القاهرة ـ «القدس العربي»: بينما الحزن يخيم على مدن وقرى مصر، بسبب المذبحة المروعة التي راح ضحيتها المئات داخل مسجد الروضة في بئر العبد، تلقت القوى السياسية توجيهات الرئيس السيسي بإقامة نصب تذكاري أمام القرية التي شهدت الجريمة، بمزيد من الدهشة، إذ يرى الكثيرون أن الفقر الذي يفرد جناحيه على قرى سيناء منذ عقود لن تجدي معه إقامة نصب لأهالي القتلى الذين هم بحاجة في الأساس لظروف حياة آدمية، وهو الأمر الذي دفع الكثير من المراقبين للمطالبة ببناء مستشفى لأهالي الشهداء، كي يحصلوا على خدمات طبية حرموا منها طيلة زمن مبارك. ومن بين المنتقدين للقرار الإعلامي حافظ الميرازي قائلا «النصب التذكاري عمل أهلي أصيل يترك للشعب نفسه، وليس بفرمان ولا بتصميم عالمي.. ساعدوا العائلات بهذه الأموال بدل 200 ألف جنيه فقط للشهيد» حسب رأيه.
غير أن طرفا آخر من من الموالين للسلطة يرون أن مطلب السيسي يحمل بين طياته شعورا بحجم المعاناة التي عاشها الشهداء وأسرهم، والدور المنوط على الدولة القيام به نحوهم. وفي الصحف المصرية الصادرة أمس الاثنين 27 نوفمبر/تشرين الثاني، استمرت ردود الفعل الدولية المتضامنة مع مصر في الحادث الإرهابي الأخير، الذي ألم بها في مسجد الروضة في شمال سيناء. وتلقى الرئيس عبدالفتاح السيسي المكالمات الهاتفية من ملوك ورؤساء الدول، وتداولتها صحف «الأهرام»، و«الأخبار»، و«الجمهورية»، متضمنة تأكيد الرئيس المستمر عزم مصر على مواصلة جهودها للقضاء على الإرهاب والفكر المتطرف واجتثاثه من جذوره. واهتمت الصحف إلى حد ما بتكليف السيسي الجيش بإنشاء «نصب تذكاري عملاق، وفقا لأحدث التصميمات العالمية» تخليدا لذكرى شهداء هجوم مسجد الروضة. واهتمت الصحف المستقلة والمعارضة أيضا بحالة الحراك السياسي التي بدت تولد على استحياء محاطة بحصار من قبل أذرع السلطة. وإلى التفاصيل:
حكاية تستحق أن تروى
اختارت «الأهرام» تسليط الضوء على حكاية قتيل في مذبحة الروضة لتلقي التفاصيل على كيفية نجاة ابنه: «يقول محمود شقيق الشهيد محمد علي وعم الشهيد محمود، إن أخاه يعمل في الوحدة المحلية في الروضة منذ 30 عاما، ويعيش هو وأسرته هناك، فلديه ابنتان وولدان، اصطحب الولدين للصلاة، فاستشهد الكبير في الصف الثاني الثانوي وتوسل للجناة بقتله، وان يفتدي بروحه الصغير الذي كتبت له الحياة، ونفذ المجرمون ما طلبه، وجرى الصغير مسرعا، بعد أن رأى والده ينال الشهادة أمام عينيه، ولم تأخذهم بالأب رحمة ولا شفقة. وطالب العم بضرورة تدخل المسؤولين لنقل الصغار ووالدتهم إلى الشرقية، حيث تعمل الزوجة موظفة في الوحدة الصحية هناك، لأنهم يخشون عودتهم بمفردهم إلى الروضة. أما الصغير فهم يرفضون إجراء أي حوارات معه خوفا من بطش المجرمين القتلة. ويقول الحاج يحيى أحمد علي خال الشهيد أحمد إبراهيم حسن، إن أحمد كان يعمل مع غيره من أهل العزبة في الملاحات، حيث أن لديهم ما يقرب من 100 شخص يعملون هناك، واستشهد وترك 3 أبناء، أكبرهم 16 سنة وأصغرهم 3 سنوات، وزوجته ليس لديها مصدر رزق، فهي تعمل في الزراعة كلما تسنى لها ذلك، وبعد ما حدث سيتوقف كثيرون عن العمل هناك».
