شارلي إيبدو.. أسئلة هادئة وجريئة وضرورية

حجم الخط
23

الآن وقد تراجع قليلا مفعول الصدمة التي هزت فرنسا وأجزاء من العالم جراء مذبحة مجلة شارلي إيبدو، وهدأت العواطف بعض الشيء، لا ما نع من تكرار إدانة تلك الجريمة الإرهابية بحق مدنيين عزّل. لكن لا مانع، بل لا بد من نقاش هادئ وجريء حول ما حدث وما سيحدث مثله (لأن هذه الحرب مفتوحة على الأسوأ).
الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند قال إن فرنسا ضُربت لأنها أرض الحريات. تكررت هذه العبارة في ذلك اليوم آلاف المرات بصيغ مختلفة. وقال إن الهجوم على هذه المطبوعة يهدف إلى إسكات الاصوات الحرة. ثم تكررت العبارة آلاف المرات في الساعات والايام التي أعقبت الهجوم.
السويد أيضا أرض الحريات ولكنها لم تُضرب. سويسرا ايضا. النمسا والمانيا وغيرهما. لوفيغارو أيضا ترمز لحرية الرأي والفكر ولم تهاجَم. لوموند كذلك، ولوباريزيان وليبراسيون وغيرها من الصحف.
هناك رمزية في الهجوم على شارلي إيبدو لا يمكن إغفالها. مثلما لا يمكن تسطيح الهجوم بعزله عن سياقه السياسي والثقافي والأمني المعقد.
فرنسا ضُربت لأنها أخفقت سياسيا وثقافيا وأمنيا تجاه مسلميها. فرنسا هي التي «حشرت» الأجانب في أحياء يقطنها عشرات الآلاف وتشكل بيئة خصبة للانحراف والتشدد. المسلمون غدوا أمراً واقعا يشكلون جزءاً رئيسيا من نسيجها الاجتماعي بعد استقروا وتناسلوا ثلاثة أو أربعة أجيال، لكن طيفا واسعا من فرنسا السياسية والثقافية والإعلامية يعتبرهم دخلاء. وهناك من يدعو لترحيلهم، كما سأشرح لاحقا.
المشتبه بهما في هجوم الأربعاء منتوج فرنسي ميلاداً وتربية ونتائج. ما ارتكباه يمثل ذروة إخفاق فرنسا وليس الإسلام والمسلمين.
وفرنسا لم تخذل المسلمين وحدهم، بل خذلت آخرين، مثل اليهود، إلى حد ما.
شارلي إيبدو ضُربت لأنها تشكل رمزاً لحرية التعبير، لكنها ضُربت أيضا لأنها لم تتوقف عن إهانة مقدسات ديانة مليار شخص حول العالم وخمسة ملايين فرنسي.
حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. عندما تنشر مطبوعة رسما لنبي الإسلام عاريا مرفوقا بعبارات غير لائقة، فهي تجاوزت خطوط الحريات الى ما هو أسوأ وأخطر. وعندما تنشر رسما لنبي الإسلام في شكل بشع وحيرة من أمره مرفوقا بعبارة: «المسلمون أتعبوا محمدا»، ثم يخاطب (النبي محمد) نفسه قائلا: «صعب جداً أن تكون محبوبا من الحمقى»… عندما تنشر رسما كهذا تكون قد خرجت عن كل حدود الحرية والاحترام. عندما تترك مطبوعة كل هموم فرنسا والعالم ولا يبقى لها غير المسلمين ونبيّهم، فهي تكون قد فتحت على نفسها باب الحقد والكراهية.. ثم الحرب كما حدث الأربعاء الماضي.
وعندما تخشى هذه المطبوعة ذاتها الاقتراب من مقدسات شعوب وديانات أخرى (المحرقة اليهودية مثلا)، فهي تكيل الحرية بمكيالين وتوغل في استفزاز أتباع ديان ومقدسات أخرى، لأن البشر لسوا حمقى بل يعرفون قياس الأشياء ببعضها.
وعندما تتعمد مطبوعة الخلط بين «داعش» والغسلام وعامة المسلمين، فلا يمكن تفسير ذلك إلا بأنه إصرار على الإساءة لهؤلاء المسلمين، لأن «داعش» ليس ولن يكون هو الإسلام.
مع الأسف، هذا هو حال شارلي إيبدو منذ سنوات. تاريخها حافل بالإساءة للرموز الدينية، للإسلام على وجه الخصوص. قد يتسامح مسلمون كثيرون ويتحملون الإهانات، لكن يكفي واحد وسط الملايين ليرتكب مذبحة. والسؤال حول مذبحة الأربعاء الماضي كان: متى، وليس هل ستقع.
قد يقول قائل إن لا شيء مقدسا أمام حرية الرأي والتعبير. جميل، ولماذا تكون المحرقة اليهودية مقدّسة؟ هناك فرق لا يحتاج الى توضيح بين أن تكون مدافعا عن حرية التعبير وبين حرية الإساءة للآخر.
ما لا يمكن إهماله أيضا، أن مذبحة الأربعاء جاءت ضمن سياق من التحريض الثقافي والإعلامي تشهده فرنسا هذه الفترة، تقوده نخبة من الكتاب والمثقفين. لا يمر يوم واحد من دون حديث (سلبي) في مختلف وسائل الإعلام عن المسلمين والأجانب.
أبرز منظري هذه الحملة الروائي ميشيل أولبيك والكاتب رينو كامو والصحفي إيريك زمور.
تقوم الحملة على شيطنة الأجانب، وبالخصوص المسلمين. وتتمحور حول رواية أولبيك «الخنوع» التي تتخيل وصول مسلم إلى رئاسة فرنسا في 1922 مع ما يصحب ذلك من اضطرابات اجتماعية. ووصلت إلى درجة حديث زمور عن ترحيل 5 ملايين مسلم فرنسي مثلما رُحّل أبناء المستعمِرين الفرنسيين من الجزائر غداة استقلالها في 1962 (مقابلة مع صحيفة كوريير دي لا سييرا الإيطالية 30 أكتوبر 2014).
عندما يُسأل بأن ذلك كان في سياق حرب، يلمح إلى أن الحرب في الطريق. زمور يصنع مجده هذه الايام من تصريحاته وكتابات تحذر من سقوط فرنسا في الفوضى (بسبب الأجانب) وتزخر برفض الآخر.
المشكلة أن هؤلاء المنظرين يجدون مساحات واسعة في وسائل الإعلام، ويُستضافون بالترحاب على مدار الايام في البرامج التلفزيونية في أوقات ذروة المشاهدة لتسلل أفكارهم في هدوء حتى تصبح مقبولة.
قبل هذا وبعده، لا شيء يبرر مذبحة كالتي حدثت. الإدانات واجبة، لكنها لن توققف الجنون.
كاتب صحافي جزائري

