سياسات مبارك تتكرر بنسخ كربونية تنقصها الاحترافية… والدولة تتأرجح ما بين شبه دولة ووطن مهلهل

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي» : في الصحف المصرية الصادرة أمس الأربعاء 4 يناير/كانون الثاني يختلط الأمر كثيرا وتتبدل الأولويات وتتعقد المسائل في الذاكرة الصحافية، حيث ما زال الهجوم على الرياض والدوحة وغزة على أشده، وعلى الرغم من رسائل التهدئة التي بدأت تنطلق في الفترة الأخيرة، والوفود الفلسطينية والخليجية التي تتردد على القاهرة، إلا أن آلة الإعلام العمياء ما زالت تؤجج المشاعر لتدمير أي سبل للمصالحة ولم الشمل العربي.
وقد استقبلت القاهرة مؤخرا شخصيات ووفودا من غزة، لكن المزايدة على أشدها بين عدد من الكتاب من أجل دفع صانع القرار المصري إلى أن يغلق قنوات الاتصال مع غزة والرياض، وسائر العواصم التي تعتري علاقتنا بها توترات أو خلافات في وجهات النظر. وفي صحف أمس استمر الاهتمام بحادث وفاة الأمين العام المستقيل وائل شلبي، ووقائع الفساد في تلك المؤسسة وغيرها من الكيانات السيادية. كما اهتمت الصحف على نحو خاص بلقاء السيسي بقيادات عدد من الجمعيات الأهلية وإعلانه دعمه لها في إطار ما تقوم به من مشاريع تنموية. ووفرت المعارك الصحافية وقودا رئيسيا لتلك الصحف في سعيها للحفاظ على ما تبقى لها من قراء وإلى التفاصيل:

جريمة في حق المرضى

ومن معارك أمس الأربعاء الصحافية تلك التي يتضامن فيها حمدي رزق في «المصري اليوم» مع دعوة فاروق جويدة في «الأهرام» بشأن رفض إضراب الصيادلة عن العمل يقول: «استأذن الكاتب فاروق جويدة في التداخل مع الدكتور صبحي الكردي، رئيس لجنة الصيدليات في نقابة صيادلة الجيزة، الذي أرسل إلى أستاذنا ردا مفزعا عن أزمة نقص الدواء، وأتوقف مصعوقا أمام ما ورد في رد الدكتور الكردي لخطورة الاتهام المخيف، الذي إن صح يستاهل محاكمة وزير الصحة، الدكتور أحمد عماد وكل من اتفق معه على إذلال الشعب والإدارة السياسية لكي يقوموا برفع الأسعار. نصا من رد الدكتور الكردي إلى الأستاذ فاروق جويدة، «أما عن أزمة الدواء الحالية فأتحدى أي مسؤول إثبات عكس ما أقول لسيادتكم، ألا وهو تم الاتفاق مع الوزير وشركات الأدوية لعدم توريد الأدوية الموسمية للشتاء والكحة والضرورية إلى الآن إلى كل منافذ التوزيع (مثل أدوية البرد ـ دولودي ـ رينامول ـ رينايرو ـ سامن آب) وأدوية الالتهاب الرئوي للأطفال ونقط الأطفال مثل (أميروكسول ـ وبنسلفون ـ وميكوسنتين) لإذلال الشعب والإدارة السياسية لكي يقوموا برفع الأسعار». فليعذر الأستاذ جويدة تطفلي على عموده اليومي، وقبلها أسجل تضامنا معه بالكلية في رفض قرار إغلاق الصيدليات جزئيا يوم 15 يناير/كانون الثاني في وجه المرضى، هذا عسف بالمرضى، وتنكيل، ولا يستقيم بأي حال مع رسالة الصيادلة، بل يؤشر على انعدام الإحساس بالمرضى واستخدامهم رهائن بشرية في معركة سياسية. ما ورد على لسان الدكتور الكردي أعلاه، جريمة متكاملة الأركان يتوفر فيها القصد الجنائي والاتفاق.. هل يتخيل عقل أن وزير الصحة المسؤول الأول عن توفير الدواء للمرضى يتفق مع شركات الأدوية على عدم توريد الأدوية الموسمية للشتاء والكحة والضرورية إلى الآن إلى كل منافذ التوزيع؟ هذه جريمة، أنتظر رد الوزير على هذا الذي يقول به الدكتور الكردي، معقول يصل الأمر إلى حدود الاتفاقات الإجرامية لعقاب الشعب، وإذلال المرضى، والضغط على الحكومة والرئاسة؟ الدكتور الكردي يتحدى في رده إثبات العكس.. هل يثبت الوزير العكس؟ وهل صار نقص أدوية الشتاء رهينة اتفاق خبيث بين الوزير والشركات؟ أإلى هذا الحد بلغ انعدام الضمير والمسؤولية بعدم توريد أدوية الأطفال؟ إذا كان هذا صحيحا أو خاطئا ننتظر بيانا من رئاسة الوزراء، بيانا واضحا جليا بتحقيق ما ورد على لسان الدكتور الكردي، وهو موجود ويمكن سؤاله وبيان ما يملكه من معلومات، الرجل يتحدى أي مسؤول.. هل يرد عليه مسؤول بعكس ما يقول؟».

ليس ترفا

لم يكن الحق في التداوي وتلقي العلاج نوعا من الترف، أو سلعة تكميلية للمواطنين، لكن كما يشير طارق عبد العال في «الشروق» تعد صحة المواطنين وحقهم الدائم في وجود رعاية صحية دائمة أحد أهم أساسيات قيام المجتمع بذاته، حتى إن تحولت بشكل من الأشكال إلى سلعة في ظل منظومة السعار العالمي والتكالب نحو سياسة السوق، ولكن عند حدود الحق في التداوي يجب أن تكون هناك ثمة حدود تقف عندها السياسات الخاصة، والسعي نحو المزيد من الربح أو بمعنى آخر يجب أن تكون السياسة الرسمية للدولة حريصة على توفير الخدمات الصحية بشكل أو بآخر للمواطنين، على ألا تتركهم سلعة أو لقمة سائغة في أفواه تجار الخدمات الصحية.
ففي ظل الأزمات الطاحنة التي يتحملها فقراء الشعب المصري، وأخصهم تحديدا بتحمل القدر الأكبر من المعاناة الاقتصادية والأزمات التي تعيشها الدولة، في ظل غياب سياسات واضحة وقادرة على إيجاد حلول مناسبة غير التحمل والدعوة إلى التقشف، لم تقف السياسات الرسمية عند ذلك، وإنما ترغب في زيادة العمق والخلل بينها وبين المواطنين بزيادة المعاناة في خصوص العلاج والتداوي. فبعد أن تم رفع أسعار الأدوية لمرات كان آخرها منذ أيام قليلة وبنسبة مرتفعة، قد يصير العلاج أو الدواء معها من الأمور محل الاختيارات الحياتية لدى المواطنين، إذ أن أكثرنا لن يستطيع الحصول على قائمة الدواء كاملة. جاء الإعلان عن رغبة الحكومة في بيع مجموعة من المستشفيات التي تسمى بمستشفيات التكامل وتحويلها إلى القطاع الخاص، وهو أمر يزيد من أعباء المواطنين، خصوصا بعد مراجعة أسماء المستشفيات المطروحة للبيع تجد أنها في مناطق ما بين شعبية وريفية، ما يدلل على أنها من المناطق الأكثر احتياجا لتقديم الخدمات وليس لبيعها».

لا أصدق أنه انتحر

قضية رحيل وائل شلبي تحظى بمتابعه واسعه بسبب تشابك خيوطها، فضلا عن وقائع الفساد المرتبطة بالجهاز السيادي، الذي كان يتولاه واهتمت «البديل» بتصريحات والد المستشار الراحل، الذي شكك، خلال لقائه في برنامج «العاشرة مساء» على قناة «دريم»، في الحادث قائلاً: «لا أصدق ذلك لأنه على خلق وعلى دين ويكره الحديث عن ذلك، وأنه أدى مناسك الحج العام الماضي». وقال شلبي: «ابني يعرف أن الانتحار حرام، وبعد تقدمه باستقالته توجه للجلوس في أحد فنادق القوات المسلحة، وقال لهم «إذا احتجتوني أنا موجود هناك، وتم القبض عليه ووضع في الرقابة الإدارية، وتم منع الاتصال به، وخضع للتحقيق لمدة 40 ساعة». وتابع: «لم يتضح أي شيء عليه، ومنعوا دخول أي ملابس له، وتوجهنا لزيارته ثاني يوم عرفنا أنه توفي وحسبي الله ونعم الوكيل في اللي قتل ابني». وأردف: «وائل أول أمين عام لمجلس الدولة وعمره 48 عاما، والصحف القومية رفضت نشر نعي له بدعوى أنهم تلقوا أوامر بذلك»، لافتا: «أنا رجل قانون وعايز رفع حظر النشر عن القضية، علشان نشوف ونعرف حقيقة وفاة ابني، وحسبي الله ونعم الوكيل في اللي اغتالوا وموتوا ابني».

