يعدّ الشاعر سعيد الباز من أهم الأصوات الشعرية المميّزة في الشعر العربي المعاصر، وأحد أبرز علامات التجديد المتواصل في القصيدة المغربية، وذلك بقوّة قصائده التي استطاعت أن تنحتَ فرادتها الإبداعية على مهل، فهو ينتمي إلى جيل التسعينيات الأكثر حيويّة على مستو ىالإبداع الشعري في المغرب، حيث ساهم الباز رفقة الشعراء رشيد نيني، هشام فهمي، ياسين عدنان، طه عدنان وسعد سرحان في إصدار مجلة «الغارة الشعرية «، التي استطاعت بإمكانيات محدودة أن تصل إلى بريد وقلوب الشعراء، وأن تقدّمَ قصيدة نثر مختلفة وجريئة في المغرب الجديد الخارج للتّو من فترة الاختطافات والاعتقالات القسرية، وهو ما عرف إعلاميّا بسنوات الرصاص.
إلى هذه الجماعة الشعرية النبيلة ينتمي سعيد الباز تحديدا، وإلى هذه الفترة التاريخية تمتدّ جذوره الشعرية، حيث جاء إلى القصيدة مسلحا بمتن الشعر العربي الذي تتلمذ عليه، ومستلهما تجربة قصيدة النثر في مراحلها المختلفة، ومنفتحا على ثيمات إنسانية وجماليّة مختلفة، باعتباره مترجما للشعر، حيث قدّم لقرّاء العربيّة فرناندو بيسوا، جاك بريفيل، فيليب سوبو، آلان بوسكي وآخرين، وبهذا الخصوص يقول في حوار سابق أجراه معه الشاعر والإعلامي إسكندر حبش، «الترجمة تمرين مفيد للشاعر، ومشغل ثريّ يسمح باستكناه المفردة اللغوية وهي تنتقل بكل عفوية من نظام لغوي إلى آخر». المتكأ الثقافي المتنوع للباز وممارسته للترجمة مبكرا، عوامل منحته آفاقا شعرية واسعة، واستطاع أن يبصم اسمه بقوّة في انطولوجيا الشّعر المغربي المعاصر، حيث حصل ديوانه «ضجر الموتى» على جائزة بيت الشعر عام 2008، فحظيتْ قصائد الديوان حينها بمتابعة نقدية في صحف ومجلات أدبية مختلفة، وهي قصائد تحبلُ بالسخرية السوداء وتحتفي بتفاصيل اليومي. وبين السخرية واليومي يسطع القلق الوجودي للشاعر وحزنه الجميل، يقول في الصفحة 68 من الديوان:
«كأني
أشتغل على تفاصيل الألم
الألم الأليف
الألم الثقيل الوطأة
الألم الذي بلا رأفة، والذي بلا ضفاف»
والملمح المهمّ في قصيدة الباز، هو هذا البناء المحكم والانتقاء الصارم للمفردة واقتصاده اللافت في الكلمة والجملة، فبقليل من الكلمات وبلا مترادفات ولا زوائد يقبض على المألوف والمعتاد فيقدّمه بطريقة مدهشة، ونهاية صادمة لا أحد يتكهّن بها. وهو الملمح الذي يسطع بقوّة في قصائده الجديدة:
« قلت: في الواحدة إلا الربع نلتقي
ها هي الواحدة إلا أنت
أنت الإبرة
أنا الخيط
الثوب هو ما ضاع منّا »
انّ الشعور بالضياع ومحاورة الذات هو ما يميّز نصوصه المعبأة من الداخل باحساس مغاير تجاه العالم والأشياء وتأخذ هذه النصوص ، في الغالب منحى الرؤية والشذرة معلنة عن ذات الشاعر المتشظية:
« أنا معتوه العائلة
خائن الحقائب والمظلات
مهرّب الأقفال
مزوّر الخرائط السرّية للمطر.
أنا لستُ أحدا
أنا نسيان عابر
في غرفة مهجورة
ومن زمان
زمان، صفقت الباب من ورائي »
وبقدر ما تبدو قصائد الباز هادئة للقارئ العادي بمعيار رولان بارث، بقدر ما هي حمّالة للاحتجاج والصراخ الطويل والانتصار للهامش المتآكل، والإخلاص للرفض وكلمة «لا» على طريقة شعراء العراق والشام وبقيّة المبعدين في مدن البرد وعواصم العالم والمدثرين على الدوام بجمرة القصيدة التي لا تخبو، وهو المنحى الشّعري الذي اختاره الباز مبكّرا، والذي لا يختلف في شيء عن الملفات الثقافية التي ينجزها، وعن مقالاته السياسيّة التي تحظى بقراءة واسعة في الصحافة المكتوبة في المغرب، يقول:
«ويوما ما
ستتأكّد أكثر
أنّ الحروب التي لا تقع
سوى في نشرات الأخبار
هي السبب الافتراضي
لكثرة المشرّدين
وبقية متسوّلي الأمل في الشوارع»
سعيد الباز شاعر مختلف بمخيّلة مختلفة يواصل مشروعه الشعري في مدينة أغادير الجنوبية، حيث يعيش رفقة زوجته القاصّة لطيفة باقا قريبا من رائحة الأجداد وحقول البرتقال الوسيعة، وغير بعيدٍ عن بلدة تفراوت السيّاحية التي ينحدر منها الشاعر المغربي الراحل محمد خير الدين، ويؤمن الباز بأن الورد والحب هو ما يحتاجه العالم.
كاتب مغربي
حسن بولهويشات