تونس ـ «القدس العربي»:أثارت زيارة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى مصر الكثير من التساؤلات حول أهميتها وتوقيتها في ظل الظروف الأمنية المعقدة والمتشابهة التي يعيشها كلا البلدين، وتبدل الأوضاع لدى الدول المجاورة والمنطقة عموما وأثرها على خريطة التحالفات المستقبلية، على المستوى السياسي لدى القاهرة وتونس، فيما انتقد عدد كبير من السياسيين والنشطاء «الاستقبال غير اللائق» للرئيس التونسي في مصر، فضلا عن «زلة لسان» الرئيس المصري حين خاطب نظيره التونسي بقوله «فخامة الرخيص».
الزيارة، التي وصفها البعض بـ»زيارة الحيرة» لدى كل من القاهرة وتونس، قد لا تفضي إلى نتائج جديدة، على اعتبار أن خطاب الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره التونسي لم يقدم جديدا، وخاصة فيما يتعلق بالدعوة إلى تسوية سياسية في كل من سوريا وليبيا والتأكيد على دعم القضية الفلسطينية وتوحيد الجهود في محاربة الإرهاب، وغيرها من المواضيع المكررة خلال اللقاءات الرسمية الروتينية.
وإن كان بعض المراقبين يرى في هذه الزيارة محاولة لتجاوز «الفتور» الذي شاب العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة، فضلا عن احتمال استعانة تونس بالقاهرة لتحسين العلاقات مع الإمارات، رغم التأكيد المستمر من قبل الجانب التونسي على أن العلاقات مع الإمارات في «أحسن» أحوالها.
ويرى المحلل السياسي والدبلوماسي السابق توفيق وناس أن زيارة قائد السبسي للقاهرة في هذا التوقيت تهدف، بداية، إلى تحسين العلاقات التونسية المصرية التي شابها بعض «التعقيدات» خلال السنوات الأخيرة «وكان من الواجب أن تقع محاولة تصحيح هذه العلاقات وتحسينها، كما أن الزيارة جاءت في ظروف معقدة، وخاصة فيا يتعلق بعلاقة تونس المتوترة الآن ببعض دول الخليج، وخاصة الإمارات، ويتم الحديث حاليا عن طلب نوع من الوساطة أو المساعدة من مصر لتحسين العلاقات مع الإمارات».
وكانت مصادر صحافية تحدثت عن وجود أزمة «معلنة» في العلاقات التونسية الإماراتية، وخاصة بعد رفض السلطات الإماراتية منح تأشيرات دخول وتجديد إقامة التونسيين في البلاد، (في إطار الخلاف حول مشروع «سما دبي» ومشاركة حركة النهضة بالحكم) وهو ما نفته لاحقا كل من رئاسة الجمهورية والحزب الحاكم.
ويشير وناس في حديثه لـ«القدس العربي» عن وجود وضع «شديد التعقيد» تعيشه الدبلوماسية التونسية مؤخرا، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، مع التطورات الأخيرة التي تبعت التدخل العسكري الروسي والانفتاح المحتشم لدى بعض الدول الغربية تجاه بقاء الأسد مؤقتا، كطرف في أي تسوية سياسية مقبلة، إضافة إلى وجود عدد كبير من المقاتلين التونسيين في سوريا.
ويضيف «في السنوات الأخيرة تعقدت العلاقات مع سوريا، حيث تم قطع العلاقات في وقت مبكر، وثمة محاولة محتشمة لإعادتها الآن، وهذا ما يخلق تعقيدا جديدا، فإرجاع العلاقات مع نظام الأسد وعدم إرجاعها يسببان مشكلة عويصة للسلطات التونسية».
كما يتحدث وناس عن وجود أوضاع أمنية متشابهة بين البلدين فـ«مصر كتونس تواجه عمليات إرهابية وعدم الاستقرار، ولكن في المقابل فإن انضمام كل من مصر وتونس للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الآن ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في مقابل التحالف الذي تقوده روسيا للغرض نفسه، يطرح بدوره الكثير من الأسئلة حول مصلحة البلدين في الانضمام إلى هذا الطرف من دون ذاك».
ولكن ماذا يريد قائد السبسي من السيسي بالضبط، في ظل هذه التعقيدات الكثيرة لكلا البلدين؟ هل يتعلق الأمر بالوساطة مع الإمارات أم الوساطة مع نظام الأسد أم التحالف لتسوية الأوضاع الأمنية في الجار الليبي المثير للقلق والاضطراب؟
يجيب وناس بقوله الرئيس التونسي ذهب إلى مصر في «زيارة حيرة»، في وقت تعاني فيه مصر أيضا من «الحيرة» بالنسبة لمصالحها، وحقيقة الأوضاع الحالية لا تسمح لنا بمعرفة ما الذي يريده قائد السبسي بالضبط، فالأجندة والمصالح غير واضحة، وهناك تعقيدات في كل شيء بالنسبة لتونس ومصر، ويمكن القول إنها زيارة للتشاور فقط حول هذه التعقيدات أو المشاكل الكبرى».
ويضيف «باختصار، هذه الزيارة لا أعتقد أنها ستأتي بأشياء باهرة، والدليل على ذلك أن السيسي تكلم بالعموميات، ثم مباشرة نحا منحى اللجنة المصرية – التونسية المشتركة والعلاقات الثنائية والمعاهدات المشتركة والدعم المستمر للشعب الفلسطيني، يعني الأمور الروتينية المعروفة».
على صعيد آخر، أثار موضوع «الأخطاء» البروتوكولية خلال استقبال الرئيس التونسي في مصر، وخاصة فيما يتعلق بإيفاد وزير الصناعة المصري لاستقبال قائد السبسي و«زلة لسان» السيسي حيث خاطب قائد السبسي بقوله «فخامة الرخيص» وغياب العلم التونسي عن قاعة الاجتماع بين الرئيسين، عاصفة من الجدل لدى الطبقة السياسية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
وكتب القيادي البارز في حزب «المؤتمر» عدنان منصر (مستشار الرئيس السابق منصف المرزوقي) على صفحته بموقع في فيسبوك «ما وقع اليوم في مصر، من استقبال السيد قائد السبسي في المطار إلى الندوة الصحافية، هو إهانة لشعورنا الوطني كتونسيين».
وأضاف الإعلامي سمير الوافي «رئيس أم الدنيا يرسل وزيرا من مرتبة ثانية لاستقبال رئيسنا في المطار… وينسى وضع العلم التونسي وراء الرئيسين… ويرتكب زلة لسان مربكة وان كانت غير مقصودة… بينما كان قد ذهب بنفسه إلى المطار لاستقبال ملك السعودية الراحل وصعد إلى طائرته متجاوزا كل البروتوكولات وانحنى له تقديرا… فكيف يرتكب مثل هذه الأخطاء الرمزية البروتوكولية مع العظيمة تونس… الشمعة الديمقراطية الوحيدة في الظلام العربي؟».
ويعلق وناس على هذا الأمر بقوله «هذا بكل صراحة يسيء إلى تونس عموما، لأن قائد السبسي هو رئيس دولة ولا يزور مصر بصفة شخصية، وإن كان ذلك خطأ فهو خطأ كبير، وإن كان مقصودا فذلك أخطر، وقد ينم عن رسائل سلبية أرادت مصر أن تبلغها إلى تونس بهذه الطريقة غير المشرفة.
وحول الحديث عن احتمال زيارة السيسي لتونس «مرحبا به لأنه يمثل مصر وهي دولة كبيرة وهامة في الدول العربية، وأرجو أن لا تتصرف تونس في استقبال السيسي كما تصرفت مصر في استقبال قائد السبسي».
يُذكر أن بعض النشطاء انتقدوا «زلة لسان» للرئيس التونسي خلال المؤتمر الصحافي، حيث أكدوا أن آخر زيارة لرئيس تونسي لمصر كانت منذ أكثر من نصف قرن، من دون الإشارة إلى الزيارة التي أداها الرئيس السابق المنصف المرزوقي إلى القاهرة في منتصف 2012.
حسن سلمان
ربيع كونداليزا، خراب بيوت مصر وتونس.. الشمعة الديمقراطية الوحيدة في الظلام العربي؟!