عمر بقبوق: بسبب تصاعد العنف، وتنامي مظاهر العسكرة، التي تسلح بها نظام الأسد للقضاء على الثورة، وتدهور الأوضاع المعيشية، وتقطيع أوصال المدن، غادر المواطنون اللبنانيون، الذين كانوا يقيمون على الأراضي السورية، منازلهم، واتجهوا نحو موطنهم الأصلي، لبنان.
لكن، الأخير يعاني بدوره من أزمة اقتصادية، وأزمة سكن، ناجمة عن توافد أعداد كبيرة من النازحين السوريين، مما أجبر هؤلاء العائدين على بدء حياتهم الجديدة في موطنهم ضمن ظروف صعبة، تشابه إلى حد كبير ظروف اللاجئين السوريين.
«رغم أنني أحمل الجنسية اللبنانية، ولكنني لم أجد في لبنان ما يجعلني أشعر بأنني أنتمي لهذا المكان»، هذا ما قاله محمد البزري، وهو شاب لبناني في الثالثة والعشرين من عمره، عاش طفولته ومراهقته في سوريا، وعمل بأسواقها ودرس بمدارسها؛ ثم أتى إلى لبنان ليجد لهجته السورية عائقاً لحصوله على عمل جيد، فانحصر عمله، على الأعمال التي يمارسها السوريون المقيمون في لبنان، حسب تعبيره، كأعمال البناء والعتالة.
وأضاف «أجد صعوبة بالتكلم باللهجة اللبنانية، وكذلك فإن عدم إتقاني للغة الإنكليزية أو الفرنسية يقف عائقاً في طريقي لإيجاد عمل جيد»، وأنهى حديثه: «لا أشعر بأن هناك ما يميزني عن السوريين الموجودين في لبنان، إلا فيما يتعلق بمعاملات الإقامة».
وأما إلياس دوه جي، وهو مهندس صوت لبناني في السادسة والعشرين من عمره، فيقول: «إن الهوية اللبنانية تساعدني بالمرور على الحدود السورية _ اللبنانية دون أي عوائق، فأهلي يعيشون في سوريا حتى اليوم، وأنا أسافر لسوريا بشكل دوري، ولا أتعرض للمضايقات التي يتعرض لها أصدقائي السوريين المقيمين معي في نفس المنزل».
ويعمل الياس في استوديو منذ قرابة سنتين، ويقول: «لم أجد نفسي مضطراً لأن أتكلم باللهجة اللبنانية، ولا أشعر بأن اتقاني لها سيزيد فرصي في العمل، وحقيقةً، لم أشعر أن هويتي اللبنانية كان لها دور بحصولي على عملي، ولكنني أشعر بأن اسمي الذي يفصح عن ديانتي المسيحية، كان له دور مساعد للأمور التي حصلت عليها في لبنان».
بيد أن بعض اللبنانيين، الذين عادوا إلى وطنهم في سنين الحرب السورية، لم يتمكنوا من البقاء في بلدهم الأم، وفضلوا العودة رغم الظروف الصعبة، والأحداث الدامية فيها.
أم إبراهيم، وهي لبنانية خمسينية، عاشت طوال حياتها مع عائلتها في سوريا، تقول: «كنت دائماً أزور لبنان لتجديد إقامتي وزيارة أقاربي، ولكن عندما اشتدت الأزمة في المنطقة المحيطة بي، غادرت إلى بلدي، ولم أستطع ان أجلس فيه لأكثر من ستة أشهر، فكان مصروف العيش في بيروت غاليا جداً، وليس هناك من يعيلني لأكمل ما تبقى من عمري، وذلك ما دفعني للعودة إلى بيتي في سوريا، لأبقى بين جيراني وأهلي».
اللبنانيون الذين كانوا يقيمون في سوريا، لم يغادروا بيوتهم إلا للأسباب نفسها التي غادر من أجلها السوريون. لكن كليهما يعاني في بلاد الأرز من سوء الاستضافة، ومشاكل تتعلق بالأوراق القانونية وغلاء المعيشة. وفي بعض الأحيان يتمنى السوريون الحصول على الجنسية اللبنانية لأنهم يظنون أن حال أقرانهم أفضل، بينما «يتمنى بعض اللبنانيين أن يحصلوا على الهوية السورية، ليحصلوا على إشارة الهجرة إلى القارة الأوروبية»، كما يقول محمد، كما قام بعض اللبنانيين بمرافقة السوريين في رحلة البحر، لعل حياتهم في البلاد التي لا يعرفونها تكون أفضل حالاً، فالهوية لم تعد تعني شيئاً لهم، فهم يبحثون فقط عن أرض تؤمّن لهم كرامة العيش.