نحارب الفساد ولا نقفل الشباك

«فيه حاجة غلط في طريقة تفكير عدد ليس بالقليل من المصريين، لأنه ببساطة كما يقر عادل السنهوري في «اليوم السابع» تفكير يثير الدهشة والغيظ أحيانا، وكشفت عنه قضية الرشوة الكبرى في مجلس الدولة، وانتحار أحد المتهمين في القضية، فالرقابة الإدارية هي التي كشفت القضية بتفاصيلها وأطرافها، واستدعت المتهمين، وقررت حجزهم للتحقيق، لمعرفة باقي أعضاء الشبكة، وعندما لا يحتمل أحدهم ويقرر الانتحار، تتدفق سيول الشكوك والتفسيرات حول الأسباب ومعظمها- إن لم يكن كلها- تشكك في الحادثة وتشير بأصابع الاتهام إلى الدولة. ويعبر الكاتب عن دهشته من كم هذه التفسيرات «السينمائية» على مواقع التواصل الاجتماعي وفي المنتديات العامة وفي الحوارات العادية بين الناس بشأن واقعة الانتحار. فالدولة والقيادة السياسية أعلنت الحرب على الفساد بلا هوادة، وحققت الرقابة الإدارية ضربات قوية خلال العام الماضي، ومازال ومع بداية العام الجديد ينتشر رجالها في كل مكان لكشف الفاسدين والمفسدين، وأعلن الرئيس السيسي أن لا أحد فوق المحاسبة، واصطحب معه في كل افتتاح لمشروع جديد الدكتور محمد عرفان، رئيس هيئة الرقابة الإدارية، وتوجيهه بالرقابة على المشروعات، لكن يبدو أن ميراثا ثقيلا من «عدم الثقة»، في ما تقوم به الدولة من مجهودات لمحاربة الفساد، تراكم عبر أكثر من 40 عاما، وترك بصماته في وجدان ونفوس المصريين للشك في كل شيء. إذا لم تحارب الدولة الفساد، هاجت الدنيا وأصبح الكلام عن الفساد المنتشر هو حديث الصباح والمساء، وإذا توفرت الإرادة السياسية لمواجهة الفساد والكشف عن القضايا، بدت لغة الشك في النوايا، يعني «كده مش عاجب ولا كده عاجب».

لهذا يتظاهرون

لماذا تمس قضية تيران وصنافير ذلك العصب الحساس لدينا، ولماذا نشعر بالثورة والغضب بهذا الشكل تجاهها؟ الإجابة عند محمد الصبان في «البديل»: «منذ سنوات وهناك العديد من القضايا كانت ومازالت تستحق وقفة غضب وتعبيرا عن الرأي والرفض الشديد، فنحن نعاني هبوطا اقتصاديا حادا وإجراءات تمس الحياة اليومية لهذا الشعب المطحون، بالإضافة لضغوط كبيرة سياسية وتضييق كبير وأيضا إخفاقات في كل المجالات، بالإضافة لحملات تشويه ممنهجة لكل مبادئ ثورة يناير/كانون الثاني. نعم لم يكن التشويه يطال فقط ثورة يناير كحدث يراه البعض مؤامرة، التشويه كان ممنهجا لتدمير تلك المبادئ التي رفعتها ثورة يناير، من عيش وحرية وعدالة، تأتي قضية تيران وصنافير من حيث أهميتها لتتربع على عرش القضايا الرئيسية في مصر، ليس فقط لكونها قضية أرض، وإنما لأنها تحمل بين ثناياها وبين سطورها كل القضايا وجذور المشكلات التي نعاني منها منذ سنوات.
تختلف هذه القضية جذريا عن أي قضية حدودية أخرى بين أي دولتين، بل حتى عن باقي قضايا مصر الحدودية لوضوحها الشديد وعدم التباسها لا تاريخيا ولا وثائقيا، إلا على المجادل والمنافق، فمنذ اللحظة الأولى التي بدأ الحديث فيها عن القضية وانبرى شرفاء مصر لإثبات الحق وتقديم الوثائق التي لم تجعل للخصم أي منفذ أو متنفس يستطيع أن يدعي من خلاله أنه على حق، ولكونها قضية أمن قومي مصري من الدرجة الأولى وليست مجرد نزاع حدودي، فهذه الجزر هي التي تحفظ لمصر نفوذها الاستراتيجي المسيطر، في الوقت الذي تعتبر إيران سيطرتها على جزر مضيق هرمز خطا أحمر، وفي الوقت الذي تخوض فيه دول التحالف عدوانا على اليمن من أجل السيطرة على باب المندب، وتدفع الإمارات المليارات من أجل السيطرة على جزيرة سوقطرة تتنازل مصر عن تيران وصنافير».

