«سي آي أيه» تريد إدارة معسكرات لتدريب المعارضة السورية… ودول عربية تسهم بتدقيق هويات المرشحين… وسياسة واشنطن لاستمالة العشائر السنية فاشلة

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: تؤشر الزيارة المفاجئة لأكبر عسكري أمريكي لبغداد الجنرال مارتن ديمبسي لحاجة الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم حملة الغارات الجوية التي بدأتها قبل ثلاثة أشهر على قوات تنظيم الدولة الإسلامية ـ داعش والتعرف بالضرورة على قدرات القوى التي ستعتمد عليها واشنطن لهزيمة داعش، وتحديدا الجيش العراقي الذي سيعاد تشكيله وقوات البيشمركة وحلفاء آخرون من أبناء العشائر السنية التي يمكن أن تلعب دورا حال وثقت بنيات الحكومة العراقية وعرفت أن هناك من يحميها كما حصلت قوات البيشمركة على الحماية من الأمريكيين والإيرانيين.
فالزيارة هي بالضرورة اعتراف من قائدة التحالف الدولي بأن هناك معوقات تواجه تطبيق استراتيجية باراك أوباما «إضعاف وتدمير» داعش، حيث قال الجنرال ديمبسي إنه جاء «للحصول على انطباع من جانبنا حول كيفية تأثير مشاركتنا».
وقبل زيارته لبغداد أخبر الكونغرس يوم الخميس بأن هزيمة داعش تحتاج إلى جيش مكون من 80.000 جندي معد إعدادا جيدا.
وهناك قلة في العراق تؤمن بقدرة الجيش العراقي الحالي على هزيمة التنظيم رغم تحدثه عن استعادة السيطرة على مصفاة بيجي النفطية. ومن هؤلاء فؤاد حسين، رئيس طاقم حاكم إقليم كردستان مسعود بارزاني، الذي نقل عنه الصحافي باتريك كوكبيرن في صحيفة «إندبندنت أون صاندي» قوله «فأنت بحاجة لوقت كي يكون لديك جيش محترف». ومن يدافع عن بغداد هي الميليشيات الشيعية العراقية التي تتشارك بنفس الحماس والحقد ضد داعش.
ويضيف كوكبيرن إن حسين ربما لا يقول هذا فربما فات الوقت على بناء جيش قوي ووطني.
وقال حسين إن جزءا من هزيمة داعش تتعلق بتحديد قدراته الحقيقية حيث يرى أن جنوده يتجاوزون مئات الألوف وليس كما قدرت المخابرات الأمريكية- سي آي إيه – 31.500 مقاتل.
ويرى حسين أن قدرة التنظيم على شن معارك وفي أكثر من موقع تعني أن الرقم هو سبعة أو ثمانية أضعاف العدد الحالي، وربما تجاوز 100.000 أو أكثر. وقال حسين «أتحدث عن مئات الألوف لأنهم استطاعوا تجنيد الشبان العرب في المناطق التي سيطروا عليها». مشيرا إلى أن داعش لديه القدرة على القيام بهذا فهو يسيطر على ثلث العراق وثلث سوريا في منطقة مساحتها 250.000 كيلومتر مربع يعيش فيها ما بين 10-12 مليون نسمة، أي ما يعادل مساحة بريطانيا العظمى.
ويقول كوكبيرن إن هناك أدلة على قيام داعش بإنشاء جيش قوي بسرعة حيث استطاع الاعتماد عليه لمهاجمة مناطق الأكراد في شمال العراق، وقتال الجيش العراقي قرب بغداد، وشن هجوم على بلدة عين العرب- كوباني.
وقال حسين «إنهم يقاتلون في كوباني، خاضوا في كردستان الشهر الماضي سبع معارك، وفي الرمادي وجلولاء، القريبة من الحدود مع إيران «مما يعني أنه من المستحيل الحديث عن 20.000 أو يزيد من المقاتلين».
ويعلق كوكبيرن أن تقدير عدد مقاتلي داعش مهم لأنه يكشف عن صعوبة سحق داعش باستخدام الغارات الجوية فقط. فسوء التقدير كان سببا في المفاجآت التي لقيتها الولايات الأمريكية والدول المتحالفة معها خلال الأشهر الخمسة الماضية حيث كبد التنظيم الجيش العراقي والمقاتلين السوريين وقوات البيشمركة خسائر فادحة. ويقول حسين إن قوات البيشمركة تشن حربا ضد داعش على خط مواجهة طوله 650 ميلا.
مشيرا إلى أن تدخل الطيران الأمريكي في آب/ أغسطس أنقذ القوات الكردية التي فوجئت بهجوم داعش والذي اقترب من السيطرة على عاصمة الإقليم أربيل. ويرى حسين أن داعش «شن حرب رعب أثرت على معنويات الجميع بمن فيهم البيشمركة».
واعتمد داعش بالإضافة لنشر الفظائع التي كان يرتكبها على عدد من الأساليب مثل العمليات الانتحارية، حقول الألغام، القناصة واستخدم المعدات العسكرية أمريكية الصنع التي أخذها المقاتلون من مخازن الجيش العراقي.
وقال حسين إن الأكراد يحتاجون مروحيات أباتشي والمعدات الثقيلة مثل الدبابات والمدفعية. ورغم حس المفاجأة إلا أن القادة الأكراد يشعرون الآن بالراحة بعد تعهد الولايات المتحدة بحمايتهم.
ويقول كوكبيرن إن تجربة الولايات المتحدة القاتمة مع الحكومة العراقية وانهيار الجيش الذي أنفقت عليه مبالغ طائلة تصب في صالح الأكراد.
وفي هذا السياق يقول كوكبيرن إن حكومة كردستان طلبت من الحكومة التركية التدخل ومنع تقدم داعش، إلا أن أنقرة قالت إنها لا تخطط لعملية عسكرية، وهو ما دفع أربيل لطلب المساعدة من إيران والولايات المتحدة، حيث أرسلت إيران ضباطا عسكريين ووحدات عسكرية ومدفعية فيما بدأت الولايات المتحدة حملة ضربات جوية.

قوة ضاربة

ويعتقد حسين أن داعش أصبح قوة ضاربة «نحن نتحدث عن دولة لها جيش وقاعدة آيديولوجية»، وعليه «فهي تريد من كل شخص التدرب ومعرفة استخدام البندقية، وتريد تلقين كل شخص الآيديولوجيا، أي غسيل الدماغ».
ويقدم مثالا على حرفية داعش العسكرية في الاستخدام السريع للأسلحة والدبابات والمدفعية الأمريكية التي غنمها المقاتلون من الجيش العراقي. وتكرر الأمر في سوريا عندما سيطر داعش على أسلحة روسية الصنع وبدأ باستخدامها بسرعة.
ويمكن تفسير هذا بسبب وجود جنرالات سابقين في الجيش العراقي في صفوف داعش وكذا جنود سابقين في الجيش السوري.
ويقول حسين إن قوات البيشمركة عبرت عن إعجابها بشجاعة وحرفية مقاتلي داعش «إنهم يقاتلون حتى الموت وهم خطرون نظرا لتلقيهم تدريبا حرفيا عاليا»، «مثلا لديهم أحسن القناصة، وحتى تكون قناصا يجب تعلم إطلاق النار، وليس هذا فقط بل يجب التدرب على الانضباط والوقوف 5 ساعات حتى تصيب الهدف».
ومن أسباب انضمام الشباب لداعش هو الراتب الجيد الذي يدفعه التنظيم وهو 400 دولار أمريكي في الشهر. ويضيف كوكبيرن أن محاولة التنظيم فرض آيديولوجيته على المجتمع ربما دفعت الشبان للمساهمة في الجهود العسكرية.

لن نحرر مناطق السنة

ويقول كوكبيرن إن الأكراد استعادوا الثقة بالنفس بعد الدعم الإيراني والأمريكي لهم، واستطاع البيشمركة استعادة بعض البلدات مثل زمار، وليس تلعفر أو جبال سنجار حيث لا يزال 8.500 أيزيدي عالقين فيها. ولكن هناك محدودية لما يمكن للأكراد عمله، فهم مستعدون لدعم جيش عراقي- غير طائفي ولكن «الأكراد لا يمكنهم تحرير المناطق العربية السنية» حسب حسين.
وهنا تعلق الولايات المتحدة آمالا على تكرار نفس التجربة مع العشائر العراقية وبناء صحوات كما فعلت في الفترة ما بين 2006- 2008 لطرد تنظيم القاعدة. ويرى أن تكرار هذا صعب لعدة أسباب منها وجود 150.000 جندي في العراق قدموا الدعم للصحوات، وفي الوقت الحالي لا يوجد من يحمي القبائل من داعش، وهذا بالتأكيد ما حدث مع قبيلة البونمر التي قتل داعش من أبنائها ما يقرب الـ 500 شخص.
كما لم يلاحظ حسين إشارات مقنعة عن وجود مقاومة سنية لداعش، فرغم عدم ارتياح الكثيرين في الموصل إلا أن هذا لم يترجم لفعل مقاومة. ولا توجد إشارة عن قدرة من هم في الخارج على تنظيم مقاومة منظمة.
وقد يقبل السنة بوجود الجيش العراقي بمناطقهم حالة أعيد تشكله، وفي الوقت الحالي لا حضور له.

في قرية العلم

ولا تزال فكرة إنشاء قوات سنية- حرس وطني محل أخذ ورد ولم تتجاوز مقاومة داعش إطار المبادرات الفردية القبلية التي انتهت كما حدث مع عشيرة البونمر بكارثة. ونفس الأمر حدث مع ناحية العلم في محافظة صلاح الدين، حيث رفض سكانها دخول داعش إلى مناطقهم وقامت مجموعة منهم بحرق أعلام التنظيم وزرع العلم العراقي مكانه. وكان رد فعل التنظيم حاسما «فقد بدأوا بتدمير البيوت، بيوت مشائخ العشائر ومن هم في قوات الأمن» حسب ليث الجبوري، مسؤول محلي نقلت عنه «نيويورك تايمز». ومنذ ذلك دمر داعش عشرات البيوت واختطف 100 أو أكثر من أبناء القرية. وتقول الصحيفة إن داعش لديه استراتيجية ذات حدين للتعامل مع القبائل، فقد استخدم الترسانة العسكرية الضخمة التي يملكها لحث أبناء القبائل على الانضمام إليه، ومن جهة اخرى استخدم سياسة العنف لمحو أية مقاومة له قد تنبع من ضباط الشرطة ومسؤولي الحكومة وأي طرف يتعاون مع أمريكا. لكل هذا تجد الحكومة العراقية والقوات الأمريكية صعوبة لدفع العشائر السنية إلى القتال ضد التنظيم.
ويعترف المسؤولون بتحقيق نجاح قليل في هذا السياق بعيدا عن دعم القبائل التي خرجت على طاعة داعش وتخسر المعركة الآن.
ويرتبط الفشل بعدم الثقة بحكومة بغداد. وتنقل الصحيفة عن أحمد علي، الباحث في معهد دراسات الحرب قوله «هناك فرصة أمام الحكومة للتعاون مع القبائل ولكن الوقائع على الأرض تظهر اختراق داعش للمجتمعات بشكل أضعف قدرتها على مقاومته»، مضيفا أن الوقت ليس في صالح الحكومة العراقية.
وينبع نجاح داعش واستمرار سيطرته على المناطق من تقديمه نفسه كحام للسنة ومن قدرته على التلاعب بالقبائل التي دعم قادتها بالمال والسلاح وسمح لها بقدر من الاستقلال طالما بقيت موالية له.
وأرفق هذه الإستراتيجية بسياسة ملاحقة وقتل مؤيدي الحكومة، ويقول سكان المناطق التي دخلت تحت حكم داعش إن المقاتلين يحملون معهم قوائم بأسماء الجنود ورجال الشرطة التابعين للحكومة وفي حالة لم يتم العثور عليهم تهدم بيوتهم.
وفي نقاط التفتيش يستخدم المقاتلون بيانات الكمبيوتر ويلقون القبض على كل شخص يرد اسمه عليها. ويستهدف المقاتلون بشكل خاص أعضاء الصحوات الذين قاتلوا إلى جانب الولايات المتحدة في العقد الماضي.
وعزز التنظيم سياساته عبر آلته الدعائية حيث حذر السنة من الخروج عليه. وتظهر أشرطة الفيديو كيف يقوم قادة التنظيم بلقاء قادة العشائر ويتناولون الطعام معهم. وتبدو النزعة التحشيدية في أشرطة المتحدث باسم التنظيم، أبو محمد العدناني الذي ذكر السنة بأنهم لم يحصلوا على شيء من انضمامهم للجيش العراقي سوى الردة وهدم بيوتهم وقطع رؤوسهم. وتشير «نيويورك تايمز» للمبادرات الفردية لمقاومة داعش هنا وهناك، وتنقل عن الشيخ مؤيد الهمايشي، وهو ضابط شرطة عراقي يقود عمليات ضد داعش حيث يقول «نحن أكثر من نعرف داعش، من هو وأين رجاله، ولهذا فنحن قادرون على قتالهم في الأنبار».
ويقول محللون إن العشائر العراقية التي انضمت إلى داعش لم تفعل هذا إيمانا بآيديولوجيتها ولكن لأسباب عملية مثل قدرته على توفير الأمن وتقديم الخدمات. وعليه تحتاج الحكومة لأن تقدم للقبائل صفقة أفضل من داعش، تزويد قادتها بالأسلحة والدعم المالي. ويقول وصفي العاصي العبيدي إن هناك عدد كبير من أبناء القبائل في داعش «وهذا ما لا ننكره»، «وهذا لا يعني أن القبيلة التي انتمى أبناؤها لداعش هي داعشية».وعليه ففي غياب التحرك الحكومي ومعارضة سياسيين في حكومة بغداد لتسليح القبائل فليس واضحا الكيفية التي سيتم فيها تجييش القبائل ضد داعش. فالأمريكيون مع الفكرة لكنهم يقولون إن السلاح والرواتب يجب أن تأتي من الحكومة العراقية. ومن جانب القبائل فثقتها بالنخبة السياسية في بغداد معدومة.

تسليح المعارضة السورية

وتواجه الولايات المتحدة نفس التحدي في سوريا، خاصة بعد الانتصارات التي حققها تنظيم جبهة النصرة المصنف إرهابيا لدى الولايات المتحدة.
ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» يوم الجمعة الماضي عن مسؤولين قولهم إن الاستخبارات الأمريكية «سي أي أيه» تدرس زيادة معدلات تدريب المقاتلين السوريين، وتفكر بإنشاء معسكرات تدريب تديرها بنفسها.
ونقلت عن مسؤولين قولهم إن المخابرات تقوم بمقابلة والتحققق من 400 مرشح للتدريب كل شهر.
وكان موضوع تدريب السوريين على أجندة لقاء مسؤولي الأمن القومي الذي عقد الأسبوع الماضي في البيت الأبيض. ويرى مسؤولون إن طرح الموضوع يعكس قلقا حول برنامج البنتاغون لتدريب المعارضة المعتدلة التي أثبتت أنها ليست في مستوى القاعدة والجماعات الموالية لها. ونقل عن مسؤول أمريكي قوله «نحن بحاجة للتعجل أكثر ومساعدة المعتدلين، وينظر للوكالة/ سي آي إيه- كوسيلة لتقديم المساعدة بسرعة».
ومن هنا فدخول سي آي أيه سيعني تورطا عميقا في الأزمة السورية حيث ينظر لدورها كعنصر رئيسي في استراتيجية الغارات الجوية ضد داعش. وتقول الصحيفة إن قدرة المخابرات على توسيع برنامجها في العام الماضي جعلها محل ثقة المسؤولين لتدريب والتدقيق في المرشحين والتأكد من عدم اختراق القاعدة لهم. ورغم ذلك لم يظهر أي أثر لبرنامج المخابرات على الساحة العسكرية في سوريا، في ضوء خسائر المعارضة الأخيرة.
وعلق النائب آدم شيف، عضو لجنة الأمن في الكونغرس على خسائر المعارضة بالقول إن «ذوبان المعارضة المعتدلة وهربها أو انضمامها للنصرة هي إشارة إلى الصعوبات التي سنواجهها».

مساعدة إقليمية

وبدأ برنامج «سي آي إيه» العام الماضي عندما أصدر الرئيس باراك أوباما أمرا بهذا الشأن، وبدأ أولا في قواعد عسكرية بالأردن وتوسع الآن ليضم قطر، حيث يشرف على التدريب ضباط معارون من البنتاغون.
وتم اختيار المقاتلين من الفصائل المسلحة داخل سوريا وكذا مخيمات اللاجئين. وتسهم الاستخبارات السعودية والأردنية ومن دول المنطقة في التدريب وكذلك بالتدقيق في ملفات المرشحين.
وجمعت الوكالة معلومات بيوميترية عن المرشحين- عينات من الحمض النووي، وصورة للعين وعلامات مميزة أخرى. وتطمح «سي آي أيه» لتدريب 5.000 مقاتل في العام وهو نفس ما تخطط له وزارة الدفاع (البنتاغون).
وكان وزير الدفاع تشاك هيغل قال للكونغرس ان معسكرات التدريب جاهزة وسيتم استقبال المرشحين في تركيا والسعودية والشركاء الآخرين في التحالف ضد داعش. ولن يتم البدء بالترشيح والتدقيق إلا بعد مصادقة الكونغرس على الميزانية. ولن يترك البرنامج أثره على الساحة القتالية إلا بعد عام كما قال هيغل.
وبنفس السياق نقلت صحيفة «يو أس أي تودي» عن النائب مايك روجرز قوله إن الولايات المتحدة ستجند بعض الدول السنية وأعضاء الجامعة العربية للتدقيق في هوية المرشحين لبرنامج سي آي إيه. وقال روجرز إن الحلفاء الإقليميين سيوفرون الخبرات التي تفتقدها أمريكا، مشيرا إلى أن الترتيب وإن لم يكن تاما لكنه يوفر فرصة للنجاح.

إبراهيم درويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية