لندن ـ «القدس العربي»: هل يشير دخول مئات من قوات المارينز الأراضي السورية إلى بداية تورط طويل في الحرب الأهلية؟ فلطالما ركزت الإدارة الأمريكية السابقة على مهمة محاربة تنظيم «الدولة» في العراق وسوريا، وهو الشعار الذي ترفعه الإدارة الحالية وبقوة: «سحق تنظيم الدولة من على وجه الأرض».
وفي وقت تشارك فيه القوات الأمريكية الخاصة بعمليات غرب الموصل أرسلت وزارة الدفاع وفي انحراف واضح عن المهمة الرئيسية قوات إلى مدينة منبج التي تبعد 85 ميلاً عن معقل الجهاديين في الرقة وذلك لحماية الحلفاء الأكراد وما تعرف بقوات سوريا الديمقراطية ضد تقدم القوات المدعومة من تركيا، الحليف التقليدي للولايات المتحدة وعضو الناتو. كما ظهرت قوات روسية في منبج ضمن اتفاق آخر لا علاقة للولايات المتحدة به. وانتشرت قوات تابعة للنظام أيضًا في القرى المحيطة بالمدينة التي تحولت لنقطة نزاع ساخنة وقربت الأطراف الدولية المتنافسة على سوريا من بعضها البعض.
مخاطر
وعلقت مراسلة صحيفة «واشنطن بوست» ليز سلاي أن وصول القوات الأمريكية والروسية فتح الباب لتكالب الدول الأربع على رسم الحدود في عدد من القرى الفارغ معظمها في نقطة بعيدة من سوريا. فالتحول الأخير في الحرب السورية المعقدة يشير لواحد من المخاطر على الاستراتيجية الأمريكية التي أعطت أولوية لحل عسكري وهزيمة تنظيم «الدولة «على حساب الحلول السياسية لنزاع واسع ترك أثرة على استقرار منطقة الشرق الأوسط.
ونشرت في الأيام الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، صوراً لدبابات أمريكية ومصفحات من نوع سترايكر وهمفي تتحرك في الريف الشمالي لسوريا وتحمل العلم الأمريكي. وتمركزت القوات في شمال وغرب مدينة منبج حيث يقاتل حلفاء الولايات القوات المدعومة من تركيا منذ أسبوع. وعلق المسؤولون في وزارة الدفاع (البنتاغون) على أن الظهور العلني للقوات الخاصة والتي لا يتجاوز عددها في سوريا عن 503 كان مقصوداً. فحسب المتحدث باسم البنتاغون الكابتن جوي ديفز، «نريد أن يكون لنا حضور واضح وأننا هناك» وطلب من كل الأطراف التركيز على العدو المشترك «داعش».
وأشارت الصحيفة لنزاعات تتخمر في مناطق أخرى من العراق وسوريا. فقد تدخلت القوات الأمريكية في الأيام القليلة لحل مشاكل بين فصيلين كرديين كلاهما يحظى بدعم غير مباشر من الولايات المتحدة بعد اندلاع القتال في بلدة سنون الواقعة في شمال ـ غرب العراق والتي تم طرد مقاتلي تنظيم «الدولة» منها قبل عامين.
وتظل مدينة منبج هي المثال الأول عن تدخل رسمي أمريكي لمنع الأطراف المتحاربة من مواجهة مباشرة. وبررت أمريكا وجود قواتها بأنها محاولة لـ»تطمين وردع» الأطراف المحلية من الاقتتال، وربما كان هذا دوراً جديداً في الحرب ضد تنظيم «الدولة» سيستخدم في بقية المناطق التي سيتم طرد الجهاديين منها.
ونقلت الصحيفة عن روبرت فورد، السفير السابق في دمشق حتى عام 2014 والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن ويدرس في جامعة ييل قوله إن عملية نشر القوات «محفوفة بالخطر». واعتبر السفير السابق التحول خطيرًا «فهو ليس تغيرًا صغيرًا في السياسة، إنه تحول كبير في السياسة». و»لم نقم أبدا بوضع جنود امريكيين بين فصائل سورية متحاربة أو الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق نار محلي». وتعلق سلاي أن نشر القوات لا يعتبر تحولاً عن سياسة إدارة باراك أوباما التي اعتمدت على قوات حماية الشعب والمقاتلين العرب ـ قوات سوريا الديمقراطية.
ولم تعلن إدارة ترامب بعد عن المراجعة التي طلبها الرئيس في 28 كانون الثاني/يناير في استراتيجية محاربة تنظيم «الدولة» إلا أن المسؤولين المطلعين على مجريات النقاش ألمحوا لإمكانية زيادة القوات الأمريكية واستمرار الاعتماد على الأكراد السوريين في قتال الجهاديين في سوريا.
وأعلنت البنتاغون يوم الأربعاء أن جنود المارينز من وحدة المارينز الاستكشافية رقم11. وتعلق سلاي إن التشوش حول منبج يشير إلى التناقضات في الاستراتيجية والتي ركزت على تسليح الجماعات المحلية كي تكون جاهزة لحرب تنظيم الدولة بدون الاهتمام بالتنافس المحلي بينها حسب أرون ستين، من المجلس الأطلنطي. وقال إن المسؤولين الأمريكيين في واشنطن ركزوا على تنظيم الدولة ووضعوا كل الأمور الأخرى على الرف.
ومن هنا تعتبر منبج صورة واضحة عن التناقض في السياسة، فقد كان النصر على تنظيم «الدولة» في آب/أغسطس 2016 بمثابة النصر الذي عزل الرقة عن الحدود التركية إلا أنه ترك المدينة تحت سيطرة قوات حماية الشعب في خرق واضح للتطمينات التي أعطتها أمريكا للمسؤولين الأتراك ان هذه القوات ستنسحب حالة تحرير المدينة. ولكنها لم تخرج وظلت تديرها.
وتعتبر الحكومة التركية قوات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي جزءًا من حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه جماعة إرهابية. كما أن موقع منبج الاستراتيجي غرب نهر الفرات منح الأكراد الفرصة لتوسيع منطقة الحكم الذاتي التي يعملون على إنشائها في شمال سوريا. وقامت القوات التركية بعد أسابيع من سقوط منبج بدخول سوريا ودعمت قوات من المعارضة تحت ظل «عملية درع الفرات». ولم تنجح محاولات أمريكا تخفيف القلق التركي عبر إنشاء ما أطلق عليها قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية التركية.
ورغم وجود قوات عربية فيها إلا أن هذه تشعر الآن بالقلق بعد قرار الأكراد تسليم قرى للنظام السوري. فهي عملياً تقوم بالقتال وتنتهي في حضن النظام. فقد جاء معظم المقاتلين العرب من صفوف المعارضة التي طردت الحكومة السورية من منبج. وفي النهاية دخلت القوات الأمريكية فوضى الحرب الأهلية. وكما علق ستين «هذه الحرب هي فوضى» و»لو قررنا الدخول إلى سوريا لمحاربة تنظيم الدولة فإننا سنقوم بخلق حطام كبير، فقد أقحمنا أنفسنا في حرب متعددة الوجوه». ويرى محللون أن إرسال قوات إلى منبج يعطي صورة أن ميل البيت الأبيض باتجاه منح البنتاغون صلاحيات واسعة في الحرب ضد تنظيم «الدولة».
وشعر القادة العسكريون بالإحباط من طريقة إدارة الحرب التي اتبعتها الإدارة السابقة التي قامت بالتحكم في قرارات الحرب حتى على مستوى القرارات اليومية. ومن هنا يعتبر دخول المارينز جزءاً من مهمة تحضير مدافع هاوتزر. وفي الوقت نفسه تحضر الولايات المتحدة لنشر قوات جديدة في الكويت كي تشارك في الحرب ضد تنظيم «الدولة» ولن يزيد عدد القوات عن ألف أو أقل. وتأتي التحضيرات في ظل الخيارات التي درسها المخططون العسكريون للحرب على الرقة والتي تتضمن زيادة في الدعم المدفعي ونشرت مروحيات أباتشي وسرعت في عمليات التدريب.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن المعركة على الرقة تشبه الحرب الجارية في العراق لاستكمال استعادة الموصل حيث ستتولى القوى المحلية الهجوم فيما أنشأت القوات الأمريكية قواعد عسكرية خارج المدينة لاستخدامها كنقاط لوجيستية ونقاط للمدفعية الثقيلة. ويأتي نشر قوات متحركة في الكويت لكي تكون جاهزة للمشاركة في الحرب كجزء من المراجعة المستمرة التي يقوم بها القادة العسكريون حيث تم نشر حوالي 6000 جندي في كل من العراق وسوريا يقوم معظمهم بمهام تدريبية واستشارية.
وتمثل المعركة على الرقة بمثابة تحد للرئيس ترامب فهو أمام خيار الاستمرار بدعم المقاتلين الأكراد وحلفائهم العرب وتركهم يتولون مهمة دخول مدينة ذات غالبية عربية بشكل يؤدي للموقف نفسه الحاصل الآن في منبج أو الاستجابة للمطالب التركية بمنع الأكراد من المشاركة. وقال مسؤول تركي يوم الثلاثاء إن واشنطن قررت المضي بدعم قوات حماية الشعب على حساب دعم المعارضة السورية.
دش
ويتزامن التحضير لمعركة الرقة مع احتمالات قرب انتهاء المعركة على الموصل بشكل سينهي وجود التنظيم في الإقليم الشرقي ـ العراق وعندها سيتوجب علينا إطلاق عليه اسم «تنظيم الدولة في سوريا» «دش» بدلاً من داعش الذي كان يشمل العراق. وفي هذا السياق كتب اندرو إكسوم في مجلة «أتلانتك» عن احتمالات سقوط غرب الموصل قائلاً إنه زار العراق مرتين بمعية وزير الدفاع السابق أشتون كارتر.
وفي كانون الأول/ديسمبر 2016 اخبر قائد قوات التحالف في العراق الجنرال ستيف تاونسند إنه يحس بضعف دفاعات التنظيم. وكان محقاً فمنذ زيارته استطاعت القوات العراقية السيطرة على الجزء الشرقي للمدينة بالكامل. ويشير الكاتب هنا إلى التعقيد السكاني الذي تمثله الموصل، فهي متنوعة عرقياً مع ان الجزء الغربي منها تسكنه غالبية سنية. وفي حالة طرد مقاتلي التنظيم ودفعهم نحو الصحراء القريبة فسيكونون طعماً جيداً للطيران الأمريكي. ومع ذلك فالخروج من الموصل سيكون صعباً على المقاتلين الذين اختاروا القتال حتى النهاية وتعلموا من دروس الهزيمة في منبج وسرت والفلوجة.
وعليه فستطول مدة الحرب وستزيد من إجهاد الجيش العراقي المتعب من حربه في شرق الموصل. ويقول إن المقاتلين لن يستطيعوا الهرب لأنهم لم يعرفوا أو تجاهلوا أنهم محاصرون وصاروا محشورين في الزاوية. وكما كان التنظيم يعمل في الماضي فقد كان ينسحب من مواقعه تاركا وراءه قوة رمزية للدفاع عن المدينة او البلدة لفترة حتى ينهي البقية انسحابهم لمناطق الدولة. إلا أن ما يجعل عام 2017 مختلفاً عن بقية الأعوام منذ ظهور الجهاديين على الساحة هو أنه لم تعد هناك مناطق يلجأ إليها المقاتلون الهاربون من الموصل.
فبعيداً عن بعض المناطق الصغيرة في وادي الفرات ودير الزور والرقة لم يعد هناك أمام المقاتلين خيارات للهرب. ويشير الكاتب هنا للصحراء كملجأ أخير للمقاتلين والمناطق السورية في الرقة ودير الزور.
فشل الروس
ويشير الكاتب إلى فشل الروس والقوى المتحالفة معهم في حرب تنظيم الدولة مقارنة مع الإنجازات التي حققتها القوى المتحالفة مع امريكا. ويقول إكسوم الذي عمل نائبا لمساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط «خلال خريف عام 2016 كان الجنرالات الروس الذين كنت أتفاوض معهم في سويسرا يتساءلون بشكل مستمر عن خططنا للموصل والرقة.
ولم يكونوا ناجحين في إقناع إيران وحزب الله لتكريس أعداد كبيرة من المقاتلين للدفاع عن قوات النظام المحاصرة في النقاط العسكرية في شرق سوريا. وبالتأكيد لم يكونوا ناجحين في إقناع أي من الشركاء- إيران وحزب الله ونظام الأسد للتركيز على قتال تنظيم الدولة وهو واحد من الأسباب التي جعلت التحالف الروسي غبياً». ويقول إن روسيا فشلت في الوقت الذي نجحت فيه القوات المدعومة من أمريكا، ولم تكن قادرة على الدفاع عن تدمر التي عاد إليها الجهاديون بعد أشهر من طردهم منها.
ويقول إن الوضع المثالي كان يقتضي قيام القوات العراقية بالدفع تجاه الموصل والسورية في دير الزور والمقاتلين الأكراد تجاه الرقة. وهو سيناريو لم يحدث. ويقول إن اختيار إدارة ترامب مراجعة السياسة مفهوم فقد قامت إدارة أوباما عام 2009 بمراجعة السياسة من أجل أفغانستان قبل زيادة عدد القوات هناك. وفي النهاية فإن أي قرار سيتخذه الرئيس ترامب ويتعلق بالحرب على تنظيم الدولة سيترك تداعياته على كل من سوريا والعراق. وفي هذا البلد يبدو ان أيام التنظيم أصبحت معدودة. ورغم أن خروجه من الموصل لن ينهي عملياته الحربية ولا إرهابه إلا أن عودة القوات العراقية للمدينة بعد أكثر من عامين ونصف عام سيكون انتصاراً كبيراً.
الإعمار
وعلقت مجلة «إيكونومست» في تقرير لها أن تصريحات القيادات العراقية عن إمكانية انهيار تنظيم الدولة قد تكون متعجلة إلا أن المعركة التي بدأت في الشهر الماضي تقدمت بوتيرة أسرع من عملية السيطرة على شرقي الموصل. وتشير إلى أن الجزء الأخير من المعركة سيكون الاصعب خاصة أن مقاتلي التنظيم سيحاولون الدفاع وباستماتة عما تبقى بأيديهم من أحياء في غرب المدينة.
ويعتقد جنود القوات الأمريكية الخاصة العاملة مع الأمريكيين أن هناك حوالي 500 مقاتل لا يزالون في داخل المدينة أما البقية فقد هربت أو قتلت أثناء القتال، في عملية جوية مدمرة. وتقول المجلة إن الأدلة واضحة من خلال جولة في شرقي المدينة حيث أشار المواطنون إلى بنايات مدمرة استخدمها الجهاديون. وقال معمر يونس، مدرسة اللغة الإنكليزية مشيراً لبناية «كانت مركز تسوق إلا أن داعش سيطر عليها وبعد ذلك دمرتها الطائرات». ويقول إن البعض مات نتيجة للقصف وهذا ما يحدث في الحروب مدافعاً عن الطريقة التي تعاملت فيها الطائرات الأمريكية والقوات العراقية مع التنظيم.
وتقول المجلة إن طرد الجهاديين من المدينة هو عملية واضحة إلا أن إعادة البناء ستكون عملية بطيئة وهو ما يظهره الحال في شرقي المدينة. فبعد 3 أشهر من تحريره يشعر سكان الموصل بالقلق والملل من عدم وصول الخدمات الرئيسية فلا ماء شرب وصل أما الكهرباء فمتوفرة من خلال المولدات الخاصة. ويقول محمد أحمد «لدينا الآمن الآن وليس كل الخدمات».
ويقول «لا توجد حكومة هنا» فيما يعيش محافظ المدينة في اربيل أما الشوارع التي حرثها تنظيم «الدولة» فلم يتم إصلاحها بعد ولا يظهر أن هناك أية منظمة دولية عاملة. وفشلت الحكومة المركزية بتقديم الخدمات الطارئة وتركتها للجيش أو للسلطات المحلية التي لا تعمل على ما يبدو.
ويتذكر محمد الذي يعبر عن رأي يشاركه بقية السكان كيف استمرت الطاقة الكهربائية بالعمل تحت ظل «الخلافة» حيث كانت متوفرة 24 ساعة حتى بداية الغارات الأمريكية. وهذا مقارنة مع 3 ساعات كانوا يحصلون عليها في ظل الحكومة الفاسدة. وتعلق المجلة إن السكان سيجدون أنفسهم في المكان السابق وهو البحث عن بديل عن الحكومة إن استمر فيها الفساد. ويعلق جنرال قائلاً «ماذا يمكننا عمله، ليس لدى الحكومة المصادر لإصلاح كل هذا، وسيتسغرق 12 عاماً او أكثر، ونحن بحاجة للمساعدة الخارجية».
وقد يلقي البعض عدم تحرك الحكومة على غياب الأمن، وهو كلام مبالغ فيه، فالجيش يسيطر على عدد من النقاط، وخلايا تنظيم «الدولة» نائمة إن كانت موجودة أصلاً، وظلت الميليشيات الشيعية بعيدة عن المدينة فيما يذهب الأطفال إلى المدارس بعد غياب عامين عنها. ورغم عودة المطاعم والمحلات للعمل إلا أن التجارة بطيئة.
ويقول محمد، وهو صاحب محل فلافل، إن عدم حركة السوق مرتبطة بعدم توفر المال لدى السكان. ومع اكتمال السيطرة على الموصل فستعيش «الخلافة» في الرقة المحاصرة أصلاً، ومن هنا فعمر التنظيم القصير والمتسم بالوحشية يقترب من نهايته. وعلى المدى البعيد فستعاني الموصل من مشكلة كبيرة. فقد تعاون عدد من سكانها مع المحتلين ولهذا فستشهد عملية تصفية حسابات. ويريد السنة الحصول على حصتهم الكاملة من السلطة في مدينتهم ومناطق محافظة نينوى. فيما يريد الأكراد جائزة على الدور الذي لعبوه. وتحتاج المدينة لإعادة إعمار. من هنا فتوفير الطاقة الكهربائية والماء الصالح للشرب قد يكون بداية العمل خاصة أن الصيف يقترب.
إبراهيم درويش