منقسمون للنهاية

«حالة الانقسام التي سادت الأحكام القضائية المتعلقة بالجزيرتين، ما بين أحكام تؤكد مصريتهما، وأحكام تقبل طعن الحكومة على تبعيتهما لمصر هو انقسام لو تعلمون عظيم، كما يصفه محمود خليل في «الوطن»، هذا الانقسام من المتوقع أن يشهده مجلس النواب أيضا. وقد بدت مؤشراته واضحة في الموقف الذي تبناه نواب «تكتل 25- 30» الذي رفض أعضاؤه ابتداء مناقشة المجلس الموقر للاتفاقية، في وقت لم تزل معروضة فيه أمام القضاء. دعك من هذه الأمور كلها، وانتقل إلى المسألة الشعبية. سمع المصريون عن موضوع تيران وصنافير في شهر أبريل/نيسان 2016، خلال زيارة الملك سلمان للقاهرة. وعقب الإعلان عنها ساد نوع من الانقسام ما بين مؤيد لها إلى حد الرقص بالعلم السعودي، وهناك من عارضها إلى حد التظاهر في الشارع، والرضا بالسجن كثمن معقول للغاية للدفاع عن مصرية الجزيرتين ولو كره «المتسعودون». كثيرون نسوا الموضوع بعد ذلك، والبعض احتفظ باهتمامه به، فتابع المعركة القضائية التي يخوضها فريق من المحامين الوطنيين ضد الحكومة، والبعض الآخر راهن على أن التوتر الذي شهدته العلاقات المصرية السعودية – قبل عدة أسابيع- تكفل بإغلاق هذا الملف برمته. فوجئ الجميع بعد ذلك بقرار الخميس الذي اتخذته الحكومة بليل، ولم يقابل القرار هذه المرة بـ«الاستقطاب»، بل قوبل بـ«الاستغراب»!. فاختلاف السياق لا بد أن يؤدي إلى اختلاف ردود الأفعال – وهو أمر يبدو أنه لا يدخل في حسابات السلطة- وهو ما حدث، فاندلعت مظاهرات الأرض من جديد في وسط البلد وأمام نقابة الصحافيين، وغابت الوجوه التي تتلفح بالعلم السعودي. هل تستوعب السلطة أنها بهذا القرار غير الدستوري وغير الواقعي وغير الواعي بسياق الحال وضعتنا أمام مشهد عاصف؟

ما أشبهه بمبارك

لم يغير السيسي شيئا في مصر، رأي يتبناه كثير من الكتاب من بينهم محمد محفوظ في «البداية»: «فقط أفرز ظاهرة صوتية كلامية متمكنة ومزمنة تمخضت عن شعارات غارقة في عبثها، «أد الدنيا» «تحيا مصر» «ثورة دينية» «نور عينينا» «مسافة السكة». لم يغير السيسي شيئا في مصر فتكررت سياسات مبارك بأوراق كربونية مستعملة لتتولد عنها نسخ تبدو مطابقة، ولكنها باهتة تنقصها الاحترافية. ومثلما تسلم مبارك مصر مُطهرة من هزيمة 67 ومزهوة بانتصارها في 73 الذي كان هو أحد أبطاله، ولها السيادة على كامل أرضها، إلا أنه أضاع كل ذلك بخلطة فاسدة من الحكم الذي يعتمد على التحديث المقتصر على البناء والإنشاء، المتغافل عن تطوير نظم الإدارة بجودة الأداء وكفاءة التشغيل ومكافحة الفساد، المعادي للعدالة والحريات باعتبارهما مزايدات. السيسي هو الآخر تسلم مصر وهي ثائرة على حكم مبارك ومتمردة على حكم الإخوان – وكان له الفضل في ترجمة هذا التمرد لخريطة طريق كانت ينبغي أن تنقل مصر لعتبات أبواب أحلامها – إلا أنه أضاع كل ذلك بخلطة منتهية الصلاحية من الحكم الذي تجاهل قوة الدفع الساحقة التي امتلكتها مصر بفعل ثورتها الأولى وموجتها الثانية، واستنسخ سياسات تحمل كل مؤشرات فشلها، واعتمد على النوعية ذاتها من الرجال والسيدات منزوعي السياسة ومنفذي التعليمات والتوجيهات لا غيرها».

السيسي طيب

نتحول نحو الثناء على السيسي ويتصدى له محمد صلاح البدري في «الوطن»: «يصرح الرئيس في كل مناسبة بأن الشعب ينبغي أن يقف بجانبه في الإصلاح الذي يريده، وأنه ينبغي أن يتحمل حتى تعبر البلاد تلك الفترة الحرجة، لقد اعتاد أن يطلب ذلك بلغة عامية سهلة، ويؤكد على مخاطبة الجمهور بياء المخاطب التي يعقبها وصف «المصريين»، في إشارة حميمية اعتادها الناس منه ربما حتى قبل أن يتولى الحكم، إنه نوع من شحذ الوطنية والانتماء في داخل المستمع، أو ربما نوع من استدعاء لشعبية يعرف جيدا حجمها بين مؤيديه، ويدرك أنه اكتسبها من إنقاذه للوطن من بين يدي الإخوان، الذين كانوا أبعد ما يكونون عن خانة الجنسية بمشروعهم الأممي. لم يخف بكل تأكيد على السيد الرئيس وأجهزته كلها خطورة التخلي عن الرشاوى السياسية للشعب المتمثلة في الدعم و«المنحة يا ريس»، وغيرها من وسائل التسكين التي استعملها من قبله، ولكنه اعتمد في رأيي على أن يظهر صدقه وإصراره أمامهم في نبرات صوته، وفي أسلوبه الذي لم يتغير منذ توليه الحكم وحتى الآن. يظل الرئيس عبدالفتاح السيسي مختلفا عن كل من سبقه في حكم هذا الوادي الطيب منذ عهد محمد علي حتى الآن، شاء من شاء وأبى من أبى، رئيس يرى أنه قد أتى لمهمة مقدسة لهذا الوطن، دون أن يضع في اعتباره معايير الاستمرارية كما فعل سابقوه. لقد تحملت شعبية الرئيس حتى الآن الكثير من القرارات المسكوت عنها لعقود سابقة، فهل ستحتمل أيضا الأيام المقبلة، التي يؤكد الخبراء أنها ستكون صعبة حقا؟».

وعد فوفى

أكد البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، أن الدولة وفت بوعودها وتم ترميم الكنائس التي أضيرت، كما وفى الرئيس عبدالفتاح السيسي بوعده وتم ترميم الكنيسة البطرسية في أيام معدودة، وأنه أدى الصلاة فيها مع أسر الشهداء في أول أيام العام الجديد. وقال البابا ــ في حوار مع «الأهرام» ــ أن تفاصيل حادث الكنيسة البطرسية محزنة وبعيدة عن الطبيعة المصرية الهادئة المسالمة. كما وجه كلمات قليلة إلى الشاب الذي فجر نفسه ولمن وراءه: «ربنا يسامحكم» وشدد البابا تواضروس على أهمية تلاحم المصريين قائلا: «غير مقبول بأي صورة وبأي وجه ومن أي شخص، المساس بعلاقتنا الوطنية داخل الوطن»، معربا عن تفاؤله الواثق بمستقبل مصر. وأشار البابا إلى أن قانون ازدراء الأديان يحتاج إلى مراجعة، وأن إلغاء خانة الديانة في جامعة القاهرة هو خطوة جيدة من أجل تحقيق المساواة وعدم التمييز».

