أي اعتذار يُظهر قيم بي بي سي التحريرية.
ــ ارتُكبت مجازر عدة من قبل النظام السوري ضد المدنيين وتجاهل المحررون الرئيسيون هذه المجازر بشكل مقصود، ووضعت أمثلة على ذلك، وجئت على ذكر حذف تقاريري.
ــ عدة مرات أوقفت تقاريري عن البث بشأن سوريا أو مصر بادعاء أنها «غير صحيحة». حذف التقارير كان استراتيجية سهلة للغاية يقوم بها جميع المحررين المسؤولين.
ـ ردة الفعل التي أدهشتني كانت من قبل مدير الأخبار الذي لم يتخذ أي إجراء تجاه هذه التجاوزات التي ارتكبها المحرر الرئيسي وغيره من المحررين، وعلى العكس، مع الأيام اتخذ الإجراء ضدي، ولم يعد المحررون يعطونني الملف السوري إطلاقاً».
المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عمّان ـ بيروت 2018
11RAI