إسرائيل كانت هناك
«لا يستبعد عبد الناصر سلامة، وقوف إسرائيل وراء تنفيذ هذه الجريمة. وأوضح في «المصري اليوم»، أن هدف إسرائيل إفراغ سيناء كي تحتلها، لافتا إلى أنه «حينما يكون الحادث من الحجم الثقيل تتجه الأنظار إلى ما هو أكبر من الأفراد والجماعات». وتابع قائلا، حينما تتجاوز بصمة الحادث المستوى الإنساني أو البشري، يجب أن تتجه بوصلة التفكير إلى جهات على المستوى نفسه، وليس هناك ما هو أبشع من الصهيونية العالمية. وأضاف سلامة :لا أستطيع إعفاء إسرائيل أبدا من كل ما يجري على أرض سيناء، الأسباب في ذلك كثيرة، والرؤية واضحة، سوف أبدأ بما ذكره أحد المشايخ هناك في اليوم التالي للفاجعة التي شهدتها قرية الروضة في العريش، والتي كان ضحيتها أكثر من 300 مواطن، قال الشيخ عارف العكور في برنامج تلفزيوني على الهواء، وهو شيخ قبيلة العكور، والمتحدث الإعلامي باسم مشايخ سيناء: الحادث من صنع اليهود، في إشارة إلى إسرائيل، لكي يفرغوا سيناء ويحتلوها، على حد قوله. حينما يتحدث شيخ قبيلة في سيناء في أعقاب حادث كهذا الذي نحن بصدده، يجب أن نسمعه ونتعامل مع ما يقول بجدية، بل نسمع غيره من مشايخ القبائل. وحينما يقع أي حادث في أي مكان، كبيرا كان أو صغيرا، يبدأ البحث الجنائي أول ما يبدأ في التنقيب عن المستفيد، وحينما يكون الحادث من الحجم الثقيل تتجه الأنظار إلى ما هو أكبر من الأفراد والجماعات، وحينما تتجاوز بصمة الحادث المستوى الإنساني أو البشري، يجب أن تتجه بوصلة التفكير إلى جهات على المستوى نفسه، وليس هناك ما هو أبشع من الصهيونية العالمية، ولنا في تاريخ المجازر المسجلة باسمهم العظة والعبرة».
ما يجب عمله
«هناك ثلاث جبهات مفتوحة للصراع ضد الإرهابيين رصدها جمال سلطان في «المصريون»، إهمال أي جبهة من الجبهات الثلاث سيتسبب في وجود «ثقب» أو ثغرة في جدار المواجهة تخدم الإرهاب، وتضعف من حصاره وخنقه، والجبهات الثلاث هي : جبهة المواجهة العسكرية والأمنية لأن الرصاص لا يقابل إلا بالرصاص، وهو ما يشتمل أيضا على الخدمات المعلوماتية الدقيقة، ورصد التحركات المشبوهة. والجبهة الثانية هي الجبهة الفكرية، لأن المواجهة مع الإرهاب ذات طبيعة خاصة، فنحن لا نواجه عصابات لتجار المخدرات أو تجار السلاح مثلا، القصة معهم هي «بيزنس»، أو مكاسب مالية بحتة، وإنما نتعامل مع «عقول» تم حشوها بأفكار خطيرة يمكن أن تصل بأحدهم إلى أن يفجر نفسه في موقع أو جمع من الناس، وفي الوقت ذاته قدرة الدولة على تعزيز الحاضنة الشعبية لها واصطفاف الجميع معها بيقين وثقة في تلك المواجهة، جبهة المواجهة الأمنية والعسكرية قتلت كلاما وبحثا، المشكلة الحقيقية الآن أن لدينا قصورا شديدا في الجبهتين: الفكرية والسياسية. في الجبهة الفكرية تقع السلطة في أخطاء يصعب تصور الوقوع فيها في أي معيار عقلي أو منطقي، ففي الوقت الذي كان الأزهر يقوم فيه بجهده في دحض أفكار الإرهاب ومرجعياته، وتفنيد حججه ونشر الفكر الوسطي، تقوم جهات رسمية بتحريض بعض الأقلام ونواب البرلمان لشن حملة مريرة لإهانة الأزهر وشيخه، وهو ما يصب في النهاية في صالح قوى الإرهاب والظلام، لأن أحد الجدران العالية التي تعوق حركتهم يتم هدمه أو إضعافه، وهناك من يتصور أن قوة الدولة تعني سيطرتها على جميع المؤسسات وهذا في الحقيقة إضعاف للدولة نفسها».
إسرائيل تبكي علينا
«خرج علينا افيخاي أدرعي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ليقول والدموع تكاد تتساقط من عينيه «إضاءة مبنى بلدة تل أبيب بألوان العلم المصري تضامنا مع ضحايا العمل الإرهابي الجبان في مسجد الروضة حيث قتل الإرهابيون المصلين الركع السجود». وأضاف وفقا لحسن الزناتي في «الأهرام»، «الإرهاب طريق ظلام ومعا ضد الإرهاب»! هكذا تضامن معنا المتحدث الصهيوني ودولته، ونحن من تضامنه براء، فالكل يعرف من هو الإرهابي الحقيقي لما يجري في منطقتنا العربية، وأن إسرائيل هي أصل الإرهاب في المنطقة، وهي اليد الطولى على مدى تاريخها لبواعث الهدم في بلادنا، ومخرجة مشهد الخراب العربي الحالي بالتضامن مع حلفائها، بينما الدولة العبرية تنعم بهدوء واستقرار لم تشهده على مدى تاريخها. إن دموع التماسيح التي أراد أن يسكبها المتحدث الإسرائيلي لن تنطلي علينا، وسنبقى على وعينا بأن إسرائيل هي العدو الذي يحرك كل الأصابع الخفية والظاهرة أمامنا لمحاولات الهدم والخراب وإسقاط الروح المعنوية للمصريين، وستبقى دولة آل صهيون هي الراعية الأولى والحاضنة والمخططة بأيدي آخرين للإرهاب، سواء كانوا يرتدون الجلباب أو مطلقين اللحى، أو.. أو.. إن جرائم الحرب الأولى تعلمها الإرهابيون على يد إسرائيل، بدءا من بحر البقر ومرورا بمجزرة عرب المواسي وصبرا وشاتيلا، وقانا، وحتى مجازر الأقصى والحرم الإبراهيمي وكفر قاسم. وها هم الإرهابيون يكررون الدرس، بأدوات عسكرية لا تقل كثيرا عما استخدمته إسرائيل، وبتدريب وتخطيط محترفين لا هواة. نعم إسرائيل تنعم الآن بالهدوء وتعرب عن شماتة خفية لدماء شهدائنا، ولكن المشهد لن يبقى طويلا، وسيأتي اليوم الذي سنضحك فيه كثيرا على ما تبقى من الدولة الصهيونية.. ولن يكون مجرد حلم».
فلتكن حربنا الخامسة
«لا نريده انتقاما وينتهي أمره بعد الإعلان عن مقتل عدد من الإرهابيين. هكذا يصرخ فراج إسماعيل في «المصريون»: «الآن جاء وقت حرب حقيقية ولتكن حربنا الخامسة بعد 48 و56 و67 و73 بالإضافة إلى معارك الاستنزاف. دماء المصريين جميعهم تغلي من المجزرة البشعة في مسجد قرية الروضة، ولن يهدأ الغضب بدون الدخول في حرب مدروسة ومؤثرة، تنهي تماما «داعش» وغيره من المجموعات المسلحة في سيناء. العراق لم يقض على هذا التنظيم الأسود إلا بحرب معلنة، أشبه بالغزوات انتهت بانتصار الجيش وحلفائه من الميليشيات الشعبية والأكراد، وهو ما يجب أن نبني عليه خططنا، بحيث لا نلدغ من جحر الإرهاب مرات أخرى. أكثر ضحايا مجزرة مسجد الروضة، من أبناء قبائل سيناء، لاسيما قبيلة السواركة، ومن هنا استبعد ما تردد من تحليلات أولية بأنها استهداف للصوفيين، كون أن أغلب سكان القرية ينتمون لإحدى الطرق الصوفية، لو صح ذلك لكانت كل القرى المصرية مستهدفة. لا توجد قرية واحدة لا ينتمي سكان فيها لطريقة صوفية. قرى الصعيد كمثال ينضوي بعضها في طرق صوفية، وتحتضن أضرحة أيضا. الدواعش بجريمتهم النكراء أعلنوا حربا مباشرة وصريحة على قبائل سيناء في مسعى لتركيعها، وإجبارها على إيوائهم وعدم التعاون مع الدولة. حاول داعش طويلا خلق ظهير شعبي في المناطق التي يوجد فيها ليكون حاضنا له كما فعل في العراق وسوريا، ولتسهيل تجنيد آخرين وإيجاد مصادر التمويل والتسليح والملاذات. هذا التنظيم لا يستمر بدون ملاذات تأويه، ومن خلال الملاذات يسيطر على الأرض ويقيم دولته. حدث هذا في الموصل والرقة والأنبار ومصراتة، وعندما فقد الملاذات والظهير الحاضن سقط بسهولة».
الساجدون بلا حماية
«مؤكد أن «مذبحة الساجدين» كما يسميها محمود خليل في «الوطن» التي شهدها مسجد الروضة في العريش يوم الجمعة الماضي ستشكل محطة فاصلة في مسار المواجهة مع الإرهاب، يختلف ما قبلها عما بعدها. حتى الآن لم تعلن مجموعة إرهابية معينة مسؤوليتها عنها، لكن أيا كان من فعلها فقد وصل بالمواجهة إلى حافة الهاوية. الحدث كان ضخما واستثنائيا بكل المقاييس، قياسا إلى عدد الشهداء الذين سقطوا فيه (305 شهداء)، وتمركز أغلبهم في واحدة من أكبر القبائل السيناوية، ناهيك عن التجرؤ على حرمة المساجد وإراقة الدم الطاهر للمصلي، بدون احترام لقداسة المكان، والقسوة الواضحة التي نُفذت بها العملية، حين لم يرحم مرتكبوها طفلا ولا شيخا ولا امرأة ولا رجلا. عملية إرهابية بهذا الحجم لا بد أن تضع حدا فاصلا بين ما قبلها وما بعدها. المجموعة التي نفذت هذه الجريمة أحدثت شرخا في مركب الإرهاب في مصر. ومن المعلوم أن هناك مجموعات إرهابية متنوعة ظهرت على الساحة المصرية خلال السنوات الأخيرة، كان أبرز ما يجمعها التوحد ضد قوى الأمن المدافعة ـ من وجهة نظرهم ـ عن النظام الحاكم، وبالتالي وجهت أغلب عملياتها إلى عناصر مكافحة الإرهاب. والتجربة تقول إن أول تنظيم بدأ يتوجه نحو سفك دماء المدنيين هو تنظيم «داعش» عبر عمليات التفجير التي قامت بها عناصره ضد المصلين في الكنائس. اليوم أصبح الجميع في مرمى نيران الإرهاب، لا فارق في ذلك بين مدني وعسكري، أو مسلم ومسيحي، أو مدني يسير في الشارع، أو يركع ويسجد لله داخل مسجد. الجهة أو المجموعة التي قامت بتنفيذ مذبحة الساجدين في مسجد الروضة وضعت نفسها في مواجهة هؤلاء جميعا. وهو تحول سيكون له تداعياته على مجمل المواجهة خلال الأشهر المقبلة».
النصب التذكاري ليس حلا
الرئيس كلف بإعداد نصب تذكاري لشهداء المذبحة في منطقة بئر العبد، يخلد أسماء الشهداء للتاريخ.. وهو الأمر الذي يستحسنه محمد أمين في «المصري اليوم»، ولكن على حد رأيه: «ليس بالنصب التذكاري وحده نحتفي بالشهداء.. فهناك اقتراح من الدكتور شريف عبدالعال، أستاذ جراحة الأورام المعروف ـ بإقامة صلاة جامعة في مسجد الروضة نفسه، وفي جميع المساجد والميادين العامة في المحافظات، تنقلها الفضائيات. ولا يتوقف اقتراح الدكتور شريف على المساجد فقط، ولكن اقتراحه يمتد أيضا إلى كنائس مصر.. وتضاء الشموع عقب الصلاة في دور العبادة المصرية، وتوضع باقات من الزهور على مقابر الشهداء.. على أن تقوم البعثات الدبلوماسية في الخــــارج بدعوة دول العالم للصلاة من أجل شهداء ومصابي حادث الروضة، الذي اهتزت له المشاعر الإنسانية.
واعتبار يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني يوما عالميا لنبذ ومكافحة الإرهاب الأسود. وأضم صوتي هنا إلى صوت الدكتور شريف عبدالعال، لوضع هذا الاقتراح موضع التطبيق.. فكل الناس تذهب للصلاة في هذا اليوم.. والأمر لا يحتاج إلى تكلفة مادية، لكنه يقدم رسالة سلام وتسامح.. ويقدم صورة مصر الحضارية.. ونشرح للعالم أن مصر آمنة.. وأنها في معركة ضد الإرهاب، وأن حادث الروضة لا علاقة له بالمقاصد السياحية.
وأرجو أن تتحرك الدولة فورا للاستفادة من هذا الاقتراح. ولا يفوتني أن أذكّر أن مجزرة مسجد الروضة ينبغي ألا تُنسى.. فقد راح ضحيتها ربع سكان القرية، كما أشارت صحيفة «واشنطن بوست».. فلا تنسوا أن الضحايا في بيئة بدوية محدودة السكان.. هذه القرية قوامها 2000 مواطن، وبالتالي فالضحايا عدد لا يستهان به.. كما أنه الأكبر في تاريخ حوادث الإرهاب في البلاد».
يقاتل وحيدا
«أعلن السيسي أن مصر ـ التي تكافح من أجل حياة كريمة لشعبها ـ تقف وحدها في حربها ضد الإرهاب الأسود الذي أصبح يهدد أمن واستقرار العالم. وإذا كان كبرياء الرئيس وفق ما يصفه جلال دويدار في «الأخبار» الذي يجسد عظمة وشموخ مصر، قد منعه من أن يقول لهذا العالم أن غالبيته تعاني من آفة النفاق التي تجعلها تختار أن تكون متفرجة على هذه الحرب الشرسة التي تخوضها مصر بالنيابة عنها، فإنه حان الوقت لأن نقولها واضحة جلية، إن مصر.. لا تريد مواساة أو إدانات للجرائم الخسيسة التي يمارسها الإرهاب ضد شعبها؟. إنها تريد تحركات صريحة وأمينة.. ومشاركة فاعلة ضد هذا الإرهاب، إذا كانت هناك حقا رغبة صادقة في القضاء عليه. نريد من هذا العالم خاصة تلك الدول الكبرى التي تمطرنا كل يوم بعبارات العداء للإرهاب، أن تتسم مواقفها بالشفافية ضد هذا الإرهاب التي كانت وراء ظهوره وانتشاره. إنها مطالبة بأن يكون لها مواقف حاسمة وباترة تجاه الدول التي تدعم وتمول وتساند هذا الوباء الذي داهم العالم.. وهو أمر معروف لا يحتاج إلى ذكاء أو جهد. كم أرجو أن تتجرد هذه الدول من تآمرها وأنانيتها وتسائل نفسها عن الكيفية التي أتاحت لهذا الإرهاب الحصول على السلاح والتمويل. لم يعد خافيا على أحد أن هناك من يقوم بهذا التمويل والتخطيط والتحريض على هذه العمليات الخسيسة التي لم تبرأ منها حتى الدول الداعمة للقائمين بها. ليس من توصيف لهذا السلوك سوى أن ما تقدمه هذه الدول ـ المريبة التوجهات ـ لهذا الإرهاب هو الذي كان وراء مذبحة روضة بئر العبد وضياع أرواح 305 شهداء».
فلنصلِ في الروضة
دعوة يقدمها محمود الضبع في «اليوم السابع»: «إحنا فعلا لازم نروح كلنا نصلي الجمعة الجاية في قرية الروضة في مركز بئر العبد في العريش في شمال سيناء.. العالم كله لازم يعرف إننا مش بنخاف من حد مهما حصل، لا نخاف من إرهاب ولا من غيره، ومحدش حيقدر يوقفنا عن حلمنا وطموحنا، على قدر وجعنا في استشهاد ولادنا وإخواتنا وجدودنا في حرم مسجد الروضة، على قدر ما أن صلابة هذا الشعب قادرة على حماية هذا الوطن مهما كلفه الأمر من تضحيات.
أتمنى أن يكون وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة خطيبا على منبر مسجد الروضة في هذه الجمعة وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب إماما للمصلين من كل بقاع مصر. لم أتعجب عندما أعلنت عن مبادرة توافقت عليها مع الصديق عوض الغنام بطلب بعض الأصدقاء المسيحيين رغبتهم في التوجه معنا لحضور صلاة الجمعة في مسجد الروضة.. فالأصالة المصرية وماء النيل وهواء الوطن طعمني وطعمه بالإخلاص وحب الوطن. أتمنى أن يصطف كل من هو مصري مخلص من كل قرية ونجع ومركز ومدينة وحي راق وحي شعبي.. يرفع الآذان وتقام الشعائر داخل أطهر مكان عطرته دماء الشهداء».
المراهنة على المجهول
«لا يوجد أي تفسير منطقي للمجزرة الإرهابية في مسجد الروضة في بئر العبد حسب رأي محمد عصمت في «البديل»، إلا بأحد ثلاثة سيناريوهات، الأول أن يكون من ارتكبوا هذه الجريمة من الخلايا الأشد تطرفا داخل تنظيم «داعش»، أو المنشقة عليه وتكفر كل من لم يتفق مع أفكارهم، والثاني أن يكون وراء الحادث تنظيم متطرف جديد جاء من إحدى الدول العربية، أو كانت خلاياه نائمة في سيناء ويريد أن يعلن عن نفسه بهذه الطريقة، والثالث أن تكون أجهزة مخابرات إقليمية أو دولية متورطة في الحادث، سواء بالتجنيد أو بالتمويل أو كليهما، لتفجير العنف بين المذاهب الإسلامية نفسها، وليس بين المتطرفين وأجهزة الدولة أو حتى الأقباط كما كان الحال سابقا.
خطورة تفجير مسجد الروضة أنه يدشن سابقة جديدة تماما على أجندة الإرهاب في مصر، فالرسالة الأولية التي تقدمها هذه العملية الإرهابية هي أن التنظيم الذي قام بها يضع الفرق الصوفية في مرمى نيرانه، باعتبارهم كفارا، وهو ما يفتح الباب أمام استهداف التنظيم للمساجد التي يؤمها المتصوفة في احتفالاتهم في جميع أنحاء مصر، وهو ما لم تفعله أي من التنظيمات المتطرفة منذ السبعينيات وحتى الآن، رغم خلافاتها الفقهية الجذرية والعميقة مع أبناء الفرق الصوفية، كما أنه يفتح الباب أمام استهداف التنظيم لفصائل من السلفيين، فضلا عن المواطنين
العاديين الذين لا يؤمنون بأفكاره المتطرفة أو يختلفون معها اختلافا جذريا.
أيا كان الأمر، فإن اتساع نطاق المستفيدين من هذه العملية سواء في إسرائيل أو لدى دوائر أخرى مرتبطة معها، يجعل احتمال تورط أجهزة مخابرات في الحادث مفتوحا على مصراعيه، في ظل صراعات سياسية طاحنة تموج بها المنطقة حول إعادة تشكيل دولها على أسس جديدة توسع بها من دوائر نفوذها، وشبح حرب طائفية بين السنة والشيعة يسعى كثيرون لإشعالها، في ظل أحاديث مبهمة عن «صفقة قرن» لا أحد يدري على وجه التحديد أولها من آخرها ، وتتناقض التفسيرات والاجتهادات بشأنها. نحن نحتاج بجانب الاستعدادات الأمنية إلى فلسفة جديدة للحكم، وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية فى صنع القرار السياسي والاقتصادي، وإقامة مشاريع تنموية واسعة في البؤر الفقيرة. باختصار، الديمقراطية هي سلاحنا الحقيقي والفعال لمواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه، وإلا فإننا سنظل نراهن على المجهول».
قائد خط الجمبري
ومن معارك الاثنين ضد السلطة ما شنه يحيى عبد الهادي في «الشعب»: «كان القلبُ يَنزف وهو يتابع ضابطا يُعَّرِفُ نفسَه بكل جِدِّيَةٍ بأنه قائد خط الجمبري.. ليتدفق بعدها بحرٌ من السخرية التي تطعن الوجدان.. ليس كلُ مَن سَخِر من حديث الجمبري ممن يكرهون الجيش، بل أحسب أن معظمهم كانوا ينزفون نِكاتِهم كالذي يضحك على بَلواه إلى أن يذرف الدمع. إنه الضحكُ الذي كالبُكا، الضابط لم يُخطئ قطعا، هو كأي ضابطٍ (وقد كُنَّا مِثلَه ذات يومٍ) يعتبر نفسه مقاتلا وهو ينفذ المهام المُكَّلَف بها.. يستوى في ذلك أن تكون دفاعا عن حدودٍ، أو مقاومة لإرهاب، أو تغليفا لأسماك، تتلبسه روح المقاتل الذي ليس أمامه إلا الإنجاز، ولو كانت تكلفته الشهادة. المُشكلةُ ليست فيه وإنما فيمن كَلَّفَه، والله لم يُسئ للجيش إلا مثلُ هذا الرجل الذي أَصَّر على أن يربط بين شخصه وبين الجيش الذي هو أكبر من كل الرؤساء، وهو ربطٌ خبيثٌ لم يرتكبه أَي ممن سبقوه من الرؤساء ذوي الخلفية العسكرية.
مفهومٌ أن مصلحة أي شخصٍ أن يخلط بين أدائه وأداء الجيش، فكل نجاحٍ لهذه المؤسسة الوطنية سيُنسَبُ له، لكن مكمن الخطورة أن الجيشَ سيُحَّمَلُ ظُلما أخطاء هذا الشخص وخطاياه.
أكاد أُجزم الآن أن الإخوان (أو غيرهم) لو أرادوا الإساءة للجيش ما فعلوا أكثر مما يفعله هذا الرجل الذي يُمدُّهم كل يومٍ بمادةٍ للإساءة، ويُصِّرُ على تأكيد (العسكرة) بشكلٍ لم يحدث إلا في مقدمات نكسة 67.. ودَقَّ إسفينا لا مُبرر له بين شعبٍ يُحِّبُ جيشَه وجيشٍ نُحَمِّلُه بما هو فوق طاقته ونُقحِمُه في غير دوره، دور الجيش أن يحمي بكفاءةٍ كل أنشطة الدولة المدنية، لا أن ينافسها».
مؤسف أن يكون هكذا
«نجح النظام ـ ولو بدرجة ما ـ كما يعتقد حازم حسني في «مصر العربية» في خلق التناقض بين مفهومي الاصطفاف الوطني والمواجهة السياسية للنظام، وكأنهما شاطئا نهر لا يلتقيان… بيد أن بين المفهومين جسرا صار أغلب المصريين يقفون عليه حائرين بين الشاطئين، تغريهم شعارات الوطنية بالتوجه نحو شاطئ الاصطفاف الوطني وراء القيادة السياسية، ويغريهم واقع حياتهم بالتوجه نحو شاطئ مواجهة هذه القيادة! يغفل أغلب المصريين عن حقيقة أن العلاقة بين المفهومين تشكل خليجا ـ أو شرما ـ تلتقى ضفتاه في أرض مشتركة لا تحتاج جسورا نتوه فوقها ونحن نحتار بين المفهومين، وهي الأرض المشتركة التي يخشاها كل نظام فاسد لا يجد بقاءه إلا بإجبار عامة الناس على الاختيار بين المفهومين؛ فإما أن يصطف الناس وراء النظام القائم باسم الوطنية، أو أن يواجهوه فيوصمون بكل نقيصة تلحقهم بأهل الشر.
أهل الشر موجودون بيننا لا شك في هذا، لكنهم من يتم استدعاء سيرتهم لابتزاز المصريين، بلغة وطنية أحيانا، وبلغة دينية أحيانا أخرى، أو باللغتين معا كما شهدنا خطاب السيسي، الذي بدا موتورا حتى أنه وصف قواتنا المسلحة بأنها «قوة غاشمة»، والغاشم في اللغة هو الظالم. لا شك في أن المصريين أحوج ما يكونون اليوم للاصطفاف… لكنّ هذا لا يعنى الانسياق وراء أبواق البروباغندا السوداء التي تخلط مفهوم الاصطفاف الوطنى بالسم الزعاف، فنظن في لحظة المحنة أن اصطفافنا وراء الوطن والدولة والأمة، إنما يعني بالضرورة الاصطفاف وراء قيادة سياسية فاشلة، لم تنجح على مدى أربع سنوات وأربعة أشهر في التصدي للعنف والإرهاب المؤكدين لا المحتملين! وكأنه لا يمكن لمصر ولا لجيشها أن تكون لهما قيادة سياسية أو قيادة عليا للقوات المسلحة غير هذه القيادة الفاشلة».
بن سلمان ونتنياهو توأم اللحظة
«جيدٌ كما يؤكد جمال ابو المحاسن في «المصري اليوم» أن الأمير السعودي الشاب يُدرك خطورة إيران. هو نعت المرشد خامنئي بـ«هتلر الشرق الأوسط»، وحذر من أن الاسترضاء لا يفيد في التعامل مع مثل هذا الصنف من القادة.
على أن للأمرِ وجها آخر. لا يُمكن مواجهة إيران بدون استراتيجية متكاملة. إن مواجهة عشوائية قد تُفرز كوارث تفوق «67» في مداها. أعتبر أن التخطيط الجاد لهذه المواجهة، وحشد عناصر نجاحها، هو التحدي الأكبر أمام ولي العهد.
لا يمكن مواجهة إيران بالكلام. مستحيلٌ الانتصار عليها بموقف عربي مهلهل. ضمان النجاح في التصدي لطموحات إيران هو رأب الصدوع في الموقف العربي. تكوين حلفٍ قوي ورادع لطهران، يرفع احتمالات تجنب المواجهة معها. الموقف المصري جوهري في حلفٍ كهذا. أغامر بالقول بأن وجود إسرائيل في هذا الحلف يُمثل ضرورة استراتيجية، لأنها تشكل ردعا مُخيفا لإيران. هذا هو السببُ الحقيقي وراء كل ما نسمعه مؤخرا عن تقارب إسرائيلي خليجي. ذلك هو ـ أيضا ـ المنطق الذي يُحرك الجهود الجارية الآن من أجل ابتداع «صفقة سلام» بين الفلسطينيين وإسرائيل. يصعب الوقوف مع إسرائيل في صفٍ واحد بدون تسوية القضية الفلسطينية بصورة مُرضية. المواقف المعروفة لرئيس الوزراء الإسرائيلي تجعل التوصل إلى تسوية كهذه أمرا في عداد المستحيل، ولكن كم من مستحيلٍ صار واقعا في الشرق الأوسط! إن صورة المنطقة في الفترة المقبلة تعتمد إلى حد بعيد على قرارات رجلين يأتيان من عالمين مختلفين أشد الاختلاف: محمد بن سلمان وبنيامين نتنياهو».
الخرباوي محللا
«لأن المعايير اختلت، وصار لدينا خبراء استراتيجيون معظمهم، كما يصفهم عماد الدين حسين في «الشروق» مضروبين يفتون في كل شيء، من الكوارع والمحشي، إلى الحروب والأفكار والأديان، فقد فوجئت بالإخواني السابق ثروت الخرباوي، يشن حملة هجوم جهولة وظالمة ضد «الشروق».أسمع بعض الانتقادات ضد «الشروق» وأحترمها جدا لأنها موضوعية، وتنطلق من معايير وقواعد واضحة، وتناقش أفكارا ووقائع وأخبارا ملموسة، ولا تلجأ إلى الطريقة المكارثية التي تفتش فقط في النوايا. الخرباوي كان ضيفا على الصديقة الإعلامية عزة مصطفى، وبرنامجها المتميز «صالة التحرير» على فضائية «صدى البلد» مساء السبت الماضي. ويبدو أنه لم يجد ما يروج به لنفسه هذه الأيام، سوى اتهام «الشروق» بأنها إخوانية وصاحبها إخواني! لكن ما الذي جعل الخرباوي، يبدو وكأنه يتقمص دور «المخبر الصغير»؟ هو يستعجب من أننا نقلنا في مانشيت «الشروق» الصادر أمس، عن مصدر أمني مجهول قوله، «إن الإرهابيين الذين ارتكبوا مجزرة الروضة هددوا القرية منذ شهر»، ويريد منا ــ لكي نثبت وطنيتنا ــ أن نذكر اسم المصدر، حتى لا يبدو الأمر، وكأنه مجرد صراع بين السلفيين والصوفيين. هذه الاتهامات تنم عن عقلية متربصة ومتصيدة، وتتعامل مع الكارثة التي حدثت باعتبارها ثأرا بين طرفين متكافئين أو حتى بين قبيلتين! قلت إن الكثير من الأخبار المهمة جدا تقال دائما على لسان مصادر مجهولة، ولو تم ذكر أسماء أصحابها لربما توقفت مهنة الإعلام، والعبرة دائما بمدى دقة الخبر وموضوعيته، وسمعة الصحيفة ومصداقيتها. وتتذكر عزة مصطفى أنها ناقشتني في العديد من مانشيتات «الشروق» المشابهة وثبت أننا كنا دائما الأصح».
حسام عبد البصير