السلطة تأكل أبناءها

«بعد وقف برنامج «مع إبراهيم عيسى» على قناة «القاهرة والناس» مساء الأحد الماضي، فإن الخاسر الأكبر ليس إبراهيم عيسى أو القناة كما يظن كثيرون، بل أطراف كثيرة حسب عماد الدين حسين في «الشروق» في مقدمتها الحكومة وسمعة الإعلام ومناخ الحريات والأمل والثقة في المستقبل. سيقول البعض ومن هو إبراهيم عيسى حتى تقول إن الحكومة ستخسر بسبب وقف برنامجه، هو إعلامي كبير ومتميز، وصاحب تجارب إعلامية متعددة ومتميزة أهمها تجربة جريدة «الدستور»، ثم اللون والأسلوب الخاص به في برامجه التلفزيونية المتعددة. هو أديب وروائي ومثقف من طراز رفيع، وقارئ جيد للتاريخ الإسلامي، ومهموم بالكثير من الهوايات والمشاغل، من أول تشجيع الزمالك إلى مستقبل الأمة العربية. أعرف عيسى منذ كنا زملاء في كلية الإعلام في جامعة القاهرة قسم الصحافة أوائل الثمانينيات، وأقمنا معا في المدينة الجامعية، ولم تنقطع صلتي به منذ ذلك الوقت. هل معنى ذلك أنه بلا أخطاء أو أن كل ما يقوله هو الصواب؟ الإجابة هي قطعا لا، هو صاحب رأي، وما يقوله هو ما يؤمن به، وبالتالي فهو أمر نسبي، قد اتفق معه اليوم وقد اختلف معه غدا، والرجل لم يزعم إطلاقا أنه يحتكر الحقيقة، دعم 30 يونيو/حزيران بقوة ثم اختلف مع بعض مساراتها بقوة أيضا، والفيصل في الحكم على ما يقوله للقارئ أو المشاهد أو المستمع. تحدثت معه أكثر من مرة خلال الأسبوعين الماضيين، وأنكر الرجل كل ما هو منسوب إليه بأنه أهان البرلمان أو أعضاءه أو رئيسه، وقال إن على من يشكك في كلامه العودة للحلقات المتاحة على يوتيوب. أخبرني أيضا أنه لم يقل إطلاقا على النواب إنهم نصابون أو أفاقون أو كذابون، فهو دارس جيد للتشريعات الإعلامية».

أضغاث أحلام

«بماذا تحلم في العام الجديد؟ هل يكون من المبالغة مثلاً، وفق سمير الشحات في «الأهرام» أن تحلم بأن تمسك بهاتفك المحمول، لتزف خبرا جميلاً للزوجة المترقبة، فتقول: « عندي لكِ خبر حلو يا حياتي»، فإن تعجبَت وسخرَت منك- أنت الذي ما حملت لها خبرا حلوا أبدا في حياتك – فقل لها بصوت واثق مجلجل النبرات: سأعود إلى البيت، ومعى لك هدية ثمينة، فانتظريني لدى الباب طبعا هي- وهي تنتظر- سوف يأخذها عقلها إلى توقعات لا حدود لها، وستناجي نفسها، كما سبق وأن ناجى مطرب العراق الراحل الفذ، ناظم الغزالى، حبيبته: أسُوارا.. أم دملجا من نضار.. أم ورودا.. أم عقيقا كمهجتي يتلظّى، ثم عند وصولك، ستكون المفاجأة أغلى وأروع من كل ما توقعَت، أو حلمَت به، حيث ستفاجأ بأنك أتيت لها بعشرة كيلوات سُكّر ( من أبو 7 جنيه الكيلو)، وساعتها ستهمس لنفسها: نعم.. هذا هو السبع الحقيقي الذي اخترتُ فتزوجتُ فأحسنتُ الاختيار .وقد يأخذنا الحلم إلى آفاق أرحب.. فتحلم حضرتك بأن ترفع سماعة الهاتف الأرضي في مقر عملك، لتبلغ الزوجة المهروسة في المطبخ هرسا، فتتمتم لها في صوت هو والغناء سواء: يا نور عينيّ.. لقد أعلنوا يا ست الكل أنهم تراجعوا عن رفع سعر البنزين، وإبقاء الدعم قائما حتى إشعار آخر، آن الأوان لسيارتنا المركونة في الجراج تنعى صانعيها، لتسير تشق عباب الطريق، بعد ركود أوشك أن يصيب بطاريتها بالصدأ وتحلم بأن الحكومة الميمونة قررت رفع رواتبنا إلى الضعف، لتدخل اللحوم مطابخنا، فنشم معا رائحة الشواء، ثم نغمض أعيننا، فنمصمص، ونتلذذ».

القتل باسمنا فتنة

أكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، خطورة الأوضاع التي تهدد ميانمار والتي تدور رحاها في ولاية «راخين»، ووصفها بأنها تفتقد كل المبررات الدينية والإنسانية والحضارية، وأنها غريبة حقا على شعب ميانمار، الذي كانت حضارته ودياناته مشاعل سلام للإنسانية وأضاف وفقا لـ«الأهرام»: «لا أعرف فتنة أضر على الناس ولا أفتك بأجسادهم من القتل والقتال باسم الدين تارة وباسم العرق تارة أخرى. جاء ذلك خلال أولى جولات الحوار الحضاري من أجل تحقيق السلام في بورما، الذي عقده مجلس حكماء المسلمين أمس، برئاسة الطيب، وشارك فيه عدد من الشباب الذين يمثلون الأطراف المعنية بالصراع في ميانمار لتحقيق السلام هناك، بعنوان: «نحو حوار إنساني حضاري من أجل مواطني ميانمار. كما شارك بعض السفراء والأدباء والمفكرين والإعلاميين، واستهدفت هذه الجولة التباحث حول سبل العيش المشترك، والوقوف على أسباب الخلاف في ميانمار، ومحاولة وضع حلول جذرية لإنهائه وترسيخ أسس المواطنة والعيش المشترك بين المواطنين».

البعبع سيأكلنا

«كنت مثل الجميع؛ أنظر إلى الجنائيين على أنهم بعبع يجب عدم الاقتراب منه، يعترف حمد جمال زيادة في «مصر العربية»، من واقع تجربته أن البعبع تهددنا به وزارة الداخلية، فالسجين الجنائي كان بالنسبة لي عبارة عن شخص غريب رسم وشوما غريبة على كل مكان في جسده. الجنائي الذي في أسطورة البعبع ينتظر الفتك بك، وهذا ليس صحيحا. يمكننا القول إن من يعاديهم قد يهلك، ولكنهم مثلنا يحبون، ويحترمون، ويفهمون، ويخافون، ويتمنون الحياة ويجرمون. الفرق الوحيد بين السجناء الجنائيين والسياسيين، هو أنه إذا تعذب مسجون جنائي حتى الموت، لن يهتم به أحد، نحن السياسيين وأصحاب الرأي نتعرض لـ1٪ مما يتعرض له الجنائيون، ولكن قد تغضب المنظمات الحقوقية وبعض أقلام الصحافة الحرة لأجلنا، هم لا يهتم بهم أحد. لو كنا نجلس في زنزانة وعددها وصل 40 سجينا ولا نستطيع العيش فيها، فنفس الزنزانة لدى الجنائيين تتسع لمئة شخص وأكثر. في إحدى المرات صعد رئيس مباحث سجن أبو زعبل السابق إلى العنبر السياسي، ومرّ سجين جنائي يوزع الجراية (الخبز) على الزنازين، ومن دون سبب، سحب «مشهور» برنيكة الخبز الفارغة منه، وضربه بها على رأسه، فارتطم سن البرنيكة برأس السجين الجنائي، ففتح في رأسه شقا عميقا؛ وكل ما حدث أن السجين كان يبكي، وينتظر طبيب السجن حتى يأتي أمام باب العيادة ليداوي رأسه؛ ثم يعود إلى زنزانته ككلب تعذب على يد طفل عديم التربية ومعقد نفسيا؛ وبالصدفة كنت أنتظر الطبيب، فقابلت السجين هناك، وأخبرني أنهم «كتبوا في محضره أنه حاول الانتحار» سألته «كيف قبلت ؟» قال: «نحن لا ثمن لنا، ولن يهتم أحد مثلكم، لو اعترضنا على شيء سيتركون علينا الكلاب السعرانة في الزنازين».

نهاية نتنياهو اقتربت

«العام الماضي شهد تراجعا كبيرا لنتنياهو مع توقيع الاتفاق الإيراني وعجز اللوبي الإسرائيلي عن تعطيله في مجلس الشيوخ، رغم أغلبيته الجمهورية، واستطاع أوباما وفقا لمحمد السطوحي في «الأهرام» بمهارة كبيرة أن يمنع التصويت أساسا على الاتفاق مستغلا وسائل إجرائية، بعد ضمانه تأييد الديمقراطيين في المجلس باستثناء قلة قليلة. لكن ظل القلق الإسرائيلي من أن يستغل أوباما الفترة القصيرة ما بين الانتخابات الأمريكية وتولي الرئيس الجديد لتوجيه الضربة الأقوى لحكومة نتنياهو في القضية الأساس لخلافاتهما، وهو ما حدث بالامتناع عن التصويت ضد قرار مجلس الأمن الأخير بشأن المستوطنات، وبالتالي فلم يكن موقف واشنطن مفاجئا تماما. ثم جاء خطاب وزير الخارجية جون كيري بعدها بأيام ليواجه إسرائيل بما لم تسمعه من قبل بشأن سياساتها التي قال إنها تنهي عمليا حل الدولتين. لكن كل ذلك ربما لا يعني الكثير في المحصلة النهائية، فهناك إدارة جديدة لرئيس منتخب (دونالد ترامب) يؤكد أن كل شيء سيختلف مع توليه السلطة، وخرج نتنياهو مستخدما الرئيس القادم لتهديد كل من يحاول الإضرار بإسرائيل، وقال إنه سيعمل معه على تقليل آثار القرار الدولي أو إلغائه. لكن نتنياهو لايزال قلقا. فطعنة مجلس الأمن قد لا تكون الأخيرة، وهناك تخوف من وضع إطار التسوية الذي تحدث عنه كيري أخيرا أمام مؤتمر باريس منتصف يناير/كانون الثاني قبيل نهاية فترة أوباما بخمسة أيام، يتم بعدها التصويت عليه في قرار جديد في مجلس الأمن، وهو ما سيضع نتنياهو وترامب أمام مأزق جديد، يقيد حركتيهما في الملف الفلسطيني، خاصة أن المؤشرات تؤكد توجه إسرائيل لضم الجزء الأكبر من الضفة الغربية (المنطقة سي)، مع إبقاء المستوطنات بما يحول دون وجود دولة فلسطينية حقيقية».

العدو اسمه «حماس»

في الوقت الذي نكتشف فيه العديد من الأنفاق، يتحدث البعض عن اتصالات مع حماس لإزالة الجفوة – وإن كان عباس الطرابيلي في «المصري اليوم» يسميها عداوة: «كيف يستقيم الأمر.. نساعدهم ونمد لهم أيدينا.. فيحفرون أنفاقا – وربما بأموال مصرية وبمواد مصرية، فهل نحن بهذه الدرجة من البلاهة، لا نعرف العدو من الصديق؟ ومنذ أيام أعلنت مصر عن اكتشاف نفق طوله 1700 متر «تخيلوا» وارتفاعه متران وعرضه متران، وفيه 6 فتحات تهوية، وبعضها للتمويه. وأمس أعلنت مصر عن اكتشاف العديد من الأنفاق هناك أيضا على حدودنا مع قطاع غزة. هكذا رغم كل جهودنا لمقاومة هذا الوباء، ورغم ما قيل عن حفر قناة مائية لمواجهة هذه الأنفاق، ورغم ما عاناه أهلنا في رفح من تهجير، بعيدا عن منطقة الحدود وما تحملناه ماليا، وما تحملوه نفسيا وزراعيا، ورغم كل خسائرنا فمازالوا في الجانب الآخر يحفرون الأنفاق ليهربوا من خلالها خيرات مصر من مواد غذائية مدعمة، ومن أدوية ومن وقود، وما يقومون بتهريبه من ناحيتهم إلينا من مخدرات وسجائر والأخطر من أسلحة، فهل بعد كل ذلك نجد من يتحدث عن المصالحة مع حماس؟ وهل نأمن جانبهم – ونحن في الأيام نفسها – التي اقتحموا فيها في يناير/كانون الثاني 2011 السجون المصرية وقاموا بتهريب رجالهم ومؤيدي سياستهم ممن هم على شاكلتهم؟ فهل يعيد التاريخ نفسه؟ نقول ذلك لأن حماس تحكم قطاع غزة كله بالحديد والنار، ولا يجرؤ شخص واحد على حمل «كومة من الرمال» دون إذن من حماس، التي تملك كل السلطة هناك.. فما بالنا بمن ينقل مخلفات حفر نفق بهذه المواصفات، أو يحرك المعدات اللازمة للحفر، ثم يقوم بتدعيم جدران هذا النفق – وغيره – وتزويده بالإضاءة ومعدات التهوية، وكذلك من يقوم «بإدارة عموم هذا النفق» من نقل البضائع والأسلحة والمخدرات وغيرها، وبالطبع كل ذلك يحتاج إلى معدات من سيارات وروافع، ثم من يقوم بتسويقها في أسواق غزة بكل مدنها وقراها».

سياسات مبارك تتكرر بنسخ كربونية تنقصها الاحترافية… والدولة تتأرجح ما بين شبه دولة ووطن مهلهل

حسام عبد البصير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية