القاهرة – إسلام أنور : في بداية عام 2016 وتحديدًا يوم السبت التاسع من كانون الثاني/يناير، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته في الإحتفال بيوم الشباب المصري بدار الأوبرا، أن عام 2016 سيكون عام الشباب. أصدر مجموعة من القرارات لتمكين الشباب سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا ورياضيًا، من أبرزها مشروع «بنك المعرفة المصري»، و»البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة»، و «تطوير 4 آلاف مركز رياضي» بالإضافة لتكليف البنك المركزى المصري بتخصيص نسبة لا تقل عن 20% من إجمالى القروض لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة المملوكة للشباب، بفائدة 5% سنويا متناقصة.
عقب هذه الخطبة بأيام عدّة، وتحديدًا قبل حلول ذكرى ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير، قامت قوات الأمن بمداهمة مئات الشقق السكنية في محيط وسط القاهرة، وقامت بالقبض العشوائي على عشرات الشباب بدعوى التخطيط للتظاهر والسعي لإسقاط النظام، وشنت البرامج التلفزيونية المحسوبة على النظام الحاكم حملة تشويه وتحريض على الشباب بصورة مفزعة.
ورغم حالة الحصار الأمني الشديدة للميادين العامة ومنع الشباب من إحياء ذكرى الثورة، فقد إستطاع شباب الـ «ألتراس»، من مشجعي النادي الأهلي، الخروج في مظاهرة كبيرة للمطالبة بمحاكمة المسؤولين عن مجزرة «إستاد بورسعيد». وفي رد فعل سريع على هذه المظاهرة، أجرى السيسي مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب، وطالب الشباب بالذهاب والجلوس معه للتحاور بشأن هذه الأزمة، مؤكدًا إستعداده لفتح ملف القضية وتشكيل لجنة لكشف ملابسات الحادث. وكالعادة لم يعلن الرئيس عن كيفية عقد اللقاء مع شباب الالتراس، وفهمت وزارة الداخلية المعنى الحقيقي لرسالة السيسي للشباب، فقامت باعتقال العشرات منهم، ومنعتهم من التظاهر مجددًا، في هذه الأثناء كانت الحكومة تعلن عن خطتها لبناء عدد من السجون الجديد لاستيعاب الزيادة في أعداد المسجونين والمعتقلين.
هذه الصورة المتناقضة بين خطاب السلطة الحاكمة في مصر وأفعالها تجاه الشباب تؤكد إستمرار سياسة العصا والجزرة التي طالما استخدمتها الأنظمة الحاكمة المتعاقبة منذ ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011، عن طريق حبس واعتقال القطاعات المعارضة من الشباب، والإحتفاء بالشباب الداعم للسلطة ومنحهم مناصب قيادة كما تم مع محمود بدر، مؤسس حركة تمرد، الذي أصبح عضواً في مجلس الشعب، في حين تم إعتقال باقي أعضاء الحركة الذين أعلنوا رفضهم لسياسات الجنرال.
يقول محمد خالد (20 عاماً)، وهو طالب في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية: «السيسي ونظامه طوال الوقت بيخدعونا، وعلى مدار عامين منذ تولى الحكم، وهناك آلاف الشباب تم اعتقالهم، ومع كل مرة بيعلن فيها السيسي عن قرارت بالإفراج عن الشباب، بيتم اعتقال المزيد من الشباب، وعشان كدا لما أعلن أن عام 2016 هيكون عام الشباب، ناس كتير كتبت عالفيسبوك السيسي أكيد يقصد (عام القضاء على الشباب)».
كسر حاجز الخوف
ورغم العنف المفرط الذي تستخدمه السلطة الحاكمة، شهد شهر نيسان / أبريل كسر حاجز الخوف لدى الشباب، وإستطاعوا تنظيم مظاهرات حاشدة يومي 15 و25، لرفض إتفاقية تقسيم الحدود البحرية مع السعودية والتي بموجبها تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير، وفي ردها على هذه المظاهرات قامت الشرطة المصرية بحملة إعتقال موسعة لمئات الشباب من على المقاهي، وتم توسيع دائرة الإشتباه بصورة غير قانونية وتحولت شوارع القاهرة لمدينة تشبة القدس المحتلة حيث تنتشر الحواجز الأمنية في مختلف الشوارع والميادين ويتم إيقاف الشباب تحديدًا والبحث في هواتفهم المحمولة وحساباتهم على مواقع التواصل الإجتماعي لمعرفة اتجاهاتهم السياسية ومن ثم القبض عليهم.
بيع الوهم
على الجانب الآخر وبعيدًا عن السياسة، هناك صنف آخر من الشباب المصري غير منشغل بالسياسية وأحلامه محصورة في أن يجد وظيفة تضمن له الحصول على حد أدنى من الدخل. يضمن له توفير حاجاته الأساسية من طعام وسكن وعلاج. محمود رمضان (27 عاماً)، واحد من هؤلاء الشباب. تخرج رمضان من كلية التجارة ولم يجد عملا في مجال دراسته، فعمل بعدة مهن مختلفة حتى استقر كسائق تاكسي.
يشير محمود إلى أنه عقب سماعه لخطاب الرئيس السيسي الذي تحدث فيه عن القروض الميسرة للشباب بفائدة تناقصية 5 %، توجه للفرع الرئيسي لبنك مصر وسط القاهرة، ليستفسر عن الخطوات اللازمة للحصول على القرض لكن الموظفين أخبروه أن القرار لم يصل بعد للبنك. طلبوا منه العودة من جديد بعد أسبوعين.
ويقول: «بعد أسبوعين ذهبت من جديد. جلست مع أحد الموظفين. أخبرته أني خريج كلية تجارة وأعمل سائق تاكسي منذ ثلاثة أعوام، وأريد أن أحصل على قرض 100 ألف جنية لشراء تاكسي، لكن الموظف أخبرني أن القروض لا تمول شراء سيارات التاكسي»، وأشار إلى أن «القروض تقدم للمؤسسات التي يتجاوز رأس مالها مليون جنيه»، واقترح عليه أن يشترك مع أكثر من صديق و»نؤسس مصنع أو ورشة لصناعة الأحذية وحينها يمكننا أن نطلب قرضا لتطوير المشروع، وفي هذه الحالة علينا الإلتزام بمجموعة من الشروط منها تقديم دراسة جدوى للمشروع، وضمانات للبنك، ثم ننتظر قرار اللجنة بالموافقة أو الرفض»، وفق ما يروي.
كل ما سبق مجرد حصاد سريع وموجز لستة أشهر مرت من عام الشباب في مصر، وعلى الرغم من هذه الصورة القاتمة التي يعيشها الشباب في العاصمة المصرية القاهرة وضواحيها إلا أن الصورة أكثر قتامة في قرى الريف. يكفينا خبر واحد لنعرف مدى الماسأة التي يعيشونها، ففي نهاية شهر نيسان/أبريل أعلنت الحكومة عن غرق 25 شاب من قرية كفر العرب بمحافظة الشرقية تتراوح أعمارهم ما بين 13 إلى 20 عاما أثناء محاولتهم للهجرة غير الشرعية إلى إيطـاليا.