توفيق رباحي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عدنان السامرائي:

    عفوا يا اخي توفيق انت تقول في المقال لماذا لم تضرب السويد مثلأ.
    المجرم الارهابي تيمور عبد الوهاب فشل في عمليته الارهابية في ستوكهولم 2010-12-11
    حيث فشل في تفخيخ حزامه كليا مما ادى الى وفاته وحده

  2. يقول سعيد عبد العزيز / كاليفورنيا:

    انا علماني ولا أأمن بالدِّين قط ولكن ما يحصل من مسرحيات ضد الدين والمسلمين فاق التصور ويمر مرور الكرام . أسف لما يتم تركيبة بعمليات متقنة من عمل مخابراتي محترف وتشطب فيه كل الأدلة ويقتل الجناة والتهمة تكون المسلمين والضحية يهود وهذا ظاهر حيث استفاد الجاني شيئين
    ١- تشجيع اليهود على الهجرة الى وطن مزعوم ونرى نتنياهو بطل التصريح مباشرة بعد العمليه
    ٢- معاقبة فرنسا على التصويت مع فلسطين في مجلس الأمن
    أين المخابرات ألعربيه م

  3. يقول S.S.Abdullah:

    بدون تشخيص واقعي لن يمكن إيجاد حلول ومن وجهة نظري لقد ثبت بالدليل العملي أنَّ عبدالفتاح السيسي وخطابه في مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلّم وبقية المثقفين من أبناء جلدتنا داخل وخارج الوطن العربي هم قادة حملة الإسلامفوبيا، في القنوات الفرنسية كان مناصري حملة عبدالفتاح السيسي أكثر صهيونية في خطابهم الصهيوني ضد العرب، وتجد ذلك على اليوتيوب لمن يرغب في المشاهدة.

    بدون تشخيص المشكلة وفق واقعها لن يمكن إيجاد حلول لأي مشكلة، لأنَّ حُرية الرأي شيء، وحرية نشر الخزعبلات شيء آخر للتحرّش لإهانة فلان وعلان لأجل الإهانة والتحرّش فقط للتسلية وتضييع الوقت على حساب الآخرين، يجب على أهل السياسة والثقافة البيروقراطيّة إن كانت ديمقراطية أو ديكتاتورية، الانتباه إلى أنَّ العالم تغير، فالحياة في عصر العولمة من أجل كسب المال، وليس من أجل كسب الأعداء للصراع معهم، ومن لا يستطيع التمييز لا يَحُقُّ أن يكون له أي علاقة بالنّقد، هناك شعرة تفصل ما بين خفّة الدم أو ما يُطلق عليه الأدب الساخر، والتي يمثلها د. باسم يوسف وبرنامج البرنامج، وما بين الدلع أو المسخرة والتهريج،

    أنا رأيي نحن في عام 2015 في عصر العولمة وأدواتها الشَّابِكة “الإنترنت” والقنوات الفضائية، آن للحكومة الفرنسية كممثلة للنظام الديمقراطي التابع للأمم المتحدة أن تعي، أنّ الزمن قد تغير، وما كانت تستطيع تمريره للتغطية على فضائح رئيس الجمهورية في مغامراته العاطفية، إن كان مع عشيقته الأولى أو الثانية، من خلال تسخير الجيش الفرنسي للمغامرة إن كان في مالي بالنسبة للعشيقة الثانية أو شمال العراق بالنسبة للعشيقة الأولى، قد ولّى، ففضيحة تسخير 80 ألف من الأجهزة الأمنية ولم تستطع القبض على أي من المشتبه بهم أحياء هو مسخرة وتهريج، لدولة بحجم وامكانيات الحكومة الفرنسيّة، وصدق رئيس الوزراء الفرنسي السابق بات من الضروري الإعتراف بأن ما يُطلق عليه الإرهاب الآن هو نتيجة للتخبيصات الغربية للتغطية على فضائح رؤسائه.

    ما رأيكم دام فضلكم؟

  4. يقول senouci algerie:

    الادهي والامر في في هذا الامر هو حضور المسلمون تجمع باريز و الشعار الورفوع هو كلنا شارلي و يعني هذا الشعار اي كلنا ندافع حرية التعبير التي اساات الي خير خلق الله ولم يروي التاريخ ان مسلما ساند من اساا الي الرسول صلي الله عليه وسلم لانهم مطمينين انهم لا يساالهم احد لا برلمان ولا مجلس امة ولا شعب ولكن مساالة الله قد نسوها واذكرهم بقوله تعالي (( هاانتم جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة ام من يكون عليهم وكيلا)) و يقول ايضا (( ان كفيناك المستهزاين)) و يبقي سكوت العلاما علي هذا الامر تواطو

  5. يقول عبداللطيف اوبرحم المغرب:

    سبحان الله؟ ألم تقرؤا قوله تعالى ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: 120]. يا قومي أفيقوا؟ من اللذي تطاول على مقام سيد الخلق ؟؟ من الذي تهجم على إمام الحق صلى الله عليه وسلم؟؟ قال تعالى ﴿ لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( 22 )

  6. يقول foufou lakhdar:

    اخال ما حدث في فرنسا شبيه بما حدث في الولايات المتحدة الامريكية فيما يتعلق بمركز التجارة العالمي كلاهما كانا لتحقيق مصالح لها ابعاد عالمية تخدم الفاعلين واعتقد ان الحادثتين لا علاقة لهم لا بالاسلام ولا بالرب بل اعداء العرب واعداء الاسلام هم من فعلوا الفعلتين لمصالح احسبها اقتصادية .الضحية فيها هم العرب والمسلمون

  7. يقول عزيز من المغرب:

    فرنسا ضربت..بلجيكا ضربت..اسبانيا ضربت..انكلترا ضربت والمغرب ضربت كينيا ضربت مالي ضربت نيجيريا ضربت..وسوريا والعراق ذبحت..الخ…الظاهرة أصبحت عالمية

  8. يقول Dr. Abufahd UK:

    سيدي توفيق رباحي / اولا: الدستور الفرنسي يعاقب كل ما فعلته هذة المطبوعة بقوانين صارمة . فهل تم محاسبة رئيس التحرير و حواريه بهذة القوانين؟ ثانيا : فرنسا إحتلت الجزائر وكل المغرب العربي لمدة 120 سنة وكانت الجزائر تشبه جنوب افريقيا العنصرية سابقا حيث الفرنسيين هم البيض و الجزائريين هم العبيد بل وكانت خريطة فرنسا تمتد الى كل شمال افريقيا وتعتبرها اراضي فرنسية لغويا واقتصاديا و إجتماعيا وان الجزائري هو من رعايا الدولة الفرنسية . . ولكنهم الأن يريدون ترحيل كل رعايا الدولة الفرنسية من المسلمين و هذا يذكرنا بالحضارة الغربية التى تجعل الدولة الديموقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط اسرائيل تقوم بترحيل رعاياها من فلسطيني 1948 لخارج اسرائيل للبقاء على نقاء الدولة اليهودية .

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية