القاهرة – إسلام أنور: تحاول الاسكندرية، على الرغم من حالة الإهمال الحكومي الذي تتعرض له، الصمود والحفاظ على بريقها. ويعدّ ملتقى «لمسات أولى: سينما شباب البحر المتوسط» من أحدث الفعاليات المعبرة عن روح المدينة «الكوزموبوليتية». اذ شهد عرض 18 شريطاً سينمائياً، معظمها تجارب أولى لسينمائيين شباب من الجزائر ومصر ولبنان وسوريا وتونس وفرنسا وإيطاليا، بالإضافة إلى ثلاث ورش عمل في مجالات الإخراج والنقد والترجمة السينمائية أشرف عليها المخرج التونسي الجيلاني السعدي.
من الأهداف الرئيسية للملتقى، الإنتقال من مرحلة الإتاحة الثقافية لمرحلة المشاركة الفعالة. يقول مأمون عزمي، منسق البرامج السينمائية بمؤسسة جدران، لـ»القدس العربي»، ان معظم الأنشطة الثقافية العربية تعاني من سيادة مفهوم الإتاحة على حساب مفهوم المشاركة، فغالبًأ ما يتم تنظيم مهرجانات تتيح للجمهور المشاهدة والاستمتاع بالعروض الفنية، وهو خطوة مهمة لكنها ليست كافية لأنها تجعل من الجمهور متلقيا سلبيا وغير فاعل، لذلك حرصنا من خلال مشاركتنا في تنظيم الملتقى على المزج بين مفهومي الإتاحة والمشاركة، من خلال تنظيم مجموعة من ورش العمل في مجالات الإخراج والنقد والبرمجة بالإضافة لسلسلة ندوات ولقاءات مع الجمهور يحقق من خلالها مفهوم المشاركة، بجانب عرض 18 فيلما معظمها لمخرجين شباب مما يحقق مفهوم الإتاحة».
يسعى الملتقى أيضًأ لتحقيق مفهوم الشراكة والتعاون و»التشبيك» الثقافي عبر التعاون بين أكثر من مؤسسة بهدف التكامل وخلق كيانات تساعد صناع السينما الشباب على الإبداع والتواصل مع الجمهور. يشير الناقد التونسي ورئيس جمعية أرخبيل الصور الطاهر الشيخاوي إلى أن السنوات الماضية شهدت طفرة كبيرة في صناعة السينما في العالم يقودها الشباب عبر إستخدام الكاميرات الرقمية التي ساعدت بصورة كبيرة على خلق فضاءات متعددة ومغايرة للمبدعين الشباب.
ويضيف الشيخاوي في حديث لـ»القس العربي» ان الملتقى يهدف إلى التعريف بأفلام الشباب المتوسطي وخاصة شباب الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، الذين يقدمون أعمالا سينمائية قيمة من حيث النظرة السينمائية شكلا والقضية المطروحة مضمونا ورغم ذلك لم يتمكنوا من تسجيل حضورهم في المهرجانات السينمائية وفي سوق السينما، لذلك يسعى الملتقى لتسليط الضوء على تجاربهم وتعريف الجمهور بهم والعمل على دعمهم، وقد نظمنا أولى دورات الملتقة في شهر شباط/فبراير الماضي في تونس، وثاني الدورات إستضافتها مدينة الإسكندرية في مصر، ونسعى خلال الفترة القادمة لإقامة الملتقى في الجزائر ولبنان وفرنسا».
السينما والثورة
ووسط حضور جماهيري كبير شهدت قاعتي وكالة بهنا والكابينة عرض 18 فيلما سينمائيا على مدار أسبوع، في فئة الأفلام الطويلة عرضت 9 أعمال تنوعت بين روائي ووثائقي، وهي: «بدون 2» لجيلاني السعدي من تونس، و«في رأسي رون بوان» لحسان فرحاني من الجزائر، و«بلا سينما» لمين عمار خوجة إنتاج جزائري فرنسي مشترك، و«طريق ديال الخبز» لهشام اللداقي من المغرب، و«أم الغائب» لنادين صليب من مصر، و«الرقيب خالد» لزياد كلثوم من سوريا، و«هدنة» لمريم الحاج من لبنان، و«أ رض لا أحد» لجان بوارون لاغوس من فرنسا و«أمارا» لكلوديا موليز من إيطاليا، وفي فئة الأفلام القصيرة عرضت 9 أعمال وهى : «ف 430» لياسين كنية، و«شتات» لعلاء الدين أبو طالب، و «مولي» أخراج مشترك لكارين ماي وحكيم زوماني وياسين كنية ومراد بوداوود، و «خارج المدينة» لمريم مجدي، و«جوع» لجميل بوصيف، و«قبل الأيام» لكريم موساي، و«تواغا» لسيدرك إينو، و«بدون 1» لجيلاني السعدي.
التغيرات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية التي شهدتها الدول العربية في السنوات الماضية واحدة من أبرز القضايا التي تناولتها العديد من الأفلام عبر مجموعة من القصص والحكايات الصغيرة التي تشكل مجتمعة لوحة من الفسيفساء تعكس وضع الشباب في المجتمعات العربية ودول حوض البحر المتوسط.
في فيلم «الرقيب الخالد» يأخذنا المخرج السوري زياد كلثوم في رحلة داخل سوريا الحرب حيث كل شيء مشوش وضبابي ومحاصر بالموت المجاني ويحاول زياد عبر رحلته النجاة من هذا الجحيم عبر الإنشقاق عن الجيش النظامي ورفضه الإنضمام لأي تنظيم معارض معلنًأ في نهاية فيلمه أن كاميرته هى حريته وسلاحه، وفي فيلمها «هُدنة» ترصد المخرجة اللبنانية ميريام الحاج الفجوة الكبيرة بين الأجيال في لبنان وتطرح العديد من الأسئلة عن الذاكرة والحرب الأهلية والهوية، وفي فيلم «أم غايب» تقدم المخرجة المصرية نادين صليب تجربة شديدة الحميمة عبر رصدها لرحلة حنان هذه السيدة التي تأخرت في الإنجاب وتحاول بشتى السبل إستجداء القدر كي تنجب، وعبر هذه الحكاية التي تبدو تقليدية تأخذنا المخرجة في رحلة شاعرية لإكتشاف عالم القرية الغرائبي، وفي فيلمه «في رأسي رون بوان» يقدم المخرج الجزائري حسن فرحاني تجربة فريدة عن الحياة داخل المذابح في الجزائر العاصمة، يكشف من خلالها عالما مغايرا يعيشه العاملون في المذبح ويرصد فرحاني أحلامهم المؤجلة ورؤيتهم لواقع الجزائر المأزوم إجتماعيًأ وسياسيًأ عبر تكوين بصري بديع.