إسلام أنور: لم يكف السلطة المصرية أن يموت شباب سيناء على يد عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية»، بل إنهم الآن عرضة للموت على يد قوات الشرطة. فمنذ أسابيع قُتل عدد من شباب العريش في محافظة شمال سيناء من قبل الأمن، دون أي تحقيق أو مساءلة حول هذا الحادث. وذلك رغم وجود العديد من الأدلة والبراهين على عدم تورط هؤلاء الشباب في أي عمليات إجرامية أو إرهابية، فضلًا عن وجود عدة بلاغات تطالب النائب العام بفتح التحقيق في هذه القضية بالإضافة لمطالبة نواب سيناء في مجلس الشعب بتشكيل لجنة تقصي حقائق للكشف عن ملابسات هذه الواقعة إلا أنه حتى الآن لم تتحرك أي جهة للتحقيق في هذه البلاغات.
تعود قصة شباب العريش إلى الثالث عشر من كانون الثاني/يناير عام 2017، حين أعلنت وزارة الداخلية عن مقتل عشرة مسلحين شمال سيناء اتهمتهم بتنفيذ عدة هجمات ضد قوات الأمن في مدينة العريش، وأصدرت الوازرة بيان جاء فيه «في إطار ملاحقة العناصر المنفذة للحوادث الإرهابية الأخيرة التي شهدتها مدينة العريش في محافظة شمال سيناء، ونتج عنها استشهاد وإصابة بعض رجال الشرطة، تمكنت قوات مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية من مداهمة وكر يختبئ به عناصر إرهابية، إلا أنه بمجرد استشعار العناصر الإرهابية باقتراب القوات بادروا بإطلاق الأعيرة النارية تجاهها محاولين الهرب، فتم التعامل معهم ما نتج عنه مصرعهم جميعاً وعددهم 10 عناصر».
عقب هذا البيان شهدت شوارع مدينة العريش مظاهرات ضخمة من الأهالي الذين كذبوا بيان الداخلية مؤكدين أن أسماء المسلحيين التي وردت في البيان تخص شبابا من مدينة العريش معظمهم محتجز لدى قوات الأمن منذ عدة أشهر، والآخرون مختفون قسريًا، وطالب الأهالي بإستلام جثث أولادهم، والتحقيق في هذه الجريمة.
وقد حدد بيان وزارة الداخلية أسماء ستة شباب تتراوح أعمارهم ما بين 17 و34 عامًا، وهم أحمد سعد المهدي محمد الشربيني 17 عاما، و محمد إبراهيم محمد أيوب 32 عاما، وأحمد يوسف محمد رشيد 33 عاما، عبد العاطي علي عبد العاطي الديب 24 عاما، بلال محمد حمدان النجار 19 عاما، منصور محمد سليمان جامع 27 عاما، في حين لم يتم تحديد هوية أربعة آخرين.
خلال الأيام التالية للحادث تصاعدت حالة الغضب بين أهالي سيناء في ظل التجاهل المستمر من المسؤولين، وإنشغال وسائل الإعلام بمنتخب كرة القدم، حتى الأحزاب والقوى السياسية تجاهلت الحادث، في مشهد بدا فيه المجتمع السيناوي خارج التغطية، في هذا السياق أشار والد القتيل أحمد يوسف محمد رشيد إلى أن قوات الأمن اعتقلت ابنه في 17 أكتوبر/تشرين الأول عام 2016، دون أي اتهام أو تحقيق، يقول: «قدمنا بلاغات كثيرة عقب القبض عليه، كنا عاوزين نعرف هو فين؟ أو متهم بإيه؟.
ويتابع: «المشكلة أن مئات الشباب اعتقلوا خلال الشهور الماضية، ولا أحد يعرف مكانهم، والرد الوحيد الذي جاء من المسؤولين، هو اعلان مقتلهم في بيان الداخلية».
كذلك، يؤكد أهالي القتيل عبد العاطي علي عبد العاطي أن «قوات الأمن قبضوا عليه في شهر أكتوبر/تشرين الاول 2016، وفي قسم العريش والأمن الوطني أنكروا وجوده، وأرسلنا تلغرافات لرئيس الجمهورية ووزير العدل ووزير الداخلية، لكن لم يرد علينا أحد».
ومن جانبه، قال إبراهيم نصار، أحد شباب سيناء: «في ناس لم تصدق أن الداخلية قتلت خمسة ليست لهم علاقة بمقتل الباحث الإيطالي ريجيني، وحاولت تلفيق التهمة لهم، لكن الإيطاليين كشفوا الموضوع، والآن رجال الداخلية قتلوا عشرة شباب أبرياء من سيناء ليست لهم علاقة بأحداث كمين المطافي، ولا أي عمليات إرهابية».
المعاناة التي يعيشها أهالي شمال سيناء على مدار العقود الماضية والتي زادت حدتها في الثلاث سنوات الماضية، من غياب للتنمية الاقتصادية والرعاية الصحية والتعليم، فضلًا عن العديد من التهم التي روجها الإعلام وبعض رجال السلطة عن تورط أهالي سيناء في تجارة المخدرات والسلاح وأخيرًا الإرهاب.
في ظل هذه التراكمات والمعاناة القاسية من التهميش والفقر والقمع، جاءت قضية مقتل العشرة شباب لتشهد مدينة العريش حالة من الحراك والتظهرات المستمرة على مدار الأسابيع الماضية مع دعوات بالعصيان المدني والمطالبة بالإفراج عن جميع المعتقلين من أهالي سيناء الذين لم يصدر بحقهم أحكام قضائية.
وحسب أهالي سيناء، في حال استمرار تجاهل السلطة لمطالبهم، سيكون هناك خطوات تصعيدية أخرى، مؤكدين على أن « أهل سيناء عمرهم ما كانوا إرهابيين وطول الوقت بيدافعوا عن أرضهم ووطنهم من أيام الحرب ضد العدو الإسرائيلي».