سوريا: مشاريع الاشتباك ومسميات «الشيطان»

حجم الخط
11

 

ليس جديداً التذكير بالنظرية الشهيرة التي اعتمدتها الولايات المتحدة وإسرائيل، على نحو متطابق أحياناً، في تبرير مواقف الحفاظ على نظام «الحركة التصحيحية» إجمالاً، الأسد الأب أسوة بوريثه الابن؛ وكذلك، استطراداً، في قراءة الانتفاضة الشعبية ضدّ هذا النظام، ربما منذ الساعات الأولى لانطلاق تظاهرات الاحتجاج السلمية. تلك النظرية كانت تقول، ضمن المنطق الذرائعي الشهير، إنّ الشيطان الذي نعرف لتوّنا (آل الأسد، حسب سجلات حروب 1972 و1982 والمخيمات الفلسطينية و»عاصفة الصحراء»)، خير من أيّ شيطان بديل لا نعرفه (كائناً مَن كان، ليبرالياً أم إسلامياً أم ديمقراطياً أم…).
ومؤخراً، بدأت واشنطن وتل أبيب تسدد أثمان تلك النظرية، التي لم تتبدل عناصرها الكبرى مع ذلك، خاصة ثنائية الحفاظ على النظام والإشراف على إنهاكه في آن معاً؛ وإنْ أخذت تدخل عليها عوامل تشويش ليست عابرة، وبعضها قد يتصف بأبعاد ستراتيجية عميقة. ثمة هنا ثلاثة مشاريع، إيراني وروسي وتركي، قابلة للتعيش معاً رغم تناقضاتها التكوينية، وقادرة على تعكير صفو النظرية الأمريكية ـ الإسرائيلية. ومنذ قرار واشنطن قصف قوات النظام شرق الفرات (مع معرفة وجود أعداد كبيرة من مرتزقة «فاغنر» الروس)؛ وقرار تل أبيب قصف القواعد الإيرانية، على الأرض السورية، التي انطلقت منها طائرة «الفينيق» الإيرانية المسيّرة؛ لم تتغير قواعد الاشتباك، كما بات يُشار على نطاق واسع في التغطيات الصحفية والتحليلات العسكرية، فحسب؛ بل توجّب أن تتعدّل ركائز النظرية ذاتها.
ذلك لأنّ «الشيطان» الذي عرفوه لم يعد يدعى آل الأسد فقط، بل لعلّ هؤلاء قُذفوا إلى الصفوف الخلفية من ميدان الاشتباك، وثمة اليوم أسماء مثل حسن نصر الله وقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وأكرم الكعبي؛ وأسماء أقلّ شأناً ولكن ليس أقلّ حضوراً مثل آل جابر، محمد وأيمن وإبراهيم، قادة ميليشيات «صقور الصحراء» و»مغاوير البحر» الذين يتمتعون بدعم لوجستي وعسكري روسي في منطقة الساحل. وثمة، إلى هذا وذاك، خضوع «الشيطان» إياه، شاء أم أبى، إلى مقتضيات اختلاف المشاريع أو ائتلافها، على أرض باتت اختزال صورة الصراعات الجيو ـ ستراتيجية الكونية الأسخن بلا منازع.
ولأنّ الطائرات تساقطت من جنسيات أربع، روسية وتركية وإيرانية وإسرائيلية، خلال أيام قلائل، هنا وهناك في سماء سوريا وعلى أرضها؛ فإنّ ما يتغير جوهرياً لم يعد مقتصراً على قواعد الاشتباك أو الخطوط الحمر، بل بات يتوخى تفادي انفلات تلك القواعد والخطوط إلى مستويات يصعب ضبطها، كأنْ تنقلب إلى حروب مصغّرة، صانعة لحروب أكبر. واضح، مثلاً، أنّ الضربات الإسرائيلية التي استهدفت الدفاعات الجوية للنظام السوري، بعد إسقاط الطائرة، لم تكن لها سابقة أشدّ في النطاق والنوعية إلا سنة 1982، خلال الغزو الإسرائيلي للبنان. واضح، في المقابل، أنّ سكوت طهران والنظام السوري وقاعدة حميميم الروسية، ثمّ الاتصال الهاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو؛ كان سلوكاً يتوسل التهدئة، وليس التصعيد.
الاعتبار الجوهري الأهمّ، في نظر القطاعات الأوسع من أبناء الشعب السوري، يتمثل في أنّ نظام «الحركة التصحيحية»، هذا «الشيطان» الذي حظي في الماضي برعاية إسرائيل وأمريكا وروسيا وإيران وتركيا، على حدّ سواء؛ هو المسؤول الأوّل عن خرائب الاحتلالات والمشاريع الراهنة، التي ترسف سوريا في أغلالها. وما يُنتهك يومياً إنما هو إرادة البلد واستقلاله وكرامته الوطنية، وما يُقصف ويُدمّر هو منشآت سدد السوريون أثمانها قسراً، طيلة عقود من حكم استبداد وفساد ونهب و»ممانعة» زائفة، على حساب حقوقهم في التنمية والتعليم والصحة والبنية التحتية السوية.
وليس أقلّ دلالة، ومضاضة ومأساوية، أنّ الطيران الحربي الإسرائيلي والأمريكي والروسي والتركي يواصل قصف أبناء سوريا، كلٌّ حسب ما يقتضيه مشروعه في البلد؛ وأنّ «الشيطان» دون سواه شريك غير صامت أبداً، ولكنّ ضدّ أبناء الشعب السوري، أولاً وأخيراً وحصرياً.

سوريا: مشاريع الاشتباك ومسميات «الشيطان»

صبحي حديدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Dinars:

    غُربة بين غُرباء في بلاد الغرب أهون من غُربة بين أهلِِ في بلاد العُرب.
    فالأرض كلها للإنسان وطنا أين يطيب فيها العيش أقِم حياتك. . ولكن هيهات كبلوك بالـ فيزا وإلا بلجوء يُسمح لك حتى تخمُد ويبلُوَ عقلك إن كُنت دُعاة الحرية.

  2. يقول سوري:

    منذ نصف قرن ونحن السوريين نعاني من خيانة، وظلم، وتعسف، وطائفية، وفساد هذا النظام المجرم، كما عانى الشعب اللبناني منه خلال ثلاثين سنة ايضا، وكذلك الشعب العراقي بتحالفه مع ايران في الحرب العراقية الايرانية ثم بتحالفه مع الامريكان في عاصفة الصحراء، وما انطلقت الثورة السورية المجيدة الا بعد ويلات وويلات من اعتقالات طالت عشرات الآلاف من الشعب السوري قضى منهم الالاف تحت التعذيب، ومن تفقير وتهميش لثمانين بالمئة من الشعب السوري كونهم يشكلون الاكثرية ولا يتماشون مع سياسته الطائفية، وكل سوري يعرف تمام المعرفة أن نظام ” الممانعة” لم يمانع ابدا في بيع الجولان السوري لأسرائيل مجانا مقابل الحفاظ على النظام، وقد توضح ذلك جليا خلال أكثر من اربعة عقود أنه لم تطلق رصاصة واحدة باتجاه اسرائيل، بل كان هناك تحالف غير معلن بين النظام المجرم واسرائيل, واليوم يخون نظام المجرم ابن المجرم بشار الكيماوي سورية باستقدام محتلين جدد لحماية نظامه من روس وفرس وميليشيات بمسميات طائفية لقتل الشعب السوري الثائر، هذا هو وجه نظام الاجرام السوري الحقيقي

  3. يقول سامح //الأردن:

    *الخلاصة؛ كان الله في عون الشعب
    السوري المنكوب والمظلوم (محليا
    واقليميا وعالميا ).
    سلام

  4. يقول سلام عادل(المانيا):

    هل هذا ما جناه النظام على بلده وشعبه ام شاركت المعارضة نفس الامر بامتثالها لاوامر الاجنبي والعربي في تدمير بلدها وتشريد شعبها بمعنى هل كانت تتوقع المعارضة ان نظام يحكم البلد بقبضة حديدية سوف يهرب من اول جولة ويترك البلد لهم

  5. يقول تونسي ابن الجمهورية:

    يجب أن نعترف جميعا ان الثورة فشلت و ان النظام فشل و ان سوريا الحضارة تحولت إلى دمار و خراب بفعل كل هؤلاء ….كيف يمكن لدولة مثل إيران و السعودية و ما لف لفهما ان يجلبا الحرية و الديمقراطية للشعب السورى ….النتيجة واضحة و لا غبار عليها ….اما أردوغان فلا يهمه لا الأسد و لا المعارضة كل همه الاكراد و امن تركيا و مصالحها و كيف تصور عكس ذللك….!!!! لدينا مثل فى تونس يقول …” ما يحكلك ظهرك كان ظفرك ” اى اتكلوا على أنفسكم و تحاوروا فيما بينكم و ضعوا اسس دستور مدنى و ابدؤا بناء دولة وطنية و تعلم الاختلاف و قبول الآخر مهما كان شكله و قبول المساواة بين الجنسين و حرية الضمير و المعتقد و ….و…..و….و بعدها ستأتى الديمقراطية و الحرية بطبيعتها ….الطريق طويل لكن يجب المرور من هناك ….تحيا سوريا تحيا تونس تحيا الجمهورية

    1. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

      ومن الذي قال لك يا أخي تونسي ابن الجمهورية أن الشعب السوري ركض خلف إيران والسعودية أو حتى تركيا الناس هربت إلى تركيا وهربت إلى لبنان والأردن … للنجاة بحياتها من الإجرام, والمثل عنا بيقول ” ما بحكك جلدك غير ظفرك ” !. تحيا الشعوب العربية ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر, ولنا الله ومالنا غيرك ياالله.

    2. يقول تونسي ابن الجمهورية:

      @أسامة: المعارضة و النظام كل واحد منهم أرتمى فى حضن ألد أعداء الحرية و الديمقراطية ….ايران و السعودية (و انا لا اضيف لك شئ فانت تعرف ذللك و بالتفصيل) …لكى يصفوا حساباتهم الطائفية فوق أرض الحضارة …و بالفعل شردوا الشعب السورى الذى لم يعد يلتفت له أحد و بالفعل الشعب السورى لم يطلب شئ من أحد ….عليكم لم شملكم و خاصة لا تتركوا أحدا يتدخل بينكم….تحيا تونس تحيا الجمهورية

    3. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

      من السهل يا أخي تونسي القول عليكم … هذا من جهة, ومن جهة أخرى أنا لا أرى أن الوضع في سوريا خاص بسوريا أو الشعب السوري, فالوضع هو كذلك لدى كل الشعوب العربية ولو بهذا الشكل أو ذك.

  6. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

    يا أخي سلام عادل, دائما هذا اللجوء إلى أو الذهاب خلف بعضاً من الحجج, لتغطية النظام وبالتالي حجب الحقيقة الأساس, حقيقة إجرام هذا النظام الفاشي الدموي وحتى كلمة استبدادي أصبحت لينة في وصفه. وهل تعتقد أن مرضاً خبيثاً كهذا النظام يمكن علاجه أصلاً (أي القبول ببقاءه بأي شكل كان), الشعب أراد الحياة لكن النظام أراد له الموت وماتبقى تفاصيل!. ولنا الله ومالنا غيرك ياالله.

  7. يقول خليل ابورزق:

    من السياسات المعروفة في تاريخ الامم تجنب تدهور الوضع الداخلي بواسطة خلق عدو خارجي تلتف عليه الامة. و كلنا شهدنا كيف التف الشعب بغالبيته بل الامة كلها حول عبد الناصر و حزب الله عندما كانوا في مواجهة العدو الحقيقي للامة و قكيف تناست الشعوب تناقضاتها مع هؤلاء الحكام و انظمتهم و مؤسساتهم.
    لماذا لم يدخل النظام السوري في مواجهة مدروسة مع العدو الاسرائيلي بدل من مواجهة شعبه فهل كانت الخسائر ستكون اكبر مما حدث؟؟ وهل كنا سنرى هذا التردي العربي بل التبجح بالخيانة على أنها حكمة؟؟ هل كنا سنرى هذه الاحتلالات الروسية و الامريكية و الايرانية و التركية في قلعة الصمود كما سموها؟؟

    1. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

      بكل بساطة يا أخي خليل ابورزق, النظام له صداقة ضمنية مع الدولة الصهيونية وهذا معروف, ومن جهة أخرى النظام لم يكن مهتما بالصراع (حقيقية) مع إسرائيل أصلاًً, لأنه أجبن بكثير من أن يفعل ذلك. مما يدل هو إجرامه ضد الشعب السوري, حيث يخفي عقيدته السياسية بالحفاظ على السلطة والتسلط وطبعاً مستهزءاً بالوطن والإنسان, وقد كان هذا برضى الدولة الصهيونيةوأمريكا نفسها, كما يمكن قراءته بسهولة من خلال كلام بشار الاسد ونظامه أوحاشيته.

إشترك في قائمتنا البريدية